العفن… حين يختمر
نبيل بومنصف/النهار/7 تشرين الأول 2015
لا يفتقد مجلس النواب الحالي ولا المجالس التي سبقته الى شواهد صدامية أو مبارزات بالشتائم وصولاً الى عراكات متنوعة. وليس البرلمان اللبناني اكثر ترفعاً عن شواهد في برلمانات آسيوية وحتى غربية اخرى في هذا الكار. وما يقصر عنه المنبر البرلماني تعوضه الشاشات الشرهة والمحفزة على اجتذاب هذا الصنف الشديد الإثارة للناس. الطارئ في الصدام الأخير الذي عاينه اللبنانيون يتصل بلحظة انهيار داخلي وليس انفجاراً كما ساد الاعتقاد. هذا الانهيار كان سيحصل آجلاً أم عاجلاً، بتحريك من الشارع أو من دونه، ولكن من غير الجائز التنكر لفضل التحرك المدني في التعجيل بفضح بواطنه وعفنه خصوصاً اذا ظل التحرك على وتيرته الضاغطة وعرف كيف يمضي قدماً في اثبات كونه سلطة مراقبة في الشارع. بلغ الاهتراء السياسي حدوده القصوى في لبنان ولم يعد الوسط السياسي قادراً على ابتلاع مزيد من الاستنقاع حتى لو حظي بغطاء العالم كله في تصريف مرحلة الانتظار الطويل. ولن نبحر في الملفات الكبيرة والأوضاع الاقليمية التي تحاصر لبنان انطلاقاً من الشغور غير المحدود في رئاسة الجمهورية. لنأخذ اللحظة المحلية المحدودة التي حصلت فيها حادثة تافهة كتلك المصارعة النيابية السخيفة. وسط سياسي غارق في سمعة فساد ولا أسوأ يعاند المحاولات المستهلكة للحوار العبثي، ويحاصر بعجزه وأنانيات بعض قواه الحكومة والمجلس، في تلك اللحظة كانت أزمة النفايات تحطم رقماً قياسياً في تشويه صورة البلد المبتلي بالقصور على مشارف شتاء “نفاياتي” واعد بكل الكوارث. وفي اللحظة نفسها، يسقط على طرق لبنان سبعة “شهداء” في حادثي سير مفجعين اما نتيجة تحلل في تطبيق القانون من مختلف وجوهه الفردية والجماعية واما نتيجة انحرافات مزمنة في اوضاع الطرق لا مكان لها في اولويات رسمية، بعدما سحقت اولويات الاستقطاب السياسي كل شؤون المواطنين. وفي اللحظة اياها ايضاً “وقف” المصير الحكومي على شعرة الفصل والقطع المتعلقة بترقيات عسكرية تنذر للمرة الأولى في تاريخ الجيش بإقحام التدخلات السياسية في هيكليته القيادية، الأمر الذي لم يحصل منذ ١٩٧٥. اما الحشوة الدافعة للانفجار النيابي فلا تحتاج الى كثير شرح، فحسب الناس ان يضيعوا بين ارقام المليارات المتساقطة فوق الرؤوس على إيقاع حروب الاتهامات المتبادلة الأشبه بتعرية غير مسبوقة لمجمل الوسط السياسي المتعاقب على الحكومات والمجالس فلا ترحم نظيفاً ولا تبرئ بريئاً ما دامت هذه الملفات الفضائحية لا تزال هائمة على المنابر ولم تفتح بعد أمام النيابات العامة وصولاً الى أقواس المحاكم. هو العفن الذي كان نائماً وانفجر بفعل فراغ الدولة اولاً وأخيرا. فكيف نشتم الدولة التي اثبتت انها بغيابها أقوى من حضورها؟
لبنان في مهب العاصفة الروسية
عبد الوهاب بدرخان/النهار/7 تشرين الأول 2015
كان الرئيس تمام سلام، العائد من نيويورك، أول من نبّه الى أن الوضع اللبناني ليس في أولويات الدول “المعنية” عادةً بالبلد. وليس مردّ هذا الواقع المرير الى عدم الاهتمام بلبنان بل الى احتدام الصراعات الدولية والاقليمية بعد التدخّل الروسي المباشر في سوريا. وحتى الآن استطاع توافق الدول الكبرى على ادامة الاستقرار وفرض نفسه، ولو من دون ضمانات، على الأطراف المحلية، واستطراداً على السعودية وايران بصفتهما اللاعبين الرئيسيين. وبما أن الدور الروسي غيّر المعادلة عسكرياً وسياسياً لمصلحة النظام في سوريا فهل يكون حافزاً لطهران ودمشق كي تغيّرا أيضاً سلوكهما في لبنان باتجاه الحسم أيضاً، أم أن العلاقة “الجيّدة” المستجدة بين روسيا والسعودية تضمن على الأقل إبقاء الأزمة اللبنانية على ما هي الآن؟ عوامل عدة ستحدد هذا المسار الدولي – الاقليمي، وتتوقّف عملياً على ادارة روسيا دورها في سوريا، ومنها: 1) أنها لا تستطيع قيادة حسم عسكري ضد المعارضة من دون أن تباشر بالتوازي والتزامن تفعيل حل سياسي كانت تسوّقه ونالت لقاءه تنازلات دولية بقبول مرحلة انتقالية بوجود الاسد لفترة محدودة. 2) أنها لا تستطيع أن تفرض على الاميركيين والاوروبيين مقايضة “وحدة سوريا مقابل تقسيم اوكرانيا”، أو العكس، حتى لو لم يكونوا راغبين في التدخل في سوريا. 3) أن دورها العسكري المباشر يجازف باستدراج مواجهة لا يريدها “الناتو” لكنه سيؤدّي الى نقلة نوعية في “الحرب بالوكالة” رغم نفي الرئيس الاميركي. 4) لا يمكن روسيا بمفردها انهاء الصراع في سوريا ما لم تتوصّل الى ايجاد بدائل تجتذب الآخرين الى قبولها ودعمها، وتسهّل توافقاً دولياً تحديداً مع الولايات المتحدة، وأي حل تقسيمي ترعاه روسيا واسرائيل وايران سيعني حالاً صراعية مستدامة. يحدث أن يتبرّع ايرانيون أو “معارضون” سوريون ترعاهم طهران وكذلك محللون غربيون بهذه الخلاصة: لن تستطيع حدود “سايكس – بيكو” الصمود في أي تسوية للصراع السوري، والحدود الجديدة ترسمها المعارك على الأرض، واذا تبخّرت الحدود القديمة “فإن تركيا لن تبقى على ما هي، والعراق بالطبع، وحتى السعودية ودول الخليج، أما لبنان فلن يعود على الخريطة”… هذه تمنيات ايرانية ربما تجد لها معالم على الأرض، ولا تكفي مخططات الملالي لتحقيقها ما لم يكن الدب الروسي شريكاً فاعلاً فيها، فهل ان موسكو معنية بها؟ الأكيد أن تريد إحداث أكبر تخريب اقليمي ممكن آملةً بإرغام واشنطن على التفاوض على خلافاتهما الاستراتيجية. في ضوء ذلك، عودة الى الوضع اللبناني لاستنتاج أن الطرف الوحيد المرتبط بهذه المغامرات الاقليمية هو “حزب الله”، وهو مكلّف – في انتظار زوال لبنان من الخريطة – بتجميد الدولة والرئاسة والحكومة والبرلمان والمجتمع في انتظار ما سيكون. وبالتالي فإن ترئيس ميشال عون ليس سوى بيدق يحركه “الحزب”.