شارل الياس شرتوني/جمهورية الموز الشيعية…لم يعد هنالك من حل خارجا عن التدويل على تعدد صيغه  ومسارحه، والا فلبنان ذاهب باتجاه النزاعات الاقليمية وتداعياتها المفتوحة

70

جمهورية الموز الشيعية
لم يعد هنالك من حل خارجا عن التدويل على تعدد صيغه  ومسارحه، والا فلبنان ذاهب باتجاه النزاعات الاقليمية وتداعياتها المفتوحة.

شارل الياس شرتوني/26 تشرين الأول/2021

إن استهداف المسيحيين اللبنانيين هو نذير لاستهداف الكيان الوطني والخيارات الليبرالية والديموقراطية التي كانت في أساس نشأته. لم يعد هنالك من حل خارجا عن التدويل على تعدد صيغه  ومسارحه، والا فلبنان ذاهب باتجاه النزاعات الاقليمية وتداعياتها المفتوحة.

بعد ان أشبعنا صراخ “شيعة شيعة” على وقع صوت الرصاص وقذائف ال ار پي جي، وتحول المظاهرة الاحتجاجية الصاخبة التي نظمتها الفاشيات الشيعية الى استهداف ارادي للسلم الاهلي، يفتح فصل جديد في سياق هدم ما تبقى من صدقية مهنية ومعنوية للقضاء اللبناني، ومتابعة تفخيخ الجيش اللبناني من خلال تحويله الى فصيل تابع لحزب الله كما شهدنا مع استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية للتحقيق معه من قبل مخابرات الجيش اللبناني . لم تعد مدلولات هذا الاداء خافية على أحد، لجهة تظهير انفراط تماسك المؤسسة العسكرية واستتباعها وتحويلها الى رديف لسياسات النفوذ الشيعية، على غرار ما يجرى في كل الوزرات والادارات العامة.

أول سؤال يتبادر الى الذهن هو استرجاع مناخات واداءات مرحلة الاحتلال السوري التي حولت المؤسسات اللبنانية الى مواطىء قدم لسياسة النفوذ السورية التي حكمت من خلال تواطاءات الاوليغارشيات المتوالية ومستخدميها في الادارات العامة. الفاشيات الشيعية تستعيد نماذج حكمت اداء جمهورية الطائف لمدة خمس عشرة سنة، حيث تمرست  على الاعمال الارهابية- كما تذكرنا بها الذكرى ال ٣٨ لتفجير مقرات المارينز والدراكار الذي أتوا كقوات لحفظ السلام بعد مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية- وعلى نشاطات الجريمة المنظمة بكل أوجهها، وعلى نهج الاستباحة لموارد الدولة وقطاعاتها. إذن، نحن اليوم أمام واقع تحول الدولة اللبنانية الى رديف لسياسات النفوذ الشيعية، تمهيدا لالغائها لحساب النظام الاسلامي الايراني الذي يتولى قيادة مرحلة تصفية الكيان اللبناني، وتحويل الجغرافية السياسية اللبنانية الى منطلق ثابت لسياسة النفوذ الايرانية في منطقتي الشرق الادنى والأوسط.

– ان استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية الى التحقيق من قبل مخابرات الجيش اللبناني هو مخالفة صريحة لأسس دولة القانون والموجبات الدستورية واستخدام الجيش أداة للقمع والإرهاب من قبل الفاشيات الشيعية المسيطرة على هذا الجهاز، ناهيك عن الخلافات التي نشأت بينه وبين قيادة الجيش لجهة دوره في المؤسسات الديموقراطية والتزامه بالأصول الدستورية التي تحدد دوره.

يلي ذلك تعطيل القضاء واستخدامه بشكل استنسابي، كما شهدنا مع رفض امتثال النواب والوزراء ورؤساء الحكومات السابقين بحجة حصر صلاحية التحقيق والمحاكمة ببدعة محكمة خاصة بهم، كما لو ان القضاء في الديموقراطية مبني على التمييز بين المواطنين. نحن أمام بدع خاصة بجمهورية الموز التي تقوم بتفصيل العمل الحكومي والاداري والقضائي على قياس امتيازات ومصالح وأولويات الاوليغارشيات الحاكمة.

الوزير السابق سمير جعجع يحقق معه من قبل جهاز مخابرات الجيش، والوزراء دياب والمشنوق وفنيانوس وخليل لا يجري التحقيق معهم ويصار الى نسف التحقيق القضائي من أجل حماية مصالح الجهات السياسية التي يمثلون والتي تخشى نتائج التحقيق. إن كل هذا المسار  مخالف لابسط قواعد النظام الديموقراطي لجهة فصل السلطات، واستقلالية وحيادية ومهنية أجهزة الدولة.

-إن استهداف سمير جعجع مجددا من أجل تحميله مسؤولية التفلت الامني مبني على فرضيات تمييزية يظهرها اقتصار التحقيق عليه دون سواه، في حين ان التظاهرات المسلحة خططت لها ونفذتها الفاشيات الشيعية، كما ظهرتها مئات الصور والڤيديوهات، في حين ان التوقيفات جرت في أوساط المناطق المعتدى عليها من قبل رعاع الفاشيات الشيعية.

لما لم يتم استدعاء حسن نصرالله ونبيه بري اللذين كانا وراء هذه الهجمة الارادية والتي لا علاقة لها بموضوع التظاهر.إن تجاهل حيثيات الاعتداء وفاعليه والتجريم المسبق لسكان المنطقة الذين كانوا في حالة الدفاع المشروع عن الذات، هو السيناريو النموذجي الذي تعتمده الانظمة التوتاليتارية عبر فبركة الاتهامات واصطناع المتهمين وسوق الاحكام انطلاقا من فرضيات تآمرية لا علاقة لها بأعمال التحقيق القضائي المهني، ولا بقانون اصول المحاكمات، ولا بثقافة دولة القانون لجهة احترام حقوق الناس وحرمتها المعنوية والقانونية*.

نحن أمام عمل قضائي مسيس وانتقامي وانقلابي يستهدف المواطنين الذين يرفضون هذا النهج، تمهيدا لسياسة السيطرة التي تعلن بشكل مبرح عن مقاصدها كما صرح محمد رعد عندما أدان موقف الذين يرفضون الامتثال لسياسة الاذعان التي تمليها الايديولوجية الفاشية التي تقول بفائض القوة. إن المخالفات القانونية والسياسية تملي على رئيس حزب القوات رفض الأصول الاجرائية والمطالبة بتصحيحها إذا ما اردنا الحفاظ على  دولة القانون والحؤول دون إنهيار خياراتنا الوطنية والديموقرطية والدستورية والليبرالية.

ان افتعال أزمة الرابع عشر من تشرين الاول ٢٠٢١ هو استعادة غير خلاقة لسيناريوهات خبرناها في بداية السبعينات أدت الى الهدم التدريجي لمؤسسات الدولة اللبنانية، وإحالتها الى العزلة الدولية، وضرب استقلاليتها المعنوية والقانونية تمهيدا لمشروع انقلابي يرمي الى تغيير قواعد الاجتماع السياسي اللبناني، وتبديل مرتكزات الجغرافية السياسية من خلال التمديد للأزمات المالية والحياتية، والدفع بديناميكيات التبدل الديموغرافي عبر الهجرة، واستهداف المسيحيين اللبنانيين الذين يشكلون العائق الأساس للعمل الانقلابي، وتدمير المتكآت الانتروپولوجية والجغرافية البشرية والسياسية التي أسست للتجربة الوطنية اللبنانية الاستثنائية في هذه المنطقة من العالم.

إن المدلولات الانقلابية لعملية التحقيق من خلال مخابرات الجيش التابعة لحزب الله لم تعد ملتبسة، لجهة السيناريوهات المعتمدة والشخصية المعنية والتيارات السيادية المستهدفة في وجودها وحقوقها وحرياتها. إن استهداف المسيحيين اللبنانيين هو نذير لاستهداف الكيان الوطني والخيارات الليبرالية والديموقراطية التي كانت في أساس نشأته. لم يعد هنالك من حل خارجا عن التدويل على تعدد صيغه  ومسارحه، والا فلبنان ذاهب باتجاه النزاعات الاقليمية وتداعياتها المفتوحة.