نص وفيديو/الياس بجاني: تأملات إيمانية ووجدانية في مفاهم يوم الجمعة العظيمة الياس بجاني/18 نيسان/2025 في عمق التاريخ، وعلى تلة الجلجلة خارج أسوار أورشليم، سُطِّر أعظم مشهد في قصة الحب الإلهي: صُلب يسوع المسيح، ابن الله المتجسد، ليفتدي البشرية من عبودية الخطيئة والموت. إنه يوم الجمعة العظيمة، يوم الألم، ولكنه أيضًا يوم الرجاء؛ يوم الصليب، ولكنه في جوهره يوم المحبة الكاملة. الصليب، الذي كان أداة للعار والعذاب، تحوّل مع المسيح إلى عرش الملكوت ومذبح الفداء. لقد حمل يسوع الصليب لا عن خطيئة ارتكبها، بل عن خطايا العالم كله. كما قال النبي إشعياء: “وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا…” (إشعياء ٥٣: ٥). في الصليب نرى تجلي المحبة الإلهية، المحبة التي لا تعرف حدودًا، والتي دفعت يسوع ليبذل نفسه طوعًا: “لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ” (يوحنا ١٥: ١٣). هذه هي التضحية الكاملة، حيث قدم الله ذاته عوضًا عنا، لكي نعود إليه أحرارًا ومبررين. ليست الجمعة العظيمة مجرد ذكرى لصليب، بل هي أيضًا إعلان عن سر التجسد. الله لم يبقَ بعيدًا في سماواته، بل “صَارَ كَلِمَةُ اللهِ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا” (يوحنا ١: ١٤). لقد شاركنا يسوع في كل شيء، في الفرح والحزن، في الجوع والتعب، في الصراخ والدموع، حتى في الموت نفسه. إن ألم المسيح على الصليب هو شهادة على أن الله لا يراقب معاناة الإنسان من بعيد، بل يدخل في عمقها. هو الإله الذي يعرف وجع الإنسان، لا معرفة نظرية، بل معرفة مُجرّبة. “لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَتَعَاطَفَ مَعَ ضُعْفَاتِنَا، بَلْ مَجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ” (عبرانيين ٤: ١٥). في لحظات الألم القصوى، غفر المسيح لصالبيه: “يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ” (لوقا ٢٣: ٣٤). من على الصليب، فتح أبواب الغفران للجميع، للص اليمين، للجنود، بل للبشرية كلها. هنا يكمن جوهر الجمعة العظيمة: أن الحب أقوى من الموت، والمغفرة أقوى من الكراهية. رغم أن الجمعة العظيمة تبدو يومًا للحزن، إلا أنها ليست نهاية القصة، بل بدايتها. الصليب لا ينفصل عن القيامة. موت المسيح هو البذرة التي من خلالها أزهرت الحياة الأبدية. من خلال آلامه، عبرنا من الموت إلى الحياة، ومن الظلمة إلى النور. الجمعة العظيمة تدعونا اليوم، لا للبكاء فقط على المسيح المصلوب، بل لنفتح قلوبنا للمصلوب القائم، الذي أحبنا حتى الموت، وقام ليمنحنا الحياة. إنها دعوة للإيمان، للرجاء، وللسير خلف يسوع في درب الصليب، عالمين أن الألم ليس النهاية، بل بداية القيامة. فلنحمل صليبنا كل يوم بثقة ورجاء، عالمين أن الذي مات لأجلنا حيّ، وأن “مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تُحْصِرُنَا…” (٢ كورنثوس ٥: ١٤). في الجمعة العظيمة، لا نرى فقط صليبًا مرفوعًا، بل نسمع صوت الحب الإلهي ينادينا: “هَئَنَذَا قَدْ أَحْبَبْتُكَ إِلَى الْمُنْتَهَى.” **الكاتب ناشط لبناني اغترابي عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com رابط موقع الكاتب الالكتروني على الإنترنت http://www.eliasbejjaninew.com