زيـاد مـاجد: مشهد لبناني جديد/روزانا بومنصف: بين الخشية من الفوضى وانتخابات على نارها الحركة الشبابية تغامر بإهدار رصيدها الناشئ/ميشيل تويني: ذبيان وبزّي والنفايات

290

 مشهد لبناني جديد
زيـاد مـاجد/لبنان الآن/02 أيلول/15

تأسّست في الحراك الذي شهده الشارع في بيروت مؤخّراً دينامية سياسية هي الأولى في حقبة ما بعد العام 2005. دينامية يصعب اليوم توصيفها بدقّة أو توقّع مآلاتها، ويمكن في المقابل الحديث عن بعض خصائصها، أو عن بعض المعطيات التي قد تُعين على فهمها.
أوّل هذه المعطيات هو على الأرجح المعطى الجيلي. فالجيل الذي يقود الحراك مكوّن بشكل أساسيّ من ثلاث شرائح. تلك المولود نضجُها السياسي في السنوات الأخيرة، أي بعد تحوّل القسمة الـ8 والـ14 آذارية الى قِسمة معطّلة للسياسة ومكتفية بتقاسم المثالب والتسبّب بالانهيار في مؤسّسات الدولة وفي خدمات مرافقها الرئيسية. وشريحة متناثرة عن المعسكر الـ14 آذاري (بمعناه العريض)، مُحبَطة من أدائه البائس ومن رداءة قياداته وحساباتها الضيقة. وشريحة ثالثة آتية من هيئاتٍ ونقابات وتياراتٍ من المجتمع المدني، لم تنتسب الى أيّ من المعسكرين الآذاريّين وأحزابهما، ولَو أنها كانت أقرب في مراحل معيّنة الى معسكر 8 آذار. المشترك بين الشريحتين الأولى والثالثة هو حساسيّتها اليسارية اقتصادياً وثقافياً، وعداؤها للحريرية، وهو عداء تدفعه الشريحة الثانية نحو حزب الله (ومعه عون). والمشترك بين الشرائح الثلاث هو ميلها العلماني، أو لِنقل نبذها الطائفية كمحدّد للانتماءات وللانحيازات السياسية. ثاني هذه المعطيات هو العلاقة بالمحيط العربي، لا سيما السوري، وأثر ذلك على مستويَين سياسي واجتماعي/سلوكي في الحراك “البيروتي”. على المستوى السياسي، أدّى الموقف من الثورة السورية الى تراجع “هيبة” حزب الله عند فئة من الناشطين اليساريين، المنتمين بمعظمهم الى الشريحتين الأولى والثالثة المذكورتين آنفاً، ممّن كانت “المقاومة” تجذبهم و”تخدّرهم” سياسياً. وهذا جعل تواصلهم مع الشريحة الثانية ممكناً، وجعل شعارات الحراك لا تستثني الحزب وأمينه العام (وإن فعلت أحياناً، فَبسبب الضغط والتهديد المباشر). وعلى المستوى الاجتماعي/السلوكي، بدا واضحاً التناقض بين “الصورة” البيروتية و”الصوَر” العربية، لجهة حضور النساء الكثيف بين المتظاهرين (ولجهة ملبسهنّ)، ولجهة بعض الشعارات المرفوعة ودلالاتها. والمستوى هذا يدلّ، بعيداً عن أي تغنّ فارغٍ، على أمرَين. الأوّل أن الحرّيات المتاحة في لبنان وغياب القمع (الذي عانى منه المتظاهرون في أكثر الحالات العربية، ووصل حدوده القصوى في سوريا) يُتيح مشاركة نسائية واسعة. والثاني أن ثمة إرادة شاءها المشاركون في الحراك اللبناني لإظهار “مدنيّة” أو علمانية لمظاهراتهم تُناقض الثنائيّات التي يُراد تكريسها عربياً بين “عسكرٍ” و”إسلاميّين متطرّفين”. وقد أعانتهم على ذلك تركيبة المجتمع اللبناني وخاصيّة المدينة حيث التظاهرة، بيروت. ثالث هذه المعطيات هو العودة الى السياسة بوصفها قضايا يومية وقضايا “حقوق مواطنية”. وهذا لا ينفي أهمّية القضايا السياسية “الاستراتيجية”، وهي ما زالت خلافية بين اللبنانيين. لكنه يُعيد التركيز على المصالح وعلى الحقوق ويدفع لرفض الشبكات الزبائنية التي يتشارك جميع المسؤولين علاقةً بها وإدارةً لها. وفي هذه العودة ما يجمع مواطنين ومواطنات بمعزل عمّا يمكن لاحقاً أن يفرّقهم. كما أنه يسمح بجعل الطائفية عنصراً ثانوياً أو حتى هامشياً في عملية فرز المُجتمعين من أجل حقوق ومطالب اقتصادية معيشية. هل يعني ما ذُكر أنّنا أمام نهاية حقبة أو نهاية انقسامات سادت على مدى السنوات العشر الماضية؟ أغلب الظنّ لا. وأغلب الظنّ أيضاً أن عنوانَي الخلاف الأكبر بين اللبنانيين، سلاح حزب الله وأدواره الإقليمية من جهة وشكل النظام السياسي وفلسفته من جهة ثانية، سيستمرّان طويلاً. لكننا أمام دينامية لبنانية جديدة لن تُبقي احتكار السياسة لمُعسكرين فشلا فشلاً ذريعاً في حُكم البلاد وإدارة مرافقها، بمعزلٍ عن وجاهة أيّ اعتبار لا يوزّع بالتساوي المسؤوليّات عن الفشل ذاك. وهذا في ذاته مشهدٌ جديد.

بين الخشية من الفوضى وانتخابات على نارها الحركة الشبابية تغامر بإهدار رصيدها الناشئ؟
روزانا بومنصف/النهار/2 أيلول 2015
أمسك الشباب اللبناني في التحرك الشعبي الذي اطلقه مستهدفاً الطبقة السياسية برمتها بناصية أمر بالغ الأهمية وهي مسألة تهديد سلطة القوى السياسية الممسكة بالوضع اللبناني من باب طوائفي لا يساهم سوى في تعزيز مرتكزاتها وقوتها بدعوى الدفاع عن هذه الطوائف ومصالحها. ولذا بدا التحدي في منطلقه مهدداً بالسقوط لولا أن الشباب استطاعوا أن يجذبوا الى تحركهم الآلاف من اللبنانيين الذين طفح كيلهم ورغبوا في توجيه رسالة الى المسؤولين والسياسيين لم تتقيد في الغالب بروزنامة عمل حركة “طلعت ريحتكم”. لكن رغم ذلك صب الحشد الشعبي في خانة هذه الحركة خصوصاً انه جذب اللبنانيين في الوقت الذي عجزت احزاب عن جذبهم الى شعاراتها من أجل التظاهر معها أو دعماً لمطالبها. إلا أن الحشد كان ايضاً بمثابة تحد باعتبار انه كان استثنائياً ولن يخرج عن هذا الاستثناء بمعنى صعوبة إمكان تكرار ما حصل السبت في 29 آب المنصرم. إذ ينبغي الاعتراف أن المجتمع المدني أربك الأوساط السياسية جميعها التي سارعت الى ابتكار وصفة حوار جديدة سرعان ما وجدت اصداء ايجابية لها من أجل محاولة نقل البلاد الى أفق آخر غير أفق الشارع واظهار جدية انتقد غيابها اللبنانيون في معالجة الخلافات السياسية وتسيير شؤون الناس. وهذا في ذاته يعد انتصاراً كبيراً للحركة الشعبية ولو أن السياسيين لم يودوا أن يظهروا انهم تحركوا تحت ضغط الشارع وان الأمور يجري التحضير لها منذ بعض الوقت. لكن اي طاولة حوار متعددة الطرف لم يتم اقتراحها قبل بدء التحرك الشعبي بل بعده وببرنامج عمل مرتبك ينزع الى محاولة ارضاء كل فريق سياسي. وتالياً فان الحركة الشعبية وقعت بين شاقوف اتهامها من جهة بأنها مدعومة من خارج ما من أجل التخريب على الوضع السياسي وفق ما عمد زعماء الى اثارة الشكوك في هذا الاطار، وسندان محاولة ركوبها من أجل محاولة النيل من الآخرين على أساس أن كل فريق سياسي أرادها لاتهام الفريق الآخر منزهاً نفسه عن المسؤولية في ما آلت اليه البلاد، على رغم أن حكم الطوائف والاستئثار بمقدرات الدولة من زعماء الطوائف هو نفسه في هذا الجانب أو ذاك، فيما يرزح جميع اللبنانيين تحت الحرمان من ابسط المقومات الضرورية للعيش الكريم. لذا كان التوجس من هذه الحركة ومحركيها وخلفياتها ومن امكان استغلالها لغايات سياسية قائماً في كل الاتجاهات ولا يزال انطلاقاً من أن استمرار الشغب لمجرد استمراره يثير الخشية من أن يؤدي الى الفوضى.
هل غامر منظمو الحركة الشعبية في التسرع بخطوة اقتحام وزارة البيئة؟ فمع أن هذا التصرف يلقي ضوءاً أكبر على الحركة ويجعلها تستقطب الاهتمام، فإن اقتحام الوزارة يخشى أن يتحول الى تطور يرتب تداعيات سلبية تنعكس سلباً عليها. فحين أعلن منظمو الحركة مغادرة ساحتي الشهداء ورياض الصلح مساء السبت 29 آب وتركوا للرأي العام أن يميز بين تحرك المجتمع المدني والمشاغبين أو المندسين، فإنما وجهوا رسالة حظيت بتقدير كبير حول سلمية تحركهم. فالطابع السلمي هو الأساس والجوهر الذي يعطي الثقل لما يقومون به. ولا يعد اقتحام مؤسسة عامة واحتلالها حتى استقالة الوزير تحركاً سلمياً صرفاً، ولو لم يكن مسلحاً، كونه يطاول المس بحرمة مؤسسات الدولة. وبالنسبة الى الداعمين السياسيين خجلاً أو لفظياً للحركة الشبابية على أساس انها محقة في مطالبها، فان اقتحام وزارة البيئة يساهم في خسارتهم هؤلاء السياسيين. ومع أن الاستهداف مبدئي باعتبار أن المطلب بيئي، فان وزير البيئة كان يدير صراعاً سياسياً بين أفرقاء الحكومة حول ملف النفايات تماماً كما يفعل الرئيس تمّام سلام الذي يحسب عليه الوزير محمد المشنوق، وتالياً فان المطالبة باستقالته لا تقدم حلاً لملف النفايات خصوصاً انه تنحى عن ادارته. ومثل هذا التحرك يفقد الحركة الشعبية الزخم أو حتى التشجيع الذي حصلت عليه بين الناس نتيجة اثارة المخاوف من أن يكون التحرك مدفوعاً من أجل المسّ بمؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى، في حال نجاحه، أو المس بوزارات يتولى ادارتها وزراء من طوائف معينة. وفي أي حال، فان استهداف محمد المشنوق وحده بدا استهدافاً غير موفق للحلقة الأضعف بين وزراء القوى السياسية التي تملك القدرة الطوائفية على التصدي للمس بالمصالح تحت ادارتها. ومفهوم أن الحركة كانت تحتاج انتصاراً أو مكسباً من أجل تزخيم استمرارها ولم يشف تنحي المشنوق عن ادارة ملف النفايات من دون استقالته غليلها، لكنها كان يمكن أن تحول المكسب الصغير الذي تحقق الى مكسب حقيقي من أجل السير بروزنامة عمل جديدة على هذا الأساس، أي الدفع في اتجاه الاسراع بايجاد حلول وبمطلب يتناول ملفاً حيوياً آخر يهم اللبنانيين لأن التحديات تبدأ ولا تنتهي عند ملف النفايات فحسب. والتحرك لا يزال في أول الطريق ويحتاج الى توظيف قدرات جديدة لاجتذاب اللبنانيين من حوله. وكثر يخشون أن يكون اقتحام وزارة البيئة بداية لتداعيات سلبية على حركة شعبية بدا انها يمكن أن تنجح حيث فشل آخرون، ما لم تكن الفوضى التي يدفع اليها الوضع عاملاً قسرياً يدفع نحو انتخابات رئاسية يخشى كل طرف أن يكون الطرف الآخر يستغلها من أجل فرض مرشح انتخابي معين.

ذبيان وبزّي والنفايات
ميشيل تويني/النهار/2 أيلول 2015
من حملة ضد أسعد ذبيان، أحد منظمي حملة “طلعت ريحتكم” لأنه تعرض للأديان، الى تحقيقات حول عماد بزي ايضاً أحد الناشطين في التظاهرات، للإثبات أنه لا يتحرك من تلقاء نفسه، كل ذلك ليس مهماً وليس أكثر من تفاصيل، لأن الأكيد أن الكثير ممن تظاهروا في ساحة الشهداء لا يعرفون بزي أو ذبيان بل بكل بساطة هم من الأكثرية الصامتة التي شبعت ذلاً وانتهاكاً لحقوقها من الدولة والزعماء! فلا يمكن ان ننكر المشهد الجميل الذي برز في ساحة يتظاهر فيها لبنانيون من دون تنظيم حزب أو طائفة فقط ليقولوا: كفى. وربما للمرة الأولى نرى تظاهرة غير منظمة من أحزاب 8 أو 14 آذار وتحشد مواطنين. فالرسالة كانت من الكثيرين واضحة: أنتم لم تعودوا تمثّلوننا، ويا ليت حركة الشعب التي نزلت من تلقاء نفسها تؤسّس لموجة جديدة، لحركة جديدة بعيدة من 8 و14 آذار. لكن ما الرؤية؟ وما مستقبل تلك الحركات؟ وهل دخول وزارة البيئة بتلك الطريقة كما دخلوا أمس، هو الحل المناسب؟ وهل استقالة الوزير ستغير الكثير في ملف النفايات، العالق بين زعماء الطوائف؟ وهل يدرك السياسيون والمسؤولون ان الناس ما عادوا يتحملون أولاً النفايات وثانياً الفساد في كل القطاعات، وسئموا الشلل الدستوري والحكومي والرئاسي والنيابي؟ أم انهم لا يريدون ان يروا الحقيقة بالعين المجردة؟ بكل صراحة، لا يهتّم الناس بالحركة ومن وراءها، بل يعنيهم أن اولادهم يعيشون بين النفايات والامراض. وعندما قرر الوزير أبو فاعور خوض معركة الحفاظ على سلامة المواطن وعلى صحته، لماذا لم يعملوا جميعهم جاهدين لإيجاد حل قبل اقفال مطمر الناعمة؟ ولماذا تأتي الحلول بعد انفجار أو تصعيد وليس قبل ذلك؟ كما أن قانون الانتخابات الذي تسابقوا عليه عام 2013 عبر المزايدات، لم يعد أحد يعمل عليه، وبقي تأجيل الانتخابات والتمديد للمجلس. فلماذا تترك الامور دائماً حتى آخر دقيقة لنصل الى الخراب؟ ولماذا يتعامى المسؤولون عن خطورة نهج إهمال الأزمات التي تهدّد بأكل الأخضر واليابس؟ ومن جهة أخرى، المطلوب من المتظاهرين درس خطواتهم لأن البلاد ما عادت تتحمل شللاً أكثر مما هو حاصل. وليس مؤكداً أن نتيجة إيجابية ستكون بعد التحرك لمصلحة الناس! فالشعب والبلاد ما عادا يتحملان خيبات أمل اضافية ومحاولات فاشلة وخلافات داخلية وعدم تخطيط للمستقبل! وطبعاً، صرخة الناس يجب ان تسمع والتعرض للمتظاهرين ممنوع، كما ان التعرض لهيبة الدولة وللممتلكات العامة ممنوع ومرفوض، لان الفوضى في هذه الفترة رهان خطر ولعبة لا يجوز الخوض فيها لأننا لا نعلم كيف سيكون الخروج منها!