كانت تنقص تظاهرة العونيين صورة للقيصر نقولا
وسام سعادة/المستقبل/12 تشرين الأول/15
العلم الروسي في مواكب التيار العوني المتجهة الى محيط قصر بعبدا الشاغر هو مشهد بالفعل طريف. مؤشر لمتاهات «سياسات الهوية». اولاً لأنه يرث جملة أعلام عربية وأجنبية حملها العونيون منذ ربع قرن الى اليوم، الى جانب العلم اللبناني، ثم الى جانب العلم اللبناني والراية البرتقالية. فهم حملوا تباعاً العلمين الفرنسي والعراقي في أيام الحشود لحماية «قصر الشعب»، ثم العلم الأميركي وقت «قانون محاسبة سوريا»، ثم العلمين السوري والايراني. والآن علم روسيا الاتحادية، وصور الرئيس فلاديمير بوتين. مفهوم التيار البرتقالي عن «الشراكة» يعكّز على طائرة السوخوي. الطائرة نفسها التي اعطى لها الأميركيون الضوء الأخضر لقصفها محيط القصر الجمهوري ووزارة الدفاع والمتنين صبيحة الاجتياح السوري للمتنين. ثانياً لأنّ حمل أعلام الدول الأجنبية عادة تفشت في القرن التاسع عشر العثماني، سواء في جبل لبنان أو في غيره من البقع الملتهبة في مرحلة التفكك البطيء للسلطنة. العونيون بذلك يرثون عادة عرفها الجبل قبل قرن ونصف. حمل أعلام الدول كان مرتبطاً بحماياتها للملل. الموارنة والعلم الفرنسي. الروم الأرثوذكس والعلم الروسي. الدروز والعلم البريطاني. الروم الكاثوليك والعلم النمساوي. مفارقة إذاً أنْ يرفع تيار يعتبر نفسه الأقوى في الموارنة «علم الروم»، وتدبّ فيه روح الانتماء الى الأرثوذكسية السلافية، و»أمّنا روسيا». كانت تنقصها صور القيصر نقولا الثاني وجوزيف ستالين لتكتمل. طبعاً، حمل العلم الروسي هو من باب الانفعالية العونية في السياسة. يحمل العلم نكاية. العماد ميشال عون محترف سياسة بما فيه الكفاية ليدرك أنّ لا شيء يجنيه من «أمنا روسيا» باستثناء تمديدها لنظام الاحتضار الدموي الأسدي. لا فلاديمير بوتين قادر على اعادة عون الى قصر بعبدا، ولا روسيا قادرة على ان تحسّن مرتبتها في قائمة الدول العربية والأجنبية الأكثر تأثيراً على مسارات الداخل اللبناني. ليست بين أول خمس دول، لا في الزمن السوفياتي ولا اليوم. لا يقارن أقصى دور يمكن أن تلعبه مع ما لأميركا، وفرنسا، والعراق في وقت عابر، وسوريا لعقود، وايران بواسطة امدادها لحزب لبناني مسلح كبير، اي البلدان التي رفع العونيون اعلامها تباعا الى جانب العلم اللبناني والبرتقالي. الدور الروسي في لبنان لا يزيد كثيراً عن الدور الصيني في لبنان.
يراد بحمل العلم الروسي شكر موسكو على أنها بيزنطية الجديدة، وحامية الأقليات المسيحية. لا بأس. يبقى انه ليس قليلاً أن لا يجد تيار يعتبر نفسه الاقوى مارونياً أن تجذير سياسة الهوية خاصته يكون بالانضمام الرمزي الى «الأرثوذكسية»، وفي غربة واضحة عن أي كاثوليكية نضالية. وطبعاً، في زمن تطرح الكاثوليكية الحركية نفسها كقوة ضاغطة من أجل الانقاذ البيئي الاجتماعي لكوكب الأرض من خلال رسالة البابا فرنسيس الاول بهذا الشأن، ثم كلمته في الأمم المتحدة، وموقفه اللافت من قضية اللاجئين، فإنّ ذهنية «تحالف الأقليات» وبعد أن ساقت المسيحيين وراء الانفعال بالانقسام المذهبي السني – الشيعي، عادت ودفعت التيار الذي يعتبره الأكبر داخل أكبر تجمع كاثوليكي في الشرق الأوسط، الموارنة، الى رفع علم روسيا. هذا في وقت دلت فيه مشاكل ما بعد الحرب الباردة، ان التصادم الكاثوليكي – الأرثوذكسي لم يُطوَ كليا، وبالأخص في المد والجزر بين موسكو والبلدان الواقعة غربها، من بولندا حتى كرواتيا، وصولاً الى النسبة الكاثوليكية المرتفعة غرب اوكرانيا، والتي تمثل احد موارد السلبية القومية الاوكرانية تجاه موسكو والشرق الاوكراني. جيد جداً ان لا يكون الموارنة متأثرين بمناطق التوتر الكاثوليكي – الارثوذكسي في شرق ووسط اوروبا. ومفهوم جداً ان يكون الموارنة يشعرون بالخيبة من الغربين الكاثوليكي والبروتستانتي. لكن رفع العلم الروسي، مباشرة بعد التدخل الجوي الروسي في سوريا واتشاحه بدعائية «الحرب المقدسة»، وفي وقت لا تأثير روسياً كبيراً فيه على الشغور الرئاسي وغيره من ملفات، ولا يقام فيه اعتبار لتوجهات البابا فرنسيس، كل هذا يطرح سؤالين في وقت واحد: أين الشعور الكاثوليكي عند الموارنة؟ وأين الموارنة؟
في وقت يبدع فيه البابا فرنسيس، هناك من يصر على تجيير أكبر تجمع كاثوليكي في الشرق لفلاديمير بوتين. «مش قليل!»
ماذا بعد التظاهر إلى بعبدا وخطاب عون أإلى 7 أيار جديد أم إلى طائف جديد؟
اميل خوري/النهار/12 تشرين الأول 2015
يواجه لبنان اليوم مرحلة دقيقة وصعبة كتلك التي واجهها قبل انعقاد مؤتمر الدوحة، فكما كانت الحكومة يومذاك غير قادرة على تنفيذ قراراتها فهي اليوم غير قادرة ايضاً على ذلك، وكما كان يتعذر انتخاب رئيس للجمهورية فهو اليوم يتعذر ايضاً، وكما كان الخلاف قائماً على قانون حال دون اجراء انتخابات نيابية، فإن هذا الخلاف اليوم حال ايضاً دون اجرائها فكان التمديد لمجلس النواب مرة أولى ومرة ثانية، ولم يخرج لبنان من ازماته التي استعصى على القادة فيه حلها إلا بعد حصول أحداث 7 أيار الشهيرة التي جعلت الدول الشقيقة والصديقة تتحرك وتدعو الى “مؤتمر الدوحة” الذي فرض على كل القادة في لبنان حلاً للأزمة، وإن كان بعض ما فيه مخالفاً للدستور وعلى قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات”. ثمة اسئلة مهمة لا بد من طرحها: هل ينتظر لبنان 7 أيار جديداً كي تتحرك الدول الشقيقة والصديقة لإنقاذه بالدعوة الى مؤتمر شبيه بمؤتمر الدوحة ولا أحد يعرف من يدعو اليه وأين يعقد؟! وإذا كان “حزب الله” هو الذي أشعل احداث 7 أيار للوصول الى مؤتمر يخرج لبنان من تداعياتها، فمن هو الحزب المهيأ اليوم لإشعال مثل هذه الاحداث؟ وهل لدى الدول الشقيقة والصديقة المنشغلة بالتطورات الخطيرة في المنطقة وقت للاهتمام بلبنان؟ وهل ما يجري على الارض من حراك غير منظم لهيئات مدنية قد يتصاعد ليدخل في مواجهة خطيرة مع قوى الأمن الداخلي التي قد تضطر الى الاستعانة بالجيش لفرض الأمن فيكون حراك هذه الهيئات المدنية سبباً لحراك غير مدني يدخل لبنان في المجهول؟ وهل يرى العماد ميشال عون الفرصة سانحة لتنفيذ ما اعلنه عندما كان في باريس وهو انه سيقلب النظام في لبنان إذا لم ينتخب رئيساً للجمهورية لانه وحده المستحق؟ قد تكون التظاهرة نحو قصر بعبدا هي البداية وأول الغيث كما هدد بذلك رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل في حوار تلفزيوني وكأنه لا يزال منتشياً بفوزه برئاسة التيار وإن بالتزكية. وهل يترك “حزب الله” حليفه “التيار الوطني الحر” يقوم عنه بعمل يشبه 7 أيار بالتزامن مع ما يجري في سوريا بعد التدخل العسكري الروسي فتكون روسيا وايران هما المدعوتان للتدخل لحل أزمة لبنان، أو الدعوة الى مؤتمر شبيه بمؤتمر الدوحة، ويكون حلاً شاملاً يتناول رئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية وتشكيل حكومة؟ ومعلوم ان كل حل في لبنان، وخصوصاً في الظروف الصعبة والدقيقة يكون حل “اللاغالب واللامغلوب”، أي حل التسوية الذي جاء بحكومة الرئيس تمام سلام، وهي التسوية التي تأتي برئيس للجمهورية ايضاً، وهو ما حصل في الماضي بعد احداث 58 ومجيء اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية تحت شعار “لا غالب ولا مغلوب”، وجسَّد هذا الشعار تشكيل حكومة رباعية، وهو ما حصل ايضاً بعد اتفاق الطائف فكانت حكومة الوفاق الوطني.
أما لماذا بات تدخل الخارج هو المطلوب كل مرة لحل الازمات عندما تعصف بلبنان وليس القادة فيه، فالجواب هو انقسام هؤلاء القادة وعدم اتفاقهم على حل لأزمة الانتخابات الرئاسية، وهو ما جعل البابا فرنسيس يحمّل المسيحيين مسؤولية تعطيلها بسبب انقسامهم، وكلام البابا هذا لدى استقباله المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم هو بابا الكلام. يكرر المسؤولون في “التيار الوطني الحر” المطالبة برئيس ماروني قوي كما اختار الشيعي والسني ممثلين اقوياء لهما، لكن فات هؤلاء ان الموارنة لم يتفقوا على اختيار رئيس قوي كما فعل الشيعة والسنّة ما جعل البابا فرنسيس يقول ما قاله عنهم، ولا اتفقوا حتى على أن ينافس مرشح قــوي هو العماد عون مرشحاً قوياً آخر هو الدكتور سمير جعجع، وتكون الكلمة لمجلس النواب لمعرفة من هو الاقوى فيهما ولكن بالتصويت وليس بالتعطيل والاستعانة بأقدام المتظاهرين. لقد عرف الشعب ماذا حصل في 13 تشرين الاول 1990، لكنه لم يعرف بعد استماعه الى خطاب عون في جمهوره على طريق القصر ماذا بعد إحياء ذكرى 13 تشرين المحزنة: هل نذهب الى 7 أيار بطبعة جديدة لا خروج من تداعياتها إلا بدوحة جديدة، والى اتفاق طائف جديد، أم نذهب بعد تحكيم العقل الى مجلس النواب لانتخاب رئيس قبل أي أمرآخر؟.