روسيا ضرورة اسرائيلية في سورية…
علي الأمين/جنوبية/27 سبتمبر، 2015
اسرائيل ليست مستاءة من التدخل الروسي، لسبب بسيط، ان رمز “محور الممانعة” اي روسيا، هو طرف مؤهل بل مثالي وقادر على تمرير الحضور الاسرائيلي وتبريره في الحرب على الارهاب وبسلاسة مع ايران وحلفائها في سورية والعراق.
كشف عنوان “الحرب على الارهاب” ، كم أن هذا العنوان بات مركز تقاطع لمصالح بين مختلف الدول الاقليمية والدولية في سورية والعراق ولبنان. وشكّل التدخل الروسي الاخير في سورية من خلال تعزيز نفوذه العسكري فيها، الدلالة التي تظهر أن الحرب على “الارهاب السني” خطى خطوات في بناء مساحة تنسيق وتعاون مباشر وغير مباشر بين من يفترض انهم اعداء.
المملكة العربية السعودية لم تصدر ايّ موقف من الخطوة الروسية، بخلاف الموقف الشهير لوزير خارجيتها السابق سعود الفيصل في نيسان الماضي، حين هاجم الرئيس الروسي بوتين والسياسة الروسية بسبب دعمها نظام الاسد. وايران التي رفضت التسليم بوجود تحالف روسي- ايراني في سورية كما قال الرئيس حسن روحاني امس، رحب مسؤولوها بتعزيز دور الروس في سورية. كذلك أيّد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تفعيل هذا الدور العسكري وتعزيزه في سورية، لأنه يصب في خدمة “محور المقاومة”.
لكن اسرائيل ليست مستاءة من التدخل الروسي، لسبب بسيط، ان رمز “محور الممانعة” اي روسيا، هو طرف مؤهل بل مثالي وقادر على تمرير الحضور الاسرائيلي وتبريره في الحرب على الارهاب وبسلاسة مع ايران وحلفائها في سورية والعراق. من هنا كان استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الحكومة الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، دلالة مهمة من خلال تثبيت التنسيق الذي اتخذ شكلاً أوّلياً عنوانه امني لتفادي الصدام او اي “سوء فهم” (الصدام المقصود في سورية بين روسيا واسرائيل هو الذي يندرج تحت عنوان الخطأ غير المقصود) وقد تشكل في سبيل ذلك لجنة امنية اسرائيلية-روسية فتحت باباً على الدخول الاسرائيلي “المشروع” على الملف السوري.
اسرائيل كما هو معروف ليست هدفاً من اهداف الحرب على الارهاب، التي يتسابق جميع من تسميهم اعداءها على انجاحها، هذا يفسر عدم بروز اي اعتراض من قبل النظام السوري ولا ايران على التنسيق الروسي – الاسرائيلي، ولو المحدود في سورية. ربما كان تأكيد الرئيس روحاني “عدم وجود تحالف ايراني-روسي” غايته تفادي انخراطه في تنسيق رسمي وعلني مع اسرائيل. لكن ذلك لا يمكن ان يقلل من شان التنسيق الروسي الايراني المستمر منذ بدء الثورة السورية عبر دعمهما نظام الاسد.
التنسيق الذي دعا اليه الكونغرس الاميركي على صعيد الطلعات الجوية الروسية لتوجيه الضربات الى الجماعات الارهابية في سورية، يعكس نوعا من الترحيب الاميركي بالدور الروسي، وهو ترحيب يشبه الترحيب الاميركي بتدخل ايران وحزب الله في سورية منذ سنوات، ذلك ان الادارة الاميركية التي وجهت صواريخ طائراتها الى مواقع تنظيم داعش، لم تخطىء يوماً في استهداف مراكز تابعة لايران او حزب الله او الجيش السوري على امتداد الاراضي السورية والعراقية.
من هنا تكشف وقائع الحرب على الارهاب انها تمثل مرحلة انتقالية، يتم من خلالها خلق اصطفاف اقليمي ودولي في مواجهة “الارهاب السني”. موقف السعودية ينطلق من ادراك لحساسية التورط الكامل في هذه الحرب ومقتضياتها السياسية المستجدة، ففي تعريفات محور الحرب على الارهاب اميركياً، فان ايران ونظام الاسد من أعمدة هذه الحرب، سواء بالنسخة الروسية او النسخة الاميركية بعد الاتفاق النووي مع ايران. لذا فان السعودية ليست في موقع قادر على تجاوز تناقضاتها مع ايران، لاسباب تتصل بامنها القومي أولاً وبدورها المحوري في الفضاء الاسلامي السني ثانياً.
الصراع في سورية قارب على اكمال عامه الخامس، وسواء بقي الأسد او لم يبق (وهو لن يبقى) في اي تسوية مقبلة، فان الصراع في سورية استدرج كل القوى التي كان تشكل تهديدا محتملاً لاسرائيل، ووفر شعار الحرب على الارهاب، شروط الآمان لاسرائيل في المدى المتوسط، كما وفّر دوراً لايران تحت المظلة الدولية، وذلك كله دفع روسيا كي تقتنص مايمكن ان يخفف عنها العقوبات الاقتصادية التي ارهقتها، وحفّزت بوتين على لعب دور تكاملي مع أوباما في سورية، ليس صداميا كما يظن البعض.. فالرئيس الروسي سيقدم خطته بعد أيام في الأمم المتحدة التي لم يزرها منذ العام 2005. خطة اذا نجحت لن تزعج الاميركيين، واذا فشلت فهنيئا لبوتين الغرق في الرمال السورية.
حزب الله: معيار الإنتصار هو عندما يقول السيد … انتصرنا!
عماد قميحة/جنوبية/ 27 سبتمبر، 2015
وقف حزب الله ميدانيا في الزبداني أمام طريق مسدود، ولم يستطع بعد مضي ثلاثة أشهر من السيطرة على العديد من أحيائها التي بقيت تقاومه ولم تستسلم رغم حصارها موقعة مئات القتلى والجرحى في صفوف الحزب، مما اضطر الأخير الى القبول باتفاق هدنة ينهي حالة الحرب بعد 6 اشهر ينسحب فيها المقاتلون السوريون ضمن شروط واتفاقيات طالت الفوعة وكفريا الشيعيتين المحاصرتين في ادلب، فكيف عدّ السيد حسن نصرالله هذا العجز الميداني انتصارا لحزب الله في مقابلته أول أمس؟!
واحدة من أكبر الإشكاليات التي يمكن أن تعترض فهم سلوكيات حزب الله، وهي إنتقاء معايير ثابتة و واضحة يعتمدها الحزب في مقاراباته للموضوعات، إن على مستوى الأداء السياسي الداخلي أو في طبيعة علاقاته مع الأطراف الأخرى، أو حتى بالنسبة للمرتكزات الفكرية والثقافية والدينية ( كونه حزب ديني ) التي يحدد من خلالها شبكة علاقاته ومروحة تحالفاته، وصولاً لسلة أهدافه وغاياته المبهمة إجمالاً .
وللدلالة المباشرة على ما ندعيه هنا من فقدان حزب الله لوحدة المعايير، ومطاطية المقاييس، دعونا نحلّل نتيجة واحدة يتبناها حزب الله ويروّجها عند جمهوره ببساطة، ويحاول عبر بروباغندا حزبية أن يسقطها على الآخرين .
ومن باب المثال لا الحصر دعونا نأخذ مفهوم “الإنتصار” عند حزب الله ، خصوصا في هذه الأيام وبعد إطلالة سماحة السيد بمقابلته مع الزميل عماد مرمل على قناة المنار، وتناوله لموضوع معارك الزبداني وتوصيفه ما حصل على أنّه إنجاز يضاف إلى إنتصارات الحزب، ممّا أعادنا بالذاكرة إلى نفس النقاش وإن بوتيرة أخف عن الإنتصار الإلهي في 2006 ، والذي لم يحسم بعد حتى اللحظة.
نحن إذاً أمام انتصارين اثنين يدعيهما حزب الله في معركتين مختلفتين ، يمكن لأيّ مراقب بسيط أن يتلمس مباشرة حجم التناقض بل والتعارض الواضح في معايير كل منهما، بحيث يصبح معه إدعاء أحد الإنتصارين على الأقل محلّ شبهة ويتعذر حينئذ إمكانية الجمع بينهما، وضرورة الإكتفاء بواحد منهما فقط.
مع التأكيد قبلاً على الأخذ بعين الإعتبار حيثيات كلّ معركةٍ على حدى، فنحن ندرك تماماً أنّ تبدل الزمان والمكان وطبيعة كل معركة لها خصوصياتها المتحكمة برسم مساراتها الميدانية وضروراتها الموضوعية التي لا علاقة لنا بها ولا هي محلّ اهتمامنا هنا، وإنّما الحديث فقط هو عن ما يتصل بالموازين الكلية المعتمدة في توصيف نتائج أيّ معركة بغض النظر عن ماهية المعركة وكيفية خوضها.
ففي حرب ال2006 جعل الحزب من مجريات الأحداث الميدانية هي وحدها المعيار في تقييم المعركة، واتخذ حينها من الصمود الأسطوري الذي سطره المقاومون وقدراتهم الحربية على الأرض واستمرارهم في أداء واجباتهم القتالية، وما ألحقوه بالعدو الإسرائيلي من خسائر، المعيار الأول والأخير بتحديد الخانة التي فيها توضع النتائج المترتبة على تلك الحرب. فكانت خانة الإنتصار الإلهي هي المكان الذي وضعت فيه، متجنباً أيّ حديث عن النتائج السياسية التي تمخضت عنها، فلا يكاد حزب الله يأتي على ذكر القرار 1701 لا من قريب ولا من بعيد ، في حين أنّ الآخرين الذين كانوا ولا يزالون يعترضون على توصيف نتائج الحرب وادعاء الإنتصار كانوا يجعلون من الخاتمة السياسية التي تؤول إليها الحروب هي ما تعكس حقيقة الخانة التي توضع فيها، وجعلوا من القرار الدولي الذي فرض كرهاً على الحزب، مؤشراً نهائياً على إخفاقه، مع إعتراف الجميع بعظمة الصمود والإقرار بالقدرات العسكرية له.
أمّا على جبهة الزبداني فإنّ المشهد مختلف تماماً، فقد عمد سماحة السيد إلى اعتبار أنّ الإتفاق السياسي والهدنة التي توصل إليها مع ” المعارضة المسلحة ” ( التسمية التي أطلقها على مقاتلي الزبداني طيلة المقابلة ) هو المعيار الوحيد هذه المرّة، وأنّ هذا الإتفاق وما يمكن أن يحققه من نتائج ميدانية على الأرض هو الكفيل عنده بإعتبار أنّ معركة الزبداني حققت الأهداف المرجوّة وبالتالي فإنّ الخانة هنا هي خانة الإنتصار أيضاً، متناسياً كلّ مجريات الأحداث وكل حالات الصمود الأسطوري أيضاً التي سطرها هذه المرة المسلحون السوريون على الطرف الآخر.
فبين إعتماد النتيجة النهائية لأيّة معركة والإتفاق السياسي الختامي لها، أو اعتماد المجريات الموضوعية في الميدان، وقع حزب الله في التناقض البيّن، وعليه يمكن أن نقول له بشكل واضح، وعليه هو أن يختار، إما أنّك انتصرت بالصمود الميداني في عام 2006 وبالتالي فقد هزمت في الزبداني، أو أنّك انتصرت سياسيا بالزبداني وهذا يعني أنك قد هزمت في الـ2006 …
هذا ما يفرضه منطق الأمور وتفرضه البديهيات العقلية .. إلاّ إذا كان معيار الإنتصار لدى حزب الله هو فقط بأنّ يقول السيد أنّنا انتصرنا !