الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/كانوا يقولون الشيّاح – عين الرمّانة، صارت أشباح عين الرمّانة…تعديل طفيف بالتسميّة يُشكّل كلّ الفرق

437

كانوا يقولون الشيّاح – عين الرمّانة، صارت أشباح عين الرمّانة…
تعديل طفيف بالتسميّة يُشكّل كلّ الفرق.
الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/16 تشرين الأول/2021

هل كان حزب الله يمتحن نفسه في عين الرمّانة وسقط في الامتحان، أم كان يمتحن عين الرمانة ليضمن أنّ طريق إمداداته إلى القدس سالكة من هناك؟
أيًّا تكن النوايا فالنتائج كشفت أمورًا غير منتظرة، وظهّرت الـ statu quo الحقيقي على الأرض والذي ينطبق على كامل التراب اللبناني، وهذه بعض الاستنتاجات:
– خطّ تماس “وهمي” بين الشيّاح وعين الرمانة لا يزال قائمًا في عقول أبناء المنطقتين منذ العام 1990.
– زال الانقسام العامودي في البلاد بين 8 و14 آذار، لكنّه لا يزال راسخّا في النفوس.
– بالرغم من أنّ أحداث الطيّونة كانت فرصة مناسبة لعلاج موضوع سلاح ما يُسمّى مقاومة وما يُشاكله من سلاح متفلّت وغير شرعي، غير أنّ أحدًا لم يأتِ على طرح هذه المشكلة العميقة التي هي في أساس كلّ ما حصل في 14 تشرين الأوّل 2021، بما في ذلك مجلس الدفاع الأعلى والأطراف المعارضة لوجود هذا السلاح.
– ما سبق يدلّ على أنّ المشاكل في مكان والعلاجات في مكان مختلف غير شافٍ، وهذا مؤشّر خطير إلى أنّ ما حصل في الطيّونة هو قابل أن يتكرّر وقد يجرّ اللبنانيين إلى حرب داخليّة جديدة.
– موقف السواد من ناس التيار الوطني الحرّ في مكان، والموقف الرسمي في هذا التيّار في مكان آخر.
– موقف رئيس حزب المردة لا يُعبّر عن مزاج السواد الأعظم من أبناء منطقته.
– وحدة موقف أبناء عين الرمانة في المواجهة عَلَت في قيمتها الوطنيّة على مواقف قيادات احزابهم المتناحرة على مقعد نيابي، وهذا ما ضعّف إمكانيّة لصق تهمة الاعتداء على المتظاهرين بفريق واحد، كما عثّر إمكانيّة معرفة هويّات المدافعين عن عين الرمانة، فباتوا أشباحًا تقاتل بشرًا.
– نظريّة “الكمين” التي يروّج لها أبواق حزب الله وأمل ما هي إلّا لحفظ ماء الوجه من ضعف مقاتليهم بالرغم من تفوّقهم في الأعتدة.
– موقف القيادات السنّية والدرزيّة مساير ولا قيمة له ولا فاعليّة، وكأنّهما يتّكلان على المسيحيين وهم مكتفيين بغسل أيديهم من دماء الصدّيق.
– الثورة كانت الغائب الأكبر عن أحداث الطيّونة، وهذا يدلّ على ضعفها وتشرذمها وعجزها حتّى عن إطلاق موقف موحّد في قضيّة مفصليّة مؤثّرة في مستقبل لبنان السياسي والأمني.
– حضور الثورة الباهت في أحداث الطيّونة ترجمته العمليّة “صفر فاعليّة” وانعدام إمكانيّة فوز هذه الثورة في الانتخابات النيابيّة المقبلة، فالمزاج العام يدعم عادة مَن يقف إلى جانبه في الأزمات الأمنيّة ويحميه، أكثر مَمّن يفتخرون بحضارة وسلميّة ثورتهم.
– للجهابذة من منظّري الشاشات وأصحاب مراكز الدراسات الذين بدأوا بإعطاء نتائج الانتخابات المقبلة منذ شهرين، هل أخذوا بالاعتبار الـ statu quo الذي يُمكن أن يكون قائمًا في الأشهر المقبلة؟ فليخرس كلّ هؤلاء وكفاهم تضليلًا للناس.
– على المهرولين إلى الانتخابات النيابيّة الاقتناع، بعد أحداث الطيّونة، أنّ لا نفع من انتخابات في ظلّ سلاح حزب الله والهيمنة الإيرانيّة. فهل ينقص البلد مزيدًا من “الطيّونات” ليقتنعوا أنّ الأولويّة للتحرير والتحرّر من سطوة السلاح قبل أيّ انتخابات.
– سقطت نهائيًّا أكذوبة “جيش شعب مقاومة،” ولم يعد ينفع لبنان سوى مقاومة بشتّى أنواعها حتّى الوصول إلى بلد تسود فيه: الحريّة الديمقراطيّة وليس الديمقراطيّة التوافقيّة، مساواة الجميع تحت سقف القانون، الحريّة الفرديّة ضمن كلّ جماعة إثنيّة.
– سقطت الأحاديّة التي من خلال اتّفاق الطائف نجح الثنائي الشيعي في الفوز بها، ومعها ستزول أوهام هذا الثنائي بحلم “الأمميّة الشيعيّة”.
– كلّ ما سبق يدلّ أنّ النظام المركزي الذي يعيش اللبنانيون في ظلّه منذ مائة سنّة، لم يعد يُلائم المزاج العام اللبناني الذي يبتعد أكثر فأكثر عن حضاريّة التعايش، وقد يكون الطرح الفدرالي هو الأنسب للحفاظ على وحدة لبنان الجغرافيّة، وإلّا فنحن ذاهبون إلى التقسيم.
وأهم نتيجة أعطتها أحداث 14 تشرين الأوّل 2021 هي أنّ التحقيق في انفجار المرفأ طار، وهو الأمر الذي لم يتنبّه له أحد من المنظّرين أو يذكره أحد من المسؤولين. كيف؟ القاضي طارق البيطار يُسابق الوقت كي يُجري التحقيق مع المتمتّعين بنعيم الحصانات قبل السابع عشر من الشهر الحالي. تركيبة أهل الحكم المنظّمة تضع له العصي بالدواليب. تقدّموا بدعوى طلب ردّ ضد القاضي بيطار لدى محكمة التمييز المدنيّة، يوم الثلاثاء الماضي، فتعلّق التحقيق. بعدها بيومين، أي في يوم أحداث الطيونة، رُفض طلب الردّ وأصبح بإمكان القاضي بيطار مزاولة مهامه. لكن البلد ولعان والاقتتال دائر على بعد أقلّ من نصف كيلومتر مقابل قصر العدل، ومن الضروري الانتظار ولم يبقّ سوى يوم الجمعة أمام القاضي البيطار للتحرّك قبل عودة الحصانات يوم الثلاثاء المقبل مع افتتاح دورة المجلس النيابي العادية، إذ يومي السبت والأحد تقع عطلة نهاية الأسبوع. ويوم الإثنين هو يوم عطلة بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف، وبذلك يُصبح مستحيلًا استدعاء النوّاب المطلوبين قبل استعادتهم حصاناتهم. يقول بعض الخبراء أنّه بإمكان القاضي بيطار متابعة ملاحقة النوّاب لكنّه لا يستطيع توقيفهم، وأنا أقول إنّه لباب جديد سيُفتح للجدال والتلاعب بمسار التحقيق، لا بل أقول طار التحقيق حتّى ولو لم يتراجع القاضي بيطار، “واللي بيعيش بيذكّر التاني”.
في الخلاصة،
لا أحد أقوى من أحد في لبنان، “كلن يعني كلّن” جاهزين للمواجهة إلّا الثورة.
نرجو من غبطة أبينا البطريرك ألّا يُتحفنا غدًا في عظته بشعارات التعايش والحضاريّة والسلميّة.
أمّا عن موقفي الشخصي، فأعلن أنّي مع أبناء عين الرمانة حتّى لو كانوا على خطأ بغض النظر عن كلّ النظريّات والأكاذيب المتناقضة.