نص مقابلة مع إتيان صقر- أبو أرز: رفضنا مشروع محو لبنان … والطائفية سلاح الأذكياء للسيطرة على الأغبياء .. يكشف علاقته بالمعارضة السورية … العداء ما بين لبنان واسرائيل مصطنع

29

نص مقابلة مع إتيان صقر- أبو أرز: رفضنا مشروع محو لبنان … والطائفية سلاح الأذكياء للسيطرة على الأغبياء .. يكشف علاقته بالمعارضة السورية … العداء ما بين لبنان واسرائيل مصطنع!
موقع أخباركم – أخبارنا/21 أيلول/2025

يُعدّ إتيان صقر، المعروف بـ”أبو أرز”، واحدة من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في تاريخ الحرب اللبنانية. ارتبط اسمه باليمين اللبناني المسلح، وكان قائدًا لتنظيم “حراس الأرز”، الذي طبع مساره بمواقف حادة وتحالفات مثيرة للنقاش، ما جعله حاضرًا في الذاكرة السياسية اللبنانية كرمز للصراع والانقسام.
اليوم، وبعد سنوات طويلة من الغياب، ما زال “أبو أرز” حاضرًا في النقاش العام، بين من يراه “مناضلًا” دافع عن قناعاته حتى النهاية، ومن يعتبره “رمزًا للتفريط والارتباط بالمشاريع الخارجية”. وقد تمكّن موقعنا، عبر رفاقه في لبنان، وتحديدًا من خلال الأستاذ مارون العميل المقرّب منه، من إيصال مجموعة من الأسئلة إليه. وجاءنا من إتيان صقر “أبو أرز” الأجوبة التالية التي تنشر كما وردت، لتفتح من جديد ملف هذه الشخصية الجدلية وتضيء على آرائها ومواقفها الراهنة.

س: كيف تقيّم حال لبنان اليوم مقارنة بالأمس، التي بنيتم عليها حركتكم في أوائل السبعينات؟
حال لبنان في السبعينات كان أسوأ من اليوم، لأن المخطّط الدولي بزعامة أميركا ممثَّلة بهنري كيسنجر كان يقضي بشطب الكيان اللبناني واستبداله بكيان فلسطيني بهدف إنهاء الصراع العربي–الإسرائيلي. ويومئذٍ جاؤوا إلينا ليطلبوا أن نترك السلاح والمتاريس وأن نهاجر إلى الولايات المتحدة أو كندا. القرار الذي اتخذناه كمقاومة لبنانية بالمواجهة أحبط المخطّط، فكانت النتيجة أن عرفات وزمرته هجّروا من لبنان، ونحن بقينا. اليوم حال لبنان أفضل لأن أميركا والمجتمع الدولي أصبحوا إلى جانب لبنان، حريصين على كيانه ويدعمون جيشه، بينما في السبعينات ساهموا في تفكيك الجيش، الأمر الذي دفعنا إلى ارتجال جيش بديل اسميناه لاحقاً القوات اللبنانية.

س: في ظل التحولات الأمنية والسياسية، هل ترى أن المبادئ التي دافعتم عنها: القومية اللبنانية، السيادة، رفض التبعية، لا تزال قابلة للتحقيق؟
لقد أثبتت الأيام صحة المبادئ التي أطلقناها في بداية الحرب عام ١٩٧٥، أي أن خلاص لبنان لن يكون إلا من خلال القومية اللبنانية، وأن طبيعة لبنان الجغرافية والجيوسياسية والديموغرافية ترفض كل أنواع التقسيم، ولا تقبل إلا بلبنان الواحد بكل أرضه غير منقوص منها شبر، وبكل شعبه غير منقوص منه مواطن. أما المشكلة الطائفية والمذهبية فهي من صنع زعماء الأحزاب والطوائف الذين يغذّونها ليتمكّنوا من السيطرة على الشعب تبعاً لقاعدة “فرّق تسد”. ولقول محمد الماغوط ما معناه: الطائفية سلاح الأذكياء للسيطرة على الأغبياء. وأما عن السيادة ورفض التبعية فهما ركيزتان أساسيتان لبناء الدول التي تحترم نفسها، وأكثر من انتهك السيادة ومارس التبعية خلال الخمسين سنة الماضية هم سياسيّو لبنان أو معظمهم، الذين رحّبوا بالاحتلالات الخارجية وأمّنوا لها التغطية “الشرعية” مقابل الكراسي، فكانت النتيجة خراباً للبلاد وتدميراً ممنهجاً لمؤسساتها.

س: تُوجّه إلى حراس الأرز انتقادات تتعلق باستخدام العنف والميليشيا خلال الحرب الأهلية. ما ردّك؟ وهل تعتقد أن التاريخ سيحكم بعدالة على تجربتكم؟
هذه افتراءات وفبركات لا أساس لها من الصحة. صحيح أننا كنا حازمين وحاسمين في جبهات القتال، ولكن في الداخل لم نطلق رصاصة واحدة على لبناني لأي طائفة أو مذهب انتمى. أولاً، لأن مناقبيّتنا تمنعنا من ارتكاب جرائم ضد مدنيين. ثانياً، عقيدتنا القومية تفرض علينا احترام آخر لبناني في آخر قرية لبنانية. ثالثاً، المزيج الطائفي لعناصرنا ومقاتلينا وشهدائنا يردعنا عن التفكير في ارتكاب الموبقات كالتي ارتكبها غيرنا… والأيام ستكشف كل الحقائق.

س: لماذا غادرت لبنان في عام 2000؟ وما هي الظروف التي تراها ضرورية لعودتك اليوم؟
عندما انتقلت من بيروت إلى منطقة جزين في العام ١٩٩٠ على أثر حرب الإلغاء بين الجيش والقوات، اتخذت قرية الصباح مركزاً لقيادتي الجديدة، وانضم مقاتلو الحراس إلى جيش لبنان الجنوبي. وعندما اتُّخذ قرار الانسحاب من الجنوب بموجب اتفاق تم بين إسرائيل وحزب الله برعاية الحكومة الألمانية، اضطررت ساعتذاك للدخول إلى إسرائيل ومنها إلى قبرص ولا أزال فيها حتى الساعة. أما عن عودتي إلى لبنان فإن الظروف لم تحن بعد، ولكنها تقترب.

س: ما هو موقفك اليوم من وجود فصائل مسلّحة غير حكومية سواء فلسطينية أو غيرها؟ وهل ترى إمكانية لمصالحة وطنية شاملة؟
موقفنا من الميليشيات المسلّحة اللبنانية وغير اللبنانية واضح وثابت ومعلن منذ زمن، وخلاصته الرفض القاطع لبقاء أي سلاح غير شرعي في يد الميليشيات المتواجدة على جميع الأراضي اللبنانية، وحصر السلاح فقط في يد الجيش والقوات المسلّحة الحكومية لا غير. ونعتقد أن الدولة قد تأخرت كثيراً في تنفيذ هذا المطلب الوطني الملح. أما عن مصالحة “وطنية” شاملة فنحن نرفض أن تتم مع الفصائل الفلسطينية، أولاً لأنها إرهابية بمجملها، وثانياً لأنها تورّطت في الحرب على لبنان في السبعينات وغدرت بالوطن الذي احتضنها لعشرات السنين. ومن وقتها سقطت قضيتهم من وجداننا وقاموسنا. أما حزب الله الذي تورّط هو الآخر في دماء اللبنانيين وساهم كثيراً في خراب البلاد وإفقار شعبه وتدمير مؤسساته، فالمطلوب منه أن يسلّم سلاحه كاملاً للجيش اللبناني، وأن يتخلى عن ولائه للنظام الإيراني، ويعود إلى حضن الدولة اللبنانية. وعندئذٍ تصبح المصالحة معه ممكنة. أما الطائفة الشيعية الكريمة فلا لزوم للمصالحة معها لأنها مكوّن أساسي وتاريخي من النسيج القومي اللبناني.

س: كيف تنظر إلى العلاقة بين لبنان وإسرائيل الآن، خاصة أن الخطاب الدولي أصبح أكثر حساسية لمسألة السيادة والاحتلال؟
أنا أعتبر أن العداء بين لبنان وإسرائيل مصطنع لعدة أسباب: أولاً، لأن إسرائيل ليست لديها أي أطماع في أرض لبنان ومياهه، وقد أثبتت ذلك قولاً وعملاً في عدة مناسبات. ثانياً، لأن ما يسمى بالقضية الفلسطينية قد سقطت من قاموسنا السياسي كما قلنا سابقاً، ولأن الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي عمره آلاف السنين ولا مصلحة للبنان فيه. ثالثاً، لأن لبنان تاريخياً بلد السلام وليس بلد الحرب، وهو بحسب البابا بولس الثاني أكثر من وطن، هو رسالة.

س: قلت مؤخرًا إن الانتخابات البلدية “لزوم ما لا يلزم”. ماذا قصدت بذلك؟ وهل ترى أن الانتخابات الحالية ليست أولوية؟ ولماذا؟
لبنان غارق اليوم في أزمات كبيرة وخطيرة ومصيرية، ويجب التركيز عليها وإعطاؤها الأفضلية القصوى مثل نزع سلاح الميليشيات ومكافحة الفساد، لأنهما المفتاح الوحيد للإنقاذ وإعادة الحياة إلى شرايين الدولة. ولا يجوز الإلهاء وإشغال الناس بأمور ثانوية مثل الانتخابات البلدية. إضافةً إلى أن أي انتخابات حصلت أو ستحصل في ظل سلاح حزب الله قد تسمح لهذا الأخير بالتقاط أنفاسه واستعادة سيطرته على الطائفة الشيعية تمهيداً لإعادتها إلى الحضن الإيراني.

س: ما هو دورك السياسي اليوم؟ وأين ترى تأثيرك أو مشاركتك من المنفى؟
دوري السياسي اليوم هو امتداد لدوري السياسي السابق، وهو الدفاع عن لبنان بالكلمة والرأي والموقف بعد أن دافعنا عنه بالسلاح تحت شعار “أنت الذي من أجلك صارت بيتنا البندقية”. قد يكون تأثيرنا السياسي تراجع نتيجة غيابنا القسري الطويل عن لبنان، ولكن هناك شريحة كبيرة من اللبنانيين ما زالت تتابعنا وتشيد بمواقفنا الوطنية الثابتة، وتؤمن بعقيدتنا اللبنانية الصافية، علماً أن زواج الكلمة على الحقيقة أقوى من كل سلاح.

س: هل لديك مشروع لمستقبل لبنان على المستويات الاقتصادية والاجتماعية بعد تأمين الاستقرار والسيادة؟ وكيف ترى إعادة الإعمار ومكافحة الفساد؟
نعم، لدينا مشروع كامل ومتكامل لبناء دولة جديدة عصرية وبحلّة جديدة تحاكي طموح اللبنانيين وأحلام الأجيال الصاعدة، وضعناه مفصّلاً في أوائل الثمانينات، ويشمل كافة المستويات. أما لماذا قلنا “حلّة جديدة”، فلأن ثوب الدولة الحالية أصبح رثّاً مهترئاً ولا يتحمّل ترقيعاً إضافياً. نعود ونكرر أن الممر الإلزامي لبناء هذه الدولة الجديدة هو حصر السلاح بيد الجيش، ومكافحة الفساد بدءاً من رأس الهرم إلى أسفله.

س: كيف تنظر إلى الأجيال الجديدة من المسيحيين واللبنانيين عمومًا؟ هل تراهم مستعدين لتبنّي الخطاب القومي الذي ناديت به؟
لا شك أن ظروف الحرب القاسية والاحتلالات الغريبة المتتالية قد باعدت بين اللبنانيين، ودَفعت البعض إلى المطالبة بالتقوقع الطائفي والمذهبي. ولكن الفكر القومي اللبناني ما زال الأقوى في أوساط الشعب اللبناني، ونحن مستمرون في نشر هذا الفكر وتعميقه، خصوصاً على مستوى الأجيال الجديدة.

س: ما تقييمك لدورك وعلاقة حركتك بالمعارضة السورية في السنوات الماضية؟ وهل ترى أن النظام السوري الحالي ما زال يشكّل خطرًا على لبنان أم أن موازين القوى تغيّرت؟
نحن دعمنا الثورة السورية منذ انطلاقتها في العام ٢٠١١ سعياً للتخلص من إجرام النظام الأسدي الوحشي، وما زلنا على اتصال بها، وقد أكدت لنا مراراً وتكراراً أنها ستحترم سيادة لبنان المطلقة على أرضه، ومن منطلق الاحترام المتبادل وندّية التعامل بين البلدين.

س: كيف تنظر إلى مستقبل مسيحيي الشرق بعد الهجرة الواسعة من العراق وسوريا، وفي ظل الضغوط التي يتعرض لها مسيحيو لبنان لتقليص دورهم؟
تهجير مسيحيي الشرق خطيئة مميتة تتحمّلها أنظمة هذه المنطقة الغارقة في ظلام التعصب الديني، بشكل مباشر أو غير مباشر. أولاً، لأنهم، أي المسيحيون، أصحاب الأرض منذ أقدم العصور، واقتلاعهم منها جريمة لا تُغتفر. ثانياً، لأن هذه المنطقة هي مهد الأديان السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، وكلهم لهم الحق في العيش هنا بحرية وأمان وطمأنينة. ثالثاً، لأن وجود الأقليات المسيحية واليهودية والعلوية والدرزية والكردية… يضفي على هذه المنطقة تنوعاً ثقافياً وحضارياً يزيدها تألّقاً وجمالاً. أما عن تهجير مسيحيي لبنان فأقول إن أكثر من ساهم في تهجيرهم هم زعماؤهم الذين انصرفوا إلى صراعات داخلية دموية بدأت في مجزرة إهدن، ثم انتقلت إلى مجزرة الصفرا، ثم انتهت بحرب الإلغاء التي ألغت كل شيء، والتي دفعنا ثمنها وسنظل ندفع ثمنها لأجيال قادمة.

س: ما رؤيتك لمستقبل حزب الله والشيعة في لبنان؟ هل تعتقد أن الحزب سيستمر ممسكًا بمفاصل الدولة أم أن تحولات إقليمية ودولية ستفرض واقعًا جديدًا؟
صحيح أن بيئة حزب الله هي الطائفة الشيعية، ولكن لا بد من التفريق بين الاثنين. لأن النظام الإيراني عرف كيف يلعب على الوتر الشيعي لهذه الطائفة المشهورة بولائها للبنان، وخطفها إلى إيران بواسطة حزبٍ أسبغ على نفسه صفةً إلهية، وراح يخوض الحروب العبثية في أرجاء منطقة الشرق الأوسط باسم الله والدين. هذا أولاً. وثانياً، لأن حزب الله زائل والطائفة الشيعية باقية. وثالثاً، لأن النظام الإيراني زائل ولبنان باقٍ.

Share