الكولونيل شربل بركات/زيارة البابا إلى لبنان ومفاعيلها السياسية

2

زيارة البابا إلى لبنان ومفاعيلها السياسية
الكولونيل شربل بركات/02 كانون الأول؟2025

أمس وصل قادما من تركيا قداسة البابا ليون الرابع عشر المنتخب حديثا وقد قام بأول زياراته خارج الفاتيكان لتركيا حيث احتفل بمرور 1700 سنة على مجمع نيقيا الذي كان أطلق قانون الإيمان. ومن هناك توجه إلى لبنان بزيارة رعوية تحت شعار السلام. فماذا يحمل البابا من أمل للبنانيين؟ وهل يؤدي عنوان الزيارة مضمونه ويحفّذ المسؤولين اللبنانيين على اعتماد السلام كهدف أساسي والعمل على تحقيقه؟

البابا الذي وصل إلى مطار بيروت قادما من اسطنبول حيث وقّع والبطريرك المسكوني برتلماوس على وثيقة تعاون مع الكنيسة الأرثوذكسية تهدف إلى المزيد من السير باتجاه وحدة المسيحيين، كان زار الجامع الأزرق والتقى الرئيس أردوغان وبعض رجال الكنائس في تركيا، عدى عن حجه إلى نيقيا التي كانت أساس الزيارة. وقد استقبل في مطار بيروت بحضور كامل الطاقم السياسي الذي ضم النواب والوزراء وبعض الشخصيات والفعاليات التي دعيت من قبل رئيس الجمهورية والسيدة الأولى. وقد لوحظ غياب شخصيات مهمة على الصعيد الوطني كان على راسها الدكتور سمير جعجع والسيد وليد جنبلاط والوزير السابق سليمان فرنجية الذين استثنيوا من الدعوة على ما يبدو.

حضور البابا إلى لبنان في هذا الظرف القاهر الذي يمر فيه البلد يعتبر محطة مهمة لالتقاط الأنفاس ومراجعة الذات، خاصة مع الزيارة التي تأخذ عنوان السلام وتطويب فاعليه الذين دعاهم السيد المسيح بأبناء الله “طوبى لفاعلي السلام فانهم ابناء الله يدعون” وقد يكون الاختيار في هذه المرحلة الدقيقة مهما جدا لمن يقرأ بين السطور ويفهم الاشارات المرسلة، ربما من السماء.

الرئيس اللبناني حاول في خطابه أن يلمّح لموضوع “السلام الابراهيمي” ولكنه، ولو بحضور قداسة البابا، لم يجروء على طرح أو اطلاق مبادرة يمكن أن يتلقفها صانعوا القرار. وهو لا يزال يتصرف بمنطق الخطابات والتلميحات على ما يبدو. فقد كاد خطاب القسم، الذي فهم بأنه مشروع لجمع السلاح الغير شرعي وحصر السلطة بيد الدولة، أن يخلص لبنان من براثن الارهاب ويعطي الدول القادرة على المساعدة بابا لدعم الدولة اللبنانية لاستعادة سيطرتها، ولكنه تراجع ولم يكن على ما يبدو يعني ما يقول كونه بدأ سريعا يتكلم عن الحرب الأهلية وكأنه يسوّق لها ويخيف المواطنين والدول الراعية من الدفع باتجاه تنفيذ كلامه في خطاب القسم. ومن هنا لن يأخذ أحد كلامه عن السلام الابراهيمي بجدية كما لم يأخذه أحد بعين الاعتبار يوم نادى بالتفاوض، كونه أعطى الانطباع بأنه غير جدي في اتخاذ المواقف الجريئة.

زيارة قداسة البابا تعتبر الفرصة الأخيرة للحزب والبيئة الحاضنة، على ما يبدو، قبل استئناف الضربات الاسرائيلية التي افتتحت بقتل هيثم الطبطبائي الأسبوع الماضي، والذي يعتبر رئيس اركان حزب الله، والمكلف باعادة تجهيز الحزب وتنظيمه ليتجاوز المحنة التي مر بها خلال السنة الماضية. والكل يلهج بأن الفترة التي ستلي زيارة صاحب القداسة ستكون حاسمة. فقد أعطي لبنان حتى آخر السنة الحالية للانتهاء من جمع السلاح بصورة وديّة والا فسوف ينتهي ذلك بالقوة وبدون رحمة ولن يأخذ أي تفصيل بعين الاعتبار. فالشرق الأوسط قادم على نهاية الحروب والتنظيمات الارهابية من اي جهة أتت. ومن هنا الفترة التي أعطيت للحكم اللبناني للانتهاء من موضوع الأسلحة قبل آخر السنة. ولكن المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية لم يستوعبوا الوضع وتحججوا بالحرب الأهلية عارضين حل الموضوع بالتفاوض. ولكن الحزب وأسياده في إيران فهموا ذلك خوفا وترددا وبدأوا يخططون لاطالة المدة واعادة التجهيز.

قداسة البابا شدد خلال زيارته على قيمة السلام والانفتاح والتعاون، وهو دعى الجميع للعمل في سبيل تجاوز الاخطار، واعتبر بأن على اللبنانيين أن يفهموا أهمية الالتحاق بقطار السلام في المنطقة بدل الحروب ومشاكلها والخسائر الناجمة عنها، ولكنه سيغادرنا غدا بعد القداس وسوف يحزّ في نفسه ألا تكون زيارته قد أثمرت مواقف إيجابية تحسّن الوضع وتؤدي إلى قرارات مصيرية يتبناها أصحاب الشأن في موضوع التفاهم حول وقف الحروب والمضي بتبني السلام كهدف نهائي يعمل له كافة الأطراف في لبنان ليجنبوا البلد أخطار هذه الحروب ويمنعوا عنه الفوضى التي لا يعرف كيف تنتهي.

كان الأجدى على اللبنانيين وتحديدا الشيعة منهم تكليف صاحب القداسة بتبني فكرة اعلام العالم عن نية الطائفة التخلص من رواسب الحروب، خاصة وجود السلاح. وتحميله مهمة رفع صوتهم إلى الجهات المختصة بأنهم، وبعد تفهمهم لأهمية السلام، يتخلون عن السلاح والعنف ويحتمون بعباءته ووصاتته لاعادتهم إلى الحضن الدولي والتخلي عن الطروحات السابقة التي تميزت بالحقد والعداء، وبأنهم مستعدون قبل بقية الفئات للالتحاق بقطار السلام الكامل والدائم واعادة الاعمار، فهم الأكثر جدية بطلبه والعمل على استتبابه والحاجة له، كونهم من يعيش على الحدود، إن كان مع إسرائيل في الجنوب أو مع سوريا في الشمال والشرق.

فهل كان من ضمن أمنيات صاحب القداسة رفع الحلول القاسية عن كاهل اللبنانيين ونقل توبتهم الصادقة وعزمهم على التخلص من ثقل الحمل الذي ينؤون تحته لدول القرار؟ وهل فهم أصحاب الشأن داخل لبنان هذه الرسالة؟ أم أنهم لا يزالون يعتقدون بأن التظاهر بالقوة وحدها ما يمنحهم الحماية التي لم يشعروا بها مرة وهم في قرارة نفوسهم ومن خلال تجاربهم يعلمون ولكنهم لا يجرؤون على المجاهرة؟

الفرصة الأخيرة تنتهي مع مغادرة صاحب القداسة وقد نصحو على أجواء جديدة لا تبشر بالخير. ولكن ضمير العالم، الذي حاول مرة تلو الأخرى التخفيف من معاناة المتوهمين الذين يجرّون الغضب والتشفي إلى ما تبقى من بيوتهم، لن يطول انتظاره وسيرتاح للقرار ولو كان يفضل تجنبه. وإلى الأهل الذين يبيتون تحت الركام معتقدين بأن حلول القوة ستخلصهم من الضيم نقول بأن الخلاص كان على باب قوسين وأنتم رفضتموه مجددا وبدون سبب سوى ذلك الوهم القابع في رؤوس جماعة الملالي التي لا يهمها أبناؤها فكيف بمن هم ابناء الجارية البعيدين آلاف الكيلومترات عن حدودها. وسوف يسقط هذا النظام ويذهب إلى مذبلة التاريخ، ولكن قدركم للأسف أن تتذوقوا نتيجة خياراتكم قبل ذلك.

**اضغط هنا لدخول صفحة الكولونيل شربل بركات على موقعنا المنشورة عليها كل مقالاته وكتبه وتحليلاته
**Click here to access Colonel Charbel Barakat’s page on our website, where all his articles, books, and analyses are published

السيرة الذاتية للكولونيل شربل بركات
خبير عسكري، كاتب، شاعر، مؤرخ، ومعلق سياسي

*ضابط متقاعد من الجيش اللبناني
*متخرج من المدرسة الحربية ومجاز بالعلوم السياسية والادارية من الجامعة اللبنانية
*كلف كأحد الضباط لتنظيم الدفاع عن القرى الحدودية منذ 1976
*تسلم قيادة تجمعات الجنوب
*تسلم قيادة القطاع الغربي في جيش لبنان الحر وأصبح مساعدا للرائد سعد حداد ثم تسلم قيادة الجيش بالوكالة عندما مرض الرائد حداد واستمر بعد وفاته حتى مجيء اللواء أنطوان لحد فأصبح مساعده ثم قائدا للواء الغربي في جيش لبنان الجنوبي
*ترك العمل العسكري في 1988 وتسلم العلاقات الخارجية
*شهد أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مرتين
*كاتب سياسي وباحث في التاريخ له الكثير من الكتب والمقالات السياسية التاريخية والانسانية
نشر كتابه الأول “مداميك” (1999) الذي يحكي عن المنطقة الحدودية ومعاناة أهلها، ترجم إلى العبرية ونشرته معاريف (2001) والانكليزية (2012) Madameek – Courses – A struggle for Peace in a zone of war موجود على Amazon Books
*نشر كتابه الثاني “الجنوب جرحنا وشفانا” الذي يشرح الأحداث التي جرت في المنطقة بين 1976 – 1986
*الكتاب الثالث “Our Heritage” كتاب بالانكليزية يلخص التراث اللبناني مع رسومات لزيادة الاستيعاب موجه للشباب المغترب
*كتابه السياسي الثالث “لبنان الذي نهوى” (2022) جاهز للطبع
*كتاب مجزرة عين إبل 1920 وهو بحث تاريخي عن المجزرة التي ساهمت في نشوء وتثبيت لبنان الكبير
*كتاب “المقالات السياسية 2005 – 2013” مئة ومقالة منشور على صفحته
*كتاب “الشرق الأوسط في المخاض العسير” مجموعة مقالات سياسية (2013 – 2025)
*كتاب “العودة إلى عين إبل” بحث تاريخي بشكل قصصي عن تاريخ المنطقة بين 1600 – 1900
*كتاب شعر عن المعاناة خلال الحرب الكبرى 1914 – 1918 من خلال قصيدة زجلية نقدية جاهز للطبع
*كتاب “تاريخ فناء صور الخلفي” بحث تاريخي عن المنطقة الجنوبية – قيد الانجاز
*كتاب المقالات الانسانية وكتاب عينبليات قيد الانجاز

Share