ترامب الذيابي ولبنان
أحمد عدنان/العرب/31 كانون الثاني/16
قبل أسابيع طوال، أطلق المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب تصريحات عنصرية ضد المسلمين مطالبا بطردهم من الولايات المتحدة ومنعهم من دخولها، وردود الفعل على هذه التصريحات بدأت من البيت الأبيض وغطت كوكب الأرض إدانة واستنكارا. ومؤخرا فاجأني الصديق العزيز جميل الذيابي، رئيس تحرير صحيفة عكاظ، بمقالة تحمل مضمونا “ترامبيا” تجاه اللبنانيين في السعودية والخليج. من يعرف جميل الذيابي، يندهش للتناقض بين سلوكه وقيمه وبين دعوته، صحيفته نفسها في عهده شنت هجوما قاسيا – عبر كتّابها- على ترامب، وقبل ذلك لم توفر السياسية اليمينية المتطرفة في فرنسا (ماري لوبان) حين استبقت كلام ترامب بتصريحات تحمل نفس المضمون. وإليكم ما كتبه الذيابي نفسه “الحملات الفاشية لهذه السيدة المسعورة على المهاجرين والمسلمين تؤكد نازية وعدائية متأصلة في سلوكها، حتى وإن زعمت أنها تهدف لحماية التركيبة الديموغرافية في فرنسا، فهذه المحامية المطلقة التي أقصت والدها من زعامة الحزب الذي أسسه في عام 1972 ظهرت على حقيقتها حين بدأت تنادي بطرد المهاجرين، واجتثاث المسلمين من أوروبا الغربية، وتنغيص عيش الحكومة الفرنسية في حال فوز حزبها في انتخابات المناطق”. وما كتبه الذيابي عن لوبان هو الرد المناسب لمقالته اللبنانية الأخيرة.
العاملون اللبنانيون في السعودية والخليج، لم يحضروا كناشطين سياسيين أو كعبيد، بل جاؤوا لأداء عمل يحترفونه، وليس لنا منّة عليهم وليس لهم منّة علينا، فما يتقاضونه من عوض عن أعمالهم هو حقّهم المشروع، وبمنطق الصديق الذيابي لو طبقنا نظريته في الولايات المتحدة كما أراد ترامب فإن الصورة ستصبح أكثر من مقززة. يستطيع رئيس الولايات المتحدة أن يقول إن بلاده هي من اكتشفت وسوّقت النفط السعودي، وإن المتموّلين السعوديين يقصدون أميركا للعلاج، وإن الطلبة السعوديين يأتون أميركا للتعلم، وأغلب الأدوية والألبسة والسيارات في المملكة من الصناعة الأميركية، ومع ذلك صحفهم تنتقدنا وساستهم يختلفون معنا، فلنطردهم من بلادنا ولنتوقف عن تدليلهم.
ليس صحيحا أن اللبنانيين صامتون عن موقف وزير الخارجية جبران باسيل او انتقادات حسن نصرالله للمملكة، سعد الحريري لا يتوقف عن إصدار البيان تلو البيان تأييدا للمملكة، ومعه رئيس الحكومة تمّام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل أشرف ريفي إضافة إلى رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، وحين يلقي حسن نصرالله خطابا، كنا وما زلنا نترقب في اليوم التالي رد رئيس القوات اللبنانية د. سمير جعجع. نستطيع أن ننتصر في لبنان، لكن السياسات الخاطئة والمتضاربة وعدم الاستماع للنصيحة هو ما يهزمنا، ومشكلتنا أن هناك من يصر على الخطأ
هل صحيح أن اللبنانيين في المملكة سكتوا عن مواقف باسيل ضد المملكة؟ هذا غير صحيح أيضا، مجلس العمل والاستثمار اللبناني أدان موقف وزارة الخارجية اللبنانية مطالبا الحكومة بتصحيحه في بيان شديد اللهجة ضد باسيل وواضح التضامن مع المملكة، وشاهدنا خلال العامين الماضيين رجال أعمال لبنانيين يعلنون تضامنهم مع دول الخليج رافضين تطاول حزب الله عليها.لقد اتخذت الحكومات الخليجية، بما فيها المملكة، مواقف صارمة من كل مواطن ومقيم ثبت ضلوعه في تمويل أو دعم الإرهاب، سواء كان هذا الإرهاب تحت يافطة القاعدة وداعش والإخوان أو تحت علم الحزب الإلهي والحرس الثوري الإيراني، وهذا هو الموقف السليم والصحيح الذي يجب أن يستمر، أما التعميم فهو تسطيح وعنصرية وظلم.
وأودّ تذكير صديقي الذيابي بعشرات السعوديين الذين أوقفوا في لبنان لصلتهم بالإرهاب، وهؤلاء لا علاقة لهم لا بالسعودية الدولة ولا بالسعودية الشعب، فأغلبهم مطلوب في المملكة، وليس من المنطق أن نرفض دعوة لبنانية عنصرية روّجها الحزب الإلهي، لمعاملة السعوديين على أنهم من أهل الإرهاب، وفي الوقت نفسه نريد معاملة لبنان الدولة والشعب على أنهم جميعا مرتزقة حزب الله. حديث الذيابي بأن لبنان لا أهمية له مستغرب لصدوره عن شخصية احترفت الصحافة السياسية، فلبنان يمكن وصف موقعه بالشرفات الاستراتيجية، شرفة على الصراع العربي-الإسرائيلي وشرفة على البحر المتوسط وشرفة على سوريا، وفوق هو صندوق بريد ثقافي وسياسي واجتماعي فوق العادة، حين تهمس في أذن درزي في الشوف تنتقل الرسالة بسلاسة إلى درزي السويداء أو درزي فلسطين، وحين تطرح سؤالا في الضاحية تسمع الإجابة في طهران، وإذا كسبت علويي جبل محسن يتمدد حضورك إلى تركيا عبر سوريا.
والسؤال المنطقي: إذا كان لبنان بلا أهمية سياسية لماذا تتسابق عليه أوروبا وإيران وإسرائيل وغيرها؟ إن دعوة الانسحاب من لبنان هدية مجانية ليملأ فراغك الخصوم، بل إننا نقول هذه هي أزمة لبنان اليوم، لقد تركنا حلفاءنا (قوى 14 آذار) بلا سند في حين استمرت إيران بتعزيز أوضاع حزب الله، حتى السنّة وهم امتدادنا العضوي أصبحوا يتضوّرون جوعا، الشمال خارج التنمية، ودار الفتوى في ضائقة وجمعية المقاصد في مأساة، والإنفاق هنا ليس منّة أو تفضلا، فوظيفة يتولاها لبناني في بيروت تعني أنك وفّرت وظيفة لمواطن في الخليج، وتعني أنك حصّنت أسرة من فخاخ التطرف والإرهاب الذي لا يعترف بالحدود ولا بالدول، وصاحب النفوذ في بيروت هو بالضرورة صاحب نفوذ في فلسطين وسوريا، والدولار الذي ستنفقه اليوم سيوفر عليك ألف دولار في حال وقعت حرب أهلية أو في حال استولت ايران كليّا على لبنان. إننا نستطيع أن ننتصر في لبنان، لكن السياسات الخاطئة والمتضاربة وعدم الاستماع للنصيحة هو ما يهزمنا، ومشكلتنا أن هناك من يصر على الخطأ ثم يندهش بعد ذلك من النتائج السلبية، وبدلا من لوم النفس والتصحيح، نستسهل إلقاء اللوم على الآخرين. جميل الذيابي غاضب من لبنان، وأسباب غضبه غير مقنعة، وبنفس منطقه نلفت انتباهه بأن السعودية –مثلا- دلّلت مصر بعد ثورة 30 يونيو، وما زالت القاهرة مصرة على ترك السعودية منفردة في سوريا.
العلاقة السعودية اللبنانية
سمير عطا الله/الشرق الأوسط/31 كانون الثاني/16
أثار موقف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في مؤتمر وزراء الخارجية العرب، ضجة في لبنان وأخرى في السعودية. فقد كان الوحيد الذي امتنع عن شجب الاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد. واستنكر عدد من سياسيي لبنان، بينهم رئيس الوزراء، هذا الانحياز ضد الموقف العربي والموقف الإسلامي الإجماعي. ولم يكن ذلك أول تصرف من الرئيس الجديد «للتيار» العوني. لكن هذه المرة كانت ردة الفعل في الإعلام السعودي قاسية. وطالب الزميل جميل الذبياني في «عكاظ» بطرد اللبنانيين العاملين في السعودية. وانتقد الزميل داود الشريان الازدواجية اللبنانية. بالطبع لا يمكن الدفاع عن مواقف وزير خارجية لبنان المرتبطة بسياسة معلنة لتجمع «8 آذار» المرتبط بإيران. ولا يمكن الاعتذار في حدث من هذا النوع عن ضعف لبنان وتوازناته الداخلية المعروفة. ولكن أيضًا هل جبران باسيل هو لبنان؟ وهل هو العلاقة السعودية – اللبنانية؟ وهل يمثل وحده البلد الذي كان يقول عنه الملك عبد العزيز إنه «شرفة العرب».
إن أكثر من يعرف وضع لبنان هو الملك سلمان بن عبد العزيز، وأيضًا أكثر من يتفهّمه. لكن حدثًا في حجم إحراق السفارة السعودية يتطلب أيضًا، وفي الحدود الدنيا، تفهم مشاعر السعوديين. وتفهم مشاعر اللبنانيين العاملين في السعودية منذ أكثر من 60 عامًا. وتفهم مشاعر عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين تشكل تحويلاتهم الدخل الرئيسي للبنان، في مأساته الاقتصادية، وفي عزوف الخليجيين عن المجيء إليه منذ أن قرر «الجناح العسكري» في عائلة المقداد إغلاق المطار وطريق المطار ودوار المطار، لأن عضوًا من الجناح المدني في العائلة قد خطف في سوريا وليس في الرياض أو أبوظبي أو أم القيوين. في الموقف من إحراق السفارة السعودية، كان هناك مأزق أخلاقي واضح. فقد تنكر للفعل المخالف جميع الأعراف الدبلوماسية، المرشد الإيراني الأعلى ورئيس الجمهورية. وكان في إمكان الوزير باسيل أن يسترشد بهذا الرأي، أو أن يستأنس مسبقًا بمشورة طهران، لكن استقلاليته الذاتية تمنعه من ذلك! أما أن نربط العلاقة السعودية – اللبنانية ووجود اللبنانيين في السعودية بخيارات باسيل، فليس من شِيَم ولا من قِيَم الرياض. وعندما يُخطئ أحد ضيقي الصدور هنا، نتكل نحن دائمًا على سعة الصدور هناك.