نصر الله “فرحاً” بالروس: قضايا الوطن لا تعنينا …الزبداني والفوعة وكفريا أولوياتنا
سلام حرب/موقع 14 آذار/27 أيلول/15/
في زمانها ومكانها، جاءت اطلالة أمين عام حزب الله حسن نصرالله بلا مناسبة معيّنة او إحتفال خطابي ما، وهي مقصودة في توقيتها لتوجيه عدد من الرسائل عبر تلفزيونه الخاص، لكن هذه الاطلالة كانت تفتقد للعفوية أو للتأثير الشعبي بل اتسمت بجرعة عالية من الرتابة التي تبعث الملل ولا تقدم أي جديد، وتعكس بالتالي تراجع الواقع الميداني لحزب الله ولمشروعه الاقليمي مقابل محاولات “تقطيع” الوقت على المستوى الوطني من دون طرحه مبادرات للحلّ. بالنسبة للزبداني، جاءت تبريرات نصرالله واهية لجهة مواصلة القتال هناك تحت ذريعة ايجاد حلّ سياسي لكفريا والفوعة. وعلى مبدأ “من فمك أدينك”، شكلت مقولة نصرالله أن الحل السياسي للزبداني كان مقابل تخفيف الضغط على الكفريا والفوعة إدانة صريحة له على مستوى أولوياته العقائدية كون المدينتين المذكورتين بغالبيتهما من الشيعة. وعلى المستوى العسكري، شكلت هذه المقولة اعترافاً صريحاً إن لم يكن بفشل الهجوم العسكري على الزبداني التي أعلن إعلام الممانعة عن سقوطها 5 مرات على الأقل، إلّا أنّه بالتأكيد إقرار عسكري بعدم قدرة النظام وحزب الله والروس فكّ الحصار عن الفوعة وكفريا. نصر الله الذي لم يعد قادراً على إعلان انتصارات عسكرية بعد ان كلفته الزبداني سقوط 150 مقاتلاً في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بدا مكتفياً ومغتبطاً بالحلّ السياسي الدبلوماسي بل يكاد يكون “راضياً وحامداً لله” على ذلك. على خط الازمة السورية، يبدو أنّه من الجدير التوقف عند الترحيب الحارّ لنصرالله بالتدخل العسكري الروسي على حساب الوجود الايراني العسكري، والذي يشكّل هو وحزبه احد وجوهه وابرز علاماته الفارقة. لا جدال هنا أنّ هذا الارتياح تجاه العسكر الروسي إنما يشير إلى حاجة النظام السوري الملحّة لأكثر من داعم إقليمي على مستوى إيران، بل إلى مظلة قوة عسكرية عظمى مثل روسيا. مؤشرات الإنكفاء الإيراني ظهرت بعيد سقوط جسر الشغور وتعهد قاسم سليماني “باستعاددتها قريباً جداً”، الأمر الذي لم يحصل برغم مرور 5 اشهر على ذلك.
رهانات نصرالله للمرحلة القادمة في سوريا في غالبيتها ذات طابع سياسي حيث أعرب عن “ازدياد فرص الحل السياسي” مع أمل أن تغير تركيا من موقفها ما يُشكل نقطة التحول في النزاع. الملاحظ هنا ان نصرالله بدا كمن فقد القدرة على المبادرة القتالية من دون آمال أن تشهد الفترة المقبلة انقلاباً لمصلحة بشار الأسد في الوضع العسكري. ولكنه في الوقت لم يفوته ان ينتقد الولايات المتحدة بشكل تقليدي، مرة على اعتبار أنها فشلت في قتال داعش ومرة على انها لم تقاتل داعش…بناء على مبدأ “المهم النيّة”!
الخفوت في نبرة نصرالله وصل الى أوجه حين خاطب جمهوره بنوع من الاستسلام عن الوضع اليمني معتبراً “أنّ الحوثيين وحلفائهم لم يخسروا بعد ، وان الحل السياسي متوقف على نتيجة معركة مأرب” متجاهلا سلسلة الهزائم التي تعرضت لها جماعات ايران في اليمن . هذا الكلام عن الشأن اليمني، مختلف تماماً عن السياق المعتاد لنصرالله في مقارباته تجاه اليمن والذي شنّ خلالها الهجمات الكلامية النارية مع انطلاق عاصفة الحزم، من دون أن يفك الارتباط ويحافظ على مستوى مرتفع من العداء للسعودية .وكانت حادثة التدافع في منى ومقتل مئات الحجيج، الفرصة السانحة لنصرالله الذي فرغت جعبته من السهام لتوجيهها الى المملكة. وهنا قارب نصرالله المأساة بأسلوب مسيّس، مطالباً بتدخل دول اخرى لتنظيم الحجّ لغايات في نفس يعقوب. وعند الحديث عن الاعتداءات على المسجد الاقصى ، ورغم توقع نصرالله ان اسرائيل ستهدمه يوما ما ، فان رده كان خافتاً وضعيفاً للغاية ، ولم يطلق التهديدات المعهودة . وهذا يدل عن العجز اولاً، ويدل على تبدل اولوياته ثانياً. المواقف الحادة والمتشددة لنصرالله تجاه القضايا الإقليمية، قابلها موقف أقلّ ما يُقال فيه أنّه واهن ويفتقر الى الوضوح تجاه الحراك الشعبي المطالب بالقضايا المعيشية. تبريرات نصرالله لهذه الاستقالة من القضايا الاجتماعية الوطنية بذريعة انشغاله بالمعارك الكبرى، هو أقرب للهروب والتنصل من مسؤولياته وهو المشارك في المجالس النيابية منذ العام 1992 والحكومات المتعاقبة منذ العام 2005. هي محاولة فاشلة من حزب الله للتنصل من مشاركته في فساد القطاع العام الذي اعترف، في وقت يشارك فيه عملياً وما التمنيات بالتوفيق من أمين عام الحزب للحراك المطلبي إلا مثاراً لعلامات التعجب من قبل حزب يدّعي أنه يدافع عن شعبه ويحمي مصالحهم، وكأنّ قضايا الماء، والكهرباء، والنفايات، وغيرها لا تعني نصرالله ولا حزبه! المواقف الرمادية لنصرالله انسحبت أيضاً على ترشح ميشال عون للرئاسة الذي ربطه بديمومة ترشح الأخير للرئاسة. والمستغرب أن نصرالله أيّد قانون الانتخابات على أساس نسبي معترفاً أن قوى سياسية ستنال مقاعد ضمن مناطق نفوذ حزب الله وحرك أمل، ولكنه رمى تبني القانون النسبي في حضن “التوافق الوطني”، بحركة تذاكي سياسية يعلم نتيجتها مسبقاً.