الكولونيل شربل بركات: غزوات شعوب البحر ضد المدن الفينيقية

244

غزوات شعوب البحر ضد المدن الفينيقية
الكولونيل شربل بركات/17 تشرين الثاني/2021

شهدت نهاية الألف الثاني قبل الميلاد ولادة قوة بحرية في مناطق البحر المتوسط الشمالية وكانت على ما يبدو كناية عن تجمع لسكان بعض جزر بحر أيجه والبحر الأيوني وحتى بعض من شواطئ ايطاليا وليبيا اليوم. وقد قامت أولا بمحاولة غزو المراكز التجارية الفينيقية في الجزر ومن ثم عطل وجودهم بقرب الممرات المائية المؤدية إلى البحر الأسود شبكة النقل الفينيقية هناك ما أوقف تجارة المعادن القادمة من جنوب روسيا والقوقاز اليوم وحوض البحر الأسود عامة.

هذه العمليات لم تذكر بالتفاصيل في وثائق تاريخية واضحة ولكنها وردت بشذرات في أحداث نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد ولم يحدد حتى الآن موطنا لهذه الشعوب ولا هدفا يجمعها سوى الغزو أو في مراحل أخرى ربما الهجرة بقصد الاستيطان. وعرفوا بمصطلح “شعوب البحر”. وقد يكون هؤلاء تعلموا ركب البحر من الفينيقيين بأدئ الأمر وربما عملوا مع بعض تجارهم ما فتح شهيتهم لفرض نوع من الخوة على هؤلاء. ومن ثم وعندما زادت قوتهم وتمكنوا من اقامة تحالف لهؤلاء “القراصنة” بدأوا بمهاجمة المدن الكبرى على شواطئ آسيا الصغرى نزولا باتجاه الساحل الفينيقي. وقضوا في طريقهم على دولة الحثيين ما دفع ملك هؤلاء إلى التعاون معهم عند غزوهم لمصر.

ولكنهم وقبل التوصل إلى غزو مصر كانوا هاجموا مملكة أوغاريت ودمروها سنة 1185 ق.م كما هاجموا مملكة العيشية اي قبرص. وكانت مملكة أوغاريت مزدهرة عرفت بالتجارة بين الأناضول واليونان وشواطئ البحر الأسود والداخل في ما بين النهرين وما بعده شرقا وحتى مصر جنوبا. وتعتبر أبجدية أوغاريت أكمل ابجديات العالم القديم والتراث الأدبي والحضاري الذي اكتشف فيها من أهم ما بقي من آثار الممالك الفينيقية. كما عرفت العيشية بتجارتها بالنحاس منذ القرن الرابع عشر قبل المسيح.

وكان هؤلاء هاجموا أرواد قبل ذلك ودمروها. ولكنهم لم يهاجموا صور وصيدا في تلك الفترة بل صمموا التوجه إلى مصر. وكان من عداد جيشهم ملك الحثيين كما تشير كتابات المصريين زمن رعمسيس الثالث الذي قضى عليهم وكسرهم في معركة استدرجهم خلالها لدخول منطقة مصب النيل حيث تمكن جيش الفرعون من القضاء عليهم كما تقول الكتابات المصرية وقد ورد ذكرهم ايضا بحروب فراعنة مصر زمن مرنفتاح وزمن رعمسيس الثاني.

وتذكر الكتابة التي تعود لرعمسيس الثالث بأنه اقامهم كأتباع له في جنوب بلاد كنعان بهدف وقف غزوات البدو وتنقل السكان من بلاد كنعان باتجاه مصر أثناء فترات انحباس الأمطار. وقدعرفنا هذا النوع من التنقل في قصة يوسف التوراتية ومن ثم خروج موسى زمن مرنفتاح الذي سبق رعمسيس الثالث هذا. وقام هؤلاء ببناء شبه دولة دعيت فليسطا نسبة لقبيلة منهم كانت تدعى فليسطو وكانت شبه الدولة هذه تتبع للفرعون وتعتبر من حاميات الحدود.

ولكنهم وبعد أن كثرت المشاكل الداخلية في المملكة الفرعونية وخفت سيطرتها عليهم قاموا مجددا ببناء اسطول بحري وعادوا لمهاجمة بعض المدن الساحلية. وفي بداية القرن الحادي عشر هاجموا مدينة صيدا الشهيرة ودمروها ما خلف أثرا كبيرا على الفينيقيين الذين كانت صيدا تعتبر عاصمتهم. وقد اضطر من بقي من سكان صيدا للتوجه إلى صور. ولذا ومنذ تلك الهجمة المدمرة عرف ملك صور باسم ملك الصيدونيين. ويقال بأن رحلة قدموس وغيرها من رحلات الهجرة إلى بلاد اليونان جرت بعد تدمير صيدا هذا. و

قد أثر هذا الدمار وخطر هؤلاء على المدن الفينيقية بأثرها ما دعا الملك حيرام الأول ملك صور والصيدونيين لنسيان كل تصرفات القبائل اليهودية في بلاد كنعان الجنوبية، والتي سيطروا عليها وبدأوا ببناء دولتهم فيها خاصة مع داوود الملك، والتفاهم معهم واقامة تحالف ضد الفلسطينيين هؤلاء وضد ملك دمشق الآرامي ايضا والذي كان هاجم مدينة حماة الفينيقية ودمرها ايضا في نفس الفترة. ومن هنا التعاون الذي نشأ بين الفينيقيين بقيادة مملكة صور وجارتهم الجنوبية مملكة اليهود حيث بنى مهندسو حيرام الملك بيت داوود في أورشليم ومن ثم زاد التقارب بين الشعبين أيام خلفاء حيرام وسليمان ابن داوود وخلفائه. فبنى الفينيقيون لسليمان هيكل الرب وساهموا في تجارته وزيادة ثرواته في حين حمى الملك سليمان طرق النقل التي كان هؤلاء بحاجة لها من اليمن مدخل افريقيا جنوبا إلى عمان على الخليج شرقا وهي مدخل تجارة الهند والشرق الأقصى وهي كانت مصادر مهمة لتجارة صور وغناها ما جعلها وبواسطة المستعمرات البحرية التابعة لها تشكل مركز التجارة العالمية وعاصمتها لمدة الف سنة تقريبا.