الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/بشِّرهُن بهدم بْرَاجهُن

780

بشِّرهُن بهدم بْرَاجهُن…
الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/28 أيلول/2021

قال لي الأباتي شربل القسيس يومًا: “لو كان شبابنا في العام 1975 مُدركين مدى قوّة الفلسطيني القتاليّة وحجم ترسانته العسكريّة، لَمَا نزلوا إلى ساحات القتال لمواجهة هذا العدو الطامع باحتلال أرضنا”.

لطالما احتَرتُ ما إذا كان قول الأباتي هذا يُعتبر انتقاصًا من عَزم الشباب المسيحيين على المواجهة، أم مديحًا لبسالتهم، وهم، حينذاك، لا كانوا مدرّبين، ولا كانوا مجهّزين لمحاربة الفلسطينيين.

أتّجِهُ اليوم، وبعد سنين طِوال، إلى تكوين قناعة بأنّ الأباتي قصد من كلامه أنّ “البروباغندا” العرفاتيّة-الفلسطينيّة لم تنَلْ من شجاعة شبابنا وإقدامهم، والأصحّ هو أنّ الفلسطينيين لم يكن بمستطاعهم الإكثار من “البروباغندا” الموجّهة لترهيب مجتمعنا المسيحي بـِ “عرض عضلات” يُبيّن حجم ترسانتهم العسكريّة، خصوصًا أنّ دعاية من هذا النوع كانت ستفضح خطرهم على لبنان باكرًا، وقبل أن يُصبحوا جاهزين للانقضاض على النظام لتدميره.

حزب الله المحسوب على المكوّنات اللبنانيّة وهو إيراني الهوى وإسلامي الالتزام، أدرك، منذ تأسيسه، أهميّة تهميد عزم المناهضين لمشروعه “أَسْلَمَة لبنان”، كما وَعى خطورةَ أن تنشأ في وجهه جبهة مقاوِمة كالجبهة اللبنانيّة التي قاوَمَت الفلسطينيين وعملاءهم من اللبنانيين، فتعلّم من عجز “البروباغندا” الفلسطينيّة عن ترهيب الداخل اللبناني في سبعينيّات القرن الماضي، وركّز في “بروباغنداته” على ترهيب اللبنانيين بإيهامهم أنّ لديه فائض قوّة، وأنّ بيئته الحاضنة تمتدّ إلى كلّ الشرائح اللبنانيّة.

في البدء، واظب حزب الله على السعي لتغيير الهوية اللبنانيّة. ثُمّ بحنكة فارسيّة عالية، وبعون السوريين، استطاع أن يجرّ معارضيه ومناصريه على السواء إلى ثلاثيّته الجهنّميّة “شعب جيش مقاومة” التي أعطت وجودَه مبرّرًا شرعيًّا ساعدَه في فرض نفسه على الحكومات والإدارات العامة وأجهزة الدولة، بما فيها العسكريّة والاستخباراتيّة. ومِن ثَمَّ تفرّغ للإجهاز على حريّة التعبير حتّى صار شبه الآمر في ما يُقال والناهي عمّا لا يُقال عبر وسائل الإعلام. مع خروج السوريين من لبنان عام 2005، تحوّل من مقاومة كرتونيّة بوجه إسرائيل إلى حكومة مقاوِمة فاعلة ضدّ اللبنانيين، إذ تمكّن من إخمال كلّ الأحزاب، والعائلات السياسيّة التقليدية، والشخصيّات المُستقلّة، والقوى الماليّة والاقتصاديّة، بعدما سيطر على البرلمان اللبناني عام 2018 بـِ 74 نائبًا من أصل 128.

لكن،
“الله ما بيكمّلها مع حدا” حتّى لو كان هذا “الحدا” هو حزبه.

أخطأ حسن نصرالله حين اِعتقد بأنّه إذا هجّع السياسيين اللبنانيين بسطوته، سيُصبح الشعب لُقمةً سائغة بين براثن وحشه الإيراني، إذ هبّ الشعب في 17 تشرين 2019 هبّة واحدة ليُظهر للملأ أنّ هؤلاء السياسيين في واد والناس في وادٍ آخر بعيد وسحيق، وليبيّن لحسن نفسه أنّه لا يملك سوى سبابته ليتوعّد ويهدّد بها عبر شاشات التلفزيون، وهو المتوهّم أنّه مَلَكَ لبنان.

يبدو أنّ حسن لم تنفعه دروس إتقان الكذب والتضليل على أيدي الفلسطينيين، ولا نفعته دروس تلفيق الملفّات علي أيدي السوريين، ولا دروس التقيّة على أيدي الإيرانيين، ناهيك عن أنّه لا يعرف تاريخ لبنان الذي يحتلّه، فوجد نفسه بعد هبّة 17 تشرين مضطرًا إلى استخدام أساليب قذرة من نوع آخر كالترهيب والترهيب والترهيب على قاعدة:
أرهِبْهُم يخافون. عندما يخافون يهمدون. وعندما يهمدون يلينون. وعندما يلينون بالذّلّ يرضون.

جيوشه الإلكترونيّة، صحافيوه المأجورون، حلفاؤه في الممانعة، أجهزة مخابراته بالتعاون مع أجهزة الدولة، القضاة التابعون الخاضعون، أركان الحكم الذين من فتات مائدته يحيون… جميعهم يسهرون اليوم على نشر الإشاعات المضلّلة، وبث الأكاذيب، وابتكار الإشاعات والأحداث لإظهار فائض قوّة حزب حسن، ولإلهاء الناس عن الحقائق لمزيد من التخويف والترهيب.

ولّدت هبّة الشعب في تشرين ذاك، حالةً من الاستفراغ الكلامي لدى حسن، حتّى صار يُطلّ علينا أقلّه مرة في الأسبوع ليقول nothing. يُعيد على مسامعنا أحداث “الأسبوع في ساعة” وكأنّه مذيع أخبار، مع احترامي لمذيعي نشرات الأخبار، فأنا لا أقصد إهانتهم. يتّهم الناس، وتحديدًا الثوّار، بالعمالة للسفارات بينما هو يجاهر بعمالته لإيران. يتّهم المنظّمات غير الحكوميّة بتخريب البلد وهو الذي جعل من القتل، والتهريب، وسرقة جنى أعمار الناس، أفعالًا إلهيّة. يُملي بتهديد مبطّن بألّا تسقط الحكومة، فتسقط الحكومة وتسقط أخرى بعدها. يعجز ثلاثة عشر شهرًا عن فرض حكومة، والعهد عهده والأزلام أزلامه، فيُطلق العنان لأبواقه وجواسيسه كي يبثّوا الشائعات بأنّه هو وحزبه خلف عرقلة الحكومة، وذلك كي لا تزداد هالته زعزعةً. وعندما تشكّلت الحكومة، عمد إلى الترويج بأنّها ما كانت لتتشكّل لولا تجاوب إيران مع مسعى فرنسي لتشكيلها، وذلك للرفع من شأن هالته ولتعزيز دور إيران في لبنان. الشيء نفسه يفعله كلّما تفاجئه الثورة بالظهور من جديد بعدما يكون قد بشّر بانتهائها، فيُطلق عملاءه لإيهامنا بأنّه هو المسيطر على هذه الثورة وبأنّه هو مَن يُحرّكها وفقًا لرغباته ومصالحه، وهذه أيضًا كي لا تزداد هالته زعزعة.

هكذا وجد حسن نفسه في دوّامة لا مخرج منها. يكذِب يَصغَر، ينكشف كذبه يُحتقَر، يكذِب أكثر يضيّع بوصلته.
“مهلًا… الأكاذيب والإشاعات لم تعد كافية، فَلنُكثر منها ولندعّمها بالتخويف علنًا! فلنجاهر بأفعالنا القذرة ليشعروا بأنّنا فوق الدولة كي يستسلموا”! هكذا أتخيّله وجّه أتباعه بعدما اكتشف أنّه مع كلّ إشاعة كان يُطلقها ليُذعن القومُ لمشيئته، كان يولد طفل لـِ “مِدلِج”، “ورا كل صخرا، بْ فيّة كل بَيْت، تحت كل سجرا، عم يخلق ولد لْ مِدلِج”!! ومِدلِج هو أيقونة الحريّة في مسرحيّة “جبال الصوّان” للأخوين رحباني.

لجأ حسن إلى أقلام مشهورة ومعروفة، وبالطبع مأجورة، ليوهمنا أصحابها بأنّ أميركا ستُلزّم لبنان لإيران وأنّ حزب الله سيزداد نفوذًا وقوّة، لكنّنا لم نحسب لتلفيقاتهم حساب (Full Stop). أفتى علنًا أن تحقيق المرفأ يجب أن ينتهي، وأطاح بقاضي التحقيق فادي صوّان، ولم نحسب لفعلته حساب (Full Stop). تدخّلت إسرائيل كالعادة وسمحت له بإطلاق بعض الصواريخ باتجاه أراضيها كي تدعم كذبته الشهيرة أنّه مقاوَمة، لكنّ السيف سبق العذل: nothing. لأجل عينيه غضّت أمريكا الطرف عن إدخال مازوت إيراني إلى لبنان بالتهريب العلني كي تُعيد اعتباره، لكنّ العبرة ليست بالمازوت وإنّما بحلّ الأزمة المتصاعدة، وفي هذا الخصوص nothing. دخل الفرنسي على الخط وبدأ يدفع إلى إجراء انتخابات نيابيّة فوزُ حسن مضمونٌ فيها، وسيستعيد، من خلال فوزه، شيئًا من هالته المتهاوية، وسيظهر أمام المجتمع الدولي بأنّه شرعي ومقبول من الناس ولا حاجة لنزع سلاحه والتخلّص منه. بدوره، تكفّل حسن بأساليب غير مباشرة للتجييش للانتخابات التي باتت أقصى طموحاته، فصار عبر مَن يملك أصواتهم وأقلامهم وشاشاتهم يروّج أنّه ضدّ الانتخابات كي يجرّ السياديين والأحرار إلى فخّه، وكلّنا يعلم أنّ السيادي والحرّ ليس بالضرورة ذكيًّا أو نبيهًا، ويجوز أن يكون من صنف الأغبياء أيضًا (Full Stop).

يا حسن، “شو بدّك تكذب تَ تكذب؟” أرى مصيرك على قاب قوسين من مصير “فاتك المتسلّط” بعدما قتل “غربة” ابنة “مِدلِج”، وسأحيَى لليوم الذي ستستسلم فيه وترضخ كما رضخ “فاتك المتسلّط” وهو يقول: “شو بدنا نقتل تَ نقتل!!؟ ولاد مِدلِج، إخوِة غربة عم يخلقوا كل يَوم، “ديبو” خود العسكر وِاهْروب يَحِنّي جايّين… جيشي تياب مخزّقة بين لِ صخور، اهرُبوا تَ نهرب”.

وسأربّي أولادي وأحفادي على سيرة “غربة” وهي تقول: “لمّا ودّعتوا اليأس، لَفَحِتكُن ريح الشمس، ورِجْعِت إيديكُن تبني وتعمّر، وصوت عيادكُن خزّق سمعهن… فرح معاوِلكُن بالأرض بشَّرهن بِ هَدم براجهُن…”.

وها إنّي أبشّرك بهدم أبراجك الوشيك يا حسن نصرُالله.