إلياس بجاني: في ذكري الشهداء الأشوريين عربون وفاء للشعب الأشوري المناضل والمؤمن والمتجذر في التاريخ والحضارة

15

In Memory of the Assyrian Martyrs: A Token of Loyalty to the Struggling, Faithful, and Deeply Rooted Assyrian People
Elias Bejjani/07 August/2025

في ذكري الشهداء الأشوريين عربون وفاء للشعب الأشوري المناضل والمؤمن والمتجذر في التاريخ والحضارة
إلياس بجاني/07 آب/ 2025

اضغط هنا لقراءة المقالة باللغة الإنكليزية/Click here to read the English version of the below piece

في ذكرى شهداء الأمة الآشورية: صفحات دامية من الإبادة والاضطهاد
تحيي الأمة الآشورية في السابع من آب من كل عام ذكرى الشهداء الآشوريين، تخليدًا لضحايا المجازر الدموية التي ارتكبت بحقهم خلال القرن العشرين، وبشكل خاص مجزرة سميل في العراق عام 1933، والتي تُعدّ من أبشع الفصول في تاريخ اضطهاد الآشوريين.
في صيف عام 1933، وبعد انسحاب القوات البريطانية من العراق، واجه الآشوريون حملة وحشية من الجيش العراقي بقيادة الجنرال بكر صدقي، وذلك بذريعة التمرد والعمالة للأجنبي، وهي تُهم ملفّقة استخدمت لتبرير مخطط ممنهج لتصفية الحضور القومي للآشوريين. في بلدة سميل الواقعة شمال العراق، ارتكب الجيش العراقي مجازر مروعة أسفرت عن استشهاد أكثر من 3,000 آشوري أعزل من الرجال والنساء والأطفال. وامتدت الجرائم إلى عشرات القرى الآشورية التي تم إحراقها وسُلبت ممتلكاتها، في مشهد يعكس إرث الإبادة والاستئصال. لكن مذبحة سميل لم تكن الوحيدة. فالآشوريون، منذ سقوط دولتهم على يد الميديين والبابليين في القرن السابع قبل الميلاد، وحتى العصر الحديث، تعرضوا لموجات من القتل والتهجير القسري. ومن أبرز هذه الفصول:
المجازر الحميدية (1894–1896) التي ارتكبها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ضد الأرمن والآشوريين.
مجازر سيفو (سيف السيف، عام 1915) خلال الحرب العالمية الأولى، حيث قضى مئات الآلاف من الآشوريين على يد العثمانيين والأكراد، في إطار إبادة عرقية ودينية متزامنة مع إبادة الأرمن والسريان الكلدان.
مجازر وتهجير في مناطق حكاري، أورميا، نينوى، وطور عبدين، حيث دُمّرت مئات الكنائس والأديرة، وسُفكت دماء عشرات الآلاف من الشهداء الذين رفضوا ترك إيمانهم وهويتهم.
هذا التاريخ الدموي لم يطمس هوية الآشوريين، بل جعل من السابع من آب يومًا قوميًّا وكنسيًّا لإحياء الشهداء وتذكير العالم بحجم المأساة، وبتصميم هذه الأمة العريقة على البقاء والصمود.

من هم الأشوريون
الآشوريون هم من أقدم الشعوب السامية التي استوطنت بلاد ما بين النهرين، وكان لهم دور محوري في صناعة الحضارة الإنسانية القديمة. امتد نفوذهم من نينوى وآشور شمالًا إلى بابل والفرات جنوبًا، وشكّلوا أعظم إمبراطورية في الشرق الأوسط القديم خلال الألف الأول قبل الميلاد. إلا أن هذا الشعب العريق، وبعد سقوط مملكته في القرن السابع قبل الميلاد، لم يندثر، بل استمرّ حضوره الديني واللغوي والثقافي، وإن كانت دولته قد سقطت. فالآشوريون ظلوا حاملي شعلة الحضارة واللغة السريانية (المشتقة من الآرامية)، ولعبوا دورًا محوريًا في نشر الثقافة والعلم، خاصة بعد اعتناقهم المسيحية في بداياتها.

اليوم: أين يعيش الآشوريون؟
رغم أن آشور لم تعد كيانًا سياسيًا، فإن الآشوريين ما زالوا شعبًا حيًا، ويعيشون اليوم في عدة بلدان، منها:
العراق: خاصة في سهل نينوى، ودهوك، وأربيل.
سوريا: في منطقة الخابور والحسكة.
تركيا: في طور عابدين ودياربكر، رغم التراجع العددي.
إيران: خصوصًا في منطقة أورمية.
لبنان: خاصة في بيروت وسهل البقاع، وفي منطقة زحلة.
الشتات:
الولايات المتحدة (ديترويت، شيكاغو، كاليفورنيا).
أستراليا (سيدني، ملبورن).
السويد، ألمانيا، كندا، وغيرها من دول أوروبا.

شخصيات آشورية بارزة عبر التاريخ
رغم الظلم التاريخي الذي لحق بالآشوريين، فقد برز منهم العديد من الشخصيات المؤثرة في مجالات الحروب، العلم، السياسة، والدين:
في التاريخ القديم:
أشور بانيبال: آخر الملوك العظام، عُرف بمكتبته الضخمة في نينوى والتي أنقذت آلاف النصوص السومرية والبابلية.
تغلات بلاصر الثالث: قائد عسكري بارع أسس دولة مركزية قوية ووسّع الإمبراطورية.
سرجون الثاني: بنى مدينة دور شاروكين، وقاد حملات ناجحة ضد الثورات.
في التاريخ الحديث:
مار شمعون بنيامين: بطريرك آشوري قاد مقاومة بطولية ضد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى.
الجنرال آغا بطرس: قائد عسكري آشوري خاض معارك شجاعة ضد الجيش العثماني دفاعًا عن الشعب الآشوري.
جورج مالك: ناشط سياسي وأكاديمي، كان من أبرز الداعين لحقوق الأقليات في العراق.
في مجالات العلم والثقافة:
نعوم فائق: مفكر وأديب آشوري يُعد من رواد النهضة الثقافية الآشورية في المهجر.
إبراهيم مالك: فيلسوف وأكاديمي ساهم في تطوير الدراسات الآشورية واللغة السريانية.
مار بولس الثاني شيخو: من كبار اللاهوتيين في الكنيسة الكلدانية (من أصل آشوري).

دور الآشوريين في الدفاع عن لبنان
رغم أن عددهم في لبنان قليل نسبيًا، إلا أن للآشوريين دور وطني وروحي عميق، خصوصًا بعد مجازر سميل عام 1933 في العراق، حيث هُجّر عدد كبير منهم إلى لبنان وسوريا.
في الحرب اللبنانية: شارك العديد من الآشوريين في المقاومة اللبنانية المسيحية دفاعًا عن الوجود المسيحي والكيان اللبناني في وجه الاحتلال الفلسطيني أولًا، ثم السوري والإيراني لاحقًا. شكلوا كتائب دفاع محلية في منطقة سد البوشرية، زحلة، وسهل البقاع، واندمجوا ضمن القوات اللبنانية. قدّموا شهداء من أجل بقاء لبنان حرًا ومتعددًا.

في العمل السياسي والوطني
حافظ الآشوريون في لبنان على انتمائهم المسيحي المشرقي، وهم يرفضون الذوبان في الطائفية السياسية، ويطالبون بتثبيت حضورهم الوطني والديني.
دعموا الدعوات إلى تحييد لبنان عن المحاور الإقليمية، ورفضوا احتكار السلاح من قبل أي حزب أو فئة، وعلى رأسها حزب الله.
لعبوا دورًا في الحوار بين الأديان والثقافات، وفتحوا كنائسهم ومراكزهم لخدمة الجميع، مسيحيين ومسلمين.

رسالة الآشوريين: الشهادة المستمرة
الآشوريون هم شعب الاستمرارية والصمود. من بابل ونينوى إلى بيروت وزحلة، ومن الخابور إلى سيدني وديترويت، يحملون لغتهم، إيمانهم، وتراثهم كراية لا تنكسر. وفي دفاعهم عن لبنان، هم يدافعون عن قيم الحرية والتعددية والكرامة، مؤمنين أن هذا الوطن، وإن ضاق، يبقى بيتًا لكل حرّ، وملاذًا لكل من قاوم الاضطهاد.

صلاة من أجل الشهداء
يا ربّ الحياة والحق، نرفع إليك شهداء الأمة الأشورية، الذين سفكوا دماءهم من أجل إيمانهم بك، وتمسكوا بالصليب رغم السيف والنار. بارك ذكراهم في قلوبنا، واجعل شهادتهم نورًا يضيء دربنا في وجه الاضطهاد. امنحهم الراحة الأبدية في فردوسك، واحفظ شعبهم من كل شر، واجعل من دمائهم بذار قيامة ونهضة جديدة. آمين.

***الكاتب ناشط لبناني اغترابي
رابط موقع الكاتب الإلكتروني
https://eliasbejjaninews.com
عنوان الكاتب الإلكتروني
phoenicia@hotmail.com

Share