فيديو القداس الإلهي الذي ترأسه البطريرك الراعي اليوم 03 تشرين الأول 2021 في كنيسة الديمان مع نص عظته ونص عظة المطران عودة

62

 

اضغط هنا لمشاهدة فيديو القداس

فيديو القداس الإلهي الذي ترأسه البطريرك الراعي اليوم 03 تشرين الأول/،2021 في كنيسة الديمان مع نص عظته وعظة المطران عودة

03 تشرين الأول/2021

المطران عوده: إرفعوا أيديكم عن القضاء دعوا الحقيقة تظهر
إن لم تتحقق العدالة ويحكم القانون لن تكون دولة. وطالما هناك مقاييس مختلفة لن تكون عدالة. وطالما هناك من يتحكم بمقدرات البلد لن تستوي الأمور
الأحد 03 تشرين الأول 2021

البطريرك الراعي: لا نستطيع الإصرار على التحقيق في جريمة المرفأ ونمتنع عن الدفاع عن المحقق العدلي
لا نستطيع تأييد الشرعية والقبول بتعددية السلاح وازدراء المؤسسات، وبإنشاء جيش تابع لدولة أجنبية على حد اعتراف أحد كبار المسؤولين في تلك الدولة.
الأحد 03 تشرين الأول 2021
وطنية – ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، عاونه المطران جوزيف نفاع والأباتي فادي بو شبل إكسرخوس الموارنة في كولومبيا والاكوادور والبيرو والكاهن الجديد كريم جرجس، القيم البطريركي في الصرح الأب طوني الآغا، أمين سر البطريرك الأب هادي ضو، في حضور وفد من ادارة مستشفى اللبناني الجعيتاوي الجامعي ضم الرئيسة العامة لراهبات العائلة المقدسة الام ماري انطوانيت سعادة، المديرة العامة للمستشفى الأخت هادية أبي شبلي، مدير المستشفى البروفسور بيار يارد وعائلة الكاهن الجديد جرجس وعدد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس ألقى الراعي عظة بعنوان:”حيث تكون الجثة، هناك تجتمع النسور” (متى 24: 28)، قال فيها: “في معرض حديث الرب يسوع عن مجيئه الثاني في المجد، مع ما يرافقه من علامات تفكك للنظام الفلكي ونهاية العالم، وما يسبقه من تضليل للعقول والضمائر، يشبه المؤمنين بالنسور التي تجتمع حوله، مثلما “تجتمع النسور حول الجثة” ” (متى 24: 28).
كتب القديس إيرونيموس: إن كانت هذه المخلوقات غير العاقلة قادرة على اكتشاف الأجسام الصغيرة، وتفصلها عنها مسافات شاسعة من يابسة وبحر، فكم بالحري ينبغي لنا نحن المؤمنين أن نعرف المسيح الذي يأتي بهاؤه من المشرق ويسطع في المغرب. إن القديسين هم كالنسور حلقوا في الفضاء مبتعدين عن عراقيل الدنيا، فرأوا المسيح كنزهم الأثمن وتجمعوا حوله بحياة بارة، ساطعة. إننا نلتمس شفاعتهم لكي نكتشف مثلهم الكنز الخفي الحي، يسوع المسيح، الذي وحده يعطي معنى للحياة بكل أبعادها. في هذا الأحد الأول من تشرين الأول نختتم قداساتنا في الكرسي البطريركي في الديمان، لنعود فنستأنفها من كنيسة الصرح البطريركي في بكركي. فإني أحيي كل أحبائنا أبناء الأبرشية البطريركية في نيابتي جبة بشري وإهدن-زغرتا، إكليروسا وعلمانيين برعاية سيادة أخينا المطران جوزف نفاع نائبنا البطريركي العام في هاتين النيابتين. إنا نحييكم، أيها الحاضرون، وبخاصة الأباتي فادي بو شبل إكسرخوس كولومبيا والبيرو والإكوادور، والكاهن الجديد في هذه الإكسرخوسية الخوري كريم جرجس الذي سيم كاهنا اول من أمس، اننا نهنئه ونحيي اهله الكرام الحاضرين معنا. نصلي معا من أجل خلاص لبنان ونهوضه مما يعاني من أزمات سياسية واقتصادية ومالية ومعيشية، ومن أجل إنهاء الحالة الشاذة التي يعيش فيها كدولة تحتاج إلى وحدة القرار والمؤسسات والقوى المسلحة”.
وتابع: “يحيي مجلس كنائس الشرق الأوسط اليوم صلاة ختام أيام موسم الخليقة التي بدأت في أول أيلول الماضي وتنتهي اليوم الثالث من تشرين الأول، بموضوع: بيت لنا جميعا؟ تجديد بيت الرب. يجري الإحتفال الرسمي الساعة الخامسة مساء في دير سيدة الزيارة-معهد وجمعية فيلوكاليا في عينطورة كسروان. وتنقله وسائل الإتصال الإجتماعي. أيام موسم الخليقة دعوة لكل واحد وواحدة منا لاحترام الطبيعة والبيئة، بيتنا المشترك الذي أراده الله للبشر أجمعين. فبمقدار ما نحافظ عليه، نحافظ على صحتنا وصحة أجيالنا، ونجسد ثقافتنا، ونقدم لشعبنا ثقافة الترقي والنمو الشامل. يدعونا الرب يسوع في كلام إنجيل اليوم للتنبه إلى المضللين الذين يسميهم مسحاء دجالين وأنبياء كذبة يعملون على تضليل المؤمنين بالله وبالمسيح الفادي ومخلص العالم وبكنيسته المؤتمنة على وديعة الإيمان والتعليم، وعلى نعمة الأسرار الخلاصية، وعلى المحبة والوحدة. ويفعلون ذلك لمكاسب شخصية. وينسحب هذا التنبيه إلى المضللين على المستوى الوطني بسياسات وممارسات منافية للدستور وميثاق العيش المشترك والوحدة الداخلية. كل هؤلاء المضللين يعرقلون مسيرة المؤمنين نحو الله، والمواطنين نحو الولاء للوطن. ويتلاعبون بالضمائر ويأسرونها، وينتزعون الحرية التي يهبها الله لكل إنسان، بحسب قول الرب يسوع: لقد حرركم الإبن لكي لا تستعبدوا لأحد (راجع يوحنا 8: 36)”.
أضاف: “إن مجيء الرب يسوع الثاني بالمجد في نهاية الأزمنة، ينير مجيئه اليومي في حياة كل مؤمن ومؤمنة. إنه عمانوئيل-الله معنا (راجع متى 1: 23)، رفيق دربنا، ينيرها بكلامه، ويقدسنا بنعمته، ويجمعنا بروحه القدوس، وفق شريعة المحبة. ما يعني الرب يسوع في هذا الخطاب عن نهاية العالم، هو اللقاء به ديانا بعد أن جاء مخلصا وفاديا؛ واللقاء به يوميا، لكونه حاضرا بشكل غير منظور بكلامه ونعمة أسراره ومحبته، وبواسطة كنيسته أداة الخلاص الشامل.
لبنان بحاجة إلى التحرر من المضللين والكذبة الذين يستغلون طيبة الشعب بالكلام المعسول فيما هم يمعنون في الفساد، ونهب مال الدولة، والتفلت من الضرائب، فإذا بالدولة تنهار والشعب ينوء تحت ثقل الفقر.
فنقول إن المرحلة الحالية تستلزم من الحكومة الجديدة الصراحة والإقدام في المواقف حيال جميع القضايا التي يشكو منها الشعب، وأن توفر الأسباب الوجيهة لكي تحوز على تأييد الناس لها.
أيدنا جميعا هذه الحكومة وتمنينا لها النجاح وما زلنا، ويبقى عليها أن تؤيد ذاتها بأداء رائد وبإبراز قدرة وزرائها على الاضطلاع بمهامهم. لذا، ينغي عليها أن تتخطى انتماءات أعضائها وتعلو فوق الأحزاب والطوائف، وتصد القوى التي تسعى إلى الهيمنة على مسارها وقراراتها. فتتمكن من إثارة القضية اللبنانية في اتصالاتها العربية والدولية، ومن طرح موضوع حياد لبنان الذي يبقى الضامن لنجاح جميع الحلول. وفي المقابل إن معالجة القضايا الحياتية ملحة نظرا لانتشار الفقر. وما يضاعف الحاجة إلى معالجة القضايا الحياتية والاجتماعية أن الإضرابات تعم غالبية القطاعات والنقابات طلبا لزيادة الأجور.
الشعب لم يعد يتحمل تدوير الزوايا بين الحق والباطل، وبين السيادة والإذعان، وبين القاتل والضحية. أصدقاء لبنان العرب والدوليين ينتظرون التزام سياسة واضحة، وأداء مستقيما لكي يشاركوا في نهضته الاقتصادية والمالية، بعيدا من الإزدواجية الممقوتة. فلا نستطيع أن ندعي الحفاظ على السيادة وندع المعابر الحدودية مشرعة، والمواقف الغريبة المسيئة إلى السيادة من دون رد.
لا نستطيع تأييد الشرعية والقبول بتعددية السلاح وازدراء المؤسسات، وبإنشاء جيش تابع لدولة أجنبية على حد اعتراف أحد كبار المسؤولين في تلك الدولة.
لا نستطيع الحديث عن تأمين العام الدراسي، ولا نوفر للمدارس والجامعات المساعدات والظروف المناسبة للانطلاق بشكل طبيعي.
لا نستطيع رفع شعار النأي بالنفس ونبقى منحازين إلى محاور إقليمية تتنافى مع مصلحة لبنان.
لا نستطيع الوعد بمجيء المساعدات والاختلاف على أرقام العجز وعلى كيفية التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
لا نستطيع الإصرار على التحقيق في جريمة المرفأ، ونمتنع عن الدفاع عن المحقق العدلي والقضاء”.
وقال: “صحيح أنه لا يجوز للحكومة التدخل في شؤون القضاء، لكن واجبها التدخل لوقف كل تدخل في شؤون القضاء. إن التدخلات التي يتعرض لها المحقق العدلي من شأنها أن تؤثر على مواقف الدول الصديقة تجاه لبنان بالإضافة إلى أنها تضعف هيبة القضاء عندنا. ونتوجه إلى المرجعيات القضائية لكي تتحرك بجرأة، وتدافع عن ذاتها والقضاة، وتضع حدا للخلافات بين القضاة، وتحصن الجسم القضائي ضد أي تدخل سياسي أو حزبي أو مالي أو طائفي”.
وبالنسبة الى القوى السياسية، قال: “عليها أن تخفف من الاحتقان، وتلتقي في أطر وطنية وديموقراطية جدية وجامعة وذات صدقية، وتتحاور في ما بينها مباشرة لإنقاذ لبنان. فالوطن يدعونا إلى توحيد الصفوف والنضال في سبيل استعادة السيادة والاستقلال المخطوفين. وما من نضال لبناني بلغ هدفه خارج وحدة الموقف. وما من خسارة وقعت إلا بسبب الإنقسام والتفرد بالقرار والانجرار وراء المزايدات والشعبوية والأنانية”.
وختم الراعي: “فلنصل إلى الله كي يهبنا الحكمة والفطنة لحسن التمييز، والسير على هدي كلامه، كلام الحياة الأبدية. له المجد والتسبيح الأب والإبن والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين”.

المطران عوده: إرفعوا أيديكم عن القضاء دعوا الحقيقة تظهر
إن لم تتحقق العدالة ويحكم القانون لن تكون دولة. وطالما هناك مقاييس مختلفة لن تكون عدالة. وطالما هناك من يتحكم بمقدرات البلد لن تستوي الأمور
الأحد 03 تشرين الأول 2021
وطنية – ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس.
بعد الإنجيل، قال في عظته: “نص إنجيل اليوم هو جزء من موعظة المسيح على الجبل، كما دونها الإنجيلي لوقا. تعليم المسيح كله مكثف فيها، لا بل هو نواتها. المسيح الرب الخالق يعرف قدراتنا جيدا، لذا عندما أعطانا الوصايا، لم يوص بما لا علاقة له بطبيعتنا. تعليمه يوافق طبيعتنا، لأنه جبلنا وفقا لهذا التعليم الذي سوف يعطينا إياه. إذا، وصايا المسيح مغروسة في الإنسان بالفطرة، وهذا ما يقوله لنا القديس يعقوب أخو الرب بوضوح في رسالته: إقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة، القادرة أن تخلص نفوسكم (يع 1: 21). الكلمة مغروسة، لكن ينبغي أن نقبلها عن طريق التعليم، لأننا نجهل طبيعتنا. الحاجة إلى وجود تعليم شفهي أو كتابي ليست سوى دليل على تغربنا وتشتتنا الداخلي. لقد وضع الله المعرفة العملية في طبيعتنا، وكتب شرائعه في أذهاننا. مشيئته هي التي أتت بنا إلى الوجود، وهي التي تحفظنا فيه. لكننا نجهل عادة كيف يريدنا الله أن نعيش الحياة التي أعطانا. إذا، كلمة المسيح مغروسة في طبيعة الإنسان، لكن يبدو أن إدراك معناها يفوق الطاقات البشرية، والإقتداء بها يأتي بعد جهاد، وزمن حياتنا هو الفرصة المعطاة لنا لنبدأ بهذه المحاولات للاقتداء بوصايا الله. إنها مسيرة دامية وسهلة معا، هي الطريق الضيقة المحزنة، لكنها حمل خفيف أيضا”.
أضاف: “قراءة إنجيل اليوم تصف سهولة الوصايا: كما تريدون أن يفعل الناس بكم، إفعلوا أنتم أيضا بهم هكذا (لو 6: 31). في هذه القاعدة، يكثف المسيح تعليمه كله عن علاقتنا بالآخرين. يشير في الوقت عينه إلى أن وصاياه ليست مغروسة فينا وحسب، بل هي عادلة وسهلة ونافعة ومفهومة من جميع الناس. إنها عادلة لأنها تفترض المقاييس عينها في أفعالنا الخاصة وفي أفعال الآخرين، وسهلة الفهم لأننا نفهم جيدا حقوقنا ونعرف ما نطلبه من الآخرين بدقة. الأمر الوحيد الذي تطلبه الوصايا منا هو إعطاء الآخرين ما نريده ونطلبه لنفوسنا. تذكروا دوما قول الرب في إنجيل اليوم: كما تريدون أن يفعل الناس بكم، كذلك إفعلوا أنتم بهم. هذه الآية هي خلاصة العدالة بين البشر: ما تطلبه لنفسك أعطه لغيرك، وما تمنعه عن نفسك أو ما ترفضه لنفسك عليك أن لا تقبل به للآخرين. فإن كنت تبغي الطمأنينة لنفسك ولأولادك، وإن كنت تطمح إلى الحرية والأمان والراحة والعدالة وترفض الظلم والذل والإستعباد والتعدي، كيف تقبل بها لغيرك أو تكون مسببا لها؟”
وتابع: “هنا لا بد من التوقف بحزن وأسف عند ما يحصل في قضية تفجير المرفأ ومحاولة طمس الحقيقة بعرقلة التحقيق وترهيب القاضي المحقق. إن تاريخ 4 آب هو عنوان مأساة أهل بيروت ورمز للألم والموت. فهل ممنوع عليهم وعلى اللبنانيين معرفة حقيقة ما حصل لهم؟ أليس من واجبنا جميعا، مسؤولين ومواطنين، ملاحقة الحقيقة، والمطالبة بها، والمساعدة على الوصول إليها وكشفها؟ ألا يخجل من نفسه ومن أولاده من يتهرب من التحقيق؟ أليس هذا التصرف إدانة له؟ فإن كان يحافظ على كرامته ألا يفكر بكرامة من مات ضحية هذه الجريمة؟ وبوالديه وأهله؟ وإن كان يرفض الظلم والإهانة فكيف يرضاهما لمن أصيب في جسده أو في بيته وأصبح معاقا أو شريدا؟ إن لم تتحقق العدالة ويحكم القانون لن تكون دولة. وطالما هناك مقاييس مختلفة لن تكون عدالة. وطالما هناك من يتحكم بمقدرات البلد لن تستوي الأمور. ما أقوله ليس تماهيا مع خطابات المزايدة الشعبوية كما يحلو للبعض أن يظن، بل هو تطبيق لقول الرب الذي سمعناه في إنجيل اليوم. لكننا أصبحنا في زمن خفت فيه صوت الضمير، لا بل ماتت بعض الضمائر وامحت المحبة والإنسانية والرحمة. يوصينا الرب في إنجيل اليوم قائلا: كونوا رحماء كما أن أباكم هو رحيم، فأين مسؤولونا من الرحمة؟ لا تنسوا أن الله قاض عادل (مز 7: 11)، فإن أسكتم كل قضاة الأرض، كيف يمكنكم أن تسكتوا الله أو تمنعوه من إحقاق الحق وبسط العدالة؟ إرفعوا أيديكم عن القضاء، دعوا الحقيقة تظهر، وإن كنتم أبرياء كما تدعون فطوبى لكم، إن كنتم تبحثون عن حقكم من يعطي المواطن حقه؟ أتركوا القضاء يقوم بعمله وعلى الجميع أن يقبلوا بالعدالة”.
وقال: “لا شك في أن المنطق يقنعنا بسهولة تطبيق الوصايا، لكن الواقع يدل على العكس، إذ يبدو أن حفظها يتطلب غصبا. يقول الرب يسوع، الذي دلنا اليوم على سهولة وصاياه، إن ملكوته يغصب والغاصبون يختطفونه (متى 11: 12). ملكوت السماوات هو ملكوت المحبة، التي هي كمال الناموس، هو الملكوت الذي يقيم في الناس، أي في داخلكم (لو 17: 21)، لكنه يظهر حضوره بالفضائل التي تكتسبها النفس. الغصب هو باب الملكوت، به نعبر إلى المحبة. هذا يعني أن المحبة تتطلب القسوة وعدم الشفقة على حب الذات، على أنانيتنا. تتطلب توبتنا وكرهنا للخطيئة. عندما يسمع بعض الناس قول الرب كما تريدون أن يفعل الناس بكم إفعلوا أنتم أيضا بهم هكذا، يظنون أن المطلوب يطبق فقط في نطاق دائرة الأصدقاء الضيق. يعطون وينالون بالتساوي، يحبون ويحبون، لكن الخطأة يفعلون هذا أيضا يقول الرب. إن التقيد بالقاعدة الذهبية ضمن دائرة الناس الذين ليست لدينا مشكلة معهم، لا يعتقنا من الخطيئة، لا يخلصنا. يكمن الخلاص في الخروج من الدوائر الضيقة لذوي الآراء المتشابهة، ولا يرتبط تطبيق الوصايا بنوعية الناس الذين نتصل بهم. طبعا، هذا لا يعني أننا لا نحتاج إلى دائرتنا الضيقة التي تريحنا وتشددنا في الإيمان، لكن يجب ألا يختلف تطبيق وصايا المسيح في دائرتنا عما هو خارجها”.
أضاف: “الرغبة في أن يحبنا الآخرون، من دون أن ننمي بذار المحبة في قلوبنا، هي نتيجة مرض روحي. وقد يحدث مرارا كثيرة أن نحسن إلى الآخرين، لا بدافع المحبة المنزهة عن المصلحة الشخصية، بل رغبة بمحبتهم. غير أن المحبة الحقيقية لا تتماشى والمصلحة، ولا تضع شروطا، ولا تنظر إلى المحسن إليه هل هو صالح أو شرير. المحبة لا تقرض مرتجية أن تنال ما يساوي القرض، بل تظهر دون أن تنتظر أو تطلب مقابلا. هذه المحبة دليل الصحة النفسية التي اكتسبت من خلال غصب الذات، في جهاد نفسي وجسدي يحمل الصليب كصفة رئيسية. المحبة الحقيقية مجانية على غرار محبة المسيح الذي صلب ومات وقام من أجل خلاص البشر، وقد سامح صالبيه قائلا: يا أبتاه، أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لو 23: 34). يقول بولس الرسول: المحبة تتأنى وترفق، المحبة لا تحسد، المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ، ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد ولا تظن السوء، ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق (1 كو 13: 4-6). هذه المحبة هي ثمرة الفضيلة ويلزمنا جهاد كبير لكي نكتسبها، وتضحية عظيمة، إذ يتوجب علينا تخطي الأنا وحب الذات للوصول إليها”.
وتابع: “كونوا رحماء كما أن أباكم هو رحيم. بهذه الآية ينتهي إنجيل اليوم، وهي تتويج لما سبقها من آيات لأنها تختصر كل الطرق التي طلب منا الرب سلوكها في علاقاتنا مع الإنسان الآخر. إنها وصية عظيمة فيها شرف كبير لنا، نحن الخطأة، بأن نتشبه بالآب السماوي الذي منحنا أن نكون أبناء له بالتبني، طالبا منا أن نشبهه بالرحمة، ما يعني أننا لا يمكن أن نتشبه بالله إن لم نكن رحماء. إن عدالة الله لا تشبه عدالة البشر التي تطلب الموت للقاتل والسجن للسارق والعقاب للمذنب. الله يعلمنا أن نحب أعداءنا ونبارك لاعنينا وأن نحسن ونقرض غير مؤملين شيئا. يعلمنا أن نحب بلا حدود، وأن نسامح بلا شرط، وأن نضحي بلا حساب. التشبه بالله إذا يقتضي منا تعلم الرحمة الإلهية. والرحمة والرأفة ليستا مجرد مشاعر تجاه الآخرين، بل هي أعمال ملموسة تبدأ بالصلاة من أجل الآخر، وتستمر بمساعدته، واحتمال إساءته، والصبر على زلاته وعدم إدانته، وتنتهي بالتواضع، لأن المتواضع ينظر إلى خطاياه فلا يعود يهتم بخطايا الآخرين. عندها فقط يصبح الإنسان وديعا ورحوما. وعندما يبلغ هذه الحالة يرحمه الله القائل: لا تدينوا لكي لا تدانوا لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم (متى 7: 1-2)”.
وختم عوده: “لذلك، علينا أن ننمو من خلال كلمة الرب المغروسة فينا منذ الخلق، أن نحب الجميع بلا مقابل، ونرحم الجميع، أن نتخذ الرب مثالا لنا في المحبة حتى الموت. لم يكن الجميع مستحقا لأن يبذل المسيح نفسه عنهم، لكن محبته الواسعة ظهرت في محبته الجميع بلا تمييز. علينا أن نتعلم منه، وأن نكون مثالا للمسيحي الحقيقي، المحب والرحوم، الذي يشهد للحق دون مساومة، لكي يتمجد اسم الرب من خلالنا”.