لا مخاطرة بالحكومة… ولكنها باقية “احتياطاً” بدائل ضاغطة ومقنّعة من المؤتمر التأسيسي
روزانا بومنصف/النهار/12 تشرين الأول 2015
هل يوجب التعطيل الزاحف بقوة أكبر في اتجاه مجلس الوزراء مزيداً من القلق بعد الفشل في إرضاء العماد ميشال عون بالتعيينات الأمنية وبعد جلسة يتيمة مرتقبة حول اطلاق تنفيذ خطة النفايات التي اعدها النائب اكرم شهيب يحضرها “حزب الله” فقط دون حليفه العوني، أم ان جلسات الحوار التي يرعاها رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة على المستوى الثنائي بين تيار المستقبل والحزب واحتمال استكمال جلسات الحوار الجماعية ستبقى تلجم انهيار الوضع؟ مع ان مجلس النواب ينبغي ان يفتح أبوابه في دورة عادية خلال هذا الشهر في موازاة اقفال ابواب الحكومة ما يفترض ان يعني ان مؤسسات الدولة لم تتعطل على نحو كلي الواحدة بعد الأخرى، فانه من غير المرجح ان يستطيع المجلس ان يشرع بناء على اشتراطات سابقة تمنع عمله في الواقع. وقد يبرز سبب آخر بان تعطيل الحكومة ورئاستها “السنية” وفق ما بات يخشى كثر قد لا يسمح بهامش عمل للرئاسة ” الشيعية ” لمجلس النواب. هكذا بات الكلام في ظل المخاوف التي ترسمها المواقف السياسية التي لا تخلو من عدائية كبيرة على رغم التواصل المتقطع. وهذا يعني سياسياً ان لا مؤسسات دستورية ستعمل في البلد وهي ستبقى قائمة شكلاً ليس الا في اطار عملية لي أذرع وضغوط من اجل فرض أجندة سياسية مختلفة في البلد، لكن من دون ان تعمل الحكومة بل ابقائها قائمة احتياطاً علّ البلد يحتاج الى مخرج ما في وقت ما بحيث لن يخاطر أحد بتطيير الحكومة او تحويلها الى حكومة تصريف أعمال وظل لعدم رغبة اشد المعترضين على عمل الحكومة في الاستقالة حفاظاً على مصالحهم واستمراراً لادارتهم هذه المصالح باستقلالية اكبر بعيداً من أي رقابة من مجلس الوزراء وفق ما تجري الامور عملياً. ولا خجل في ذلك ما دام زعيم التيار العوني يلمح الى ان كل وزير صار رئيس جمهورية في وزارته.
الفراغ المؤسساتي يفتح الأبواب في البلد على المجهول ليس أقله الدفع في اتجاه اعادة صياغة هذه المؤسسات على أسس أخرى وفق ما يتم التلويح به تحت عناوين مختلفة أكان اجراء انتخابات نيابية تسبق انتخاب رئيس الجمهورية او تحصيل اثمان مقابل التراجع عن ذلك وقد حلت هذه الشروط كبديل غير مباشر عن المطالبة بمؤتمر تأسيسي ويتولاها في العلن ويحارب من اجلها فريق مسيحي. في المدى الاقرب، يزداد القلق من تبعات ذلك في الدرجة الأولى على ادارة شؤون الناس وتأمينها بالحد الادنى على رغم ما ينال موقع لبنان ومصالحه من ضرر كبير نتيجة التعطيل على المستويين الداخلي والخارجي. لكن الهاجس الأكبر يظل الهاجس الامني والخوف على الاستقرار.وهذا لا يمكن استبعاده في ظل ما يحوط بالبلد من تحديات ومخاطر وقد كانت العبوة الأخيرة التي انفجرت في شتورا مستهدفة “حزب الله” مؤشراً ولو انه تم التعتيم عليها. والوضع الامني الذي قد يتعرض للاهتزاز هو أمر قد يعطي للمفارقة قائد الجيش العماد جان قهوجي، الذي سجل عون اعتراضات على التمديد له متذرعاً بان استمراره في القيادة غير قانوني، حرية اكبر لاتخاذ القرارات التي من شأنها ان تنقذ البلد في ظل تعطيل الغطاء السياسي وصاحب الامرة السياسية على الجيش في حين ان المخاطر التي تحوط بلبنان لا تسمح له بترف تعطيل المؤسسات الدستورية على النحو الحاصل. ففي ظل شغور موقع رئاسة الجمهورية فان الموقع الابرز للطائفة المارونية في السلطة هو موقع قيادة الجيش وليس اي وزير او رئيس حزب مهما بلغت نسبة تمثيله خصوصاً متى كانت اداته للتعبير عن قوته الدستورية في الحكومة او في مجلس النواب معطلة ولا يتم استخدامها طوعاً نتيجة سياسة تعطيل معتمدة في هذا الاطار. وللمفارقة ايضا فانه في حال استمرار مجلس الوزراء فاعلا فان السلطة التنفيذية تظل هي المسؤولة عن تحرك الجيش بالتشاور والتنسيق مع قيادته ما دامت ايضاً تنوب عن رئيس الجمهورية في حين ان غياب السلطتين اي رئيس الجمهورية وتعطيل الحكومة من شأنه ان يفتح ابواباً أخرى على مجهول معلوم في الوقت نفسه. وفي رأي المصادر نفسها فانه من غير المرجح ان ينجح السياسيون اللبنانيون الدافعون خصوصاً في هذا الاتجاه في الضغط على الخارج من اجل تغيير أولويته وتالياً الالتفات الى لبنان عبر الضغط على سياسييه. فرئيس الحكومة تمام سلام العائد منذ بعض الوقت من لقاءات مهمة في نيويورك لمس ذلك لمس اليد. فحتى الآن الاستنقاع السياسي الذي يعيشه لبنان غير مهم بل هو فقط الاستقرار الامني والسياسي نسبياً من دون هزات كبيرة. وعلى غير ما اثار التدخل العسكري السوري من اجل منع انهيار بشار الاسد الحماسة لدى البعض من احتمال ترجيح كفة الحرب لمصلحة فريق اقليمي وتالياً ترجمة ذلك في لبنان وفق بعض التطلعات، فان هذه المصادر تخشى ان الاهداف الروسية في سوريا قد لا تنسحب على لبنان لاعتبارات متعددة خصوصاً متى ادرج هذا التدخل في اطار الحرب المذهبية القائمة في المنطقة.
واكثر من ذلك فان المخاوف كبيرة في اتجاهات متعددة من استخدام لبنان ساحة لايصال رسائل محددة في حال لم تعد تكفي الساحات الاخرى او لاضافة لبنان الى هذه الساحات او ايضاً لانتقامات كبديل عن الساحات الاخرى.
سلام قَلِق على البلاد: من يتحمّل مسؤولية الانهيار؟
سابين عويس/النهار/12 تشرين الأول 2015
يعيش الرئيس تمّام سلام المحاصر بالصراعات السياسية، قلقاً غير مسبوق على البلاد، ويخشى الانهيار، ويراه آتياً إذا لم يُتصد له سريعاً. ويعي في الوقت عينه ان صرخته وتحذيراته لا تلقى صدى، خصوصاً لدى القوى السياسية التي تسير بالبلاد نحو الهلاك. لدى رئيس الحكومة ما يكفي من معطيات تجعله يبلغ هذه الدرجة من الخوف والتشاؤم على مصير البلاد ومستقبلها. وهو، الى جانب المعطيات الداخلية، لمس الانشغال الدولي عن لبنان خلال وجوده في نيويورك أخيرا. بلغ القرف بالرجل الذي صبر على تحمل كل أشكال الانتقاد والتعطيل وسوء استعمال السلطة حداً يجعله ينأى عن الرد على الهجوم الذي شنّه الزعيم السابق لـ”التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون خلال إحتفاليته أمس. ويقول:” ليست المرة الأولى أتعرض للهجوم، وقد إعتدت الا أتفاعل او أفتح الباب أمام الأخذ والرد في مثل هذه المواقف”. لكن ما يثير إستغرابه ان عون يهاجم حكومة فيصفها بالقاصرة، وهو عضو فاعل فيها، لكنه في المقابل يبدي إرتياحه الى إعترافه بمسؤوليته عن تعطيلها وشلها! لا يقف سلام كثيرا عند هذا الموضوع، بل ينتقل فورا الى الحديث عما يشغل باله، بدءا من الحراك المدني الذي فقد صفته، مبدياً إنزعاجه من مشهد الفوضى والغوغائية الذي قدمه أخيرا، مما يدفع المراقب الى التساؤل هل هذا هو النموذج البديل الذي يقدمه المجتمع المدني للنظام السياسي الجديد؟ ويستطرد: هل هكذا تحل مشاكل البلاد ويخرج من أزماته؟ بقدر ما يخشى رئيس الحكومة على البلاد ونظامها السياسي في ظل الوضع المأزوم الراهن، يعرب عن قلقه من عدم قدرة البلاد على الاستمرار والتحمل او من عجز الاقتصاد عن الصمود، وهي أمور جوهرية لا تؤخذ بالجدية المطلوبة ولا يتحمل أحد وزرها ومسؤوليتها. لا ينفك ينبه ويكرر في الداخل كما في الخارج أننا ذاهبون الى الانهيار إذا استمرت الأمور على تفاقمها. ولا ينفي أنها “ليست المرة الأولى تنهار البلاد، لكن هذه المرة سيكون الانهيار أقسى. فعام ١٩٨٩ أمكن لمّ تداعيات الانهيار عبر اتفاق الطائف، وعام ٢٠٠٨ ” لمّنا اتفاق الدوحة، أما اليوم فمن سيلمّنا والعالم كله مشغول عنا”؟ ويأسف سلام لعدم تحسس أحد بما آلت اليه أوضاع البلاد والمؤسسات. وعندما يُسأل عن الحكومة وآلية تفعيل مجلس الوزراء، يتريث قليلا قبل ان يجيب بأن الأولوية الآن لملف النفايات، قبل البحث في أي موضوع آخر. ويرفض الحديث عن التسوية المقترحة لتأجيل تسريح عمداء في الجيش، مشيرا الى ان الموضوع ليس عنده بل عند القوى السياسية المتنازعة عليه، كاشفا عن انه يسير بما يتوافقون عليه، كما هي الحال بالنسبة الى كل الملفات التي يدعو الى تحقيق التوافق حولها في مجلس الوزراء. لا يعتزم الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء للبحث في ملف النفايات قبل ان تكتمل عناصر الملف لديه، ليكون للجلسة ما يبررها وتتخذ القرارات المطلوبة للمضي في تنفيذ الخطة الموضوعة. يفهم من كلام رئيس الحكومة انه لم يتم التوافق على موقع المطمر الثاني الذي يجري العمل عليه لتقاسم أعباء النفايات مع مطمر سرار، مما يعني ان تحديد موعد الجلسة سيكون رهن هذا الموضوع. وينتظر ان يتبلور الامر خلال الساعات القليلة المقبلة. أما جلسة عادية للمجلس، فيرى سلام انه في الظروف الراهنة ووسط التصعيد الحاصل، يبدو من المبكر البحث فيها، من دون أن يعني ذلك إنتقاصا من مسؤولياته في ممارسة صلاحياته كرئيس للحكومة. ويقول: “أنا ارتضيت منذ توليت رئاسة الحكومة أن أعالج الأمور بالتوافق، ولن أخرج عن هذا المسار، وعقد جلسة للحكومة لا يزال دونه عقبات قبل أن تصبح الجلسة منتجة، وإلا فما الداعي للإجتماع إذا كان التعطيل سيكون سمة الجلسة؟