المحامي عبد الحميد الأحدب: التعصّب هو عدوّ الدين

52

التعصّب هو عدوّ الدين
المحامي عبد الحميد الأحدب/11 تشرين الأول/2021

كان اندريه مالرو كبير المثقفين في فرنسا أيام الجنرال ديغول، كان يقول في القرن الماضي ان القرن القادم، (اي القرن الحالي)، سيكون قرن الأديان وإلا فلن يكون!

الخرائط ستتغير والأديان ستلعب دوراً اكثر انحرافاً على صحتها، وفي المنطقة العربية ستكون العجائب غرائب، ولبنان الذي كان الأجمل والغني بثقافته وتنوّعه، سيصبح قبيحاً بزمرة الرجال الذين يحكمونه بإسم الدين… الدين… الدين سيكون هو المحرك في ريشة رسم الخرائط. سايكس بيكو سقطت وكل المنظومات العربية الى سقوط، هذا لا يعني انتصار ايران على المملكة ولا العكس بل يعني تناحرهما وإفقار كل منهما للآخر ومحاربته للآخر، وهذا له نفوذ وذاك له نفوذه، المهم ان لا ينتصر احد على أحد!

المحركون والرسامون من اميركا الى الإتحاد الأوروبي الى ايران الى تركيا هم اللاعبون في هذا القرن الأسود وكلهم يحركون ادياناً لا علاقة لها بالقيم الإنسانية، بل بالسياسة! قرن من الدواعش، كما حصل في اوروبا في القرون الوسطى! وكل ما هو آتٍ بإسم الدين، الدين منه براء:

1- فالحق ان الفهم الصحيح للدين لا بد ان يرسخ من انتمائنا للإنسانية، بل الدين في جوهره ليس الا دفاعاً عن القيم الإنسانية: الحق والعدل والحرية، وكل ما عدا ذلك في الدين اقل أهمية! المشكلة ان الدين كثيراً ما يُساء فهمه فيتحول من رسالة انسانية راقية الى سبب للكراهية والعنصرية والجرائم، كيف ينتقل المتدينون الداعشيون من التسامح الى التعصب؟! الدين ليس وجهة نظر، وانما هو عقيدة بمعنى ان كل انسان يعتير ان دينه هو الوحيد الصحيح، المسلمون يعتقدون ان اليهود والمسيحيين قاموا بتحريف كتبهم المقدسة، والمسيحيون لا يعتقدون في نبوة سيدنا محمد (ص)، اما اليهود فينكرون المسيحية والإسلام معاً ويعتبرون ان المسيح الحقيقي لم يظهر بعد! اضف الى ذلك ان البوذية والهندوسية وعشرات الأديان الأخرى، كل مجموعة من هؤلاء على يقين بأن دينها هو الصحيح وبقية الأديان هي الخطأ.

2- هذا الاعتقاد بأنك وحدك تملك الحقيقة قد يجعلك في لحظة ما تحس بأنك افضل من المختلفين عنك في الدين، لأنك على حق وهم على ضلال، هذا الإحساس باحتكار الحقيقة سرعان ما يتحول الى احساس بالإستعلاء على الآخرين، ثم يحدث في لحظة تنتزع عن الآخرين صفتهم الإنسانية، فلا تفكر فيهم باعتبارهم بشراً، وانما باعتبارهم نوعاً مختلفاً عنك: موارنة او مسلمين او يهود، عندئذ تكون مؤهلاً للاعتداء على حقوقهم لأنهم ليسوا مثلك، وانت وحدك على حق وهم على باطل.

3- هناك امثلة كثيرة على تحول الدين من جوهر انساني الى التعصب، فعندما دخل عمر بن الخطاب الى بيت المقدس دعاه البطريرك صفرونيوس الى زيارة كنيسة القيامة، وبينما هو يتفقد الكنيسة جاء وقت الصلاة، فدعا البطريرك الخليفة الى الصلاة، لكن عمر بن الخطاب رفض ان يصلي داخل الكنيسة لئلا يهدمها المسلمون من بعده، ويبنوا جامعاً بدلاً منها. خرج عمر من الكنيسة وصلى على الأرض حيث اقيم مسجد عمر بعد ذلك. كان عمر بن الخطاب يدرك ان تعاليم الإسلام الحقيقي تحافظ على القيم الإنسانية وتساوي في الحقوق بين المسلمين وغيرهم، هذا هو الفهم العميق للدين، هو عكس ما نراه الآن من البعض.

4- الفهم الصحيح للدين يجعلنا اكثر انسانية، اما الفهم الخاطئ فيدفعنا الى الكراهية والإعتداء على الآخرين، وسبب آخر يحيل الى اداة للعدوان هو إقحام الدين في معارك السياسة، فيصبح الدين هو وسيلة للوصول الى السلطة.

5- الحل الوحيد للتخلص من التعصب هو اقامة الدولة المدنية التي لا يرتب فيها الدين حقوقاً سياسية، وهذا ما يحصل في لبنان في النظام الطائفي القائم، ولهذا يسقط لبنان كل عشر سنوات في حرب اهلية! الحل لمشكلة لبنان وللمنطقة العربية هو في دولة القانون التي تعترف بحقوق المواطنين جميعاً. بغض النظر عن اللون والجنس والدين. الدولة المدنية ليست ملحدة ولا معادية للدين لكنها تحترم أديان المواطنين جميعاً بلا تفضيل ولا محاباة. في مصر أيام زمان، أيام سعد زغلول، جاءت مجموعة من المناصرين الوطنيين ببرنامج انتخابي وضعت أعلاه كلمة “باسم الله تعالى”، فقرأه سعد زغلول ثم طواه وأعاده لأصحابه، وقال لهم: لا تتحدثوا عن الله في برنامج انتخابي، عندما تذكرون لفظ الجلالة في ورقة سياسية تتحولون فوراً الى دجالين يتاجرون بعواطف الناس الدينية. بقي أن نعلم ان سعد زغلول كان ورعاً يحافظ على فروض الإسلام جميعاً، ولكنه كان ورعاً يعلم خطورة استعمال الدين من أجل الوصول الى الحكم.

ان عبور لبنان الى المستقبل، وخروجه من الدوامة والحلقة المفرغة التي يعيش فيها هو في إقامة الدولة المدنية.
ان خروج لبنان من الجحيم الذي يعيش فيه الى مستقبل يليق بمفكريه وكل المغتربين عنه الذين تخلصوا من آفة التعصب، ان العبور والخروج من الجحيم يستلزم إقامة ديمقراطية سليمة لا يمكن ان تتحقق إلاّ في دولة مدنية. ان تجارب الدول الدينية في العالم تدل بوضوح على ان الحكم بإسم الدين يؤدي دائماً الى التعصب والطائفية والاستبداد والقمع، والفكر المادي والفكري المعنوي بل حتى الديني! وأخيراً، فإنّ الدولة المدنية ودولة القانون هي التي تقوم على مبادئ حقوق الإنسان، ويكفي رواية هذه الحكاية لندرك قيمة الدولة المدنية القائمة على احترام حقوق الإنسان.

لقد هرب من مصر أحد بلطجية الدين الذين يصلون ويرفعون الشعارات الدينية أمام الناس وفي العلن ثم يرتكبون الجرائم والفساد والسرقات في السر ومن خلف الستار، كادت السلطات في بلده ان تقبض عليه لولا أنه تمكن من الهرب الى السويد. وطلبت دولته من السويد تسليمه وبينت الجرائم والأحكام الصادرة بحقه، ولكن السويد ترددت لأنها دولة مدنية تقوم على حقوق الإنسان واستجابتها لطلب دولته المستبدة التي تعذب المساجين وتذلهم، الأمر المخالف لمبادئ حقوق الإنسان. فكيف تسلم السويد مجرماً محكوماً الى دولته سيتعرض للتعذيب والإذلال. توصلت السويد الى حلّ، وهو أنّها طلبت وحصلت على تعهد من دولة البلطجي الديني أن لا يتعرض للتعذيب، ووقعت دولته التعهد للسويد وختمت وبصمت واستلمته، ثم مات بعد أيام من التعذيب في سجون دولته.
يحتاج الإنسان فقط إلى قليل من القراءة الجادة ليدرك أنّ ما يسميه الداعشيون الإسلاميون بالخلافة الإٍسلامية، لم تكن لا خلافة ولا إسلامية.

على مدى قرون من الدول التي انشأها المسلمون لم يستمر الحكم العادل الرشيد سوى 31 عاماً، 29 عاماً في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة وعامان حكم خلالهما عمر بن عبد العزيز. اما الدولة الأموية ومثلها الدولة العباسية كما والدولة العثمانية فقد قامت كلها مثل كل الأمبراطوريات بإرتكاب جرائم رهيبة وقتل آلاف الأبرياء من اجل تمكين السلطان من العرش.

الخلافة الإسلامية لم توجد اساساً حتى نستعيدها، ولكن للأسف، لا جدوى من محاولة اقناع الداعشيين بهذه الحقيقة، لأنهم سيرفضون دائماً الخروج من العالم الإفتراضي الذي صنعه مشايخهم.