الياس بجاني: الذكرى السنوية لحرب إبادة السلطنة العثمانية ملايين من أبناء الشعب الأرمني ومن المسيحيين المشرقيين، موارنة وسريان واشوريين وكلدان ويونانيين

1094

بالصوت والنص/الياس بجاني/الذكرى السنوية لحرب إبادة السلطنة العثمانية ملايين من أبناء الشعب الأرمني ومن المسيحيين المشرقيين، موارنة وسريان واشوريين وكلدان ويونانيين
الياس بجاني/24 نيسان/2025

اضغط هنا لقراءة المقالة باللغة الإنكليزية/Click here to read the English version of this piece

في مثل هذا اليوم، من كل عام، يقف الضمير الإنساني أمام واحد من أفظع الجرائم التي عرفها التاريخ الحديث: المجازر التي ارتكبتها السلطنة العثمانية بحق الشعب الأرمني، ومعه الكلدان والموارنة والآشوريون والسريان واليونان وغيرهم من الشعوب المسيحية في المشرق. جريمة لا تسقط بالتقادم، ولا يبررها سياق، ولا يغفرها التاريخ.
منذ أكثر من قرن، وبالتحديد في عام 1915، بدأت آلة القتل العثمانية حملة إبادة ممنهجة، دينية وعرقية وهمجية، فاقت كل وصف. مليون ونصف مليون أرمني، من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، ذُبحوا، جُوِّعوا، شُرِّدوا، وسُحِلوا على الطرقات، فقط لأنهم أرمن، فقط لأنهم مسيحيون. لم تكن تلك حرباً، بل كانت مشروع تطهير عرقي كامل، يشبه في أبعاده الإنسانية والحقوقية الهولوكوست الذي تعرض له يهود أوروبا، وربما يسبقه من حيث الوحشية والبربرية.
لكن الأرمن، رغم الفاجعة، لم يموتوا. لم تنكسر روحهم. لم تضعف إيمانهم. بل نهضوا من رماد المجازر مثل طائر الفينيق، ليحملوا رسالتهم، حضارتهم، ثقافتهم وإيمانهم المسيحي إلى أقاصي الأرض. ومن هذا الوجع، ومن هذه الدماء، انبثقت شعوب أرمنية في الاغتراب أعادت بناء الهوية، وكرّست الحياة، وخلدت الشهداء بالنجاح والإبداع والنضال.
وأنا كلبناني مسيحي ماروني، لا أرى في القضية الأرمنية مجرد قضية إنسانية فحسب، بل أراها مرآة لقضيتنا جميعاً كمسيحيي هذا الشرق المضطهد. نحن شركاء في الألم، وفي الإيمان، وفي الصلب والقيامة. أفتخر بأن وطني لبنان احتضن جالية أرمنية نبيلة ومكافحة، ساهمت في بناء الجمهورية، وفي الحفاظ على كيانها، وفي مقاومة كل محاولات المسخ والهيمنة والتهجير.
إن المذابح التي ارتكبها العثمانيون بحق الأرمن والكلدان والآشوريين والمسيحيين عامة، ليست جريمة من الماضي فحسب، بل هي جرح نازف في ضمير الإنسانية لم يندمل بعد. جرح يزداد عمقاً مع كل إنكار تركي رسمي، ومع كل صمت دولي متواطئ، ومع كل محاولة لتزوير التاريخ أو طمسه.
لقد آن الأوان أن تتوقف المجاملة السياسية على حساب العدالة التاريخية. على المجتمع الدولي، منظمات حقوق الإنسان، الهيئات الكنسية، والمؤسسات الثقافية، أن ترفع الصوت عالياً. الاعتراف بالإبادة العثمانية ليس فقط واجباً تجاه الضحايا، بل هو مسؤولية أخلاقية تجاه الأجيال القادمة، وتجاه القيم التي تدعي الإنسانية أنها تتمسك بها.
فلا سلام حقيقياً بدون عدالة، ولا مصالحة حقيقية بدون اعتراف. وعلى تركيا، وريثة السلطنة العثمانية، أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية والإنسانية، وتعترف بالمجزرة الأرمنية، وتُقدم على خطوات جبر الضرر المعنوي والسياسي والثقافي، تماماً كما فعلت ألمانيا تجاه يهود أوروبا.
تحية من القلب والوجدان لهذا الشعب الحي، الشعب الأرمني، الذي قدّم أول مملكة في التاريخ تعتنق المسيحية ديناً رسمياً، والذي أنجب قديسين وبررة وعلماء وفنانين ومفكرين وناضل في سبيل إيمانه وكرامته وحقوقه. تحية إلى أرواح الشهداء الأرمن والكلدان والآشوريين والمارونيين والسريان، الذين سقطوا وهم يتمسكون بصليبهم وبكرامتهم.
وفي الختام، نقولها بملء الإيمان: من ينجو من قضاء الأرض وعدلها، لن ينجو من عدالة الرب في يوم الحساب. فالدم البريء لا يضيع، والحق لا يموت، والعدالة وإن تأخرت، لا تغيب.
المجد للشهداء، والخلود للذاكرة، والنور للحق.

من أرشيف 24 نيسان/2015/بالصوت/فورماتMP3/الياس بجاني/قراءة تاريخية وإيمانية في الذكرى المئوية لحرب إبادة السلطنة العثمانية ملايين من أبناء الشعب الأرمني ومن المسيحيين المشرقين، موارنة وسريان واشوريين وكلدان ويونانيين/24 نيسان/2015/اضغط هنا للإستماع للتعليق

*الكاتب ناشط لبناني اغترابي
عنوان الكاتب الألكتروني
phoenicia@hotmail.com
عنوان الموقع الألكتروتي للكاتب

https://eliasbejjaninews.com

من الأرشيف/سياسة التجويع العثمانيّة قضت على 250 ألف لبناني إضافة إلى مذابح السريان والأرمن والآشوريين
باسكال عازار/النهار/24 نيسان/2015
تذكر الإبادة الأرمنيّة في مئويّتها الأولى ذاك اللبناني المطبوع بالنسيان في مواجهة مع تاريخه المخضّب بالدم والموت، بشهداء قضوا حتماً في مجزرة سبّبتها سياسة تجويع ممنهجة. وتتسلّق أرواح شهداء سياسة التجويع التي فرضها العثمانيون على لبنانيي المتصرّفية سلّم الزمان، تحاول إيجاد مكان ينصفها أمام منصّة الذاكرة، تعيد إحياء ملامحها في صور جثث نتنة منتشرة في زوايا القرى وعلى أعتاب المنازل. وهياكل عظميّة يكسوها الجلد ولا يبرز منها إلا تلك العيون الجاحظة وسط جمجمة لا يبحث العقل الذي فيها إلا عن طعام يبدّد خوف الموت أو يؤخّر مجيئه لأيّام.
في زاوية أخرى ثمّة من تُطعم أولادها الهررة والكلاب، ولو استطاعت إشباعهم من لحمها الحي ودمها لما تردّدت. وكم يحكى عمّن وصل بهم الجوع إلى نهش الأطفال، وكم يحكى عن جائعات هجرن قراهن بعدما فُرض عليهن البغاء مقابل الرغيف. وكم يحكى… ويحكى… في روايات الأجداد وكتب التاريخ. غير أن الجوع الذي اختبره اللبنانيون في الحرب العالمية الأولى على أيدي العثمانيين، ليس مجرّد وثائق ومخطوطات، ولا هو فيلم يحاكي الحنين وأخبار البطولة والوطنيّة كما صوّره الرحابنة في “سفر برلك”، ولا هو مجموعة أسطر يدونها التلامذة على كرّاسات الإمتحانات الرّسميّة. إنها إبادة أطاحت بثلث سكّان المتصرّفية، أي ما يعادل نحو 250 ألف لبناني، وربّما أكثر. هي جريمة إنسانيّة، عذّبت وهجّرت وجوّعت وسرقت وقتلت أجدادنا، وحرّكت اللبنانيين في دول الإغتراب وأبكت جبران خليل جبران الذي قال فيهم “ماتوا صامتين لأن آذان البشريّة قد أغلقت دون صراخهم، ماتوا لأنهم لم يحبوا أعداءهم كالجبناء ولم يكرهوا محبّيهم، ماتوا لأنهم لم يكونوا مجرمين، ماتوا لأنهم لم يظلموا الظالمين، ماتوا لأنهم كانوا مسالمين، ماتوا جوعاً في الأرض التي تدرّ عسلا. ماتوا لأن الثعبان الجهنمي التهم كل ما في حقولهم من المواشي وما في أحراجهم من الأقوات”. ورد في كتاب “لبنان 1914 – 1918 عبر وثائق وزارة الخارجيّة الفرنسيّة” للمؤرخ والباحث اللبناني الدكتور عصام خليفة ذكر إحصاء قام به الصليب الأحمر الأميركي “يقدّر فيه عدد ضحايا الجوع في جبل لبنان في العام 1917 بـ250 ألف نسمة من أصل 400 ألف وهو العدد الإجمالي للسكان”. إنه من دون شكّ رقم يستحقّ التوقّف عنده والتساؤل عن سبب نسيانه.
ويرفض بعض الأصوات من بين المؤرخين وصف حالة الموت التي واجهت سكّان متصرّفية جبل لبنان خلال الحرب العالمية الأولى بسبب الجوع الذي تسبّب العثمانيون بجزء أساسي وكبير منه بالإبادة. وينصّ اتفاق منع جريمة الإبادة الجماعيّة والمعاقبة عليها الصادر بقرار عن الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في 9 كانون الأول 1948، على أن “الإبادة الجماعيّة، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي”. ويعرّف الإتفاق الإبادة الجماعيّة بأنها “أياً من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قوميّة أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشيّة يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى”. ويظهر جليّاً من عرض نصّ الإتفاق، أنه يصحّ وصف الحوادث التي هي معرض بحث في هذا التحقيق بالإبادة الجماعيّة.
إبادة أم لا؟
رغم الأرقام التي عرضها في كتابه عن الإحصاء الذي قام به الصليب الأحمر الأميركي أكّد خليفة أنه “حتى الآن ما من دراسة علميّة دقيقة تحدّد عدد الذين ماتوا في المجاعة بل ترجيحات”. وأضاف “وضع داود باشا في العام 1913 إحصاء حدّد عدد سكّان متصرّفية جبل لبنان بـ414800 نسمة، لكن أرقام أعداد الوفيات بسبب المجاعة متفاوتة فتقرير الصليب الأحمر الأميركي يقدّر العدد بـ250 ألفاً، أما ترابو مسؤول المخابرات الفرنسيّة في أرواد فيقول أن العدد بلغ 110 آلاف في كسروان وجبيل والبترون والمتن غير أن هذا الرقم محصور بأربع مناطق فقط. والـEgyptian Gazette تقول 200 ألف، وترجّح تشتلر الألمانية 200 ألف بين سوريا ولبنان”. وبالنظر إلى الترجيحات يقول خليفة إن “ثلث الشعب اللبناني قضى بسبب المجاعة وانتشار الأمراض، ولكنه يبقى رقماً ترجيحيّاً”. أما إذا ما كان يصحّ وصف ما حصل بالإبادة فقال: “إن كلمة إبادة كبيرة جداً، ما حصل هو حصار وتجويع وإخضاع بسبب تخوّف العثمانيين من إنزال قد يقوم به الحلفاء في جبل لبنان، لقد كان ذلك نوعاً من حرب إستباقيّة”. وأضاف “كمؤرخ أؤكد أن المجاعة شملت المسلمين والمسيحيّين والأمراض طالت كلّ الطوائف، أدين حتماً الكارثة التي وقعت، ولكنها ليست إبادة”.
بدوره رفض الأستاذ في التاريخ العثماني في الجامعة اللبنانية الدكتور فاروق حبلص “اتهام العثمانيين بسياسة التجويع. فالحلفاء ضربوا حصاراً بحريّاً خلال تلك الفترة كذلك على الشاطئ، ولو كان هدف العثمانيين تجويع اللبنانيين لما أرسل جمال باشا كميّات من القمح إلى البطريرك الماروني خلال تلك الفترة ووزع بطاقات الإعاشة للتخفيف من الأزمة”. ولدى الإستفسار عن صحّة ذلك مقابل مصادرة القمح والمواشي وغيرها من العثمانيين وسياسات التضييق قال: “أخطأت السلطنة العثمانية نعم، ولكن لا يجوز أن نلقي بكل الأمور على كاهلها، لا يجوز تضخيم الأمور، كما لا يمكن الحكم على حوادث وقعت منذ 100 عام بمعايير اليوم، لأن البشريّة تطوّرت كثيراً على صعيد مفاهيم الحريّة والديموقراطيّة والإنسانيّة”.
ولكن نقيب الأطباء أنطوان البستاني مؤلف كتاب “تاريخ المجاعة الكبرى في جبل لبنان (1915 – 1918) إبادة مرّت بصمت” يصف الحوادث بأنها “إبادة من الدرجة الأولى حصلت نتيجة إرادة مسبقة وتمت ترجمتها بحصار برّي فرضه العثمانيون على كامل جبل لبنان لمنع إدخال القمح من البقاع وسوريا، وفي المقابل قاموا بمصادرة القمح من البيوت لإطعام جيوشهم”. وأضاف: “لقد باع الأهالي بيوتهم ورهنوها مقابل كيس من القمح وباعت النساء أجسادهن، ما حصل كان رهيباً حرّك اللبنانيين في مصر وبلدان الإنتشار، ما جعل الملك الإسباني والولايات المتحدة يتحرّكان للضغط على السلطنة من دون جدوى”. وانتقد من يقولون أن الحصار البحري الذي فرضه الحلفاء هو السبب مشيراً إلى أن “القمح يصل إلى الجبل عن طريق البر من البقاع وسوريا وليس من طريق البحر، وإذا كان الحصار البحري هو السبب فلماذا صادروا القمح من البيوت ومنعوا إدخاله إلى الجبل؟”. وختمّ “ما قام به العثمانيون كان هدفه إبادة المسيحيين في الجبل، تماماً كالإبادات التي ارتكبوها بحق السريان والآشوريين والأرمن ويستحق هؤلاء منا تكريم ذكراهم”.

Share