سجن تدمر وجحيم العذاب والرعب السوري
داود البصري/السياسة/27 أيار/15
دائما ما تتميز الأنظمة الفاشية والإرهابية بسمات ومميزات خاصة تعكس واقعها الرديء, وتعبر عن طبيعتها الرثة, وترسخ أسسها القائمة على إشاعة الرعب وفرض الابتزاز, وقمع الأحرار من خلال الإمعان في العنف والقتل والترويع, و لسجن تدمر الصحراوي الذي فقد النظام السوري أخيراً السيطرة عليه بعد أن سقط بيد المعارضة المسلحة, ذاكرة رعب تاريخية رهيبة في مسيرة نظام قمعي إرهابي أدمن ممارسة الجريمة والشروع في القتل, وتدمير كل شيء جميل في سورية الجميلة.
سجن تدمر ليس مجرد ثاني أسوأ سجن في العالم حسب ما صنفت ذلك وسائل الإعلام الدولية, بل إنه أخطر وأكبر من ذلك بكثير!, إنه مخزن الرعب والإرهاب وسلاح النظام الاستخباري القاتل الذي التهمت زنزاناته القذرة المظلمة أرواح الآلاف من أحرار الشام و”بلاد العرب” من الذين شاء لهم حظهم العاثر أن يمروا بذلك المعتقل الرهيب الذي تتضاءل أمام اسمه معتقلات رعب شهيرة في تاريخ القمع الدولي, كمعتقل بوسليم الليبي أو حتى أبوغريب العراقي في العهدين الماضي والحالي.
سجن تدمر يمثل حالة خاصة ومتميزة وفريدة في قمعه وإرهابه وفي نوعية سجنائه! وفي طبيعة وشكل عمليات التعذيب التي كانت تمارس فيه والتي سأروي مثالا واحدا منها فقط لاغير, وبما يوضح الصورة العامة, رغم أن صور عذاب السوريين تظل أبد الدهر تصرخ بمظلوميتها ومعاناتها, فالشعب السوري قد وقع منذ الثامن من مارس العام 1963 تحت سطوة عصابة عسكرية حزبية تناوبت وتصارعت بينها بدموية مريعة وبشعة للإجهاز عليه حتى وصلت الحال لتحويل البلد لإقطاعية خالصة لعصابة إرهابية حاكمة صادرت الوطن وحولته لمعتقل تعذيبي كبير ورهيب لايعرف العالم الحر عوالمه وأسراره رغم الشهرة الواسعة لفروع المخابرات السورية الشهيرة و”المرقمة” والمهيمنة على كل مناحي الحياة السورية.
النظام هو جهاز استخباري كبير يمارس سطوة غير تقليدية خارج إطار أي قانون سوى قانون الجالس على قمة العرش الجمهوري وسجون النظام الرهيبة هي كل حصيلة إنجازاته الكارثية طيلة أكثر من نصف قرن من تسلطه على حياة السوريين… يفرح المرء وينتشي الأحرار وهم يسمعون أنباء تساقط القلاع والحصون الاستخبارية والسجنية الرهيبة, وسجون ك¯ “المزة” و”الشيخ حسن” و”الحلبوني” وسجون الفروع 255 و279 و235 والمخابرات العامة قد طبقت شهرتها الآفاق ويعلم بتفاصيلها أهل الشام المبتلين بتلك العصابة الفاشية, أما سجن تدمر الذي سقط أخيرا في فللذاكرة السورية معه ذكريات مؤلمة أبرزها جريمة يوم 27 يونيو العام 1980 حين هاجم عناصر “سرايا الدفاع” السجن والإجهاز على المعتقلين فيه وكانوا في غالبيتهم من الإخوان المسلمين وقتلوا منهم أكثر من ألف معتقل ثأرا لمحاولة اغتيال كان قد تعرض لها حافظ الاسد.
لقد كانت مجزرة رهيبة وقف أمامها العالم, وقتذاك, صامتا وخجلا, بل ومتواطئا, ولم تصدر أي حملات إدانة حقيقية لما تم ولم تتم معاقبة النظام أبدا ولا حتى التلويح بالعقاب, فأفرط في قمعه وهو مطمئن من حالة التواطؤ الدولي المخجل وقتذاك.
اليوم وقد سقط ذلك المعتقل الرهيب ندعو العالم لنبش ذاكرة الماضي, ولتوثيق الجرائم ضد الجنس البشري والتي لا تسقط قانونيا بالتقادم أبدا, فهل يفعلها العالم الحر ويكفر عن خطاياه وصمته الذي يرقى لمستوى المشاركة في الجريمة?
لقد حدثني شخصيا أحد الذين شاء لهم حظهم العاثر المرور بذلك السجن الصحراوي الرهيب, وهو عراقي يعيش حاليا في السويد وقد اتهمته مخابرات النظام السوري وقتها عام 1984 بالانتماء لحزب البعث العراقي “قيادة صدام حسين” هو ومجموعة من المعتقلين الآخرين ولم يتردد أبدا وبشجاعة في الإفصاح عما حصل له من تعذيب وامتهان وصل الى حد الاعتداء والاغتصاب الجنسي الفظ, وبطريقة شيطانية قد لا تخطر على بال الشيطان نفسه.
فلقد أجبروا جميعا على ابتلاع حبوب جعلتهم فيما بعد في حالة هيجان جنسي أدى لأن يغتصب المرء زميله, لم أصدق الرواية لولا أنه أكد ببكائه ونحيبه على مصداقيتها, هذا غير عمليات التعذيب الوحشية التي تنتهي عادة بالعطب والشلل ثم الموت البطيء والدفن في الصحراء المجهولة كأي حيوان مجهول نافق.
هكذا تمتهن الإنسانية في سجون آل الأسد, ولعل في الوثائق الرسمية التي ستتوافر لاحقا سنجد أهوالا ستدهش العالم! نظام بهكذا مواصفات بشعة لابد أن يحفر قبره في..مزبلة التاريخ!
وأن يقدم لشعبه وللعالم جردة حساب ثقيلة جدا عن جرائمه البشعة التي لم تجد من يحاسبه عليها حتى اليوم! وهي فضيحة إنسانية لن تستمر أبدا, فالنظام يواجه مقصلة التاريخ وهو في طريقه الحتمي للجحيم.