
لبنان وجامعة العجز العربي
شبل الزغبي/20 تشرين الأول/2025
منذ تأسيس جامعة الدول العربية، لم يجنِ لبنان منها سوى الخيبات والمواقف الرمادية. هذه المؤسسة، التي وُلدت بشعارات الوحدة والتضامن، تحوّلت عملياً إلى مظلة لتبرير العجز والانقسام، وإلى منبر للمزايدات القومية التي لا تصنع وحدة ولا تحفظ كرامة دولة واحدة. جامعة تُرفع فيها الشعارات، وتدفن فيها القضايا.
لم تستطع الجامعة أن تحل أي قضية عربية واحدة، كلها فشلت فيها فشلاً ذريعاً، بل في كثير من الأحيان كانت طرفاً غير مباشر في تأجيج الصراعات أو شرعنتها بالصمت. أما في ما يخص لبنان، فقد كانت عبئاً لا سنداً، إذ جُرّ إلى نزاعات لا شأن له بها، فقط ليُستعمل ورقة في صراعات الآخرين.
تحت عنوان “الوحدة”، تآمرت الأنظمة على بعضها، وتحت شعار “الأشقاء”، إشتعلت الحروب بين “الإخوة”. لبنان، البلد الصغير بحجمه والكبير بثقافته، دفع ثمن هذا النفاق السياسي. فباسم “العروبة” أُدخل الفلسطيني المسلح إلى أرضه، وباسم “التضامن العربي” غُطّي الاحتلال السوري، وباسم “المقاومة” سُحقت سيادته واغتيل اقتصاده واستُنزفت طاقاته البشرية.
نحن كلبنانيين، نؤمن بالهوية اللبنانية الخالصة، هوية تمتد جذورها إلى الحضارة الفينيقية التي أهدت العالم الحروف الأبجدية، وطوّعت البحار ونشرت التجارة والثقافة. نحن أبناء حضارة لم تُبنَ على الشعارات ولا على العداء، بل على الإبداع والانفتاح.
وجود لبنان في جامعة الدول العربية اليوم لا يحمل أي قيمة وطنية. هو حضور رمزي، هدفه فقط أن يتسوّل بعض الفاسدين المتأمرين والذميين من أموال الخليج، ويتقاسموا المنافع باسم “العروبة” الكاذبة. لا الجامعة دعمت لبنان في مواجهة الفلسطيني المسلح، ولا تبنّت قضيته ضد الاحتلال السوري أو الهيمنة الإيرانية. بل إنّ معظم أعضائها وقفوا إلى جانب المعتدي على لبنان في مراحل كثيرة، تارة باسم القضية الفلسطينية، وتارة باسم “الممانعة”.
الجامعة اليوم ليست سوى نادي أنظمة فاشلة، تتقاذف الخطابات وتُغرق نفسها في اجتماعات عبثية، بينما تغيب عن القضايا الجوهرية: سيادة الدول، كرامة الشعوب، وحماية الإنسان العربي من الاستبداد والفقر.
آن للبنان أن يعيد التفكير في جدوى بقائه في هذه المؤسسة العاجزة. فلبنان ليس بحاجة إلى جامعة عربية تصدر بيانات شجب فارغة، بل إلى مشروع وطني سيادي يعيد له دوره التاريخي كمنارة حرية وثقافة وتنوير في الشرق.
لبنان لم يكن يوماً ذيلاً لأحد، ولن يكون. نحن ورثة حضارة غزت العالم بالعلم لا بالسيف، وبالثقافة لا بالتحريض. وإذا كان بقاءنا في جامعة الدول العربية يعني التنازل عن هويتنا وسيادتنا، فالأجدر بنا أن نغادرها مرفوعي الرأس قبل أن نصبح مجرد صدى في قاعة من الأصوات الزائفة.