شبل الزغبي/لبنان بين شبح الحرب وتخاذل الدولة: من يحمي الإنسان؟

32

لبنان بين شبح الحرب وتخاذل الدولة: من يحمي الإنسان؟
شبل الزغبي/10 تشرين الثاني/2025
كل يوم نسمع التحذيرات نفسها: المواجهة اقتربت. المحللون الاستراتيجيون والصحفيون وأصحاب الرأي يرسمون سيناريوهات قاتمة لحرب قادمة مدمرة وطاحنة، وكأن لبنان كُتب عليه أن يعيش على فوهة بركان لا يهدأ. وإذا كانت هذه الأخبار صحيحة — وربما هي كذلك — فإن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: ماذا عن المواطنين؟ من يحميهم؟ من يهيئهم؟ ومن يجرؤ على مصارحتهم بالواقع المرير؟

الدولة اللبنانية تبدو وكأنها خارج المعادلة، تتفرّج بصمتٍ مريب، عاجزة عن اتخاذ موقف واضح أو خطة طوارئ فعلية. فهي لم تستطع بالأمس أن تنزع سلاح “حزب الله”، ولن تكون قادرة اليوم على منعه من جرّ البلاد إلى مواجهة جديدة. لكن ما لا يُغتفر هو أن هذه الدولة تعرف تماماً حجم الكارثة المقبلة، ومع ذلك لا تتحرّك. لا تخطط، لا تُنبّه، لا تُوجّه الناس إلى الاستعدادات الضرورية.

أين هي خطة الطوارئ الوطنية؟
لماذا لا تُطلق الحكومة حملة توعية لتخزين المواد الأساسية من غذاء ومحروقات وأدوية؟ لماذا لا تنسّق مع البلديات والمنظمات المدنية لإقامة مراكز طبية أو توزيع مساعدات طارئة؟
البلد كله يعيش في حالة غيبوبة، بينما الخطر يقترب بخطوات ثابتة. ومن ناحية أخرى، إذا ما تمدد حزب الله خارج بيئته في حال نشوب مواجهة واسعة لتفادي القصف، فهل تخيّلت الدولة ما الذي قد يحدث؟ هل هي مستعدة لموجات نزوح داخلي، أو لاحتكاكات طائفية ومناطقية قد تفتح جروح الحرب الأهلية من جديد؟ السكوت الرسمي أمام هذا الاحتمال ليس برودة أعصاب، بل تواطؤ بالصمت. لكن المسؤولية لا تقع على الدولة وحدها. فأين هو المجتمع المدني بكل مؤسساته وشبكاته ومنظماته التي تتحدث باسم الناس وحقوقهم؟ وأين هي الأحزاب السيادية التي ترفع شعار الحرية والسيادة والاستقلال؟

إذا كان لديهم حقاً إحساس بالمجتمع، فليتحركوا اليوم قبل الغد. ليبدأوا حملات توعية وتدريب على الطوارئ، ليضغطوا سياسياً وإعلامياً على الحكومة لتتحمل مسؤولياتها. السكوت في هذه اللحظة ليس حياداً، بل تخلٍّ عن الواجب الوطني. ولأن الصراحة مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت، لا بد من قول الحقيقة كما هي: لستم شجعان كفاية لتذهبوا إلى السلام، ولستم مهيئين للحرب. لديكم عقدة تاريخية من فكرة الجلوس مع الإسرائيلي لبناء جسر نعبر من خلاله إلى اتفاق سلام مُشرق يحمي لبنان.

بينما حزب الله يختبئ تحت الأرض، المواطن يموت فوق الأرض. الإسرائيليون يجلون أولادهم “لأنهم مستقبل الوطن” إلى أماكن آمنة بعيداً عن أرض المعركة، أما أولادنا فلا يحق لهم أن يعيشوا يوماً واحداً دون سماع أزيز الطائرات أو تحمّل ظلام انقطاع الكهرباء؟ إلا يستحقوا ان يعيشوا كبقية أولاد العالم؟ ألا يحق لهم أ ن يحلموا بمدرسة آمنة، ومستقبل طبيعي لا يهدده صوت المدافع؟ أي عدل هذا ؟ وأي وطن يرضى أن يضحّي بأولاده ثمناً لحروب الأخرين ؟ المأساة الكبرى أن اللبناني لم يعد يملك ترف الخوف. هو متعب، مسحوق بين الفقر والقلق، يُطالَب بالصمود بينما الدولة والمجتمع المدني والأحزاب مجتمعة تكتفي بالشعارات.

هل كُتب على لبنان أن يبقى ساحة حرب دائمة؟ أن يظل رهينة قرار السلاح؟ أن يعيش جيله الجديد على أنقاض خوفٍ لا ينتهي؟
إنّ المسؤولية اليوم لا تقع فقط على من يملك السلاح، بل أيضاً على من يملك الصوت ولا يستعمله، وعلى من يملك القدرة والقرار ولا يتحرّك.
الدولة التي لا تضع مواطنيها في سلّم أولوياتها، والأحزاب والمجتمعالمدني الذين يكتفون بالتنظير دون الفعل، جميعهم شركاء في ترك هذا الشعب وحيداً أمام المجهول. وإذا كانت المواجهة آتية فعلاً، فليكن على الأقل هناك حد أدنى من الشفافية والجرأة، ليعرف الناس إلى أين يسيرون، وباسم من سيدفعون مجدداً ثمن حربٍ لم يختاروها.
**شبل الزغبي/عضو مجلس القيادة المركزية في حراس الأرز

Share