الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري: القدس أقرب إليك من حمايتنا… وفَشَرْت أن تُحسِن إلينا كذميين

617

القدس أقرب إليك من حمايتنا… وفَشَرْت أن تُحسِن إلينا كذميين.
الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/20 تشرين الأول/2021

في البَدْء سمير جعجع “بيستاهل” كل ما يتعرّض له من افتراءات، و”بيستاهل أكتر” لأنّه لم يتعلّم من تجربته في صفوف 14 آذار أنّ حزب الله العقائدي الإسلامي لا مكان للتحاور معه، لا في البرلمان ولا على طاولة لبنانيّة. وما يتعرّض له جعجع اليوم هو قليل، خصوصًا أنّه، في الأمس القريب، حدّد أولويّات حزب القوّات التي من ضمنها الذهاب إلى انتخابات نيابيّة سيكون الفائز بها، لا محالة، سلاح حزب الله، ومن ثمّ الجلوس حول طاولة مفاوضات للبتّ في موضوع سلاح هذا الحزب. أَنَسيت يا حكيم أنّ “اللي بيجرِّب مجرَّب بيكون عقلو مخرَّب”؟
إلى “حامينا” وسيط الله على الأرض،
وأنت تتكلّم عن حمايتنا، كمسيحيين، تبادر إلى ذهني ثلاثة أحداث أنا متأكّد من أنّك تعرفها.
– الأوّل هو أنّ الرائد سعد حداد، المسيحي الكاثوليكي، ابن مؤسسة الجيش اللبناني، حمى أهل الجنوب الشيعة والمسيحيين، من فتك المنشق أحمد الخطيب والمنظّمات الفلسطينيّة، قبل نشوء حزبك الإلهي يا “حامينا”.
– الثاني هو يوم أحكم جيش الدفاع الإسرائيلي طوقه على بيروت الغربيّة، ولجأ نبيه برّي إلى بشير الجميّل، المسيحي الماروني، وأعرب له عن قلقه على منطقة الضاحية الجنوبيّة المكتظّة بالشيعة في حال حصل الهجوم الإسرائيلي، فطمأن بشير نبيه واتفقا أن يرفع الشيعة أعلامًا بيضاء على منازلهم ليتعرّف المهاجمون عليهم ويتجنّبوا التعرّض لهم. والملفت أنّ بشيرًا بسط على شيعة الضاحية يده من دون طلب الإذن من الإسرائيليين وبأجندة لبنانيّة صرفة.
– الثالث هو حماية شيعة بلاد جبيل طيلة فترة الحرب بين عامي 1975 و1990 من قبل جيرانهم المسيحيين الجُبَيْلِيين، وغالبيّتهم من قوّات جعجع الذي لا تلفظ اسمه.
بالتوازي، تبادر إلى ذهني كيف ردّ الشيعة الجميل لِمَن حموهم في المحطات المذكورة أعلاه:
تآمرتم مع الإسرائيليين على جيش سعد حدّاد الجنوبي، فطردتموهم وأشردتموهم وخوّنتموهم، ولا ننسى كيف توعّدتموهم بـِ “دخول مضاجعهم وبقر بطونهم وقطع أعناقهم”، ومع ذلك أنت لا تخجل من الادّعاء باطلًا بأنّكم تصرّفتم معهم “بكل إنسانيّة لأنّ هذا من أخلاق دينكم”!
بعدما حماكم بشير الجميّل، وتمسّك بشراكة المسلمين في لبنان، وهو المنتصر حينها والمسيحيون هم الأكثريّة في البلاد، لم يستضعفوكم ولم يفاخروا بحمايتكم لأنّ هذا من أخلاقهم الوطنيّة، ومع ذلك تآمرتم في التسعينيّات مع السوريين على إخراج المسيحيين من إدارات الدولة، وعلى إخفات صوتهم الحرّ في وجه الاحتلال السوري، وقد شمل غدركم التنكيل بمناصري العماد ميشال عون ومناصري القوّات اللبنانيّة على السواء.
أمّا عن التعدّيات على أرزاق المسيحيين في منطقة جرود جبيل، فحدّث ولا حرج عن “الوفاء”. تُصوِّرُ لنا الوضع في هذه المنطقة وكأنّه النموذج الحيّ لعدم الاستفزاز ولاحترام الاخر المسيحي. دعك من استقواء شيعة المنطقة ووضع يدهم بقوّةِ حمايتك على أملاك الكنيسة والناس بالترغيب والترهيب وتزوير الحجج أمام المحاكم، ولنأتي إلى الاستفزاز الذي تدّعي بأنّكم لا تمارسونه: إن كنت لا تعلم، قُم بزيارة إلى جرود جبيل وأخبرنا عن صورك العملاقة، وعن أعلام حزبك وأعلام الحركة، وعن صور الشباب المُستشهدين في معاركك. في عزّ الحرب الأهليّة لم يُرفع علم حزبي واحد لفريق مسيحي في المناطق المختلطة مع الشيعة في جبيل لعدم إحراجهم وإزعاجهم. هل استفزازاتكم التي أشرت إليك بها تُعبّر عن أخلاق دينكم وتحفظ حسن الجوار والحلم بالعيش معًا، أم ماذا؟؟ نحن لم ننسَ التسجيل بصوتك وأنت تقول: “كسروان وجبيل هي أرض المسلمين وقد أتاها المسيحيّون غزاة”! خسِئت. مهما زوّرتم التاريخ، ومهما فبركتم أحداث وتواريخ، سيبقى المسيحيون أصحاب الأرض وأساس الكيان و”جِحي ما رَح يصير أكبر من بيّو”.
هذا في التاريخ القريب والحاضر ولا يسعك إلّا تذكّره، وإذا كنت لا تتذكّر تواريخ أبعد في الزمن، عن “حُسنكم” و”وفائكم”، أو حتّى تَجهلُها، فليس أمامك سوى العودة إلى مقالة عنوانها: “حجمكم شخطة قلم رصاص بيد بطريرك ماروني”، وفيها بحث منهجي موثّق حول مَن أَفْضَلَ على طائفتك الكريمة في ضمّها إلى الكيان اللبناني، وتحرير قيدها من التبعيّة للسنّة.
وفيما أنت تتكلم عن المائة ألف مقاتل الذين “لو أُشير لهم أن يحملوا على الجبال لأزالوها”، تذكّرتُ الإمام موسى الصدر (عام 1973) حين أمهل رئيس الجمهوريّة سليمان فرنجية أربعة أشهر لإعطائه مطالبه وإلّا سحب الوزراء الشيعة من الحكومة، وكيف بعدها خرج في بعلبك (18 آذار 1974) بمائة ألف شيعي يلوّحون بأسلحتهم معلنًا، لا بل مهدّدًا، بأنّ “السلاح زينة الرجال”. يومها غابت الشمس عن مدينة الشمس، وانكفأ المائة ألف رجل إلى بيوتهم، ولم ينسحب الوزراء الشيعة من الحكومة.
وبما أنّنا نتكلم عن الأحجام بالعدد، اسمع. في بداية حرب العام 1975 كان عدد المقاتلين الفلسطينيين وحلفاءهم من اللبنانيين التابعين للحركة الوطنيّة 45,100 مقاتلًا. كان عدد المقاتلين المسيحيين 19,500 مقاتلًا. حين اندلعت حرب المائة يوم في الأشرفية عام 1978 كان قد انضمّ إلى التحالف اللبناني-الفلسطينيين اقلّه 30،000 ألف جندي سوري بين نظامي ومرتزق، ماذا كانت النتيجة؟ إخراج السوريين من كافة المناطق المسيحيّة شمال بيروت وإعلانها مناطق حرّة.
أأخبرُك عن معركة زحلة (1981) وعن نتائجها أم أنّك تعرف؟ لا بدّ وأنّك تعرف كيف تقهقرت جحافل السوريين المؤلّلة، والمدرّعة، والمسنودة بالمدفعيّة الثقيلة وطيران الهليكوبتر، والمدعومة بألوية اليرموك والقسطل وعين جالوت الفلسطينيّة، أمام بضع مئات من المقاتلين المسيحيين وأهالي زحلة.
وكي لا أُتّهم بأنّي مثير للنعرات الطائفيّة وأُجَرْجَر إلى المحاكم، سأُعطيك مثلًا معاكسًا عن الأحجام بالأعداد. عندما انتهت الحرب عام 1990، كان عديد القوّات اللبنانيّة وحدها، من دون جيش العماد عون المسيحي، 16,500 مقاتلًا وحوالي 7,000 إداريًّا، وكان عديد كلّ باقي الميليشيات والتنظيمات المسلّحة المناهضة للقوّات 19,300 عنصرًا، وإذا بالمسيحيين يخرجون من الحرب بعد اتّفاق الطائف وهم الخاسر الأكبر.
هل اقتنعت أم أذكّرك بمعركة جسر الحمرا في الجنوب حين استغلّت جحافل مقاتليك انسحاب الإسرائيليين (عام 2000)، وقرّرَت تسجيل انتصار على جيش لبنان الجنوبي للظهور بمظهر الفاتحين؟ هل من داعٍ للتذكير بأنّ عدد المهاجمين كان بالمئات والمدافعين كانوا بالكاد عشرة؟ هل نفشي أنّكم عجزتم عن احتلال المركز المُستهدف، وتكتّمتم لغاية اليوم عن هذه العمليّة نظرًا لسقوط عشرات القتلى في صفوفكم ضحيّة عرض العضلات؟ وتقول أنّكم دخلتم الجنوب مسالمين!!؟ تقارير كلّ الصحافيين المحايدين واستطلاعنا الميداني حينذاك تؤكّد جميعها عكس ادّعائك.
الأعداد والتهديد بالأعداد لا يعنيان شيئًا في الحروب الحديثة. أمّا عن إزالة الجبال، فليس بمرجلة أن تأتي بمائة ألف مناصر كي يُفتّتوا الجبال ويُزيلوها، فعشرة عمّال في كسّارة يُزيلون الجبل ويشوّهون البيئة بأسهل ما يكون، هذا كي لا أقول لك إنّ استعارتك لهذا القول من ربّنا يسوع المسيح جاءت في غير مكانها، إذ شوّهت المفهوم الروحي لكلام المسيح الذي قال بـِ “نقل الجبال” بالإيمان وليس بأعداد الرجال وعضلاتهم. ومتى ترتقي إلى فهم عمق هذا الكلام، تفهم أنّ المسيحيين لا يحتاجون حماية أحد، وأنّهم لا يُقهرون مهما حاولت قوى الشيطان العبث بمصيرهم لأنّ “مملكتهم ليست من هذا العالم” وقوّتهم هي بالإيمان وليس بالسلاح وعدد الرجال.
آه… كدت أنسى أن أتشكّرك باسم أهالي بلدة “القاع” لأنّك حمَيتهم من داعش فجر 27 حزيران 2016.
كما قلت أعلاه، سمير جعجع “بيستاهل”، لكنّ اتّهامك القوات بارتكاب “مجزرة” في عين الرمّانة، هو اتّهام باطل لأنّه بُني على معلومات باطلة. كيف تُثبت أنّ القوّات هم مَن اعتدوا على التظاهرة، ولغاية اللحظة لم يحصل أحد على صورة لمسلح واحد من داخل عين الرمّانة، بينما تفيض وسائل التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات جماعتك وجماعة أمل يُهاجمون عين الرمّانة بالأسلحة الخفيفة والمتوسّطة اللاشرعيّة؟ لماذا القوّات وليس قدامى الأحرار أو الحبيقاويّون أو الكتائب أو قُدامى القوّات المتخاصمين مع جعجع؟ ولماذا تستبعد فرضيّة أن يكونوا العونيين أبناء المنطقة؟! ولماذا ليس كلّ هؤلاء مجتمعين؟
تتّهم القوّات بأنّهم يخطّطون لحرب أهليّة ولجرّكم إلى تصادم مع الجيش، فلو كان هذا الادّعاء صحيحًا، كان سيناسب القوّات أكثر، بدل صدّكم، ترك زعرانكم يتمادون في النهب والتكسير داخل عين الرمّانة حتّى يضطر الجيش للتدخّل والاصطدام معكم. الأهبل يعرف هذه القاعدة، فكيف إذا كان القوّات يُخطّطون لإشعال حرب أهليّة؟ هل تُريد أن تقنعنا أيضًا أنّ أهالي عين الرمّانة هم مَن خطّطوا ليمرّ المتظاهرون “السلميّون” المسلّحون من منطقتهم؟
أكثر من كلّ ذلك، تتّهم وتتّهم القوّات ثمّ تُبرّئهم من حيث لا تدري: السيّدة التي سقطت أصيبت برصاص طائش، واحتمال أن تكون قد أصيبت برصاصكم نسبته عالية جدًا، لأنّ إطلاق النار من عين الرمانة كان مركّزًا وقليلًا. أحد القتلى تقولون إنّه سقط برصاص الجيش. ويدلّ فيديو أنّ آخر أصيب “بالخطأ” من الخلف. قتيلان من حملة الـ آر. بي. جي. أُصيبوا في شوارع مكشوفة بينما كانوا يُطلقون قذائفهم نحو عين الرمّانة. وواحد سقط صباحًا وهو يعتدي على أملاك الناس داخل عين الرمّانة. ماذا بقي للكمين والقناص؟
وإذا كان في عين الرمّانة مَن نصب كمينًا لجماعتكم وانتظرهم، فمَن الذي جرّ جماعتكم للمرور من أمام الكَمِين!!؟
هو السؤال نفسه يتكرّر في كلّ أزمة ولا أحد يُريد أن يُجيب عليه. لماذا دخلت البوسطة من عين الرمّانة في 13 نيسان 1975، وبأوامر ممَّن!؟ مَن أدخل النيترات إلى مرفأ بيروت وبأوامر مَن تمّ إبقاؤه!؟… هي أسئلة متى أتتنا أجوبة عليها، لَنلنا حلولًا سحريّة.
خلاصة الكلام، إنّ مَن يُحاول لصق الاتّهامات الباطلة بالقوات وبرئيسها سمير جعجع، ومَن يُخطّط لإعادة الأخير إلى الزنزانة، يكون هو مَن يسعى لإشعال حرب أهليّة، لأنّه مهما تكن نوايا جعجع صادقة وسلميّة ووطنيّة، فهو لن يبيع نفسه لخلف القضبان 11 سنة جديدة، خصوصًا أنّه بريء من كّل التهم المضخّمة التي تُحاول إلصاقها به بعد أحداث الطيّونة الأخيرة.
إن كنت تخشى فعلًا وقوع حرب أهليّة، بادر إلى سحب شراراتها وسلّم سلاحك للدولة وكفّ عن المزايدات بأنّك تقاوم.