كي ينجح الحراك الشعبي
علي حماده /النهار/29 آب 2015
اذا كان للحراك الشعبي الذي تقوده مجموعة متنوعة من الجمعيات الاهلية والتجمعات المستقلة ان يؤدي الى تغيير فعلي في البلاد، فعلى هذا الحراك ان ينحو نحو التجمع تحت مظلة ائتلاف اهلي مدني، يقدم في الوقت الحاضر موضوع ازمة النفايات وحلها على بقية العناوين الفضفاضة التي تحفل بها الساحة. نعم، على الساحة ان تكون فضفاضة في ابتكاراتها لوسائل الاعتراض والاحتجاج والتعبير، وعليها ان تكون خلاقة لاجتذاب اللبنانيين بشكل عابر للطوائف. لكن في الغرف المغلقة والاطر التنظيمية التي لا بد من ايجادها وتطويرها، لا بد من عناوين واضحة، هادفة، والاهم ان تكون موحدة. فلا قيمة لاي حالة احتجاجية مهما كبرت وتوسعت افقيا ان لم تتحد تحت برنامج واضح وخريطة طريق للبعد المطلبي الاجتماعي. فالشعار الموحد القابل للتحقق هو المطلوب رفعه اليوم من الجميع كي يعرف الناس تمامل لماذا سينزلون اليوم الى الساحات، ولماذا سيواصلون النزول في الايام و الاسابيع القادمة. ونضيف ان اكبر خطر على الحراك الشعبي مصدره التخبط في مقاربة البعد السياسي. بمعنى آخر ان تحول الموقف ازاء المسألة السياسية (حكومة، انتخابات رئاسية ونيابية… الخ) الى سوق عكاظ على النحو الحاصل سيؤدي الى تشتت الجهد وتشتت الناس معهم. طبعا، لا يسع الحراك الشعبي المدني الذي يعكس واقعا مأزوما حقيقيا ان يستمر طويلا وبما يكفي لاحداث نقلة في البلد، اذا ما اختُرق امنياً كما حصل ليل الاحد الفائت، وفي اليوم التالي ايضاً. فإذا بقيت الساحات مشرعة وسهلة الاختراق من رعاع منظمين، سيصبح الحراك رهينة العنف في الشارع الذي لا يمكن ان يخدم فكرة النزول الى الشارع بتظاهرات سلمية متدحرجة حجما. وعلى هذا المستوى، فإن القوى الحزبية المنظمة والمؤطرة والمتكئة على عصبية طائفية حقيقية لم تتراجع كما يتوهم البعض، هي التي تستعيد المبادرة في الشارع. فحذار الشارع المنفلت، لان الانفلات يحرف الانتباه عن الازمة الاجتماعية. ثمة نقطة جوهرية لا بد من التنبه اليها، وهي ان على القوى المنظمة للحراك الشعبي الا تحيّد من يمتلك السلاح من انتقاداتهم، لان البلد لا يزال مطيفا و ممذهبا ومنقسما عاموديا، وخاضعا لمنطق الصراع الاقليمي الممتد من اليمن الى العراق وسوريا. لا تظنوا ان تظاهرة مهما كانت كبيرة اليوم ستدفن الاحقاد والانقسامات الراسخة في عمق التركيبة اللبنانية. فإن لم يكن من وضوح في الموقف رافض لمنطق الدويلة والسلاح غير الشرعي والحروب المستولدة داخليا و خارجيا، فإن “الربيع اللبناني الثاني” سيبقى مجرد حلم عابر، فلا اصلاح حقيقيا بظل دويلة فوق الدولة، وجيش فوق الجيش، وسلاح فوق القانون والتوازنات الدقيقة . على الناس ان ينزلوا الى الساحات للتعبير عن وجعهم ورفضهم للواقع السيئ، لكن لا بد من توحيد العناوين ومنع اي اختراق يحول الحراك الى مطية لاجندات اخرى. وقد قيل “ليس المهم من اين تيت، بل المهم الى اين انت ذاهب”! فلننتظر ونر!
إسقاط النظام حالياً ينهي لبنان!
أسعد حيدر/المستقبل/29 آب/15
من أعاجيب هذا الزمن الرديء ومهازله، أن اللبنانيين يريدون إسقاط النظام اللبناني، وأن معظم العرب في الدول العربية «الجريحة»، يريدون «لبننة» نظام دولهم، ليخرجهم من الحروب والصدامات التي دمرتهم ودمرت بلادهم. لا شك أن الفراغ السياسي الذي طال إلى جانب الفساد الذي تعمّق وتجذّر لدى جميع الطبقات والمرافق، والأزمات المعيشية اليومية، التي تهدد بإدخال لبنان خانة الدول الفاشلة، كل ذلك ولّد حالات من الإحباط واليأس، تسمح بالتعلق بـ»حبال الهواء»، طلباً للخروج من كل هذا الوضع الذي لم يعشه اللبنانيون حتى في عز الحرب الأهلية بكل تفاصيلها الدموية والسوداوية التي مهما كانت ضخمة وصعبة تكاد تكون «كاريكاتوراً» لما يعيشه السوريون والعراقيون واليمنيون حالياً. شعار إسقاط النظام في لبنان، ليس هو الحل. القوى المستفيدة أو التي تشكل جزءاً أساسياً منه، إلى جانب تداخل كل هذه القوى بالوجود الأجنبي المتعدد الهويات والمصالح والنفوذ، لن تسمح بذلك. ولو كانت تريد او يمكنها على السواء ذلك، لوجدت أو شاركت في صياغة الحل الذي يخرج لبنان من حالة الفراغ والعجز عن إيجاد حل لمشكلة مثل «الزبالة» وقبلها الكهرباء والماء.
القوى الوحيدة التي تريد الحل هي القوى المدنية التي لم تدخل «طاحونة» النظام ولم تصبح بعد «برغياً» في آلته. لكن المشكلة أن هذه القوى ما زالت «وليدة» لم تتشكل بعد ولا تملك ما يجعلها تقف وتواجه من دون أن تخترق وتحترق.
هل يعني كل ذلك إعلان وفاة مبرمجة للبنان على وقع القضاء والقدر؟ من الواضح حتى الآن، أن لا احد يريد من القوى اللبنانية الأساسية بما فيها «حزب الله» وفاة لبنان، كذلك القوى الإقليمية والدولية تعمل منذ عشر سنوات، وباندفاع وقوة أكبر منذ أربع سنوات على منع «اغتيال» لبنان عبر دفعه إلى داخل «دوائر النار» الكامنة والمشتعلة. لكن بين منع لبنان من الموت وإيجاد الحلول مسافة كبيرة جداً تحددها التطورات الإقليمية والدولية.
انتهى الغموض الذي يلف «طاولة المفاوضات». بعد أربعين يوماً سيوقّع الاتفاق الإيراني الأميركي ويتم اختبار الإرادات السياسية. من دون الدخول في التفاصيل لأن «الشياطين» تكمن فيها. إيران تريد بعد أن استحوذت على الوجود في أربع عواصم عربية بقوة التدخل السلبي المباشر وبالوكالة، تثبيت هذا الوجود، المشكلة في «النسب» التي ستحصل عليها سواء في سوريا او لبنان والعراق واليمن. كل شيء خاضع للمفاوضات، التي تحدد موازين القوى والنسب.
سوريا ارض مفتوحة على الصراعات الدموية. من المبكر جداً الكلام فيها عن حل، خصوصاً وان إيران تعتبر سوريا جزءاً من وجودها الاستراتيجي في المنطقة. من الصعب جداً ان لم يكن مستحيلاً ان يصاغ الحل في عهد اوباما الذي لا شك سيكون سعيداً جداً اذا حصل ذلك. معنى هذا ان سوريا معلقة إلى ما بعد ربيع 2017. لبنان هو المعني مباشرة بالخروج من الفراغ في ربيع 2016 في اقصى الحالات، حتى لا يبقى معلقاً بذيل الحل السوري. اسقاط النظام في لبنان ينهي حالياً لبنان. «المؤتمر التأسيسي« لن يقوم ولو ارادته جميع القوى لأن الأساس اتفاق إيران والسعودية من هكذا تشكّل جديد للبنان. باختصار دائماً يعود «القطار» إلى «المحطة» الأولى. السعودية حمت في اليمن حدودها الاستراتيجية وقدمت للعالم «هدية» كبرى هي ابقاء «باب المندب» «باباً» لا تملك إيران ولا غيرها «مفتاحه». «باب المندب» «باب« لكل الدول الكبرى والمتوسطة. مثل هذه «الملكية» تبقى كما هي او تشعل حرباً كونية!. إيران اخذت حقوقها في الملكية النووية. يمكنها ان تقدم «هدية» للعرب وللعالم في تسريع اخراج لبنان من الفراغ وتثبت بذلك انها انتقلت فعلاً من حالة التدخل السلبي إلى حالة التدخل الايجابي. من الأفضل ان يتم ذلك سريعاً لان إيران ايضاً امام استحقاقات داخلية مهمة وحساسة قد تنتج انتقالاً نهائياً إلى حالة الدولة.