هدى الحسيني: كوباني وتل أبيض أوصلتا أميركا إلى أنجيرليك/مشاري الذايدي: هل أعلنت تركيا الحرب/طارق الحميد: هل ترفع واشنطن حظر جبهة النصرة/صالح القلاب: اهتزاز المعادلات والأسد حدد ملامح دولته الطائفية

398

اهتزاز المعادلات.. والأسد حدد ملامح دولته الطائفية!
صالح القلاب/الشرق الأوسط/30 تموز/15
عندما يحرص الأتراك على التأكيد على أن المناطق الحدودية بين بلدهم تركيا وبين سوريا بعمق خمسين كيلومترا وطول تسعين كيلومترا داخل الأراضي السورية، التي اتفقوا عليها قبل أيام مع الولايات المتحدة، ستكون «نظيفة» من تنظيم داعش الإرهابي، ولم يأتوا على ذكر المعارضة السورية المعتدلة إلا في الاتجاه ذاته والقول بأنه سيكون هناك غطاء جوي لهذه المعارضة العاملة ضد هذا التنظيم، فإن هذا يعني أن هناك حلاً سياسيًا يجري الإعداد له يتطلب إنجاحه عدم «استفزاز» روسيا وإيران بأي شكل من الأشكال وبأي طريقة من الطرق.
ولعل ما يعزز هذا التقدير أن الأميركيين عندما أعلنوا استعدادهم لتدريب أعداد من المعارضة السورية «المعتدلة» قد حرصوا على أنهم سيدربون هذه المعارضة لمواجهة «داعش» وليس لإسقاط بشار الأسد ولا نظامه، وذلك رغم أن صحيفة «الغارديان» البريطانية كانت قد قالت في أحد أعدادها السابقة إن الولايات المتحدة تتهم النظام السوري بتقديم الدعم لهذا التنظيم الإرهابي لتُمكنه من إحراز تقدم على حساب المعارضين السوريين في حلب. ولقد قال موقع «تويتر» التابع للسفارة الأميركية في دمشق بدوره في إحدى تغريداته إن القيادة السورية تشن غارات جوية لتقديم الدعم لهؤلاء الإرهابيين في ثاني أكبر مدن سوريا، أي حلب. ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ومعه كل أركان حكومته، وعلى رأسهم أحمد داود أوغلو، يعرفون أن الأميركيين بتسليط الأضواء على تنظيم داعش وحده وعدم الإتيان على ذكر المعارضة السورية، وهم يتحدثون عن المناطق العازلة على الحدود السورية – التركية، يتجنبون استفزاز الإيرانيين والروس، مما يدل على أن هناك «طبخة» حل لأزمة سوريا أشار إليها وزير الخارجية الأميركي جون كيري عندما أدلى بتصريح خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو قال فيه إنه يتم البحث مع الجانب الروسي عن إيجاد مكان لإيران في عملية البحث عن نهاية لأزمة سوريا المستفحلة بالوسائل السلمية.
والغريب، على هذا الصعيد، أن السفير الإيراني لدى الأردن محبتي فورسي، الذي من غير المعروف ما إذا كان مخولاً من أصحاب القرار الفعلي في طهران للغوص في هذه القضايا التي تتعلق بالسياسات العليا الإيرانية أم لا، قد أدلى بتصريحات تحدث فيها عن أن الحل الوحيد في سوريا هو المفاوضات بين المعارضة والحكومة السورية.. «يجب أن نمهد الأرضية لجلوس الفرقاء على طاولة الحوار للوصول إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية». وفي الاتجاه ذاته، فإن المعروف أن المبعوث الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف كان قد عرض على الائتلاف السوري، المعترف به دوليا، تقاسم السلطة مع بشار الأسد، لكن هذا الائتلاف رأى أن هذا العرض هو مجرد مناورة روسية جديدة للتهرب من استحقاق تنحي الرئيس السوري الذي وإن هو لم تنص عليه «جنيف 1» بوضوح وصراحة فإنه متضمنٌ في النتيجة في إطار «المرحلة الانتقالية» التي نص عليها هذا الاتفاق الآنف الذكر الذي تم التوصل إليه بموافقة الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، والذي ما لبث الروس أن تملَّصوا منه في «جنيف 2».
وهنا ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة التي غدت أم المسائل بعد التوصل إلى اتفاق النووي قبل أيام قليلة بين إيران ودول «5+1» وعلى رأسها الولايات المتحدة، لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس باراك أوباما كان قد أبلغ دول مجلس التعاون الخليجي في قمة كامب ديفيد بأنه لا وجود لبشار الأسد في مستقبل سوريا، وأنه – أي الرئيس الأميركي – قد أكد على ما تضمنه هذا التصريح خلال زيارته الأخيرة لـ«البنتاغون» الأميركي. وهكذا، وبغض النظر عن كل ما تمت الإشارة إليه آنفا، فإن الأهم بالنسبة لكل ما يُتداول بالنسبة للأزمة السورية، التي غدت فعلا على مفترق طرقٍ صعب وخطير، هو: هل أنه لم يتم التطرق فعلا يا ترى للقضايا الإقليمية الشرق أوسطية الملتهبة وأهمها وأخطرها أزمة سوريا، أم أن هناك مخفيّا أعظم، وأن المستقبل سيكشف النقاب عما هو أخطر كثيرا من «سايكس – بيكو» عام 1916 التي يرى البعض أنها غدت في حكم المنتهية، وأن هذه المنطقة ستشهد رسم خرائط جديدة، حيث تنبأ المدير السابق لـ«C.I.A» الأميركية مايك هايدن باختفاء دولتين عربيتين قريبا.. «العراق لم يعد موجودا وكذلك سوريا.. ولبنان دولة باتت فاشلة.. والمرجح أن تكون ليبيا كذلك»، وحيث قالت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية إن «سايكس – بيكو» لم تعد تعكس الواقع على الأرض، فهناك الآن دول «داعش» و«القاعدة» والأكراد والسنة والشيعة والعلويين!!
إنه لا يمكن تصديق أنَّ اتفاقية النووي ومفاوضاتها لم تتطرق إلى القضايا الإقليمية الملتهبة وعلى رأسها الأزمة السورية التي باتت أكثر وأشد تعقيدا من ذنب الضب، وإلا ما معنى أن يقول وزير الخارجية الأميركي وهو في موسكو، خلال زيارته الأخيرة، إنه يسعى مع الروس لإيجاد مكان لإيران في حل هذه الأزمة؟ ولماذا يحرص الأميركيون حرصا شديدا على عدم ذكر المعارضة السورية إلا في مجال التأكيد على ضرورة تصديها لتنظيم «داعش» الإرهابي؟ ولماذا يحرصون (أي الأميركيون) على عدم استفزاز الروس والإيرانيين بالنسبة لكل ما يتعلق بالمنطقة العازلة التي اتفقوا عليها مع الأتراك والتي تشير كل التقديرات إلى أنها لن تكون مكرسة وفقط لـ«تنظيف» شمال سوريا من هذه المنظمة الإرهابية؟
وهنا، فإنه لا ضرورة إطلاقا لأن يقول الأتراك بعد اتفاقهم مع الأميركيين على المنطقة العازلة بعرض 50 كيلومترا وطول 90 كيلومترا داخل الأراضي السورية، والتي ستكون منطقة حَظْر طيران بالنسبة لسلاح الجو السوري، إنهم لا يعرفون ما إذا كان نظام الأسد غير قادر أم غير مستعد لمواجهة «داعش»، فهم يعرفون كل الحقائق التي جرى ذكرها آنفا حول هذه المسألة، وهم يعرفون أن هذا النظام بقي يسعى خلال الأعوام الأربعة الماضية لأن يتم تكليفه دوليا ووحده فقط بهذه المهمة، والمعروف أن الروس قد أفشلوا «جنيف 2» بالتمسك بهذه المسألة، وأن الإيرانيين «يتعيشون» سياسيا على هذا الطرح الذي لم يقنع أحدا والذي لا يمكن تمريره حتى على أصحاب أنصاف العقول. ولذلك، وبالنتيجة، وحتى وإن بقي الأميركيون يركزون على أن الهدف حتى بعد اتفاقية النووي هو «داعش» وليس غيره، وحتى إن استمروا بالبحث عن طريقة تعطي الفرصة لإيران للمشاركة في أي حلٍّ للأزمة السورية، فإن المفترض أن ما قاله بشار الأسد في مهرجانه البائس يوم الأحد الماضي قد جبَّ ما قبله، فهو وصف الحل السياسي لهذه الأزمة بأنه «أجوف وعديم الفائدة» وهو أكد على أن جيشه «الذي يعاني من عجز في القوى البشرية» لن يحارب من الآن فصاعدا إلا في «المناطق السياسية والمناطق الاقتصادية.. والمناطق السكانية»، وهذا يعني أنه بات يفكر في حل واحد ولا شيء غيره، وهو حلَّ إقامة الدويلة المذهبية في الشريط الممتد من دمشق إلى الساحل السوري مرورا بالقرداحة بالطبع.
لقد قال الأسد، ويجب التوقف مليًا عند هذا القول، إن من لا يحارب معه ليس سوريًا، وإن سوريا لمن يدافع عنها، أي لمن يدافع عنه، أيًا كانت جنسيته.. ألا يعني هذا يا ترى أن هذه الدويلة الطائفية التي يجري الحديث عنها سيتم رفدها بالذين يعتبرهم مدافعين عنه، وسيتم تخليصها من الذين قصدهم بقوله: من لا يحارب معي ليس سوريًا؟!

 

هل ترفع واشنطن حظر «جبهة النصرة»؟
طارق الحميد/الشرق الأوسط/30 تموز/15
هناك تسارع في تطورات الأزمة السورية، وبحسب ما سمعت من مصادر مسؤولة، فإن التركيز الآن هو على مرحلة ما بعد بشار الأسد. ومن أهم التطورات على الأرض التحرك التركي العسكري، وإن كان منصبًا أكثر على ملاحقة المتشددين الأكراد بدلاً من «داعش»، رغم الإعلان عن مناطق آمنة على الحدود التركية – السورية. ومن التطورات المهمة أيضًا على الأرض ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن تمكن فصائل من المعارضة من تحقيق تقدم استراتيجي شمال سوريا ضيقت فيه الخناق على الأسد وذلك بسيطرة المعارضة على منطقة استراتيجية تمتد بمحاذاة ثلاث محافظات هي إدلب، وحماه، واللاذقية. يحدث كل ذلك والمعلومات الخاصة تشير إلى تحرك دبلوماسي تشارك فيه دول فاعلة، عربيًا ودوليًا، لمناقشة الأزمة، وتحديدًا مرحلة ما بعد الأسد. وبالتأكيد فإن ما يحدث على الأرض هو أهم من جل المناقشات، خصوصًا مع إدراك جميع الأطراف المعنية بأن تسارع وتيرة الأحداث على الأرض بات ملحوظًا جدًا، وباعتراف الأسد نفسه مؤخرًا. وتسارع وتيرة الأحداث هذا أدى إلى مأزق لافت بالأزمة السورية، وتحديدًا بالتحالف التركي – الأميركي، حيث نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن واشنطن تواجه مأزقًا بسبب تعاونها الأخير مع أنقرة بسوريا لاستهداف «داعش» والسبب هو أن بعض مجموعات المعارضة السورية التي تحقق تقدمًا على الأرض هي من «الإسلاميين» الحلفاء لتركيا وتصنفهم واشنطن كتنظيمات إرهابية. وهذا المأزق لا يخص الأميركيين وحدهم، بل وحتى الأتراك الذين عليهم التعامل مع مجموعات كردية حليفة لواشنطن بمقاتلة «داعش»، وتعتبرهم أنقرة أعداء لتركيا. وبالطبع فإن التحالف التركي – الأميركي ضد «داعش» مهم للطرفين؛ فبموجبه توفر أميركا غطاء للتحرك التركي بسوريا، بينما تمنح تركيا الأميركيين حق استخدام قاعدة «أنجرليك» التي كان يرفض الأتراك السماح للأميركيين باستخدامها منذ عام 2003. وهي قاعدة تمثل أهمية لوجستية، وتخفف من اعتماد الأميركيين على قواعدهم في قطر. والآن على واشنطن وأنقرة إيجاد مخرج من مأزق حلفائهم الذين يصنفون كأعداء لبعضهم البعض، فعلى تركيا تقبل بعض الجماعات الكردية الحليفة لواشنطن، والتي يعتقد أنها تتعاون مع الأسد بشكل أو بآخر! وعلى أميركا أن تتعامل مع بعض حلفاء تركيا بالمعارضة السورية، مثل «جبهة النصرة» التي تصنفها واشنطن كجماعة إرهابية. وعليه فالواضح هو أن أنقرة وواشنطن ستضطران لتقديم تنازلات ربما تستفيد منها «جبهة النصرة»! ويحدث كل ذلك للأسف لأن واشنطن تقاعست مطولاً بالأزمة السورية، وتجاهلت نصائح العقلاء. ولذا فلا خيارات سهلة في سوريا الآن مع تسارع الأحداث على الأرض ضد الأسد الذي من المؤكد أن في دوائره الضيقة من يشعر بخطورة هذه التطورات المتلاحقة، خصوصا أن الواضح هو أن الوقت لم يعد في مصلحة الجميع، سواء الأسد، أو أتباعه، وحتى خصومه.

 

هل أعلنت تركيا الحرب؟
مشاري الذايدي/الشرق الأوسط/30 تموز/15
هناك نقطة تحول كبيرة في الموقف التركي من الحرب الدولية على «داعش» بسوريا. التحول هو في موافقة حكومة إردوغان الإسلامية على التعاون مع أميركا والناتو والتحالف الدولي في محاربة «داعش»، خصوصا بشمال سوريا، على الحدود التركية. رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو، منظر الحزب الحاكم، قال إن السبب الرئيسي لتغيير الموقف التركي هو العملية الإرهابية التي نفذتها «داعش» في تجمع للأكراد ببلدة سروج، راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى. اعتبر هذا الأمر إعلان حرب من قبل «داعش» على تركيا، وقد تكون هذه من أكبر الحماقات التي ارتكبتها «داعش»، والسبب هو أن المعبر التركي كان دومًا هو المعبر الأكثر أمنًا لاستقبال المتطوعين مع دولة «داعش» المزعومة، من شتى أنحاء الأرض، خصوصا من خلال مدينة غازي عنتاب الحدودية، والكل بات يعرف هذا. هذا لا يعني أن حدود لبنان أو العراق لا يتسرب منها الداعشيون، لكن ذلك بسبب انهيار سلطة الحكومة على الحدود، عكس تركيا. من الظلم القول إن ثقافة الحزب التركي الحاكم تنسجم مع ثقافة «داعش»، لكن هناك وجهة نظر تركية تجاه الأزمة السورية من البداية، وحتى اليوم، بعد منح قاعدة أنجيرليك الجوية الاستراتيجية للمقاتلات الأميركية. خلاصة النظرة التركية للأزمة السورية هي أن وجود نظام بشار الأسد هو السبب الأساسي لوجود الجماعات الإرهابية، وأنه يجب «العمل» على إزالة نظام بشار، وفي هذا القدر من الرؤية تتفق مع دول مؤثرة، منها السعودية وفرنسا، ولكن هناك خلافات في البديل للنظام، فبينما تفضل حكومة العدالة والتنمية الفصائل الإخوانية، تفضل الدول الأخرى بديلاً من القوى المعتدلة «الوطنية». هناك أمر آخر تعتقد تركيا أن الأميركان والمجتمع الدولي لم يكترثوا له، وهو الخطر الأمني الذي يمثله «بعض» الأكراد على تركيا، خصوصا الفرع السوري من حزب العمال الكردي، وهناك عملية سلام تاريخية وعد بها إردوغان مع الأكراد منذ سنوات، لكنه عاد وأعلن قبل أيام انتهاء عملية السلام هذه، وطلب من البرلمان التركي تفويضًا بمقاتلة «داعش»، والحركة الكردية المسلحة.
أمر ثالث أيضًا تريده تركيا، وهو منطقة حظر طيران في شمال سوريا، حتى توفر ملاذًا آمنًا للهاربين السوريين من براميل النظام وجزاري «داعش»، وقال أحمد أوغلو إن هناك مليوني سوري لاجئ في الأراضي التركية وهذا حمل كبير، والمراد هو إبقاء السوريين بأرضهم، مع توفير الأمن لهم، ضد جرائم «داعش»، وأيضًا النظام الأسدي. الأكراد المعارضون لتركيا في سوريا يقاتلون «داعش» الآن، والدول الغربية تعتبرهم رأس الحربة في مجابهة «داعش»، لكن الأساس هو تركيا، فهل يضحي الغربيون بالأكراد من أجل رأس «داعش»؟ وهل يكون هذا الأمر، إن تم، بداية تحول حقيقي لحال «داعش» في سوريا، وليس كل الدواعش في المنطقة، فسوى الروم خلف ظهرك روم، كما قال المتنبي ذات يوم لأمير حلب؟ لحظة، قد تكون، فارقة لسوريا وتركيا.

 

كوباني» و«تل أبيض» أوصلتا أميركا إلى «أنجيرليك»
هدى الحسيني/الشرق الأوسط/30 تموز/15
ما بدأ يجري في تركيا يذكر بما جرى في سوريا. كانت سوريا حتى بعد انسحابها من لبنان مشغولة فقط به، وبزعزعة تركيبته لصالح حلفائها حتى تبقى لها اليد الطولى، فإذا بكل ما كانت تطارده في لبنان ينمو عندها ويتفرع في كل أحيائها. تركيا كانت مشغولة بالنظام السوري، كان هناك سباق بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مذ كان رئيسًا للوزراء، وبين الأحداث المتسارعة في المنطقة. فتحت تركيا حدودها لكل متسول لعمل إرهابي، فإذا بمن عبر الحدود إلى سوريا يرتد عليها. وكما يقولون: لا بد للدجاجات من العودة لتبيض. سياسة أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء (وزير الخارجية السابق) دفعت إردوغان إلى القول: هناك ضعف أمني في تركيا. أيضًا كما فعل النظام السوري عند بدء الأحداث في درعا، اتهم فورًا فصائل إرهابية، وصار الرئيس بشار الأسد يهدد من أن أي مواجهة سيخوضها ستكون مع الإرهاب، وأسقط كل معارضة شرعية، وهكذا يفعل الآن النظام التركي وأبعد من ذلك، بحيث شمل محاربته لإرهاب «داعش» بمحاربته لحزب العمال الكردستاني. مثلاً ليلة 23 – 24 يوليو (تموز) الحالي قصفت 3 طائرات تركية 4 مواقع لـ«داعش» داخل سوريا، وفي الليلة التالية شنت 75 طائرة تركية هجمات على 48 موقعًا للحزب الكردي في جبال قنديل شمال العراق. عندما هاجمت عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي (أكراد سوريا) مقاتلي «داعش»، وسيطرت على القرية الحدودية تل أبيض، مغلقة بذلك طريق التهريب الرئيسية للمجموعات الإرهابية، عبر إردوغان عن امتعاضه ورفضه، وكان قاوم في أكتوبر (تشرين الأول) السماح لأكراد تركيا بالعبور لمساعدة أكراد كوباني، لكن الطائرات الأميركية تجاوزته ووفرت الأسلحة لعناصر الاتحاد الديمقراطي فاستعادوا كوباني.
يوم الاثنين في الـ20 من الشهر الحالي نفذ انتحاري من «داعش» عملية إجرامية كبيرة في مدينة «سروج»، أغلب ضحاياها كانوا من الأكراد. أنقرة اتهمت «داعش»، لكن وثائق أمنية تم تسريبها إلى الصحف التركية المعارضة أشارت إلى أن السلطات التركية كانت على علم بالتحضير للعملية، وهذا ما دفع زعيم الكتلة الكردية في البرلمان التركي صلاح الدين دميرطاش إلى القول: هناك البعض في الدولة التركية يدعم «داعش»، وحذر من هجمات أخرى.
حزب العمال الكردستاني انتقم بقتل شرطيين تركيين وهما نائمان. وكما كانت سوريا في لبنان تتهم من ليس معها بالعمالة لإسرائيل، عقد داود أوغلو مؤتمرًا صحافيًا وجّه فيه النقد إلى «حزب الشعوب الديمقراطي». قال: «حان الوقت أمام (حزب الشعوب الديمقراطي) لاتخاذ قرار: هل سيختار السلاح أم الديمقراطية». وكان دميرطاش قال بعد فوزه بالانتخابات: «لنقُل وداعًا للسلاح داخل تركيا».
يوم الأحد الماضي قال الأسد في خطاب له: «مستقبل منطقتنا سوف يحدد وترسم ملامحه استنادًا إلى مستقبل سوريا»! أيضًا في ذلك اليوم وخلال لقائه مع رؤساء تحرير الصحف التركية قال داود أوغلو: «إن العمليات العسكرية التركية في العراق وسوريا غيرت اللعبة في المنطقة، وهي رسالة للذين يضعون سيناريوهات جديدة للمنطقة»! لكن، لماذا اختارت تركيا الرد على «داعش» الآن، خصوصًا أنه في عام 2013 وقع انفجار إرهابي أكبر في تركيا؟ هناك رفض لتشكيل حكومة تحالف وطني، ورغبة في إجراء انتخابات جديدة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وكسر ظهر الأكراد بحيث لا يصلون إلى البرلمان ككتلة. ويبدو أن إردوغان صار يعرف أن الصلاة في مسجد بني أمية، والانطلاق من هناك إلى مصر قد يكلفه مستقبل تركيا، خصوصًا أن اتفاق الغرب مع إيران أضعف قدرة تركيا على المناورة، وذكرها بمحدودية قدرتها الإقليمية، فهناك المملكة العربية السعودية صاحبة أكبر احتياطي نفطي، وإيران رابع أكبر احتياطي نفطي وثاني أكبر احتياطي من الغاز.
يبرع إردوغان في استغلال ظروف الدول الأخرى، كان العرب منشغلين بـ«الربيع العربي» ومآسيه، وإيران مشغولة بإسقاط المقاطعة الاقتصادية، لكنه أضاع الفرصة. الآن يريد استغلال حاجة الولايات المتحدة لتوسيع مجال غاراتها الجوية على قواعد ومقرات «داعش»، قدم لها قاعدة «أنجيرليك» الجوية (منطقة كردستان التركية). كانت أولويات تركيا: الإطاحة بنظام الأسد، ثم ضرب أكراد سوريا ثم «داعش»، ولطالما قالت إن هناك مبالغة في تضخيم صورة «داعش». التغيير الآن تأخر، «داعش» اخترق المجتمع التركي، والحكومة لا تريد أن تعترف، ثم إن الأكراد هم الأعداء الحقيقيون. الوضع الذي أوجدت تركيا نفسها فيه، معقد وخطير. هي مترددة، تعتقد أنها إذا قصفت «داعش» في سوريا فإنها بشكل غير مباشر ستساعد «وحدات الحماية الشعبية» على توسيع مناطق سيطرتها، وهذا قد يحصل بعد الاتفاق مع أميركا على خطة عسكرية لتطهير الحدود التركية – السورية من الإرهابيين. هذه المنطقة ستكون على طول 98 كلم وبعمق 40 كلم وواقعة ما بين خط «ماره – جرابلس». أميركا تريد تسميتها «المنطقة الخالية من (داعش)» بدل «ملاذ آمن»، كي لا تثير اعتراض روسيا أو إيران وكي لا تعطي رسالة خاطئة لنظام الأسد. أميركا تريد الآن القضاء على «داعش» وليس محاربة النظام السوري. الغارات الجوية ستقوم بها طائرات أميركية. وتتطلع واشنطن وأنقرة إلى نشر قوات «الجيش السوري الحر»، إذا ما تم إبعاد مقاتلي «داعش»، وبنظر أنقرة هذا يمنع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من تمديد نفوذه، وأيضًا يسمح لها بإعادة لاجئين سوريين.
انطلاق الطائرات الأميركية من قاعدة «أنجيرليك» سيفرض على الطائرات المدنية تغيير مسار رحلاتها، ومهما ادعت أنقرة فإن المنطقة لن تكون «ملاذًا آمنًا» لأن هذا يتطلب نزع السلاح داخلها، كما أن هذا الاتفاق لا يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن لأن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تعطي حق الدفاع في حال تعرض الدولة لهجوم مسلح، وتستطيع تركيا، حتى وهي تحارب أكرادها وأكراد سوريا، القول إن «داعش» فتح النار عليها. أما بالنسبة إلى الحلف الأطلسي فقد دعته تركيا إلى الاجتماع في ظل المادة 4 التي تخولها دعوة أعضاء الحلف إذا ما شعرت بأن استقلالها وأمنها يتعرضان للخطر. هي حاولت تفعيل المادة 5 التي تنص على أن أي هجوم على دولة عضو هو هجوم على كل الأعضاء. رفض الحلف ذلك، هي تشعر الآن بأنها كسبت الولايات المتحدة إلى صفها. لكن هل ستتخلى أميركا عن أكراد سوريا التي استثمرت كثيرًا بهم، وتحتاج إليهم على الأرض؟ فهم وحزب العمال الكردستاني كانوا من أشد حلفاء أميركا وعلى أيديهم تلقى «داعش» أول هزيمة عسكرية واندحر.
هل تستطيع تركيا أن تملأ فراغ الأكراد في قتال «داعش»؟ مصداقية أميركا مع الأكراد/ الحلفاء على المحك. واشنطن لا تريد أن يسحب حزب العمال الكردستاني قواته من شمال سوريا ويتجه إلى داخل تركيا، لأن الأكراد سيقاتلون «داعش» والقوات التركية داخل تركيا. والمعروف أن إسطنبول تعتبر أكبر «مدينة كردية» في تركيا، إذا عاد حزب العمال الكردستاني لشن عمليات إرهابية هل تستطيع الحكومة التركية أن تبقي تركيزها على حماية أمنها من «داعش»، أم أن القتال ضد «داعش»، كما في سوريا سيضعف، فيتواجه الأكراد والأتراك تاركين فراغًا يملأه «داعش»؟ إيران وروسيا حتى الآن لم تنتقدا عمليات تركيا، فالأولى تريد إضعاف الأكراد، والثانية تريد إضعاف المتطرفين الإسلاميين. وفي الفترة الأخيرة انطلقت أصوات مسؤولين روس وأميركيين حول ضرورة وجود نظام في سوريا من دون الأسد، أيضًا فإن مساعد وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان قال قبل ثلاثة أسابيع على محطة الـ«سي إن إن» إنّ إيران لا ترى الأسد رئيسًا مدى الحياة. لعبة إردوغان صارت مكشوفة. استغلال ظروف الدول الأخرى لمصلحته، لكنه ينتهي دائمًا حصانًا خاسرًا. سيقاتل حزب العمال الكردستاني، لكن في حال، وهذا وارد، تعرضت «المنطقة الخالية من (داعش)» للخطر، ستحتاج أنقرة إلى مساعدة «حزب الاتحاد الديمقراطي» المتشرب آيديولوجيا أوجلان، فأكراد سوريا سيبقون في تلك المنطقة، ولن يستسلموا كما اقترح عليهم أحمد داود أوغلو. هم فوق أرضهم ولم يستسلموا لـ«داعش»، والأفضل أن تتابع تركيا التسوية الدولية التي تم الاتفاق عليها حول سوريا، وتساهم في تطبيقها، كي لا تتطور الأحداث بشكل أخطر وتصبح المطالبة بسوريا من دون الأسد، وبتركيا من دون إردوغان.