أحمد عبد العزيز الجارالله/عرب الشعارات الدينية… يشتمون اليهود والنصارى على المنابر ويستنجدون بقدراتهم العسكرية والعلمية في الحروب والأزمات

79
An Iranian woman walks past a giant poster showing supreme leader, Ayatollah Ali Khamenei (R) and the founder of Iran's Islamic Republic, Ayatollah Ruhollah Khomeini (L) during a ceremony marking the 36th anniversary of his return from exile on February 1, 2015 at Khomeini's mausoleum in a suburb of Tehran. Khomeini returned from exile in 1979, the trigger for a revolution which spawned an Islamic state now engulfed in a deep political crisis. AFP PHOTO/ATTA KENARE (Photo credit should read ATTA KENARE/AFP via Getty Images)

عرب الشعارات الدينية… يشتمون اليهود والنصارى على المنابر ويستنجدون بقدراتهم العسكرية والعلمية في الحروب والأزمات

أحمد عبد العزيز الجارالله/السياسة/31 تشرين الأول/2021

* شركتان غربيتان تضمّان 225 ألف موظف قدَّمتا للبشرية 11 ألف براءة اختراع في مختلف أنواع التقنيات

* 450 ألف داعية ومُفتٍ وخطيب، سني وشيعي، لم يُقدموا للعرب غير فتاوى التحريم على أنواعها

* دعاة قم والأزهر ألقوا خلال سنة واحدة مليوناً و650 ألف خطبة جمعة دعوا فيها بالموت على كل من يخالفهم

* …وأعدوا 3.650 مليون درس عن حيض المرأة وحلق شعر العانة ودخول الحمام بالقدم اليسرى

* في حرب تحرير الكويت استعانوا بـ”الأجانب الكفار” لمساعدتهم على تحريرها من احتلال عراقي عربي مسلم

* …وفي مواجهة “كورونا” لم يُفد الدعاء على النصارى واليهود، إنما لقاحات جاء بها ممن يُسميهم البعض كفاراً

يبلغ عدد موظفي إحدى شركات التكنولوجيا الغربية نحو 155 ألفاً، فيما شركة أخرى يعمل فيها 70 ألفاً، وهؤلاء قدموا للبشرية ما يزيد عن 11 ألف براءة اختراع في مختلف أنواع التقنيات، ولا يشغلهم عن ذلك أي انتماء لدين أو تحيز إلى طائفة، فيما يعمل في المؤسسات الدينية، السنية والشيعية، العربية، على حد سواء، نحو 450 ألفاً بين داعية ومفت وخطيب، وهؤلاء جميعاً لم يقدموا إلى العرب أي اختراع باستثناء فتاوى التحريم على اختلاف أنواعها.

أضف إلى ذلك أنهم، إلا من رحم ربي، يعملون على تحريف النصوص الدينية لتوظيفها في مشاريعهم السياسية والمالية، والسعي إلى الاستحواذ على السلطة، ومنذ مطالع القرن الماضي بدأت تظهر الجماعات السياسية ذات الشعارات الدينية، ومنها، مثلا، جماعة الإخوان المسلمين، التي سعت منذ البداية إلى السلطة تحت شعار إقامة العدل والمساواة، وإحياء الخلافة الإسلامية.

في هذا الشأن كان توصيف المغفور له الأمير نايف بن عبدالعزيز في حديث إلى “السياسة” عام 2002 دقيقاً في ما يتعلق بـ”الإخوان”، وقوله: “إن “الإخوان” هم أصل البلاء، وكم هي كثيرة بلاويهم في العالم العربي والخليج والكويت، فمنذ نعومة أظفارهم، شبوا على التآمر والعمالة”.

ما ينطبق على هذه الجماعة ينطبق أيضا على بقية الجماعات الإرهابية الأخرى، شيعية كانت أو سنية، ولنا في الأعمال التخريبية التي مارستها تلك العصابات طوال العقود الأربعة الماضية خير مثال، بدءًا مما يسمى “أحزاب الله” العميلة لإيران، مروراً بـ”القاعدة” و”التكفير والهجرة” وصولاً إلى “داعش”، وهي كلها موظفة من الخارج لإحداث أكبر قدر من التخريب والفرقة في العالم العربي.

كل هؤلاء العاملين في المجالات الدينية، أو المنتمين إلى تلك الجماعات، لم يقرأوا جيداً قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: “آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ”، ولا قرأوا أيضا الآية الكريمة: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”.

بل إن هؤلاء كافة حادوا عن العمل بالآية الكريمة: “وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ”.

هؤلاء الدعاة والمبشرون هجروا كل تلك الآيات لأنها تمنعهم من إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، لذا صدق فيهم قول أحدهم إن”دعاة قم والأزهر ألقوا خلال سنة فقط مليوناً و650 ألف خطبة جمعة يدعون فيها بالموت وعذاب الآخرة على كل من يخالفهم، وثلاثة ملايين و360 ألف درس بمعدل درس واحد في الأسبوع عن حيض المرأة وحلق شعر العانة ودخول الحمام بالقدم اليسرى، وكل هذه الخدمات لم يستفد منها أحد شيئاً لا المسلم ولاغير المسلم”.

من المؤسف أن تغلغلت تلك الأفكار السياسية المنحرفة في أذهان الناس في مختلف العالم العربي وأصبحت نوعاً من العبادة، حتى بلغت حمى التكفير مبلغها، إذ كان المرء يسمع في خطب الجمعة سباً وشتماً لليهود والنصارى، وكلاماً ينطوي على تمييز عنصري يخالف العقيدة الإسلامية، فيما في حرب تحرير الكويت استعانت دول المنطقة بـ”الأجانب الكفار” الذين ساعدوها على تحريرها من دنس احتلال النظام العراقي العربي المسلم، ولهذا كان قادة دول”مجلس التعاون” يدركون جيداً أن الإنسانية لا يمكن أن تخالف الحق هو مقاومة المعتدي، على اثر ذلك أوقف الجميع سب وشتم النصارى واليهود، الذين هم من أهل الكتاب، على المنابر. هذا التوجه تبلور في العام 2008 خلال المؤتمر العالمي لحوار الأديان الذي دعا إليه المغفور له، الملك عبدالله بن العزيز، مطلقاً دعوته الشهيرة بقوله:” إننا جميعاً نؤمن برب واحد، بعث الرسل لخير البشرية في الدنيا والآخرة واقتضت حكمته سبحانه أن يختلف الناس في أديانهم، ولو شاء الله لجمع البشر على دين واحد، ونحن نجتمع اليوم لنؤكد أن الأديان التي أرادها الله لإسعاد البشر يجب أن تكون سبباً لسعادتهم، لذلك علينا أن نعلن للعالم أن الاختلاف لا ينبغي أن يؤدي إلى النزاع والصراع، ونقول إن المآسي التي مرت في تاريخ البشر لم تكن بسبب الأديان، ولكن بسبب التطرف الذي ابتلي به بعض أتباع كل دين سماوي، وكل عقيدة سياسية”. على مر التاريخ كانت السلطة هي الهدف، ولذلك وظف الجميع كل أدواتهم في هذا الشأن، فلم يسلم الخليفة هارون الرشيد الذي صوره الزنادقة في ذلك الوقت على أنه خليفة اللهو والتمتع بالنساء، فيما كان يغزو سنة ويحج في أخرى.

اليوم، وفي عصر الفضاء والنانو، وثورة الاتصالات، والتوجه إلى العلم التطبيقي الذي ثبتت الحاجة الماسة إليه خلال جائحة “كورونا”، وقدم فوائد إنسانية، وأنقذتها مراكز الأبحاث الطبية من تكرار المشهد المأسوي لجائحة “الانفلونزا الاسبانية” مطالع القرن الماضي، والتي حصدت أرواح نحو 80 مليون نسمة، لم يفد الدعاء على النصارى واليهود، ولا التعاويذ، إنما اللقاحات التي جاءت ممن يسميهم البعض كفاراً. في هذا الشأن ثمة قصة بسيطة عن معنى العلم والتعلم، وهي إذا سقط رجلان في البحر، أحدهم مؤمن والثاني ملحد لكنه يعرف السباحة، فهو الذي سينجو بينما المؤمن الذي لا يعرف السباحة سيغرق.

إن الترفع عن التحزبات الطائفية، والعمل بجوهر الدعوة الإسلامية هو الأساس الذي يجب أن يسير عليه العرب، ولنا في افتقار لبنان للمناعة الوطنية، بعدما استفحلت الطائفية والمذهبية في مجتمعه خير مثال لما يمكن أن تصل اليه المجتمعات العربية اذا استمرت على هذه الحال من الخطاب الفتنوي والسعي المحموم إلى السلطة بخلفية دينية تقصي الآخر وتعمل ليس على نفيه فقط، بل على قتله ومحوه من على وجه الأرض.