هل تغزو تركيا سوريا؟
موناليزا فريحة/النهار/8 تموز 2015
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يطالب منذ 2011 بمنطقة عازلة على الحدود مع سوريا. اقترح فكرته رسميا في مجلس الامن فأسقطتها واشنطن. ومع تشكيل الائتلاف الدولي لمكافحة الارهاب عاد إلى طرح هذه الفكرة، رابطا تعاونه مع الائتلاف بتحقيق طلبه. هدد مرارا بتدخل عسكري لاقامة هذه المنطقة بالقوة، وسربت وسائل الاعلام تقارير عن أن رئاسة الاركان تعمل مع المؤسسات المعنية على اعدادها من النواحي اللوجيستية والعسكرية والقانونية. منذ طرد القوات الكردية وبعض الفصائل السورية المعارضة “الدولة الاسلامية” من تل أبيض، عادت الماكينة الاعلامية لاردوغان لتكرار اللازمة. تقارير تحذر من أن “وحدات حماية الشعب” أخطر على تركيا من “داعش”، وأنها تنفذ تطهيرا اتنيا ضد العرب والتركمان وتحاول ربط المناطق الكردية في شمال سوريا، وبالتالي انشاء ممر على طول الحدود التركية. وأردوغان نفسه حذر من أن تركيا لن تسمح باقامة دولة في جنوبها “أيا يكن الثمن”، بالتزامن مع معلومات مفادها ان الحكومة طلبت من الجيش اتخاذ الاجراءات الضرورية لمواجهة التهديد الآتي من سوريا. “طبول” الحرب هذه توحي بأن أنقرة حسمت أمرها وقررت أخيراً دخول سوريا. ربما وجد حزب العدالة والتنمية أن الوقت حان لاضعاف الاكراد الذين خشي دوما أن يكونوا المستفيد الأكبر من الحرب على “داعش”، بعد حصولهم على أسلحة متطورة وباتوا قاب قوسين من اقامة اقليم كردي في سوريا يتواصل جغرافيا مع أكراد العراق وتركيا. لكن “طبول “الحرب هذه قد يكون لها هدف آخر، لا دخول سوريا بقدر ما هو الخروج من المشهد السياسي الداخلي التركي الذي تبدل جذريا منذ انتخابات السابع من حزيران الماضي التي فقد فيها الحزب الحاكم غالبيته المطلقة بعد 13 سنة تقريبا في الحكم. ليس أردوغان من النوع الذي يمكن أن يحكم في ظل حكومة ائتلافية. وهو أكثر دهاء من أن يجازف بانتخابات مبكرة قبل أن يضمن تأييدا أوسع لحزبه. ولعل هذا السياسي المحنك وجد في التهويل بالحرب مخرجا من أزمته. فشبح الحرب يثير ذعر الاسواق المالية، و بضع قذائف تسقط هنا وهناك تعمق مشاعر القلق واللاستقرار بين الاتراك. وضع كهذا يصب في مصلحة أردوغان ويعزز نظريته عن حاجة البلاد الى القبضة الحديد لحكم الحزب الواحد. في “طبول” الحرب ايضاً رسالة واضحة الى واشنطن وتحالفها الناشئ مع أكراد سوريا.بتهديدها بالتدخل في سوريا، تتطلع أنقرة ايضاً الى الضغط على واشنطن لاعادة النظر في “سياستها الكردية” التي لا تتفق ومصالحها. نظرياً، تبدو احتمالات التدخل التركي في سوريا مفيدة جداً لاردوغان.عملياً، أثبتت السنوات الاربع الاخيرة وقبلها، أن أردوغان مستعد لكل شيء، بما في ذلك استخدام السياسة الخارجية لبلاده، من أجل ترتيب “قصره” الداخلي.
حرب «الإخوان» .. على مصر
خيرالله خيرالله/المستقبل/08 تموز/15
ما تتعرض له مصر اليوم يعطي فكرة عن حجم التحديات التي تواجه المشير عبد الفتّاح السيسي والبلد نفسه. يدفع السيسي الذي دخل في مواجهة مفتوحة مع الإخوان المسلمين ثمن القرار الكبير الذي اتخذه الشعب المصري قبل عامين. أنهى الشعب المصري حكم الإخوان لمصر، فقرّر هؤلاء شن حرب على مصر. نزل ملايين المصريين إلى الشارع يوم الثلاثين من حزيران ـ يونيو 2013. اسقط المصريون حكم الإخوان بدعم من القوات المسلّحة التي انحازت لهم. وجدت مصر عربا شرفاء، في طليعتهم المملكة العربية السعودية، يقفون معها من منطلق أن مصر حاجة عربية وأنّ سقوط مصر إخلال بالتوازن في المنطقة. تحدّى العرب الذين وقفوا مع مصر قوى عدّة. على رأس هذه القوى الإدارة الأميركية وتركيا. لم تفهم الإدارة الأميركية الحالية أن للعرب رأيهم في الإخوان وأنّه لا يمكن التفريق بين إخواني معتدل وآخر متطرّف. كلّ الإخوان من الطينة نفسها. من اسامة بن لادن…إلى ابو بكر البغدادي مرورا بمصعب الزرقاوي وايمن الظواهري، كلّ هؤلاء من طينة واحدة هي طينة الإخوان المسلمين. كان لا بدّ من إنقاذ مصر. كان القرار الذي اتخذه الشعب المصري برفض الإخوان قرارا مصيريا. ارادت مصر أن تقول لكلّ من يعنيه الأمر إن الإخوان لا يمثلون اللعبة الديموقراطية وأنّ كل ما فعلوه هو خطف الثورة الشعبية التي اطاحت حسني مبارك وعملوا بكلّ الوسائل للإستحواذ على السلطة والتمسّك بها إلى ما لا نهاية.
الدليل على ذلك، الإجراءات التي اتخذها محمّد مرسي خلال توليه الرئاسة والتي كانت تستهدف تغيير طبيعة الإدارة المصرية، والمؤسّسات الأمنية، أي ما يعرف بـ»الدولة العميقة» في مصر. لعلّ أوّل ما نساه الإخوان أنّ المؤسسة العسكرية المصرية لعبت دورا اساسيا في التخلص من نظام حسني مبارك بأقلّ مقدار ممكن من الخسائر بعدما أقنعته بالتنحي والذهاب إلى منزله. أصرّ الإخوان على محاكمة مبارك وإذلاله مع نجليه. أرادوا تأكيد أنّ لا عودة إلى خلف وأنّ مصر هي بالنسبة إليهم الجائزة الكبرى التي تعني أوّل ما تعني سيطرتهم على أكبر البلدان العربية.
من اغتيال النائب العام هشام بركات في القاهرة بواسطة سيّارة مفخّخة، إلى سلسلة التفجيرات في انحاء مختلفة من مصر، وصولا إلى الهجمات على مواقع الجيش والأمن في شمال سيناء، يبعث الإخوان برسالة. فحوى الرسالة أنّهم دخلوا حربا على مصر. لن يتخلوا عن هدفهم المتمثّل في السيطرة على مصر. سيستمرون في ذلك مستفيدين من عاملين أولهما الحدود الليبية المفتوحة والآخر «الإمارة الإسلامية» التي اقامتها «حماس» في قطاع غزّة. أمّا العامل الثاني فيتمثّل في القوى الخارجية التي تدعمهم.
هناك في الواقع حرب تُشنّ على مصر. لا شكّ أن قوى خارجية تدعم هذه الحرب وتزود الإرهابيين بالسلاح وحتّى بالرجال. ليس طبيعيا أن يتمكن مئات المسلحين من مهاجمة مواقع عدّة للجيش والأمن في شمال سيناء بطريقة توحي أنّهم جيش منظّم يمتلك أسلحة متطورة بما في ذلك صواريخ مضادة للطائرات تحمل على الكتف. لا شكّ أن السلطة المصرية تتحمّل مسؤولية كبيرة على صعيد تقصيرها في اتخاذ التدابير المطلوبة تحسّبا لما يضمره الإخوان للبلد. لدى الإخوان مخططات واضحة كلّ الوضوح. يريدون اسقاط عبد الفتّاح السيسي. يستفيدون من تقوقع القيادة المصرية الجديدة على نفسها وعدم إقدامها، أقلّه حتّى الآن، على خطوات تثبت من خلالها أنّها قادرة على شنّ حملة واسعة على الإرهابيين.
من المهمّ أن تحسم السلطات المصرية أمرها. من المهمّ التأكد أن لا وجود لإخواني معتدل وآخر متطرّف. فالإخوان يمثلون النبع الذي تتغذّى منه كلّ التنظيمات المتطرّفة، بمن في ذلك «داعش». الأهمّ من ذلك كلّه إقتناع القيادة المصرية أن مصر في حال حرب وأنّ مستقبلها على المحكّ وأنّه لا يمكن التهاون مع إرهابيي الداخل ولا مع أولئك الموجودين في ليبيا أو في قطاع غزّة أو في هذه الدولة العربية أو غير العربية أو تلك. ليس كافيا اعتراف رئيس الوزراء المصري بأن بلاده في حال حرب. لا مفرّ من التصرّف من هذا المنطلق وعلى كلّ المستويات. هذا يعني بكلّ بساطة أنّ على مصر المبادرة وأن لا تترك نفسها «ساحة» يلعب فيها الآخرون.
نظرا إلى أنّ مصر في حال حرب، لا يمكن الإستخفاف بالقوى التي تشنّ الحرب على الدولة العربية الأهمّ. يحصل ذلك، في وقت تكتفي إدارة أوباما بالتفرّج على ما يدور في المنطقة ولا همّ لها سوى التوصل إلى إتفاق مع ايران في شأن ملفّها النووي.
ألقت القوى المعادية لمصر بثقلها في الحرب الدائرة. يستوجب ذلك التحرّك السريع للقوات المصرية في سيناء من أجل تطهيرها من الإرهاب. ليس سرّا أنّ اكتفاء مصر، بالدفاع عن النفس هو دعوة إلى الإرهابيين لمتابعة حملتهم. ثمّة حاجة إلى مبادرات مدروسة بالتنسيق مع قوى عربية لوضع حدّ للحرب على مصر. هذه الحرب ستكون طويلة، بل طويلة جدّا. تدفع مصر ثمن التقصير في كلّ المجالات منذ تولي العسكر السلطة في العام 1952. حارب جمال عبد الناصر الإخوان لكنّه لم يفعل شيئا يذكر للقضاء على ثقافتهم التي تفشّت في المجتمع المصري والتي راحت تنتشر مجددا مع وصول انور السادات إلى السلطة في السنة 1970. انتشر الإخوان في عهد حسني مبارك الذي استمر ثلاثة عقود في ظلّ تراجع الإعلام المصري، خصوصا أمام الخطاب الديني المتشدّد. غزا هذا الخطاب الصحف الرسمية والإعلام الرسمي في غياب وعي لأهمّية الإعلام ونشر ثقافة الإعتدال عبره. كان مبارك يحارب الإخوان ويتركهم يتغلغلون في الإعلام الرسمي في الوقت ذاته! الحرب على مصر ستكون طويلة. ليست حربا على مصر وحدها. إنّها حرب على الإسلام المعتدل ايضا وعلى العرب وموقعهم في المنطقة. لن تقضي مصر على الإرهاب غدا. الحاجة أكثر من أي وقت إلى استراتيجية بعيدة المدى تأخذ في الإعتبار أوّلا أنّ لا هوادة في المواجهة مع الإخوان المسلمين. هؤلاء كانوا حلفاء السادات في مرحلة معيّنة. لكنّهم ما لبثوا أن انقلبوا عليه. الأمر نفسه حصل مع حسني مبارك وإنّ في ظلّ ظروف مختلفة عائدة إلى أن السنوات العشر الأخيرة من عهد مبارك كانت خالية من أيّ قدرة على فهم التعقيدات الداخلية والتعاطي معها. يمكن الإستفادة من تجربة السادات مع الإخوان، كذلك من تجربة مبارك للتأكد من أنّ الكلام في مصر، هو كلام عن حرب طويلة، بل طويلة جدّا. إما تبادر مصر خارج حدودها، في ليبيا وغزّة تحديدا… وإمّا تبقى اسيرة حلقة مغلقة يسعى أعداؤها إلى إدخالها فيها.