الكولونيل شربل بركات/قراءة في ضربة قادة حماس في قطر

12

قراءة في ضربة قادة حماس في قطر
الكولونيل شربل بركات/12 أيلول/2025

تعتبر امارة قطر من الدول العربية التي انفتحت باكرا على اسرائيل يوم قررت ومنذ 1996 مباشرة التعامل التجاري مع الدولة العبرية بشكل علني وسمحت باقامة مكتب تجاري اسرائيلي في الدوحة دشنه الرئيس شمعون بيريس يومها وزاره عدة وزراء ومسؤولين اسرائيليين بعد ذلك. وقد أدى انفتاح قطر على اسرائيل للسماح لها بدعم قطاع غزة من ناحية المساعدات المالية والانسانية والتعاون مع السلطة فيه اي منظمة حماس الاسلامية. ولكن العلاقات بين البلدين بدأت بالتراجع منذ 2008 بعد تتالي العمليات العسكرية ما أدى إلى اغلاق المكتب التجاري مع تعاظم الدور القطري في غزة ومن ثم تبنيها خط الأخوان المسلمين الداعم لمنظمة حماس في الجانب الفلسطيني وبقية المجموعات المتطرفة اسلاميا والتي تدور بفلك هؤلاء الأخوان. وقد أدى ذلك إلى التباعد بين دول التعاون الخليجي وامارة قطر من جهة والتقارب بينها وبين نظام الرئيس أردوغان الذي يسعى لاستعادة دور السلطنة العثمانية تحت عباءة الخلافة الاسلامية في تركيا من جهة أخرى.

كان الدور القطري بدعم قطاع غزة مقابل الدور العربي عامة بدعم السلطة الفلسطينية ملائم لاسرائيل كونها تكفل بشكل أو بآخر نوعا من الاستقرار والتنافس بين السلطتين في القطاع والضفة على ادارة شؤون المواطنين الفلسطينيين، ولكن تعاظم الدور الإيراني وطروحاته التوسعية، والتي استوعبت الخط المتشدد الذي سيطر على حماس وبالتالي على القطاع وأدخله في عمليات بناء وتفعيل قواه العسكرية، خلخلت الاستقرار لا بل خلقت توترا مستمرا بين اسرائيل والقطاع ظهر تباعا في العمليات التظاهرية المتكررة والتي اتسمت غالبا باطلاق الصواريخ أو الخطف وغيرها من العمليات العدائية، حيث بدأت تشكل ضغطا اعلاميا على الدولة العبرية وتعطي الخط الاخواني المتشدد اسلاميا مساحة أوسع على الساحة الفلسطينية التي تؤثر لا بل تقود الشارع العربي. وقد تدخلت تركيا أردوغان المتعطشة لدور ما على صعيد المنطقة العربية، خاصة بعدما أطاحت مصر بنظام مرسي الذي كان خلف مبارك، ليلتجئ قادة الأخوان إلى تركيا ويقيموا فيها مركزهم الدعائي.

وبينما كانت إيران الملالي تحاول فرض الهيمنة بالسلاح وبناء الخنادق المجهزة لحماية المقاتلين ومخازن الاسلحة ومصانع الصواريخ وبالتالي استمرار المعركة، بدون أخذ المدنيين بعين الأعتبار لا بل جعلهم وقودا لكل تحرك، أصبحت تركيا الغطاء الاعلامي الأكثر وضوحا لمنظمة حماس تحت ستار التحرك الانساني الذي قادته مع اسطول السلام وغيره من العمليات الدعائية ولكن من دون التدخل بالوضع العسكري. ولكن قطر التي كانت تتلطى خلف موضوع العلاقات التجارية مع اسرائيل قامت بإيواء عناصر قيادة حماس وشكلت قاعدتهم الاعلامية ومركز النشاطات الديبلوماسية لهم. وشيئا فشيئا أصبح وجود جماعة حماس في قطر يضغط أكثر فأكثر باتجاه التشدد، ولو أن دور الدوحة المتزايد في المساعدات الانسانية ومشاريع البناء التي أقيمت في غزة أعطاها مجالا أكبر للتدخل كوسيط في عدة مناسبات.

العملية التي أتت بعد اعلان الرئيس ترامب سعيه الجدي لانهاء موضوع غزة وتهديده لحماس بتسليم الرهائن والقبول بوقف العمل العسكري، كانت مكمّلة على ما يبدو لما قامت به اسرائيل من قتل كافة زعامات حماس في غزة وحتى في الخارج، ولم يبق سوى من يحتمون بقطر ويتولون التفاوض ورفض الحلول. ومن هنا قيام اسرائيل باستهدافهم في الدوحة بدون الأخذ بعين الاعتبار ظاهريا سيادة قطر ولو أن القذائف المستعملة أطلقت من خارج مجالها الجوي وكانت صغيرة نسبيا لمنع إصابة مدنيين قطريين أثناء التفجير. وقد يكون هذا ما أدى إلى عدم نجاح العملية بالقضاء على المستهدفين بشكل كامل.

أما قناة الجزيرة، التي أتحفت المشاهدين دوما بمعلوماتها وتقاريرها حول أية عملية ضد ما يسمى بالمقاومة الاسلامية خاصة في الشرق الأوسط، فقد أظهرت قلة الاحترافية هذه المرة حيث وقعت العملية في فنائها الخلفي ولم تقم بالتغطية اللازمة، ولا هي وزعت تقاريرها حولها أو مشاهدات العامة وتفاصيل الحدث أو تعليقات المواطنين والرسميين عليها، ولا حتى قامت بزيارة المصابين أو اجراء مقابلة مع الناجين منهم، وكأنها غير معنية بالموضوع. وبدل أن تكون هي من يعلن عن نتائج العملية فإنها كما يبدو تنتظر وسائل الاعلام الاسرائيلية لتقوم بالمهمة.

ويُظهر تصريح رئيس الوزراء القطري أيضا تناقضا في المواقف، إذ يعترف بالتنسيق مع الموساد والشاباك ووزراة الدفاع الاسرائيلية بشأن حماس منذ تدخل قطر بالموضوع وبدون أدنى حرج، وهو الذي تبنى دوما دعم حماس والاخوان في مشاريعهم التوسعية حول الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت مساهماته في المشاريع الاقتصادية داخل الولايات المتحدة والدول الأوروبية وبقية الدول التي ترفض الارهاب بكل أشكاله والمنظمات التي تتبناه ومنها حماس والجهاد وبعض افرازات إيران من الأذرع العسكرية والتي تعتبر مقبولة على قطر، ما تسبب عدة مرات بتعكير العلاقات مع جيرانها من دول مجلس التعاون الخليجي.

المهم من قراءتنا للعملية بغض النظر عن نجاحها أو فشلها هو ما كان صرّح به السفير براك يوم تكلم عن حدود سايكس بيكو وعاد فشرحها لمن فهمها بشكل مغلوط؛ وهو بأن حدود السيطرة وملاحقة الخارجين عن القانون لن تعد بعد اليوم محمية بالحدود الدولية، ويحق للدول القادرة الدفاع عن نفسها وملاحقة الخارجين عن القانون أينما اختبأوا في طول الشرق الأوسط وعرضه، وهذا ما نراه حاصلا إن في إيران الملالي أو واليمن السعيد أو في سوريا ولبنان لا فرق، واليوم في دول غنية ومستقرة وتعتبر صديقة للغرب مثل قطر، فلا مجال للارهاب ولا مستقر له إينما تطال أيدي القوة الفاعلة بالمنطقة، وهذا ما قد يكون قصده السفير باراك بتصريحه هذا، ومن بعده رئيس وزراء إسرائيل السيد نتانياهو يوم تكلم عن اسرائيل الكبرى، فهي ليست مساحات احتلال وسيطرة على الأرض وسكانها، انما قوة قادرة على فرض الأمن والاستقرار حول الشرق الأوسط بكامله، فلن يعود هناك من ضرورة لاستعمال الجيوش أو الحروب الواسعة، ولا للتدخل بيوميات الناس ومتابعة تفاصيل أعمالهم، انما تقوم الحكومات بالسيطرة على شعوبها وأراضيها وفرض القانون وتنفيذ المعاهدات الموقعة، ولا وجود بعد اليوم لمنظمات خارجة عن الدول ولا لانظمة خارجة عن الاجماع، وهذا ما قد يعنيه استقرار المنطقة وتسميتها بالشرق الأوسط الجديد حيث يسود القانون وبالتالي الاستقرار والرفاه “فيجلس الحمل بحضن الذئب” فلا خوف من الغرائز المدمرة بعد اليوم.

**اضغط هنا لدخول صفحة الكولونيل شربل بركات على موقعنا المنشورة عليها كل مقالاته وكتبه وتحليلاته
**Click here to access Colonel Charbel Barakat’s page on our website, where all his articles, books, and analyses are published

السيرة الذاتية للكولونيل شربل بركات
خبير عسكري، كاتب، شاعر، مؤرخ، ومعلق سياسي

*ضابط متقاعد من الجيش اللبناني
*متخرج من المدرسة الحربية ومجاز بالعلوم السياسية والادارية من الجامعة اللبنانية
*كلف كأحد الضباط لتنظيم الدفاع عن القرى الحدودية منذ 1976
*تسلم قيادة تجمعات الجنوب
*تسلم قيادة القطاع الغربي في جيش لبنان الحر وأصبح مساعدا للرائد سعد حداد ثم تسلم قيادة الجيش بالوكالة عندما مرض الرائد حداد واستمر بعد وفاته حتى مجيء اللواء أنطوان لحد فأصبح مساعده ثم قائدا للواء الغربي في جيش لبنان الجنوبي
*ترك العمل العسكري في 1988 وتسلم العلاقات الخارجية
*شهد أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مرتين
*كاتب سياسي وباحث في التاريخ له الكثير من الكتب والمقالات السياسية التاريخية والانسانية
نشر كتابه الأول “مداميك” (1999) الذي يحكي عن المنطقة الحدودية ومعاناة أهلها، ترجم إلى العبرية ونشرته معاريف (2001) والانكليزية (2012) Madameek – Courses – A struggle for Peace in a zone of war موجود على Amazon Books
*نشر كتابه الثاني “الجنوب جرحنا وشفانا” الذي يشرح الأحداث التي جرت في المنطقة بين 1976 – 1986
*الكتاب الثالث “Our Heritage” كتاب بالانكليزية يلخص التراث اللبناني مع رسومات لزيادة الاستيعاب موجه للشباب المغترب
*كتابه السياسي الثالث “لبنان الذي نهوى” (2022) جاهز للطبع
*كتاب مجزرة عين إبل 1920 وهو بحث تاريخي عن المجزرة التي ساهمت في نشوء وتثبيت لبنان الكبير
*كتاب “المقالات السياسية 2005 – 2013” مئة ومقالة منشور على صفحته
*كتاب “الشرق الأوسط في المخاض العسير” مجموعة مقالات سياسية (2013 – 2025)
*كتاب “العودة إلى عين إبل” بحث تاريخي بشكل قصصي عن تاريخ المنطقة بين 1600 – 1900
*كتاب شعر عن المعاناة خلال الحرب الكبرى 1914 – 1918 من خلال قصيدة زجلية نقدية جاهز للطبع
*كتاب “تاريخ فناء صور الخلفي” بحث تاريخي عن المنطقة الجنوبية – قيد الانجاز
*كتاب المقالات الانسانية وكتاب عينبليات قيد الانجاز

Share