سمير فرنجية لـ”النهار”: 14 آذار فَقَدت القدرة على المبادرة/يجب أن نطوي الصفحة ونؤسّس للسلام/وبكركي ضاعت عن هدفها

290

سمير فرنجية لـ”النهار”: 14 آذار فَقَدت القدرة على المبادرة/يجب أن نطوي الصفحة ونؤسّس للسلام/وبكركي ضاعت عن هدفها

سمير فرنجية: من الضروري تجديد نَفَس قوى 14 آذار”.

مي عبود ابي عقل/النهار

15 كانون الأول 2014

في 14 آذار 2005 امتلأت الساحات بتظاهرة مليونية هتف اللبنانيون خلالها للحرية والسيادة والاستقلال، وادوا قسم جبران تويني بأن يبقوا موحدين، وكانت بداية نهاية الوجود السوري في لبنان، وبدء العد العكسي لخروج جيشه بعد 30 عاما. بعد 9 سنوات على استشهاد جبران ورفاقه، تبدو قوى 14 آذار فاقدة لزخمها الوطني ووهجها الجماهيري وتأثيرها السياسي، ومنكفئة عن دورها المطلوب، ومشتتة احزابا وتكتلات. لماذا؟ وهل من مبادرات لاحيائها واعادة لحمتها؟ اسئلة يجيب عنها احد اركانها والعقول المدبرة فيها سمير فرنجية.

■ ماذا تغير في قوى 14 آذار بعد استشهاد جبران تويني؟

– اشياء كثيرة تغيرت. عند استشهاد جبران كان هناك حماسة وشعور ان يتم التغيير المطلوب. بعد 9 سنوات هناك خيبة امل لأن 14 آذار فقدت القدرة على المبادرة، وباتت في موقع المتلقي. هذا هو التحول الرئيسي في هذه السنوات التسع. آخر لحظة 14 آذارية فعلية كانت لحظة انتخابات العام 2009 حين تعبأ الناس والرأي العام دفاعا عن مكاسب حققوها، وفي ما بعد استمرت 14 آذار بحكم الوجود والفراغ.

■ هل فرطت 14 آذار ولماذا؟

– 14 آذار اصبحت “اربتعشين” آذار، 14 آذار الناس الذين لا تزال في ذاكرتهم وضميرهم لحظة ذلك التاريخ التي صنعوها هم، هذا الجانب الموجود في ضمير الناس، ولكن ليس له ترجمة بالسياسة وهذه هي اللحظة التي نعيشها الآن، و14 آذار تجمع الاحزاب المحكومة بالاعتبارات التقليدية القائمة على السلطة والصراع على السلطة ومن يصبح نائبا او وزيرا. في السياسة هناك عادة رابح وخاسر، اذا خسر فريق يربح الفريق الاخر تلقائيا. اليوم فريق 8 آذار خاسر، وخسارته كبيرة وليس قادرا على الخروج منها، فدخول “حزب الله” الى سوريا كارثة عليه، وهو يخوض حربا ليس قادرا على ربحها، كل ما باستطاعته عمله هو تأخير سقوط النظام في سوريا فقط، وبالتالي لا يعرف كم سيبقى، وكم سيدفع ليبقي هذا النظام قيد الحياة، لا يمكنه ان يحلم بأن يرد النظام كما كان، اي لا يمكنه ان يربح، يمكنه ان يؤخر الخسارة. هذه الخسارة لـ8 آذار لا تعني الربح لـ14 آذار، لانه لم يعد هناك اليوم صراع سياسي عادي، اي خسرت 8 ربحت 14، اليوم هناك نظرة ورؤية اخرى للبلد لم تقتنع 14 آذار بعد بضرورة صياغتها، لم تعد القصة بالسياسة اللبنانية من يتسلم او لا يتسلم وزارة، الفريقان تسلما حكومات ولم ينجحا لاسباب متعددة، بالتالي وصلنا الى طريق مسدود بالسياسة واصبحت من دون معنى.

■ وما الحل؟

– يجب ان نطوي الصفحة ونؤسس للسلام في البلد ونعمل على اعادة تفعيل دور لبنان في سياسة المنطقة وما يجري فيها، اي ان يكون هو المؤثر بما يجري في الخارج، عوض ان يكون متلقيا منه.

■ اين اخطأت 14 آذار؟ وأين اصابت؟

– اصابت بأنها اخرجت الجيش السوري، وحققت مسألة العدالة من خلال المحكمة الدولية. لكن ما لم تتمكن من انجازه هو طي صفحة الماضي والتأسيس لأمر جديد انطلاقا من كلام تكرر في 14 آذار وهو كيفية بناء دولة مدنية حديثة. هناك رؤية لم تتمكن من تحقيقها، وضاعت بزواريب السياسة وفي الخوض بنقاشات ومماحكات داخلية في ما بينها حول “القانون الارثوذكسي” والمشاركة في الحكومات او لا. احزابها تصرفت بشكل تقليدي، وقسم منها مثل “التيار الوطني الحر” انقلب عليها بسبب المحاصصة وانتقل كليا الى الطرف الآخر، ولم تعرف بقية الاحزاب كيف تحدث عملها، وما زالت في منطق الما قبل، بينما الناس اصبحوا في مكان آخر مختلف.

■ هل شهداء 14 آذار راحوا ضيعان؟

– بالطبع لا. هذه محطة لم يعد بامكاننا ان نلغيها. تاريخ لبنان بات اساسه من يوم 14 آذار 2005، وما يحصل الآن هو محاولة لاعادتنا الى ما قبل هذا التاريخ وفشلت، وستفشل اكثر. لكن الآن اصبح من الضروري تجديد نَفَس 14 آذار، لم يعد بامكانها الاستمرار على هذا المنوال. شهداؤنا اوسمة على صدر كل مشارك في 14 آذار الذي كان اول اشارة الى هذا الربيع العربي الذي غير المنطقة، والثورات تحتاج الى اعوام حتى تظهر نتائجها الفعلية.

■ لكننا نحن نعود كل سنة سنوات الى الوراء.

– هناك جريمة ارتكبها المجتمع الدولي بحق هذه الثورة عندما قرر ان يحول سوريا الى فيتنام بالنسبة الى ايران، ويسمح باستمرار القتل فيها ويستنزف ايران فيها، وهذا ما حصل ولكن بكلفة باهظة بررت بروز عنفيين وصار المنطق: اذا كان العنف بهذا الحجم مقبولا من هذا الطرف، فلماذا لا يكون مقبولا من الطرف الآخر؟

■ هل لا تزال كرة الرئاسة في ملعب المسيحيين كما يقول بعض الاطراف؟

– هذا رمي للكرة الى معسكر المسيحيين هو لرفع المسؤولية. فشل انتخاب رئيس للجمهورية فشل لبناني عام. القول ان المسيحيين لم يتفقوا هو محاولة لتحميلهم المسؤولية، وطريقة التعاطي بهذه المسألة فيها خفة استثنائية.

■ بعض الاطراف المسيحيين يقول اذا نزل العماد ميشال عون الى المجلس تحصل انتخابات. هل تشاطره الرأي؟

– الامر لم يعد متوقفا على هذه المسألة. سبق ان بدأت القصة بتحديد المرشحين وتصنيفهم بالاقوياء، وهذا خطأ ارتكبته المرجعية الروحية. وتقلص الموضوع من انتخاب يفترض ان يشارك فيه الجميع، الى انتخاب يشارك فيه المسيحيون، ثم الى المسيحيين الاقوياء. منذ البداية، ونظرا الى موازين القوى الموجودة في البلد كان مفهوما انه لن تحصل انتخابات، ولا انتخاب لقيادات من هذا الفريق او ذاك، وأن البحث يجب ان يتم حول مرشح تسوية. وهذا المرشح ليس هو تسوويا كانسان، اي ليس من هذا الفريق او ذاك، بل هو المرشح الذي يأتي بناء على تسوية ليس حول الاسم بل حول الوضع، لانه اذا تمكنا من انتخاب شخص ما بغياب هذه التسوية، لن يمكنه القيام بشيء، ونكون اتينا بشخص معطل دوره سلفا. وللوصول الى هذه التسوية كان يفترض ان يكون الكلام كالآتي: هناك مشروع برز منذ العام 2006 وصل الى نهايته هو مشروع “حزب الله”، هل تريدون الاستمرار به نعم ام لا؟ اذا لا فلنلملم الوضع، ولتطرح مبادرات من قبل 14 آذار بهذا الاتجاه، وتتوجه الى كل الناس وليس الى الحزب فقط، فكلنا ذاهبون الى الخسارة اذا لم نلملم الوضع. كان مطلوبا من الداخل ان يعمل بهذه التسوية، ويساعده الخارج بخلق المناخ المؤاتي لها. بينما الآن اصبح وضعنا كله بيد الخارج

■ كيف تنظر الى الحركة الديبلوماسية الاجنبية باتجاه لبنان، هل تصب فعلا في خانة انتخابات رئاسية ام لملء الوقت فقط؟

– ما نقوله هولملمة الوضع قبل ان تظهر خسارة فريق بشكل واضح، وليست غايتنا فشل الفريق الخصم، همُنا البلد، اذا اردنا وقف القصة هنا فلنفعل. هذه السياسة نفسها تعتمدها الاطراف الفرنسية وغيرها مع ايران، اليوم لا يزال لك كلمة، وفي جو الصراع الدائر لا نعرف غدا ما اذا كانت ستبقى الكلمة. ويبدو ان الايرانيين هم من ساهموا باطلاق المبادرة الفرنسية الاخيرة، وهم من شجعوا الفرنسيين على القيام بها، مثلما شجعوهم عند تشكيل حكومة المصلحة الوطنية.

■ يعني هذه الحركة قد تنتج منها بركة؟

– نعم ممكن، وتفاؤلي ناتج من حالة انتهاء المشاريع الانتصارية، ونصبح حينها قادرين جميعا على الجلوس الى الطاولة نفسها. لكن اذا كان لا يزال هناك وهم عند احد انه اذكى او اقوى وقادر على تغيير المعادلة، فلا يجلس معك.

■وماذا عن التحرك الروسي؟

– الروسي كلامه لافت ايضا عندما تحدث عن “اعلان بعبدا” الذي تكمن اهميته بأن الاطراف، جميع الاطراف، وافقت عليه، ويمكن اعتباره الترجمة السياسية الحالية لاتفاق الطائف الاساسي. عندما يتحدث الروسي هكذا فهذا يعني ان هناك تغييرا فعليا. الا يدري الروسي ان “حزب الله” ومعه فريق 8 آذار تراجع عن موقفه في هذا الشأن؟ الاشارات الآتية من روسيا ومن فرنسا والتي اتى جانب من تحركها باشارة ايرانية، يجعلني اقول ان هناك امكانية لتحريك الوضع في لبنان.

■ كيف تنظر الى دور بكركي وما تقوم به في هذا المجال؟

– دور بكركي في انتخاب رئيس الجمهورية ليس هو الحاسم. هناك نقص اساسي في تمثيل المسيحيين في كل منطقة الشرق الاوسط، وهنا كان يفترض ان يكون دور بكركي تحت عنوان ما دور المسيحيين في اعادة ترتيب اوضاع هذه المنطقة؟ وليس اضاعة الوقت بتصنيف المرشحين الاقوياء، ولا في البحث عن حماية الاقليات. نحن كمسيحيين نطالب بحماية الجميع وليس الاقليات. الاكثرية التي تُذبح في سوريا الا تستحق الحماية؟ وهل بالامكان طلب الحماية لأقلية ولا اطلبها لاكثرية؟ هنا دور بكركي، كما كان دائما في فترة النهضة العربية وتأسيس لبنان واستقلاله. اليوم دور المسيحيين ان يكونوا عامل تقاطع في هذه المنطقة. بكركي ضاعت عن هدفها، وعليها العودة الى دورها في خوض معركة ديموقراطية العالم العربي وحداثته وعلاقته بالعالم الاوسع، وليس تضييع الوقت بأمور سياسية صغيرة وتافهة. ودورنا الآن ان نشرح للغرب ان العنف الذي بدأ يظهر عنده حله عندنا، ولا حل له بمعزل عنا.