فرنجية رئيسا للدولة والحريري رئيسا للحكومة.. هل يصل لبنان إلى هذا المشهد
أحمد عدنان/العرب/[نشر في 2015\11\27]
محللون يرون أن قوة سعد الحريري داخليا وخارجيا مستمدة من جمهوره، ليست بالمال فهناك من هو أثرى منه، وليست بالمنصب. مأزق جديد يواجه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري على خلفية ما يتردد عن تسوية قادمة بشأن الأزمة السياسية في لبنان تقترح سليمان فرنجية في منصب رئيس الجمهورية وسعد الحريري رئيسا للحكومة، فهل سيقبل الحريري الابن رئاسة الحكومة مقابل خسارة الجمهور والحلفاء والدولة اللبنانية.دولة الرئيس سعد الحريري أصبح محور الأحاديث هذه الأيام إثر لقائه النائب الزغرتاوي سليمان فرنجية في باريس. وقد جاء هذا اللقاء في إطار حديث شائع عن تسوية شاملة هي أحد تداعيات تفجير برج البراجنة مؤخرا، وحسب المتداول فإن عنوان التسوية هو انتخاب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية مقابل تسمية الشيخ الحريري رئيسا للحكومة. إلى الآن، لم يبد أي إعلان مباشر يفصح عن موقف الحريري من التسوية الرائجة، فتيار المستقبل اكتفى بتفسير اللقاء على أنه مقدمة لمبادرة وطنية جامعة تخرج لبنان من مأزقه، ولا أستطيع الجزم بمصداقية هذا الكلام. أستعيد الأيام الأخيرة للرئيس الشهيد رفيق الحريري، كانت الحملة قائمة عليه من أركان حكومة الرئيس عمر كرامي الذين كانوا أيضا وجوه الوصاية السورية على لبنان، وقد تولى كبر استهداف الحريري الأب وزير الدفاع عبدالرحيم مراد ووزير الداخلية سليمان فرنجية الذي وصف والد الشيخ سعد بـ”أفعى قريطم”، كان ذلك في إطار حملة ممنهجة هدفها اغتيال رفيق الحريري معنويا قبل اغتياله الجسدي.
هذا الكلام لا بد من التذكير به اليوم لغير سبب، فبعض الأوساط تتحدث عن طموحات مراد لخلافة الشيخ سعد، وهي طموحات مستحيلة أو انتحارية، فالاسم الوحيد الذي يستطيع توحيد سنة لبنان من شبعا إلى الشمال هو اسم الحريري حصرا، ورغم كل عيوب الشيخ سعد، إلا أنه يتمتع بالشعبية وبالقبول وبالشرعية سنيا، ومن الصعب أن ينافسه أحد خصوصا عبدالرحيم مراد. فأولا هو شخصية ريفية لن تقبل بالانضواء تحت لوائها سنة المدن الأكثر فاعلية وتأثيرا. وثانيا عمالته التاريخية لمخابرات البعث وبشار الأسد التي فعلت بلبنان وبسنته ما فعلت من اغتيال الحريري وعيدو إلى حرب التبانة وفتنة النهر البارد، والأهم أن سنة لبنان لن يسيروا خلف من يؤيد قتل السنة في سوريا، وللأمانة فإن مراد أبدى مناورة ذكية بتأييد عاصفة الحزم كدت شخصيا أن أسقط في فخاخها لولا أن شرحها لي أحد أصدقاء بشار في لبنان “تأييد عاصفة الحزم من بعض الوجوه الصديقة لسوريا الأسد مدروس ووافقت عليه دمشق، فمن يبارك دورا سوريا نافذا في لبنان من المنطقي أن يبارك دورا سعوديا نافذا في اليمن”.
مأزق الحريري
تياران في لبنان مشغولان بالوراثة، الأول هو التيار الوطني الحر، فأركان التيار وأصدقاء الجنرال ميشال عون قبل خصومه، مهووسون بحلم خلافته. أما الثاني فهو تيار المستقبل، إذ يتحدث اللبنانيون عن أن التيار الحريري تحول إلى تيارات، وهناك فارق بين الحالتين، فمن حول الجنرال عون يريدون وراثته بعد مماته، أما من يحوم حول سعد الحريري داخل تياره أو خارجه يريدون وراثته في حياته. هذا الكلام لا بد منه لأنه يشير إلى الأسباب التي أدت إلى مشهد باريس المؤذي، فلو صح أن الحريري مستعد لانتخاب واصف والده بـ“أفعى قريطم” وركن الحكومة التي ساهمت في الاغتيال رئيسا للجمهورية مقابل العودة إلى السراي الحكومي، فتلك مهانة فادحة لزعيم أكبر كتلة نيابية وزعيم السنة وقوى 14 آذار. ليكون السؤال: كيف وصلنا إلى هذا المشهد؟
أمور عدة وضعت الرئيس الحريري في مأزقه الراهن، فأغلب دائرته الضيقة بعيدة عن الكفاءة والحنكة باستثناء فؤاد السنيورة ونادر الحريري وأحمد الحريري نادر وأحمد، أضف إلى ذلك أن أركان تيار المستقبل أصبحوا مهووسين بمقعد كرسي الحكومة بحكم غياب الزعيم في المنفى الاختياري، وربما لعب بعض هؤلاء الأركان دورا في إبقاء الحريري خارج البلاد عبر النصح الخائن، فغيابه يمد نفوذهم ويعظم أدوارهم ويتيح لهم فرصة التودد للخصوم أو المزايدة على أهل الدار، أما في حضرة الزعيم يتلاشى كل ذلك، وعليه، فإن الحريري لا يواجه خصومه وحدهم لأن البعض من حزبه يعمل ضده أيضا.
إدارة الحريري للمال السياسي أحد مسببات مأزقه الراهن، سواء كان مصدر هذا المال ثروته الشخصية أو تمويل الأصدقاء، فدعم الصحف الورقية، على سبيل المثال، أصبح بلا جدوى مع صعود الصحافة الإلكترونية وهيمنة التلفاز، كما أن إغداق الهبات على شخصيات سياسية وإعلامية لا وزن لها ليس له مبرر، كان الأجدى أن تذهب هذه الأموال إلى مؤسسات ومشاريع منتجة تستوعب شارعه وتخدمه، كما أنه ليس منطقيا أن لا نسمع عن مؤسسات الحريري، وعلى رأسها سعودي أوجيه وتلفزيون المستقبل، إلا الأخبار السلبية لأن المفترض أن تكون مصدر قوة وربح لا مستنقع خسارة، لو أديرت أوجيه وحدها بشكل سليم في الفترة الماضية لأعفت الحريري من الحاجة إلى المال السياسي، ولو أدير تلفزيون المستقبل بصورة صحيحة لأغناه عن كل الإعلام.
النائب عن حزب الله محمد رعد والنائب المرشح للرئاسة سليمان فرنجية.. الجيش الأسدي خرج من لبنان مطمئنا لأنه ترك خير خلف تيار المستقبل، هو الآخر من مسببات مأزق الحريري الراهن، فهذا الكيان أقرب إلى الماكينة الحريرية الانتخابية منه إلى الحزب السياسي الناضج، وحتى هذه الماكينة سيطر عليها الترهل والفوضى، تستطيع أن تحصي المواقف العلنية المتضاربة لنواب المستقبل ووزرائه من قضية واحدة بسهولة، هذا غير الأداء السيء لكوادر الحزب خصوصا في الشمال وفي البقاع.
سعد الحريري نفسه هو أكبر وأهم سبب لمأزق سعد الحريري وأزماته. على صعيد التعامل مع الخصوم يعطي سعد أكثر بكثير مما يأخذ، ليعتاد خصومه على أخذ الكثير مقابل القليل أو مقابل اللا مقابل. والغريب أن هذا المنطق يظهر معكوسا مع الحلفاء، فهو يأخذ منهم الكثير مقابل القليل أو اللا مقابل. لديه مشكلة توقيت واضحة بين مشاكسة خصومه أو إرضائهم أو مشاغبة حلفائه، مما يضعه في مشكلات هو في غنى عنها. ولديه مشكلة توقيت أخرى بين لحظة اعتماد الخطاب الطائفي ولحظة اعتماد الخطاب الوطني، فنجحت قوى الثامن من آذار في شيطنة اتفاق الطائف وتوصيفه خصما للمسيحيين، قتر على حلفائه نوابا في الانتخابات النيابية الأخيرة فانتهى ذلك باتفاق المسيحيين عليه في مسألة القانون النيابي، انحاز إلى نبيه بري بلا ثمن في جلسة تشريع الضرورة فاتفق د. سمير جعجع مع عون بلا ثمن أيضا. وفوق ذلك، مع طول الغياب وربما كثرة الهزائم، أشعر أن سعد الحريري لا يعرف قيمة نفسه، فحزب الله وقوى الثامن من آذار في حاجة الحريري أكثر من حاجة الحريري إليهم، لا يمكن أن يتحدث الممانعون مع سني وازن ومعتبر غير الحريري وما عداه لا خيار أمامهم إلا داعش، ودليل ذلك أن أمين ما يسمى بحزب الله لم يتحدث عن التسوية إلا بعد انفجار برج البراجنة. ويبدو أن الحريري لا يعرف أهمية مكانته عند شارعه الذي سيغفر كل شيء للشيخ سعد إلا الاستخفاف بثورة الأرز والغياب الذي مس احترام الحريري خارج لبنان وداخله.
الزعيم والجمهور
قوة سعد الحريري داخليا وخارجيا مستمدة من جمهوره، ليست بالمال فهناك من هو أثرى منه، وليست بالمنصب وشاهد ذلك الرئيس تمام سلام. على الحريري أن لا يفكر برئاسة الحكومة أو إقناع الأصدقاء بتقديم المال السياسي، عليه أن يفكر بالعودة إلى جمهوره، فهو كزعيم من يعبر عن الجمهور وليس الجمهور هو من يعبر عن الزعيم، وهو كزعيم من يحمي مصالح الجمهور وليس الجمهور هو من يحمي مصالح الزعيم وشخصه. حزب الله في حاجة إلى سعد الحريري رئيسا للحكومة، ويستطيع الحريري بقليل من الصبر الوصول إلى تسوية تحيي 14 آذار وتعزز لبنان الدولة، والسراي الحكومي قادمة إلى الحريري بموافقة حزب الله أو برفضه. ما الفائدة من حصول سعد على رئاسة الحكومة مقابل خسارة الجمهور والحلفاء والدولة اللبنانية؟ وإذا أراد الحزب الإلهي سليمان فرنجية أو جان قهوجي أو ميشال عون في قصر بعبدا فيجب أن يدفع ثمنا لائقا ودائما للدولة اللبنانية ولثورة الأرز، وربما بصبر آخر تستطيع قوى 14 آذار إيصال من تريد لقصر بعبدا. لو كنت سعد الحريري سأعود إلى لبنان فورا، سأضع نفسي في موقع المرجعية الوطنية، سأوكل ملف الرئاسة إلى شريكي المسيحي في قوى 14 آذار، وسأوكل ملف الانتخابات إلى شريكي الدرزي وليد جنبلاط، سأعيد هيكلة دائرتي الضيقة وتيار المستقبل ومؤسساتي الخاصة والعامة، سأعمل على إعادة توحيد قوى 14 آذار والسنة، سأداوي الندوب التي خلفتها سنوات الغياب مع شارعي ومع الحلفاء، سأعيد تعريف المال السياسي ودوره، سأفكر في استعادة ساحة الشهداء قبل السراي الحكومي، وحينها سيضطر الخصوم قبل غيرهم للالتجاء إلى بيت الوسط من أجل الحل، والعاقبة للمتقين.
خيار فرنجية.. بحكم السقوط مسيحياً!!
نادين مهروسة/المدن/الخميس 26/11/2015
على ما يبدو أن الأجواء في البلاد تشير إلى أن طرح ترشيح النائب سليمان فرنجية هو طرح جدي وذلك لإخراج البلاد من المأزق الذي تمر به، إلا أن ذلك يلقي بظلال سلبية على خطين متوازين، فالتسوية دونها عقبات عديدة وأيضاً من شأنها حشر الزعماء المسيحين الأربعة في الزاوية. قبل أكثر من سنة عقد لقاء في بكركي ضم القادة المسيحيين الأربعة، كان اللقاء يهدف إلى توحيد الصف المسيحي مع البطريرك بشارة الراعي، لإنجاز الإستحقاق الرئاسي وعدم الدخول في الفراغ، في ذلك الإجتماع، إتفق القادة الأربعة بمباركة بكركي على دعم أي مرشح منهم لديه الحظوظ للوصول إلى بعبدا، وذلك إنطلاقاً من الحرص على التمثيل المسيحي الصحيح، وكي لا يأتي رئيس لا يمثل وليس لديه ميثاقية أو قواعد شعبية. أمور كثيرة اتفق عليها الزعماء الأربعة لكنهم لم يلتزموا بتنفيذها، كالإجتماعات الدورية، وإستمرار اللقاءات في الصرح البطريركي لحماية الموقع المسيحي الأول في الدولة، وعلى ما يبدو أنهم لن يلتزموا بمسألة دعمهم لواحد منهم، لأن لا أحد مستعد للتنازل عن ترشيحه إنطلاقاً من مراهنات وحسابات ومصالح وشخصية. هذا ببساطة ما حصل مع النائب ميشال عون، حين بادر باتجاه الرئيس سعد الحريري، وعقد بين قيادات التيار الأزرق والتيار البرتقالي أكثر من لقاء، ووصفت هذه اللقاءات حينها بالمتقدمة جداً، كان لدى المستقبل جواب واضح لعون، وهو “أننا ندعمك لكن عليك أن تؤمن التوافق المسيحي على شخصك ولنذهب وننتخبك.” هذا لم يحصل، عارض حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب وصول عون إلى بعبدا، فسقطت المبادرة. ما جرى بالأمس يجري اليوم حول ترشيح فرنجية، إذ أن المستقبل واضح بموقفه، بأنه يدعم أي مرشح يتوافق عليه المسيحيون، وعلى الرغم من كل الكلام المستقبلي حول الجدية في طرح فرنجية، إلا أن ما تؤكده مصادر المستقبل لـ”المدن” يؤكد أن لا انتخابات رئاسية ولا توافق على أي شخصية لن تحظى بالدعم المسيحي. لكن لا شك أن ما يجري يؤثر سلباً على العلاقة بين “القوات” والمستقبل”، لا سيما أن القوات لا ترى مبرراً لكل ذلك. ترفض قيادات قواتية التعليق لـ”المدن” على هذا الأمر، أكثر من نائب ومسؤول يقول:” نحن نلتزم بتعليمات الحزب التي تقضي بعدم التصريح حول هذا الموضوع.” وحده النائب جورج عدوان يكتفي بكلمات قليلة تعليقاً على كل ما يجري، ويقول لـ”المدن” “حطوا إيديكم وإجريكم بميّ باردة.” في المقابل ينفي مستشار رئيس حزب القوات اللبنانية وهبي قاطيشا لـ”المدن” علم القوات بفحوى اللقاء بين الحريري وفرنجية، قائلاً:” مهما حصل فإن نوابنا لن ينتخبوا أياً من حلفاء النظام السوري.”يشير هذا الكلام إلى عدم التزام المسيحيين بما اتفق عليه في بكركي، فأولاً لم يلتزم أحد بدعم عون، واليوم يقول فرنجية إنه ينتظر تبنياً من الفريق الآخر أي من فريق 14 آذار، وبحال وافق المستقبل واللقاء الديمقراطي، فإن القوات لن توافق، هذا الأمر تعتبره مصادر “المدن” بأنه حشر لجميع المسيحيين وإجبارهم على الإتفاق لإنتخاب رئيس، لا سيما أنهم لن يتفقوا على واحد منهم فليتوجهوا إلى إنتخاب رئيس توافقي.” وكما يحمل جعجع على المستقبل نتيجة وصول الأمور مع فرنجية إلى هنا، فإن المستقبل أيضاً يحمل على جعجع إلتزامه بموقف معين في بكركي والخروج عنه في ما بعد، وبالتالي هو أصبح محشوراً لأنه في السابق اعترف بفرنجية زعيماً مسيحياً لديه ما يمثل وبحال حظي بشبه إجماع فيجب دعمه من قبل القادة الأربعة. يقول عضو كتلة “المستقبل” النائب عاطف مجدلاني لـ”المدن” إن طرح اسم رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية كمرشح للرئاسة لم يطرح بعد داخل “تيار الستقبل”، مؤكدًا أن “رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لا يزال مرشحنا حتى الان”. لافتاً إلى أنه “لا شك اننا بأمس الحاجة للخروج من المأزق الرئاسي بعد مرور عام ونصف العام على الفراغ، ما يستدعي وجود تسوية وطنية لافتاً إلى أن المستقبل يسعى للوصول الى تسوية شاملة تستطيع ايقاف النزف الحاصل في الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لنعيد المؤسسات الى وضعها وعملها الفعلي”. في المحصلة، فإن الكرة الرئاسية لا تزال في ملعب المسيحيين، وقد يكون طرح فرنجية، مخرجاً لإخراج اللعبة من بازار القادة الأربعة، والإتجاه إلى إنتخاب رئيس توافقي، بعد إثبات عدم جدوى توافق المسيحيين في ما بينهم على مرشح منهم.