معتصم حمادة/من يملأ الفراغ؟

269

من يملأ الفراغ؟

معتصم حمادة/النهار

18 كانون الأول 2014

بات مؤكداً أن وزير الخارجية الاميركي جون كيري لا يحمل في جعبته مشروعاً جديداً لاستئناف المفاوضات في المنطقة “لا يستطيع الفلسطينيون أن يرفضوه”، سوى محاولته اليائسة لإفراغ مشروع القرار العربي الفلسطيني إلى مجلس الأمن بشأن الدولة الفلسطينية من مضمونه، لتفادي الاحتكاك العربي الأميركي، في فترة لا تحتمل مثل هذا الاحتكاك، بتقديره، حرصاً منه على تحالفاته ضد “داعش”. والاتحاد الأوروبي، هو الآخر، لا يملك القدرة على إدارة مفاوضات، بمعزل عن الدور الأميركي، لذلك تكتفي المبادرة الأوروبية، التي أطلقتها باريس، باستعادة الاقتراحات الأميركية بشأن المفاوضات، مع تعديل ألماني فقط لمصلحة إسرائيل يشترط الاعتراف الفلسطيني المسبق بها، كدولة يهودية. أما نتنياهو فيبدو أنه ليس منهمكاً بمعاركه الانتخابية فحسب بل جعل من المفاوضات نفسها، مجرد ورقة انتخابية حين قيد استئنافها بثلاثة شروط جديدة، تبدأ بالاعتراف الفلسطيني المسبق بيهودية الدولة الإسرائيلية، مروراً بالتخلي عن الغور الفلسطيني، سلة الغذاء الفلسطينية، لمصلحة إسرائيل لمدة 40 سنة كحد أدنى، انتهاء بالتخلي المسبق عن حق اللاجئين بالعودة، واستبعاد هذا الملف عن طاولة المفاوضات. وبذلك يغلق نتنياهو الباب أمام أبو مازن، وكيري، وزعماء أوروبا. تحركات القيادة السياسية الفلسطينية ما زالت تتسم بالكثير من الحذر والتردد والتوجس؛ حتى أنها اضطرت للجوء إلى كل أشكال الضغوط، لمنع الشارع الفلسطيني من الانفجار في ضوء جريمة مقتل الوزير أبو عين، وما زالت هذه القيادة تبحث في العواصم العربية، القاهرة وعمان بشكل خاص، عن مخرج لحالة الجمود، كونها تدرك أن مثل هذا الجمود من شأنه أن يؤدي إلى تخمير الأوضاع في مناطق السلطة، وإلى تعزيز السياسات المعارضة لعباس، وترجيح الدعوات للذهاب إلى الانتفاضة والمقاومة، كحل بديل في عيون الكثيرين، خاصة بعدما واجهت إسرائيل غصن الزيتون في ترمسعيا، بالرصاص والغاز المسيل للدموع، والقتل بدم بارد.

الرهان على “الحل الخارجي” بات عقيماً. ولعل عشرين سنة من هذا الرهان العقيم تشكل اثباتاً مقنعاً للفلسطينيين، على اختلاف اتجاهاتهم، بضرورة الاعتماد على الذات. وإذا كانت العملية التفاوضية تعاني فراغاً سياسياً، بعدما أفلست الحلول “الخارجية” فإن “الحل الفلسطيني” بات هو العلاج الأخير والبديل، الذي لم يعد مفر من اللجوء إليه. مع الإدراك أن الاستقلال، كما تؤكد تجارب الشعوب، لا يتحقق في قاعة الجمعية العمومية للأمم المتحدة وحدها، ولا إلى طاولة المفاوضات فقط، ولا حتى في محكمة الجنايات الدولية ومحكمة لاهاي. بل أولاً في شوارع رام الله والقدس، وطولكرم ونابلس والخليل، وعلى شواطئ غزة. فهل ينطلق الفلسطينيون من هذه المطارح ليملأوا الفراغ الذي خلفته وراءها المشاريع الأميركية الأوروبية الفاشلة؟