أنطوان نجم/لبنان الكبير: من هو الموحي؟

101

لبنان الكبير: من هو الموحي؟

أنطوان نجم/أم تي في/02 آب/2021

أصدر مجلس إدارة “متصرفيّة جبل لبنان” بتاريخ 9 تشرين الأول 1918 قرارًا يطلب فيه استقلال لبنان بحدوده الأصلية.

– الجالية اللبنانيّة في باريس طالبت في 5 كانون الثاني 1919 باسترجاع حدود لبنان التاريخيّة وإعلان استقلال لبنان الكبير.

– الوفد اللبنانيّ إلى مؤتمر الصلح طالب في فرساي في 13 شباط 1919 بلبنان الكبير وإعلان استقلاله.

– “جورج بيكو” حاول إقناع البطريرك الحويك بإلحاق لبنان بحكومة دمشق.

– قرار مجلس إدارة “متصرفية جبل لبنان” بتاريخ 20 أيار 1919 بإعلان دولة لبنان الكبير. فأصدر قرارًا جاء فيه:

1- “إعلان استقلال لبنان التام”.

2- “حياده بحيث لا يحارِب ولا يحارَب ويكون معزل عن كل تدخل حربيّ”.

التواقيع: الحاج محد حسن، الياس الشويري، فؤاد عبد الملك، محمود جنبلاط، سليمان كنعان، سعد الله الحويك.

– فشل كليمنصو في الانتخابات النيابيّة. فاستقال وانسحب من الحياة السياسيّة.

– بعد استقالة كليمنصو جاء “ألكسندر ميلليران” رئيسًا للحكومة الفرنسيّة في 18 شباط 1920. طلب البطريرك الحويك من البابا بندكتوس الخامس عشر التدخل لدى ميلليران، لانّهما صديقان كبيران. نزل ميلليران عند رغبة البطريرك على الرغم من وعد ميلليران سابقًا الأمير فيصل برفض مشروع لبنان الكبير. وحصلت “معركة ميسلون” في 24 تموز 1920 التي دفعت الأمير فيصل إلى اللجوء إلى العراق. وأُعلن لبنان الكبير في أوّل أيلول 1920. وفي 23 أيلول 1920 استقال ميلليران.

… وتثبيتُه في الجُمهوريّة اللبنانيّة

​أُعلن “لبنان الكبير” على الرغم من ممانعة أكثريّة سنّيّة وشيعيّة ودرزيّة وأرثوذكسيّة خارج “متصرّفيّة جبل لبنان”. كما قامت أحداث أمنيّة عنيفة في الجنوب، وخصوصًا “عين إبل” .

​بعد ذلك، انعقد مؤتمر في دمشق في العام 1928 شاركت فيه قيادات لبنانيّة من أمثال عبد الحميد كرامي ورياض الصلح… ومؤتمران آخران في بيروت في العامَين 1933 و1936 ساهمت فيهما، أيضًا، قيادات لبنانيّة من مثل سليم علي سلام وجميل بيهم وعبد الحميد كرامي… والهدف المشترك لهذه المؤتمرات رفض الانضمام إلى “لبنان الكبير”.

ولكن لم يؤثّر أيّ من هذه المؤتمرات، ولو قِيدَ شَعرةٍ، على تغيير الوضع القائم.

وفي مطلع الأربعينيّات من القرن العشرين، اتّفَقَ بشارة الخوري، باسم المسيحيّن، ورياض الصلح، باسم المسلمين على تأكيد استمرار الكيان اللبنانيّ واستقلاله، على أساس ما أُطلق عليه “صيغة 1943” الشفويّة التي توافق عليها القائدان الكبيران الخوري والصلح.

وانتسبتْ دولةُ لبنان إلى منظّمة الأمم المتّحدة في 24-10-1945.

لم تعترف سوريا، يومًا، باستقلال دولة لبنان منذ نشوئهما. ولكنّها أُرغمت على ذلك بتاريخ 16-10-2008.

وعلى الرغم من كلّ شيء، بقيَ الكيان اللبنانيّ قائمًا ومعترفًا به عالميّا، دولة مستقلّة بحيث تمّ انتسابه، في العام 1944، إلى “جامعة الدول العربيّة” التي خصّته بموقف خاصّ به يدلّ على الإقرار بقيمته وبدوره، عبّر عنه القرار الآتي:

“تؤيّد الدول العربيّة الممثّلة في اللجنة التحضيريّة مجتمعة احترامَها لاستقلال لبنان وسيادته بحدوده الحاضرة، وهو ما سبق لحكومات هذه الدول أن اعترفت به بعد أن انتهج سياسةً استقلاليّة أعلنتها حكومتُه في بيانها الوزاريّ الذي نالت عليه موافقة المجلس النيابيّ اللبنانيّ بالاجماع في 7 تشرين الأول سنة 1943”.

بعد قيام دولة إسرائيل في العام 1948، ذُكرت الحدود الرسميّة بينها وبين لبنان على النحو الآتي: “يتبع خطُّ الهدنة الحدودَ الدوليّة بين لبنان وفلسطين”. ولم يأتِ مثلُ هذا، في العام 1949، مع أيّةٍ أخرى من الدول العربيّة التي تحيط بإسرائيل.

دامت الهدنة على الحدود اللبنانيّة الجنوبيّة عشرين عامًا كاملة ولو تخلّلتها مناوشات غير ذات بال. أمّا الخروقات المهمّة فجاءت مع خروقات جماعات “ياسر عرفات” في العام 1968، في قيامها بعمليّات ضدّ إسرائيل، ممّا مهّد لحروب 1975 في لبنان، والتي عزّزها تدخّل آل الأسد وسيطرتهم حتى هزيمتهم في العام 2005 باضطرار الجيش السوريّ إلى الانسحاب من لبنان. كما كانت الحرب العربيّة-الإسرائيليّة في العام 1967 قد أدّت إلى احتلال إسرائيل ما سمّي “الضفة الغربيّة”. وكان لبنان، حتى هذا التاربخ، الدولة الوحيدة، من بين ثلاث تحيط بالدولة العبريّة، محافظًا على جنوب آمنٍ ومستقرّ. ومنذ ذاك الزمن لم يعرف هذا الجنوب أيّ اطمئنان.

خلال فترة الاستقلال في العام 1943، ذهب وفد لبنانيّ إسلاميّ غير رسميّ إلى مصر لمناشدة رئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا أن يساعد مسلمي لبنان في سعيهم للانفصال عن لبنان والالتحاق بسوريا. فكان رفضه باتًا وطلب إليهم أن يبقوا في دولة لبنان. وكذلك، في العام نفسه، كان موقف شكري القوتلي، رئيس حزب الكتلة الوطنيّة في سوريا، وفي ما بعد رئيسًا للجمهوريّة السوريّة.

وبالمناسبة، عشتُ في العام 1958 حدثًا مشابهًا.

كنتُ لا أزال في طرابلس (حيث ولدتُ ونشأتُ) عندما ذهب وفد طرابلسيًّ برئاسة رشيد كرامي إلى دمشق لملاقاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان في زيارة دمشق، العاصمة الثانية لـ”الجمهوريّة العربيّة المتّحدة” (مصر وسوريا)، ومطالبته أن يقبل “دولة لبنان” عضوًا ثالثًا في تلك الجمهوريّة. فكان رفض الرئيس عبد الناصر قاطعًا. ونصح أعضاءَ الوفد بأن يبقوا في “دولة لبنان” وأن ينتخبوا قائد الجيش اللبنانيّ فؤاد شهاب لرئاسة الجمهوريّة. وهذا ما حصل.

ولا بدّ من عودة إلى العام 1945.

في هذا العام حضرَ إلى “مدينة القدس” “بيار” ابن الرئيس إميل إدّه للاتّصال بـ”حاييم وايزمن” رئيس “المنظمة الصهيونيّة العالميّة”. نشر الباحثُ الإسرائيليّ الذائع الصيت “إيتامار رابينوفيش” ما يأتيّ: “في اجتماع لهيئة إدارة الوكالة اليهودية بتاريخ 11 شباط 1945، أورد وايزمان، رئيس الوكالة، أنّ “ابن الرئيس السابق جاء لزيارتي. هو مسيحي ذو تأثير فرنسي كبير، أتى إليّ باقتراح…بأن يسلّمنا، أي لوطننا الأم، صور وصيدا… لأنّ فيهما مئات الآلاف من المسلمين. فأجبته قائلًا إنّ جدّي كان يقول دائمًا إنّه لا يقبل الهدايا المفخخة. لكنه لم يستسلم، وقال إنه سيعود مجدّدًا.”

وجاء في خطاب مناحم بيغن، رئيس وزراء إسرائيل، من على منبر الكنيست يوم 7 أيار 1979:

“وانني أعرب عن ثقتي بأنه ليس للبنان مطالب إقليمية لدى إسرائيل، وها أنا أعلن باسم حكومة إسرائيل أنه ليست لدولتنا أي مطالب إقليمية لدى لبنان، ذلك أننا نؤيد سلامة لبنان الإقليمية وسيادته.” وأضاف: “لقد ساعدنا وسنواصل مساعدة المسيحيين والشيعة في ممارسة حياتهم في ظل الأمن والسلام.”

هذا ما حصل في خطوطه العامّة

فهل من تفسير لما جرى لهذه الأحداث وتتالى، ما بين 1920 و2005، على هذا النحو بالذّات، في مسارٍ مستمِرٍّ في توجُّهٍ واحد سَّويّ، على الرغم من الصعوبات القائمة واختلاف الزمان والظروف والمعطيات والأهداف ونوعيّة “المسؤولين” وتناقضاتهم وجنسيّاتهم؟ مع الإقرار بأن يكون لكلّ حدث تفسيره التاريخيّ أو السياسيّ، على الأقلّ.

ومَن هو المُوحي الحقيقيّ؟