ليا القزي: لقاء سيدّة الجبل واستعادة دور المسيحيين: المحطة 12 في انتظار الـ 13/ربى كبارة: سيدة الجبل: استنهاض الدور المسيحي الريادي واستعادة تنويرية لمحطات تاريخية مشرقة

265

«سيدة الجبل»: استنهاض الدور المسيحي الريادي واستعادة تنويرية لمحطات تاريخية مشرقة
ربى كبارة/المستقبل/29 شباط/16

شكل نقاش الخيارات اللبنانية والمسيحية في ظل ظروف معقدة جدا وصعبة على المستويين الداخلي والاقليمي بما يمكن للبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا القيام به، بعيدا عن التبسيط السياسي الذي يحيط بنا خصوصا بعد وصول التداعيات الى اوروبا عبر موجات عنف وهجرة، محور الخلوة التي عقدها السبت «لقاء سيدة الجبل» كمجال للتفكير بشكل جماعي وبصوت عال، واختتمت بـ«نداء من اجل استعادة دور المسيحيين التاريخي« باعتباره دورا نهضويا لان الانكفاء الى حضن مقولة «حماية الاقليات» في ظل التشنج المذهبي المسيطر على المنطقة ليس الحل.

ولخص منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد لصحيفة «المستقبل« مهمة الخلوة بـ«المساهمة في تحديث العروبة باعتبارها رابطة ثقافية» لافتا الى ان «العروبة المشوهة تخيف المسيحيين كما تخيف المسلمين». وأعرب عن امله بأن يتوسع النقاش الذي اطلقته الخلوة الثانية عشرة بحضور قادة رأي ومثقفين وفعاليات من المستقلين اضافة الى حزبيين شاركوا بصفة شخصية. ولفت سعيد الى ان هذه الخلوة التي اتت «وسط ظروف مختلفة في الداخل والخارج وضعت امام اللبنانيين لغة واحدة لكل الاسئلة فيما تستخدم الطوائف عادة لغتين: لغة داخلية واخرى وطنية».

وقرر المؤتمرون للمرة الاولى عقد خلوات في المناطق تنبثق عنها لجان متابعة بما يساعد على توسيع اطار اللقاء بما يساهم في تقدم توصيات النداء الذي القاه النائب السابق سمير فرنجية وناقشه الحاضرون قبل صياغته النهائية. وقد لفت النداء الى اننا البلد الوحيد في العالم «حيث يتشارك مسيحيون ومسلمون في ادارة دولة واحدة كما اننا البلد الوحيد في العالم الاسلامي حيث يتشارك سنة وشيعة في ادارة دولة واحدة». . وتضمنت حيثيات الخلوة كلمة افتتاحية لسعيد، وتلاوة ثلاث اوراق واردة من شخصيات مسيحية هي للاردني الوزير السابق مروان المعشر والمعارض السوري ميشيل كيلو والوزير السابق طارق متري.

شدد النداء خصوصا على «توثيق علاقات المودة والتفاهم والتناصر مع مسيحيي العالم العربي» وعلى «التواصل مع المسلمين الذين يناهضون التطرف واللاتسامح» وصولا الى قيام «مشرق العيش معا». كما شدد على التواصل مع قوى الاعتدال في أوروبا، التي تناهض الاسلاموفوبيا وكل اشكال التمييز ضد الآخر المختلف حتى يغدو المتوسط «متوسط العيش معا» بدل ان يكون «بحر التصدعات « التي لم يعد احد بمنأى عنها.. كما لفت الى المخاطر التي تحيط بلبنان لانه «يعيش تحت سيف التهديد باندلاع حرب اهلية جديدة، يتقابل فيها هذه المرة مسلمون سنة ومسلمون شيعة، ليس في لبنان وحسب، وانما على امتداد المنطقة العربية. وهذه الحرب، ان وقعت ستعني نهاية لبنان، وطنا ودولة ونموذجاً للعيش المشترك». وأكد النداء ان الحرب التي تطل برأسها «تعني المسيحيين بمقدار ما تعني المسلمين» مذكرا بمقولة بطاركة الشرق الكاثوليك «ان المسيحيين جزء عضوي من الهوية الثقافية لمسلمي الشرق مثلما مسلمو الشرق جزء عضوي من الهوية الثقافية للمسيحيين». وشدد على ضرورة «مساهمة المسحيين الفعالة في بناء سلام لبنان» ودعاهم «للنهوض بهذا الواجب» لوضع حد للانحدار عبر «العودة الى رسالتنا التاريخية التي صنعت خصوصيتنا».

وفي معرض تأكيد القدرة على خوض هذه المعركة عدد النداء تاريخ المحطات المشرقة التي كان للمسيحيين فيها «دور طليعي في اعلاء فكرة العيش المشترك» عبر مساهتهم منذ القرن التاسع عشر في حركة «النهضة العربية»، ثم برفضهم عام 1920 فكرة «الوطن المسيحي»، وبرفضهم عام 1943 استمرار الانتداب الفرنسي. كما وانهم كانوا غداة حرب 1975-1990 «في طليعة المبادرين الى العمل لاستعادة العيش المشترك الاسلامي-المسيحي». كل ذلك اضافة الى انهم مع نداء البطاركة عام 2000، هم «اول المبادرين في العالم العربي لخوض معركة الحرية في وجه انظمة الاستبداد» بما مهد الطريق لـ«ثورة الارز» وهي اولى تباشير «الربيع العربي». كما ذكر بان «المجمع البطريركي الماروني» كان اول الداعين في العالم العربي عام 2006 الى اقامة «الدولة المدنية لإرساء دعائم العيش المشترك على شروط الدولة الجامعة وليس على شروط جماعة طائفية».

ولفت النداء الى ان دور المسيحيين «يتعرض اليوم للطعن في جدارته ومصداقيته بفعل قوى اختزلت السياسة في مجرد الصراع على السلطة، بما ادى الى الانحياز الى المحور السوري- الايراني(…) بذريعة حماية الاقليات وصولا الى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية» في تلميح، بدون تسمية، الى «التيار الوطني الحر» المتحالف مع «حزب الله». وتساءل سعيد في كلمة الافتتاح عما يمكن للمسيحيين اليوم القول لو كانوا مكان البطريرك الياس الحويك (1920) الذي رفض قيام لبنان كدولة ملجأ لمسيحيي الشرق وطالب امام كليمنصو بلبنان الكبير. وقال الهدف المساعدة على تحديد « ماذا نختار؟ وما هي المتغيرات التي تفرضُ نفسَها علينا؟» لافتا الى ان ذلك يتطلب «درجة عالية من الرصانة السياسية والوضوحِ في قراءةِ الأحداث السياسية والشجاعة في تحديدِ الخيار»..

ولخص سعيد أبرز متغيراتِ اليوم بعدة نقاط ابرزها:

محاولةُ قوى إقليمية غير عربية التحكّم بقرار المنطقة: «اسرائيل التي تحاولُ أن تكون امتداداً للغرب في أرض الشرق، تركيا- التي تقدّمُ نفسَها قوة إقليمية إسلامية قادرة على التفاعل مع العرب وفي الوقت نفسِه قادرة على التفاعل مع النظام العالمي الجديد، وايران- التي تمددت بنفوذِها حتى وصلت إلى البحر في غزة وبيروت مروراً بعواصم اليمن والعراق وسوريا»..

ومن المتغيرات محاولة المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي «الحفاظ على نظامِ المصلحة العربية بحيث لا يتحول العالم العربي الى ضواحي قوى اقليمية غير عربية «.

وهناك بوادر جدّية لعودة ايران إلى حضن النظام الدولي القائم وان كانت لا تزالُ ملتبسة وفي بدايتها، خصوصا وانها تحاولُ التعامل مع الغرب بوصفها «دولة»، ومع المنطقة العربية بوصفها «ثورة»، بما تحملُه هذه الازدواجية من مخاطر عليها وعلى المنطقة في آنٍ معاً.

يضاف الى ذلك دخولُ روسيا بقوة على خط النزاع الاستراتيجي في المنطقة العربية وعليها، يتميز بانحيازه الشديد إلى النظام السوري وإلى «تحالف الأقليات»مع استخدام شعار محاربة الإرهاب الملتبس، كذلك عودةُ الكلام على مسألة الأقليات الذين ينظرون إلى أحداثِ المنطقة بعين القلق، ويبحثون عن أشكالٍ مختلفة من الحماية.

دخولُ الإسلامِ كمكوّنٍ إجتماعي وسياسي وانتخابي إلى أوروبا، وهو «عاملٌ مؤثّر على ديموقراطيات الغرب».

وكذلك بروزُ تياراتٍ إسلامية متطرفة، تتراوحُ ما بين قيامِ دولةِ ولاية الفقيه ودولةِ الخلافة ولجوئها الى عنفٍ متنقّل وفائضٍ عن حدودِ المنطقة العربية، مما شوّهَ صورةَ المنطقة وساهمَ في بروزِ تيارٍ معادٍ للإسلام في الغرب اضافة الى بروزِ تيارِ معادٍ للمسيحية بوصفها في نظره – حاضنة للنظامِ العالمي المعادي لقضايا العرب والمسلمين العادلة، مثلَ قضية فلسطين وقضية الشعب السوري.

وهناك ظاهرة العنف الإرهابي المنفلت وغير المسبوق وهو «العنف الايديولوجي المذهبي المتلبِّس بالإسلام، وما يقابله من عنفٍ مضاد على القاعدة ذاتها»، وهما يتواطآن اليوم عملياً على تجاوز حدود الدول الوطنية القائمة، بل إلغائها، لصالح أجندات بعيدة كل البعد عن نظام المصلحة الوطنية.

بالمقابل هناك بروزُ تيارٍ مدني واعد، مع انتفاضات «الربيع العربي» السلمية ولئن أُصيبَ بانتكاساتٍ خطيرة، إلا أن ثمة مكانة معتبرة لـ «الدولة المدنية» في منظومة شعارات الإصلاح في مقابل مفهوميّ «الدولة الأمنية» و»الدولة الدينية».

وقد توالت هذه المتغيرات «في ظل فشل النظامِ العربي الذي أعقبَ مرحلةَ الإنتدابات الغربية، ثم قيامُ دولة إسرائيل، في توفيرِ الاستقرار والتنمية المستدامة لمعظمِ الكيانات الوطنية الناشئة بسبب قيامِ سلطاتٍ إستبدادية عسكرية (…) والعجز عن بلورةِ أطروحةٍ واضحة لنظامِ المصلحة العربية المشتركة وسبلِ تحقيقه».

من ناحيته اعرب مروان المعشر عن تأييده «الحاجة الى تجدد مسيحي، بل تجدد عربي يعمل من اجل مجتمعات عمادها المواطنة المتساوية الحاضنة للتنوع بكافة اشكاله الدينية والثقافية والسياسية. فالدولة المدنية الديمقراطية هي حامية الاخر، ولا مكان فيها للعنصرية ولا متسع للاقصاء». ورأى ان اساس ذلك وضع «المسيحيين والمسلمين ايديهم بعضا مع بعض من اجل بلورة مشروع دولة حداثي تنويري مدني ديموقراطي ضمن مناخ ينظر للتعددية على انها مصدر قوة لا ضعف واعتبر ان تطوير مفهوم حداثي للهوية العربية مرتبط بالمواطنة الحاضنة لا المستوعبة فقط للتنوع، لافتا الى ان خلاف ذلك يؤدي الى سهولة الحديث عن طوائف واكثرية واقلية .

وحدد المعشر المشكلة باقتصار قوى «الاعتدال» على تعريف نفسها فقط بوقوفها ضد قوى «التطرف». لكن حين يتعلق الموضوع بالتعريف الإيجابي لهذه القوى بمعنى مشروعها التفصيلي لملامح الدولة المدنية الحديثة، فإنه لا توجد مجموعة عربية، منفردة أو مجتمعة، لديها مشروع لمستقبل تنويري مصحوب بإرادة سياسية وخطوات عملية لتنفيذه.

ورأى ان قوى الاعتدال ان ارادت «ان تتمتع بشعبية و مصداقية عريضة، بحاجة لمشروع تنويري تعددي مدني ديمقراطي وان هذا المشروع ان وجد بالتوازي مع الارادة السياسية لتنفيذه كفيل بالتصدي للافكار و الممارسات الداعشية في عالمنا العربي». وبينما الوقوف امام الاخطار الامنية ضروري، فانه وحده لا يصنع مستقبلا مشرقا دون مشروع حداثي لبناء الدولة العصرية. من ناحيته لفت ميشيل كيلو الى مشكلة نواجهها اليوم كمسيحيين عرب وهي «استحالة الوقوف جانبا في صراع مفصلي كالذي نعيشه منذ خمسة اعوام في سورية والمنطقة العربية وجوارها، تتدخل فيه قوى اقليمية ودولية جبارة ومتناقضة المصالح والخطط، وتخوضه وكأنه صراع داخلي نشب ضدها وعلى أراضيها«. أضاف «مشكلتنا كمسيحيين ان واقعنا الراهن يطرح علينا اسئلة نتهرب من الاجابة عنها، رغم انها تتطلب اجابات تعبر عنها مواقف عملية تتخطى اية كلمات، منها: هل ننتمي إلى مجتمعاتنا، العربية والمسلمة، أم إلى مجتمعات أخرى، وهل نحن ضيوف في بلداننا، وأجراء عند حكامها، ام اننا الجزء الاصيل من شعوبها، الذي يحمل هويتها ولا ينتمي إلى غيرها، وعليه ان يقاسمها مصيرها في السراء والضراء؟. وهل يجوز ان نكون محايدين في الصراع الدائر بين حكوماتنا الفاسدة والاستبدادية، وبين شعوبنا المطالبة بالحرية والعدالة والمساواة؟».

وذكر بانه سبق للمسيحية العربية أن واجهت اوضاعا تشبه وضعنا الحالي وانها «عرفت كيف تتخطاه كل مرة بحكمة آباء الكنيسة، الذين فاضلوا بين اهل حكم يشهرون سلاح التجبر والعنف وبين ضحاياهم الضعفاء، ووجدوا أن من الأفضل لكنيستهم ورعيتهم الوقوف مع الأخيرين، وأن يدفعوا ثمنا عاجلا هو جزء مما يدفعه بقية الناس، لكنه يحمل لهم النجاة، بما انه يوحد مصيرهم ومصير اخوتهم المسلمين، شركاءهم في التاريخ والهوية والمآل«.

وتساءل كيلو «منذ متى كان المسيحيون اقلية في بلدانهم، وهل يجوز لنا ان يحولوا انفسهم الى اقلية، الى اغراب في محيط لا يشبهونه ولا يشبههم، يحميهم منه قتلة يحتمون بهم ويستخدمونهم كدروع بشرية ضد شعب يفترض انهم ينتمون اليه؟«.

وخلص المعارض السوري الذي امضى عقودا في سجون النظام الى القول» تقف مسيحيتنا على مفترق طرق، لا ابالغ اذا قلت إنها لن تبقى بعده ما كانت عليه قبله، وأن مصيرها بيدها، ويحتم عليها التعامل مع نفسها ومبادئها بأعلى قدر من روح المسؤولية الايمانية والانسانية، وعدم التخلي عن مبادئها من أجل وقتيات سياسية عابرة، تتصل بصراعات لا مبادىء فيها ولا انسانية ولا ضمير ولا دين». وتحت عنوان «نحو حضور مسيحي متجدد» حذر الوزير السابق طارق متري من «اللغة المزدوجة» في الحديث عن قضايانا المجتمعية لأن «المسافة تضيق بين مايبوح به البعض داخل الجماعة وما يعلنه في الحياة العامة». ورأى انه بغض النظر عن اخفاقات المسيحيين ومعاناتهم «فإن ثنائية الاقلية المنكفئة والاغلبية الطاغية لم تغلق عليهم يوما ولم تطبع مواقف المسلمين حيالهم»وذكر بغياب أي نص مسيحي مرجعي في العقود الخمسة الاخيرة «يضع ما صار يدعى هواجس الاقلية في تناقض مع توجهات الاغلبية«.

وقال «ان مشكلات المسيحيين كانت بمعظمها تعبيرا عن مشكلات المجتمعات العربية كلها» وانهم «عانوا كغيرهم من تراجع فكرتي الدولة والمواطنة وتضرروا من اعاقة تحققهما اكان ذلك بالاستئثار او التسلط او بغلبة منطق القوة على منطق الحق والتهديد وتجديد الاحقاد القديمة او اختراع احقاد جديدة». وشدد على ان مساهمات المسيحيين في النهضة العربية سابقا «لم تفقد معناها بل تستحق ان تستعاد وتتجدد في زمن التغيير العربي الذي لم تعرف مآلاته» لافتا الى اهمية عدم وقوع المسيحيين أو ايقاعهم «في اقلوية معطلة لدورهم» منبها الى تنوع المسيحيين والى تعدد الاتجاهات عند المسلمين.

ولفت الى عدم وجود تناقض بين هواجس الاقلية وهموم الاغلبية و»ان النظرة الثنائية التي توحي بانقسام عمودي لا رجعة فيه ليست المفتاح الوحيد لفهم الواقع ولا توفر الادوات اللازمة لتغييره اللهم الا الانسحاب والهجرة».

 

 

لقاء سيدّة الجبل واستعادة دور المسيحيين: المحطة 12 في انتظار الـ 13!
ليا القزي/الأخبار/02 آذار/16

للمرّة الثانية عشرة، يلجأ أعضاء قرنة شهوان السابقون والأمانة العامة لقوى 14 آذار إلى لقاء سيدة الجبل، «متضرّعين» بأن يسمع أحد من الأطراف السياسيين نداءهم. العنوان العريض هذا العام كان «استعادة دور المسيحيين». خلوات لقاء سيدة الجبل، التي تُعقد سنوياً، ليست جديدة. المواقف التي تصدر عن المجتمعين شبه مكرّرة، مع التشديد في كلّ مرّة على أن «المميز هذا العام هو إنشاء لجنة لمتابعة المقرّرات» والتي غالباً ما تنتهي في الأدراج. ولكن يكفي هؤلاء، من وجهة نظرهم، أنه لا يزال «هناك صوت مُعتدل في مجتمع ينحو أكثر فأكثر نحو التشدد. وهو ليس صوتاً في البرية». نقطتان برزتا في «ورقة العمل»، التي شكلت ركيزة النقاشات في خلوة أمس، والتي ألقاها النائب السابق سمير فرنجية: الأولى، انتقاد التحالفات الثنائية (وخاصة لقاء معراب) عبر اتهامها بـ«طعن» صدقية الدور التاريخي للمسيحيين «بفعل قوى اختزلت السياسة في مجرد الصراع على السلطة». والثانية مبطنة، وموجهة إلى سياسة الكنيسة المارونية من خلال الإشارة إلى الذين انحازوا إلى «المحور السوري ــ الإيراني، بعدما خاضوا معركة الاستقلال ضد هذا المحور ودعم ديكتاتورية النظام السوري بذريعة حماية الأقليات».

«بالهدوء الذي يتمتع به، رغم أنني لا أعرف إن كان آل فرنجية هادئين هذه الأيام»، كما علّق النائب السابق فارس سعيد ممازحاً، حذّر فرنجية من الحرب السنية ــــ الشيعية التي إن وقعت «ستعني نهاية لبنان، وطناً ودولة ونموذجاً للعيش المشترك». وهنا تبرز مسؤولية المسيحيين في عدم توفير «جهد لمنع هذا السقوط إلى الجحيم… الحرب تعنينا بمقدار ما تعني المسلمين أنفسهم». الحمل الذي يضعه فرنجية على ظهر هذه الجماعة يبدو ثقيلاً في وقت هم أوهن من تلقّف مبادرة. بيد أن لـ«البيك الأحمر» رأياً آخر، فتاريخياً «لعبنا دوراً طليعياً في إعلاء فكرة العيش المشترك. وكنا، مع نداء المطارنة الموارنة عام 2000، أول المبادرين في العالم العربي لخوض معركة الحرية في وجه أنظمة الاستبداد، ممهدين بذلك الطريق نحو ثورة الأرز التي شكلت أول تباشير الربيع العربي». في خضم موجات التشنج التي يعيشها لبنان وارتفاع الخطاب الطائفي وعودة المسيحيين إلى خطاب الانعزالية والفتنة الإسلامية ــــ الإسلامية التي باتت قاب قوسين، يُصر فرنجية على «أننا نجحنا في خلق نموذج لبناني للعيش المشترك، هو اليوم محطّ أنظار العقول الرشيدة في العالم». على هذه القاعدة، يتمنّى «سيدة الجبل»: العودة إلى جوهر الرسالة الإنجيلية، وتوحيد الجهود بين المعتدلين في كل الطوائف لمواجهة المتطرفين في كل الطوائف، وأن نؤسس معاً لقيام مشرق عربي جديد، والتواصل مع قوى الاعتدال في أوروبا والعمل معها على اشتقاق رؤية جديدة لحوض المتوسط».

التحالفات الثنائية «تطعن» في صدقية الدور التاريخي للمسيحيين
الشخصيات نفسها التي تحضر يومياً الى مركز الأمانة العامة لقوى 14 آذار شاركت في الخلوة الـ 12 لـ«سيدة الجبل». وعوض أن يرتشف أبناء العاقورة وقرطبا وإهمز القهوة في منزل سعيد، كعادتهم صبيحة كلّ أحد، رافقوه إلى دير فتقا. أما الأحزاب «الآذارية»، فلم تُشارك في اللقاء «كوننا لم نوجه دعوات إلى أحد»، كما يقول سعيد. من حضر من الحزبيين كان بصفته الشخصية، مثل وفد الوطنيين الأحرار الكبير. من أزرارهم الحزبية تعرفونهم. «كأننا في احتفال للحزب السوري القومي الاجتماعي»، يُعلّق أحد الصحافيين حين يلحظ معدل الأعمار الكبير، نسبياً، في القاعة. يساريون سابقون وأعضاء من «المؤتمر الدائم للحوار اللبناني» ولقاء قرنة شهوان وشخصيات فلسطينية أتوا يناقشون كيفية «استعادة دور المسيحيين». المشاركون بدأوا بالوصول منذ التاسعة صباحاً، إلا أن أعمال الخلوة تأخرت قرابة الساعة عن موعدها الأساسي. لا بأس، سيقتل الحاضرون الوقت بسيجارة وفنجان قهوة وانتقاد لزيارات «الحج» إلى السفارة السعودية و«تقديم البيعة» لحكام الخليج تحت حجة «التضامن العربي». أحد الأشخاص يُخبر أنه سأل سعيد: «ما شفناك بالسفارة؟»، ليرد الأخير: «شو بدي إنزل أعمل؟». قبل أن توضح الزميلة ربى كبارة أن «فارس أصدر بياناً استنكر فيه ما حصل». في الزاوية الأخرى من البهو، أكد فرنجية لـ«الأخبار» أهميّة هذه الخلوة، فـ«هناك أشخاص يلتقون ويتباحثون في هذه الأمور، حتى ولو لم تكن هناك خطوات عمليّة»، مذكراً كيف أنّ «انتفاضة عام 2005 ما كانت لتتم لو أنه لم يكن هناك في حينه من يتكلّم». لضرورات البثّ المباشر، يطلب سعيد من الجميع الدخول إلى القاعة. وضع إطار الخلوة بأنها «للنقاش والتفاعل بعيداً عن التبسيط السياسي الذي نسمعه أحياناً». بعد ذلك، قُرئت رسائل وصلت إلى المنظمين من المعارض السوري ميشال كيلو والسياسي الأردني مروان المعشر والوزير السابق طارق متري، ليبدأ النقاش السياسي. ربما تكون أبرز المداخلات، كلمة الدكتور نبيل خليفة ابن «جماعة الحياة المشتركة». بالنسبة إليه «الحل هو مع أكثرية وليس خلق أقلية جديدة، لأن ذلك يعني خلق الفتنة». جميلة هي الطروحات والأفكار التي قدّمها المجتمعون في فتقا أمس، ولكن يبدو واقعياً سؤال عضو الأمانة العامة نوفل ضو: «نحن بحاجة إلى إطار تنظيمي وإلا ستكون هذه المحطة الرقم 12 بانتظار المحطة الـ 13».