محمد مشموشي: قصة الممر الإلزامي من ألفها إلى يائها/علي حماده: نعم لإحياء حوار الحريري – عون/نبيل بومنصف: الجنرال في عزّ معاركه هل احتسبها جيّداً في محرابه
قصة «الممر الإلزامي».. من ألفها إلى يائها!
محمد مشموشي/المستقبل/23 آب/15
كان الحوار الاعلامي، وحتى من المنابر الخطابية، بين «حزب الله» وحليفه الاستراتيجي «التيار الوطني الحر» في الأسبوع الماضي، مدعاة لعدد من التساؤلات وعلامات الاستفهام، ليس فقط عن طبيعة العلاقات بينهما في هذه المرحلة انما أيضا عما اذا كان حوارهما السياسي قد توقف لسبب ما، أو هو قد جمد بقرار بانتظار ما ستسفر عنه صفقة الاتفاق النووي بين ايران والدول الـ6 الكبرى في العالم دوليا وايرانيا واقليميا، وبالتالي لبنانيا. بداية الحوار العلني هذا، جاءت في عبارة من خارج السياق قالها رئيس التيار العماد ميشال عون، بعد نزول أول الى الشارع ردا على ما سماه «تهريب» قرار التمديد للقيادات الأمنية والعسكرية، هي ان «حزب الله» لا يدافع في سوريا عن نفسه فقط انما أيضا عن المسيحيين في لبنان وسوريا كما في المنطقة كلها. وكانت العبارة من خارج السياق، لأن التظاهرة «السيارة» اصطدمت يومها بالقوى الأمنية ما أدى الى حملة شنيعة من عون على قائد الجيش العماد جان قهوجي، وحتى على المؤسسة العسكرية كلها، بدعوى أنهما هما اللذان تصديا للمتظاهرين فيما أكدت صور التلفزيونات ومواقع التواصل الاجتماعي أن نواب التيار هم الذين بادروا للاعتداء على القوى العسكرية. وفي كل حال، لم تكن المناسبة تستدعي حديثا عن «حزب الله» ولا عن حربه في سوريا، فضلا عن دفاعه عن المسيحيين أو حتى عن «حقوقهم»…شعار عون الأخير للتغطية على حروبه الرئاسية والتوظيفية والتعطيلية لعمل الحكومة ومجلس النواب.
لم تمر أيام قليلة على ذلك، حتى كان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله يرد على «تحية» عون هذه، ولكن بكلمات أثارت من التساؤلات لدى عون وتياره، فضلا عن المراقبين، أكثر مما أدت الى شعور بالاطمئنان…لا سيما وأن أحدا في التيار، أو من المراقبين، لم يكن يصدق أن التمديد للضباط الأربعة تم من دون موافقة الحزب، أو أقله عدم الاعتراض عليه، بالرغم من موقف عون وممثليه في الحكومة الرافض، والمهدد بالويل والثبور في ما لو اتخذ قرار من هذا النوع وجرى تمريره بمثل السهولة التي مر بها.
قال نصرالله، في احتفال وادي الحجير بمناسبة ذكرى النصر في تموز/آب العام 2006، ان العماد ميشال عون «ممر الزامي» الى رئاسة الجمهورية وحتى لعمل الحكومة ومجلس النواب. الا أنه أضاف الى ذلك، وعلى عكس موقف عون الرافض لذلك، أنه يدعوه للموافقة على فتح دورة استثنائية لمجلس النواب وتسهيل عمل الحكومة «لأن لا خيار لنا سوى الدولة…والدولة وحدها هي التي تصون الجميع وتدافع عنهم» كما قال، وان قرن ذلك باعلان ان عدم مشاركة الحزب وأطراف 8 آذار الأخرى في تظاهرات عون الاعتراضية قد لا يستمر طويلا في ما لو بقيت الحال على ما هي عليه في المستقبل.
ولأن نصرالله لم يردد لازمته الأثيرة عن «مرشحنا الذي تعرفون الحرف الأول من اسمه»، ولا الكلام الأكثر صراحة بلسان نائبه الشيخ نعيم قاسم عن «العماد عون الذي لا ينقصه سوى أن تنزلوا الى مجلس النواب لانتخابه»، فقد خرج عضو التيار الوزير السابق سليم جريصاتي من أول اجتماع للتيار بعد خطاب نصرالله ليعلن باسم المجتمعين «ان الممر الى رئاسة الجمهورية مقفل… لكن بالدستور وبالقانون«.
وليس خافيا أن هذا الكلام جاء ردا على عبارة نصرالله عن «الممر الالزامي»، وان ذهب الى أن ما يسميه «الدستور» أو «القانون»(أي دستور وقانون؟!) هو ما يجعل هذا الممر مقفلا طيلة أكثر من أربعة عشر شهرا حتى الآن.
هذا الموقف تحديدا، اضافة الى ما سجلته أوساط سياسية وحزبية ومن قوى 8 آذار بالذات عن تراجع دعم «حزب الله» لمواقف عون من الرئاسة وفي داخل الحكومة، هو ما دفع نصرالله الى استغلال مناسبة لقائه مجلس أمناء «جامعة المعارف» ليقول كلمته الأخيرة في الموضوع.
في هذه الكلمة، عاد نصرالله الى ما يشبه كلامه القديم عن «رئاسة» عون وان لم يكن بالقوة أو بالحدة ذاتها. قال ان عون «مرشح طبيعي وقوي لرئاسة الجمهورية وله قاعدة تمثيل عريضة، ونحن كنا وما زلنا وسنبقى ندعم هذا الترشيح«.
وفي ما بدا أنه توضيح لخطابه في وادي الحجير، وللرد على ما تردد عن تراجع دعمه لعون، قال نصرالله: «انهم(يقصد أطراف 14 آذار) من أجل أن يستوعبوا الموقف القوي الذي عُرض بهذه المعادلة الداخلية إلى جانب التيار الوطني والعماد عون، ذهبوا إلى المكان الذي فسروا فيه ما يُفيد التوهين، مع العلم أنّ العبارة لا تفيد ذلك، وهذه واحدة من مشاكلنا معهم«. وبحسب اعلام الحزب، فقد استخدم نصرالله في حديثه مع أمناء الجامعة العبارات التالية(هكذا بالحرف) «عندما نقول إن العماد ميشال عون ممر إلزامي، فهذا لا يعني أنه لم يعد مرشحاً، هو ممر إلزامي، سواء كان مرشحاً أم لم يكن، يعني هي أعم، وبالتالي أنا أثبّته كممر إلزامي، وهذا ليس لازمه أنه لم يعد مرشحاً، يعني(لا يمكن تفسير الأمر بهذا الشكل) في المنطق ولا في الفهم، ولكن هم يريدون أن يفسروا الأمور هكذا«.
ماذا يعني هذا التسلسل، بل عمليا هذا اللبس، في مواقف الحليفين من مسألة رئاسة الجمهورية في المرحلة الحالية؟. واقع الحال أن كليهما يتصرف على أساس أن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور، وأنهما لا يريدان بدورهما اجراء هذه الانتخابات، لكن الأمر بالنسبة للعماد عون يتجاوز ذلك الى ما هو أكثر: محاولة الظهور في صورة من لا يزال يملك أوراقا بالرغم من الخسائر التي لحقت به هنا وهناك في الفترة السابقة. ولم يفعل «حزب الله»، المهتم على الدوام بتغطية عون في معاركه الخاصة، الا أنه سارع الى نجدته أمام البقية الباقية من الرأي العام المسيحي التي بدأت تتساءل عن حقيقة موقفه، وان أدت السرعة في ذلك الى التباسات حاول لاحقا ازالتها بهذه العبارة أو تلك. لكن أين هي الحقيقة؟. الالتباس سيبقى سيد الموقف.. وتحديدا الى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في موقف «الولي الفقيه» الايراني من قضايا المنطقة في سوريا والعراق ولبنان وغيرها. والالتباس هنا ليس من دون معنى، حتى وان اعتبره البعض مجرد تمرير للوقت!.
الجنرال في عزّ معاركه… هل احتسبها جيّداً في محرابه؟
نبيل بومنصف/النهار/22 آب 2015
تراصف الشامتون الأكثر من ان يحصروا بالعماد ميشال عون وراء مجموعة التباسات بعضها واضح مكشوف وبعضها الآخر غامض يصعب تفسيره لانه باق في بال الجنرال ليطلقوا اسهم “التأسي” على احد أكبر التيارات المسيحية بعدما انتقل من مرتبة التيار “الثائر” على كل تقليد وموروث لدى الاحزاب الكلاسيكية اللبنانية الى الاصطفاف في ناديها طائعاً مختاراً. واذا كان اطلاق الاحكام المبكرة من اشد خصوم الجنرال ام من غلاة محبيه على تسليم “التيار الوطني الحر” بارادة زعيمه في انتقال رئاسة التيار الى جبران باسيل بالشكل الصادم الذي حصل امراً مشوباً بالتسرع والغرضية أيضاً، فإن ذلك لا ينفي اطلاقا تجاهل الوقائع الموضوعية التي جعلت هذا التطور يسلط الاضواء على ملابساته التي جاءت في توقيت شديد التوهج بفعل النمط العوني المألوف في ادارة مجموعة معارك في وقت واحد دونما تهيب من التداعيات والحسابات والنتائج التي تترتب غالباً على هذا النمط. والواقع ان العماد عون أذهل أساساً الكثيرين من متابعي خطواته بإقدامه على قرار نقل رئاسة التيار الى صهره وزير الخارجية الذي لا يحتاج الامر الى كثير شروح لتبيان مكانته الشخصية والعائلية لدى الجنرال. وفي اعتقاد هؤلاء ان ثمة قطبة مخفية لا تزال غامضة للغاية في قرار الجنرال الذي كان يمكنه ان يبقي رئاسة التيار مقترنة بالزعامة العونية الشخصية التي يستحيل فصلها في انتماء العونيين الى تيارهم والا تسبب الامر بالشروخ الكبيرة وغير المحسوبة وهذا ما يخشى ان يكون قد بدأ فعلا. البعض الآخر من مؤيدي الخطوة يعتبرون انه ينبغي الاعتراف للجنرال بشجاعة قراره ولكن هذه الشجاعة فقدت الكثير من بريقها لدى انحراف العملية الانتخابية الديموقراطية الحزبية عن أصولها وراحت نحو التوريث المقنع بزي التوافق على تزكية جبران باسيل على حساب فئات مهمة جدا من المناضلين العونيين ذوي الباع الطويلة في مراس هذا التيار.
الامر الآخر الذي لا يقل اهمية واثارة للجدل يتمثل في التقصي عن حقيقة الرؤية التي توافرت لدى الجنرال بازاء تطورين استثنائين متلازمين برزا لدى انصاره في استحقاقين منفصلين ومتعاقبين وكشفا خللاً غير مألوف لدى هذا التيار الذي ذاع صيته سابقا كاحد الافرقاء الأكثر قابلية للتحشيد الشعبي. الاول كان في مفاجأة انكشاف وجود معارضة واسعة داخل التيار لرئاسة جبران باسيل وكذلك لمخالفة مبدأ اتباع التوريث التقليدي ولو ان هذه الشرائح المعارضة اضطرت الى مجاراة ترشيح النائب ألان عون وهو ابن شقيقة الجنرال لكن على قاعدة تنافس انتخابي حقيقي من شأنه لو استمر ان يوفر شرعية اوسع لانتقال الرئاسة الى أي من المرشحين. اما التطور الثاني الذي اكتسب أيضاً دلالة مهمة، وهذه المرة على المستوى السياسي الاوسع من المعركة الحزبية، فكان في صدمة عدم اقبال انصار التيار بالشكل الذي كان منتظراً على التظاهرات التي دعا اليها الجنرال في معركته السياسية المتعددة العناوين والشعارات والمطالب. بدا من خلال التطورين ان التيار صار في مكان آخر حيال وسائل التعبير عن تطلعاته ولو ان ولاءه لزعيمه لم يتبدل.
واذا كان من دلالة معبرة على عمق التفاعلات العونية التي اثارتها التسوية المكلفة التي جاءت بباسيل رئيسا للتيار، فهي في ذهاب احد المعارضين الذين استقالوا تواً بعد اجتماع الرابية الحزبي الذي انتهى الى تثبيت رئاسة باسيل الى التمييز بين ما سماه الناشط المعارض “حزب جبران باسيل” وتيار العماد عون. وهو امر يحمل كل الدلالات المعبرة عن نقلة أو حتى مغامرة شديدة الدقة في مسار التيار تحمل الرئيس “المعين” الجديد مسؤولية هائلة في اثبات استحقاقه لكل ما فعله الزعيم العوني لنقل الرئاسة اليه.
أما في قراءة الانعكاسات الاخرى للخطوة على مسار المعارك السياسية التي يخوضها العماد عون، فإن الامر لا يزال واقعيا مشوبا بالتسرع. ومع ذلك يصعب تجاهل امور اساسية حيوية وفورية يجري تداولها على نحو طبيعي بإزاء تطور يتصل بزعيم يصر على البقاء متقدما الاضواء واضعا نفسه من دون تهيب في عين عواصف كثيرة. ثمة هنا من يتساءل هل احتسبت هذه الخطوة تماما من منظار التناقض الذي تثيره بين احد اشهر الاقتراحات العونية المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة وبين تزكية صادمة لرئيس التيار الذي يحمل هذا الطرح المتقدم؟ وهل احتسبت الخطوة بمقدار عال من الاستشراف من منظار ما يمكن ان تتركه من ارتدادات سلبية على معركة الترشح الدائم الشرعي المسلم به للجنرال، بصرف النظر عن المعارضة القوية لاساليبه، لجهة اعتماد “التوافق” الاشبه بالتعيين والتزكية في تياره فيما يرفض الجنرال أي توافق على انتخاب رئيس للجمهورية لا يمر بالتسليم بوصوله الى قصر بعبدا؟ ام ترانا امام استدارة عونية تعبر عن نفسها بصمت الجنرال الذي لا يبلغ كلمة سره الى اقرب المقربين بالجنوح نحو تقليد سياسي بدأ بالتيار وربما تأتي فصوله اللاحقة تباعا اقتصاصا من نظام ناهضه الزعيم العوني منذ أكثر من ربع قرن ولم ينجح في هزيمته فبدأ التكيف معه بسياسة الجرعات الصادمة؟
نعم لإحياء “حوار” الحريري – عون
علي حماده/النهار/22 آب 2015
الدعوة التي أطلقها “حزب الله” أخيراً إلى “تيار المستقبل” لفتح حوار مع “التيار الوطني الحر” جيدة على قاعدة ان قنوات الاتصال بين القوى السياسية اللبنانية يجب أن تبقى مفتوحة مهما توسّعت بينها في مرحلة من المراحل شقة الخلاف. “الحوار” بين “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” يجب أن يعود، بعدما انقطع إثر وصوله إلى ساعة الحقيقة بالنسبة إلى موضوعي ترشح ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ثم خوضه حملة لإيصال صهره شامل روكز إلى قيادة الجيش. انقطع “الحوار” بعدما فهم عون أن “تيار المستقبل” لا يسعه تأييده للوصول إلى الرئاسة، رغم انه تبلّغ مرارا ان طريق بعبدا لا تفتح إلا بإعادة تموضع عون سياسياً، بحيث يخرج اولا من اصطفافه السياسي خلف “حزب الله” العامل ضمن محور يمتد من طهران إلى حارة حريك مرورا بالقرداحة، وهذا ما يحول دون تأييد القوى الاستقلالية له. وتبلّغ عون أيضاً ان الاستحصال على تأييد القوى المسيحية الكبرى في التيار الاستقلالي شرط أساسي لتصب أصوات “تيار المستقبل” التي تزيد على الثلاثين في مجلس النواب خلفه. وكانت الحكمة من هذه “الشروط” أن عون يجب أن يصير مرشحاً جامعاً وممثلاً لأوسع توافق لبناني، باعتبار أن رئاسة الجمهورية هي رأس الدولة ورمز لبنان الواحد قبل أن تكون منصباً مسيحياً. وتأزمت العلاقات أكثر بعدما التفّ عون على المعركة الرئاسية (المعطلة) ليخوض معركة إيصال صهره إلى قيادة الجيش في الوقت الضائع، مستهدفاً إطاحة مرشح جدي هو قائد الجيش الحالي جان قهوجي. معظم العارفين الذين تابعوا التحسّن الكبير في العلاقات بين عون والحريري، كانوا يدركون ان عون هادن في الشكل، لكنه لم يغير في العمق طبيعة اصطفافه خلف “حزب الله”، وأن “الهدنة” التي انتهجها في خطابه السياسي مع “تيار المستقبل” ومختلف القوى الاستقلالية كانت مرحلية بهدف تسهيل وصوله إلى هدفه. فعون لم يتغيّر إلا ظاهريا، إلى درجة أنه، رغم “حواره” مع حزب “القوات اللبنانية” لم يستطع انتزاع تأييد أي طرف من القوى الاستقلالية المسيحية له رئيساً.
صحيح ان “الحوار” مع عون اثمر خلال فترة تشكل الحكومة الحالية، ثم تسهيلاً لأعمال الحكومة، وهذا جيد، لكنه لم يرقَ مرة واحدة إلى معطى ثابت وراسخ يمكن البناء عليه لتصور عون رئيسا للجمهورية، أو حتى صهره قائداً للجيش الذي يخوض اختبارا تاريخيا شديد الخطورة والحساسية. لكن رغم ما اسلفنا، نقول ألا مناص من “الحوار” بين القوى السياسية اللبنانية. وهذا ينطبق على كل من “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” اللذين ينبغي ان يتجاوزا مرحلة عدم الاتفاق على عون رئيساً، أو روكز قائدا للجيش، ليركزا على ما يمكن التوافق عليه من قضايا تهم المواطن اللبناني في حياته اليومية. من هنا دعوتنا إلى إحياء “الحوار”، ولكن من دون وعود!