الأب سيمون عساف/لبنان والشعب والأحداث ثالوث لا ينفصل

40

لبنان والشعب والأحداث ثالوث لا ينفصل
الأب سيمون عساف/28 تشرين الأول/2021

ولدنا ومعنا نودِّع أحداث وتولد أُخرى. كأَننا منذورون الى تقادم قرابين الدم. انتهت الحرب العالمية الثانية 1948على أَثرها ولد لبنان الكبير. وما كادت تسير عجلة التقدم والعمران في دولة القانون والإِنسان وتبسط جناحي الأمن والسلام، حتى فاجأتنا احداث 1958، كانت مرمغة الدم والقتل والموت وتمزيق الأوصال الوطني حتى لطف الله وانتهت بثمن قتلى ودمار وشحن نفوس غسيلها يقتضي من الوقت زمنا.

وعلى أَساس التفاهم والعِبرة مشى الركب والقطار على السِكَّة حتى كان اتفاق القاهرة القاهر اللعين، تم التوقيع عليه في 3 نوفمبر 1969 في مصر القاهرة لغرض تنظيم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، قام الرئيس اللبناني آنذاك شارل حلو بإرسال وفد لبناني برئاسة قائد الجيش إميل البستاني إلى القاهرة للتحادث والتفاوض مع ياسر عرفات وتحت إشراف وزير الدفاع المصري محمد فوزي، ووزير الخارجية المصري محمود رياض. الذي يسمح للفلسطينيين حمل السلاح داخل الأرض اللبنانية لمحاربة إِسرائيل.. فوقَّع قائد الجيش الماروني على الاتفاق وكانت الغلطة الكبرى واللطامة الأكبر. ثم عقب الفلتان فكنا نرى دولة داخل دولة. تجاوزات لا تُحتمل مارسها الفلسطينيون على المواطنين وكان اغلب المسلمين يساندونهم قناعة منهم أَنه لا يحكم المسلم إِلا المسلم. لا لوم ولا عتب هذا هو منطق القرآن إِلا أَنهم فشلوا.

فاشتعلت الحرب وبدأَ كرنفال الدم من جديد وتفكيك الأسر اللبنانية وانقسم الجيش بين مسلمين ومسيحيين، في النهاية بعد خمسة عشر سنة كان اتفاق الطائف، اتفاق تم التوصل إليه بواسطة المملكة العربية السعودية في 30 سبتمبر 1989 في مدينة الطائف.

وأنهى هذا الاتفاق الحرب الأهلية اللبنانية، حضره 62 نائباً لبنانياً من أصل 73 ، 8 من الذين لم يحضروا الاجتماع لم يرتبط تغيبهم بأسباب سياسية وارتبط اسم 3 نواب بالمقاطعة لأسباب سياسية وهم ريمون إده وألبير مخيبر وأميل روحانا صقر. للأسف كانت خسارة للمسيحيين لأنهم فقدوا صلاحيات كانت لرئيس الجمهورية تتحكم بمفاصل السلطة والبلد.

صدر الاتفاق مبتورا ونعيا للبنان الذي منه الى الآن نعاني ومن تداعياته وخلله وعدم اعتداله، إِذ يعري رئيس الجمهورية من امتيازات هي في الأصل له ليتمكن من إِدارة البلاد. وهذه التداعيات سبَّبت وتسبِّب الأحداث المستمرة لأَنه لا ضابط للحكم وكأَن جميع الرؤوس بيدها مفاتيح الحل والربط.
لن يستقيم الوضع ولن تهدأ الأحوال ولا يوضع للأحداث نهاية إِلا في تفاهم جديد على دستور جديد وصلاحيات تجيز للرئيس التحكم بدفة المركب للبلوغ الى الشاطي الأَمين.

أَما في هذه الحال فنجد دائما صيفا وشتاءً على سطح واحد عند كل شريحة من شرائح الوطن وهنا يكمن العيب. نعلم علم اليقين ان السلطات الثلاث مستقلة بأحكامها وإِداراتها وتقسم إلى السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية. للأسف تداخل بعضها ببعض بسبب الفوضى السياسية وعدم الضوابط التي تلجمها والتي كانت من ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية.

نبكي لبنان اليوم لأن أَغلب شبيبته والعيال هاجروا الى البلدان المتحضرة، هربا من الإِذلال وغموض المستقبل وضياع الأيام سُدىً، هربا من الفقر والقهر وعدم عدالة القانون وإٍعطاء صاحب الحق حقه، هرب السواد الأعظم من الديمغوجية واللغط والإِبهام وعدم الطرح الواضح والقراءة السليمة الرؤيا الشفيفة.
هرب الناس لأَنهم يمجُّون المرمغات الدموية واستعمال الأسلحة وإِتقان اللعب بالموت من كل الطوائف.

شعبنا طيِّب بأَطيافه الراقية الشيعة والسنة والدروز والمسيحيين. شعب رائع أَفخر به وأَعتز، لو تجرَّد من الميليشيات سبب الخراب والنتانة والهريان، ورَكَن الى التثقيف والتعليم وحصد المعرفة وممارسة الحياة الشريفة الآمنة تحت ظل أَي حكم محترم.

قكلمة حق قالها كثر من المثقفين الأحرار: يوم كان الحكم بيد الموارنة كان لبنان وطن إِشعاع وعمران وتقدم وازدهار وأَمن وسلام على كل الصعد، ويوم انكفأَ الحكم بتنقيص الصلاحيات وإِيثارة الحزازات الطائفية والتناحر والنعرات، اصبح الوطن مغارة لصوص، والنتائج الحاضرة خير برهان ودليل على الشماتة والهزائم والإِفلاس.