الكولونيل شربل بركات/زيارة لاريجاني ومعانيها

25

زيارة لاريجاني ومعانيها
الكولونيل شربل بركات/14 آب/2025
الجمهورية الاسلامية في إيران، والتي فقدت خلال السنة الماضية عناصر قوتها الواحد تلو الأخر، وظهر ضعفها، خاصة في المواجهة التي جرت خلال 12 يوم من الحرب الفعلية مع اسرائيل، حيث دمر الجزء الخطر من مشروعها النووي؛ أي برنامج التخصيب، واستبيحت اجواءها والكثير من مدنها للطيران الاسرائيلي واعمال التخريب من قبل مخابرات الدولة العبرية، وقتل بعض أبرز علماؤها وقادة الحرس الثوري فيها، بدون أن يكون لها اي قدرة على التصدي أو الانتقام، لا بل أعطيت مخرجا في النهاية لحفظ ماء الوجه ووقف القتال مع اشتراط الجانب الأميركي التوصل إلى اتفاق اذعان في موضوع التخصيب نهائيا قبل منتصف أيلول القادم، ما يسمح باستئناف الهجمات في حال عدم حصوله. هذه الجمهورية التي كانت قبل سنة تتباهى بأنها تسيطر على أربعة عواصم عربية وجيوشا لا تقهر من الأذرع والفصائل “المقاومة” التي تعمل في طول الشرق الأوسط وعرضه وتفرض نفسها على الدول والقرارات، هي اليوم في وضع لا تحسد عليه، وهي تقاتل من أجل أن يقبل جماعة حزب الله في لبنان، وهم من أوائل التابعين المبرمجين لخدمة مشروعها التوسعي، عدم الاستسلام الكامل والخضوع لمقررات الدولة بالتخلي عن السلاح والتعبئة العسكرية والعودة إلى الاندماج بالمجتمع اللبناني بشكل طبيعي كبقية المكونات.

الشيعة اللبنانيون تعبوا من الجهاد في سبيل الولي الفقيه الذي ظهر جليا ضعفه بالدفاع عن عاصمته ودولته فكيف به يدافع عن أذرعه البعيدة والتي كان يستنجد بها للتشويش على اي مشروع قد يطاله. وكان تخطيطه الأساسي يعتمد على تطوير البرنامج النووي لكي يمتلك السلاح الذي يمنع مواجهته فيفرض به سيطرته على الجيران وموقعه في النظام العالمي. ولكن الرياح لم تجر بما تشتهي السفن وها هي اسرائيل التي كان يتاجر بعداوتها ويستغلها للتعبئة تطلق على مشروعه رصاصة الرحمة وتدخل نظامه مرحلة النفس الأخير.

اليوم وبعد أن أخذت الحكومة اللبنانية موقفا طبيعيا بالسيطرة على البلاد واستعادة هيبتها وتفردها بامتلاك عناصر القوة، ها هي إيران ونظام الملالي فيها، الذي استثمر بخلق المليشيات المسلحة خلال أربعين سنة، يشعر بأنه يفقد السيطرة على كل شيء فلا هو قادر أن يهدد ولا هو جاهز للمواجهة المدمرة، وقد استغل شعبه وأفقره لدرجة رفضه لأي من مشاريعه، وأصبح بعيدا عن البحر المتوسط وبالتالي عن تهديد الغرب واسرائيل، وهو استعدى جيرانه في أذربيجان الشمالية التي توصلت اليوم إلى اتفاق مع جارتها أرمينيا على التعاون في مجال نقل الغاز، وقطعت الطريق عليه صوب البحر الأسود، وها هو العراق يهدد بالتخلص من سيطرة الحشد الشعبي ذراعه الأخير، وبالتالي من عملية تمويله التي كادت أن تفقر العراق بالرغم من ثرواته، ولم يبق له سوى جماعة الحوثيين الذين يعتمدون عليه في التسليح والمعلومات، ولم يعد لهم الكثير من التأثير بعد الضربات التي تعرضوا لها.

من هنا نرى أن زيارة لاريجاني إلى لبنان والتي لم يرفضها الجانب اللبناني، بالرغم من معرفته بأهدافها الحقيقية في دفع حزب الله لعدم تسليم سلاحه، إلا أنه أراد افهام النظام الإيراني بشكل واضح عدم خوفه من التهديد وعدم خضوعه للابتزاز وثقته بأن اللبنانيين الشيعة المغرر بهم سوف يفهمون عاجلا بأن دولتهم هي وحدها ما يشكل الحضن الدافيء الذي يحميهم، لا مشاريع التوسع والتشاوف والتطاول التي يرعاها النظام في طهران.

لقد أفهم الرئيس عون والرئيس سلام السيد لاريجاني بأن لبنان لم يعد يهاب التهديد، والقرار الحكومي سينفذ، والأولى بك عدم اللعب بالنار التي ستحرقك وتحرق أي أمل في علاقات مستقبلية مع إيران. من هنا فإن خطة النظام الإيراني التي كانت تعتمد على استعمال الساحة اللبنانية لاشغال أميركا واسرائيل في لبنان.

قبل انتهاء المهلة، أي منتصف أيلول، لم تنجح، لا بل سوف تنقلب فشلا ذريعا على الخمينيين، وموعد منتصف أيلول سيكون سقوط النظام وليس فقط اتفاقا حول البرنامج النووي، لأن هذا النظام ظهر على حقيقته ولم يعرف كيف يستغل الفرصة للاصلاح والتفاهم حول مستقبل العلاقات مع جيرانه، لكي يضمن استمرار الحكم واستعادة دوره في تنظيم الدولة وانجاح مشاريعها، التي يجب أن تهدف إلى تأمين مصلحة الشعب وتطوير انتاجه وعودته إلى لعب دوره في المنطقة التي انهكتها برامج العنف والحروب. إن النظام الجديد في إيران يجب أن يسعى للتعاون مع جيرانه لا للسيطرة عليهم، ولاستعادة دوره في ربط أسواق الشرق الأوسط بأسواق آسيا الوسطى التي تأخرت عن المسيرة وهي تنتظر بفارغ الصبر نهاية هذا المشروع التوسعي وعودة الاستقرار وربما الرفاه.

زيارة لاريجاني ستكون الأخيرة لمسؤول في نظام الملالي وستبشر بأفول نجم هذا العنصر الغريب على بلاد الفرس والساعي لمحاربة العرب وغيرهم من شعوب المنطقة وسعيه الدائم إلى العيش في ظل مشاريع التسلط التي كانت تحكم العالم في الأيام الغابرة.

Share