محنة الشيعة في لبنان والمصير المشؤوم
الكولونيل شربل بركات/04 آب/2025
الطائفة الشيعية الكريمة التي تعتبر إحدى مركبات الوطن اللبناني، أقله منذ الألف الثاني للميلاد حيث ورد اسم عاملاتو من ضمن الشعوب التي تسكن جنوب لبنان في رسائل تل العمارنة والتي يرجع تاريخها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، هي جزء من السكان المحليين الذين تعاملوا مع المدن الفينيقية خاصة صور في المنطقة الجنوبية، حيث كانت التجمعات الصغيرة هذه مراكز تموين بالمنتجات الزراعية والحيوانية وتجهيز للمواد الصناعية والحرفية التي تشكل أساس تجارة هذه المدن، لا بل ساهم سكانها بشكل أو بآخر ضمن القوافل التجارية كمساعدين لتجار المدن أو عناصر حماية، وبالتالي كان ارتباطهم فيها وخاصة صور اساسي في مجال العمل والانتاج وبالطبع الحماية والدفاع. وقد كانت أيضا مراكز استيعاب للمغامرين لتعلّم حرفة أو عمل يسهم في مساعدتهم لركوب البحر مع تجار صور والانطلاق نحو مراكز اللجوء والاحتماء من العواصف، والتي ما لبست أن أصبحت أسواق التجارة المنتشرة في الثغور من حوله.
الشيعة هؤلاء عرفوا فترات من العز مع ملوك صور وجيرانهم الى الجنوب، خاصة فترة حكم النبي داوود وسليمان، ومن ثم عايشوا دولتي اسرائيل ويهوذا، واستمرار التعاون بين صور وملوك اسرائيل، وذاقوا مساوئ احتلال الجيوش الآتية من الشرق، خاصة فترة نبوخذ نصر وما تلاها من حروب وتهجير، وبعدها الانتشار الفارسي الذي هلل له الكثيرون، ولكنه أصبح عبئا بسبب الحكم المباشر الذي فرضه على شعوب المنطقة بالرغم من محاولة التنظيم، إلى أن ذاقوا مظالم ارتحشستا الثالث وحرق صيدا التي أدت لزوال دولة الفرس ومن ثم تدمير صور على يد الأسكندر الكبير نفسه.
لن نطيل الشرح التاريخي ولكننا سنذكّر بمراحل مهمة من هذا التاريخ الذي يخص هذه المجموعة الحضارية اللبنانية أو ما يصطلح على تسميته الطائفة الشيعية كما يلي:
– في العصر الروماني شكل ابناؤها جزء من الجندية اللبنانية (كتائب الفرسان المحليين لحماية المدن الساحلية).
– في القرن الأول استقبال الرسل المضطهدين ما سيعطي المنطقة اسمها الجديد “بلاد البشارة”.
– في العصر الأموي استقبال أحد الصحابة المنفي من قبل معاوية “ابو ذر الغفاري” وبالتالي التشيّع معه. وهنا نستطيع أن نقول على لسان بعض المؤرخين بأن عاملة حاربت الاسلام غازيا في معركة “أُحد”، ولكنها استقبلته لاجئا مع ابو ذر الغفاري.
– زمن العباسيين دخول بعض العشائر من العراق إلى البقاع اللبناني.
– مع الفاطميين كان هناك مهادنة ولكن التاريخ يذكر ثورة علّاقة في صور ما يعتبر نوع من الرفض للحكم المركزي في مصر.
– مهادنة الصليبيين ومن ثم تعاون مع مملكة القدس.
– المماليك خاصة مع بيبرس وأتباعه، اضطهاد ومنع السكن حتى مسيرة يوم كامل من البحر، ثم فتوى ابن تيمية التي استعدت الشيعة والدروز والاسماعيلية والعلويين.
– آواخر فترة المماليك الاتصال بالشاه اسماعيل الصفوي واطلاق الشيعة الأثني عشرية في إيران برعاية أئمة جبل عامل.
– العثمانيون يتغلبون على الشاه فينعزل الشيعة مجددا في لبنان ويحتمون بالدروز أمراء لبنان.
– تعاون مع الأمير فخر الدين.
– تميز في الفترة الشهابية ونوع من الحكم الذاتي مع ناصيف النصار وحماية حدود لبنان الجنوبية ضد ضاهر العمر من جهة ووالي الشام من جهة أخرى
– الجزار وعودة ارهاب الدولة والقمع فاضطهاد العامليين بشكل كبير.
– أثناء الحملة المصرية بقي الشيعة بانتظار وترقب، ثم بعد انسحاب المصريين محاولة للتقرب من العثمانيين.
– لم ينتقم العثمانيون من الشيعة كما فعلوا مع المسيحيين والدروز واعتبروهم رعايا عثمانيين.
– المتصرفية لم يكن للشيعة دور فيها وبقيوا بعهدة السلطنة فكثر بينهم عملاء السلطة.
– بعد الحرب العالمية الأولى حنين إلى دور ما بتغيّر السلطة ومحاولة التقرب من فيصل ولكن يوسف العظمة دفعهم إلى الغوغائية فتحكّم فيهم العملاء وغاب دور الزعامة والقرار.
– لبنان الكبير أعاد لهم الاعتبار وميزهم بالمحاكم الشرعية أي اعترف بهم كمذهب رسمي.
– الأحزاب والتطورات في المحيط بقيت تدغدغ البعض وخاصة بعض السياد الذين يفتشون على دور سياسي فخسروا الولاء للدولة.
– مع عبد الناصر سنة 1958 انحازوا كما السنة والدروز لمشروع الوحدة دون أن يدروا بأنه يسعى لمنع تحوّل بيروت “ميناء العرب” وبالتالي قطع رزق اللبنانيين من عملية الترانزيت.
– زمن فؤاد شهاب تغلغل اليسار بين المتنورين منهم فحاربوا زعماء الطائفة وهمشوها ما أدى إلى إلى دخول الامام الصدر الساحة وبروزه.
– الامام الصدر أخذ من الدولة الكثير ليس فقط المركز الثاني الفعال بل أيضا محافظتين شيعيتين وكأنه يفرض اللامركزية بل نوع من الحكم الذاتي أو ما يمكن تسميته فدرالية.
– مع التمدد الفلسطيني ضاعوا بصفوف الاحزاب اليسارية فاضطر الصدر لمجاراتهم خاصة بعد فشل الجيش بالقضاء على المنظمات كما فعل الملك حسين، فولدت “أمل”.
– بعد حرب 1978 حاولت أمل التميّز وتعاونت مع المنطقة الحدودية واعتبرت “عناصر صديقة” أثناء عملية “سلامة الجليل”.
– بعد استشهاد بشير الجميل ورئاسة أخيه أمين أدى عدم ابرام اتفاق انسحاب الاسرائيليين (17 ايار) إلى ولادة حزب الله على يد الحرس الثوري وسيطرته على الساحة الشيعية بواسطة المال الإيراني.
– قبض الحزب شيئا فشيئا على الطائفة وألغى كل الزعامات بعد حربه مع أمل حتى في القرى الصغيرة ليتفرد بالسيطرة على الطائفة وما سماه المقاومة وقام بشراء كل السياد والأئمة بواسطة المعاشات والهبات من موازنة الحرس الثوري.
– على مدى أربعين سنة تفرّد الحزب بالقيادة فأنتج أجيال مؤدلجة وتابعة بدون أية معارضة فسقطت الطائفة برمتها في دوامة الولاء الغير منطقي لأوامر ضباط الحرس الثوري ومشاريعهم للهيمنة ولم يعد للطائفة أي راي أو قرار حرّ.
بعد هذا العرض التاريخي المقتضب يمكن أن نرى محنة الطائفة الشيعية اليوم، فهي لم تعد قادرة على خوض الحرب التي أوكل بها الحزب، ولم يعد فيها من الزعامات المدنية أو الدينية من هو حر التفكير ومستقل من حيث التمويل ويعرف مصلحة الناس من حوله، والكل موظف يخاف على مستقبل معاشه تعويضاته، من هنا لا يوجد أمل بأن يتخذ الشيعة اللبنانيين أي قرار على مستوى المشاركة الوطنية، وهم سيخضعون للأوامر بدون تردد، وبالتالي إذا كانت الأوامر الإيرانية تقضي بمحاربة الدولة فلا خيار لهم سوى ذلك، وإذا كانت الأوامر بالتريث فهم مجبرون، وإذا كانت بمواجهة اسرائيل ولو بالانتحار فليس لهم خيار سوى الانتحار.
من هنا على الدولة أن تتفهم الوضع وتسعى إلى تخليص هذه الفئة من اللبنانيين من شرور من يدّعون القيادة، فتقطع الاتصالات بطهران كليا، وتمنع من يدعي الأمرة من التواصل مع الناس، ربما بالاقامة الجبرية، لكي لا يزج بهم في متاهات تقضي على الطائفة بكاملها، وعليها أن تجمع الأسلحة لمنع المغامرين من التصرفات العشوائية.
ونحن نرى ما يحصل في غزة حيث تقوم مجموعة من الخارجين عن القانون بالادعاء بالسيطرة على الأرض، وهي تمنع أي تفاهم حول اعادة الاسرى ولا تريد أن تستسلم وتريح بقية المواطنين من شرور الحرب. فهل سيكون مصير الطائفة الشيعية في لبنان مشابه لمصير فلسطينيي غزة فيقاتلون حتى آخر قرية وآخر شيعي لبناني بدون وعي ولا ادراك أو مسؤولية؟
إن الطائفة الشيعية في لبنان تمر بمحنة كبيرة يجب أن تعالج بشكل واعي، وعلى من يتحلى بالفهم من هذه الطائفة أن يتعاون مع الدولة وبقية المجموعات الحضارية التي تشكل هذا الوطن، لتخليص الشيعة من شرور من يدّعون قيادتهم، وإلا فالآتي أعظم.
Colonel Charbel Barakat
***Colonel Charbel Barakat, a retired Lebanese Army officer, historian, terrorism expert, and author of numerous works on Lebanon, the Iranian regime’s schemes, and jihadist movements, has testified multiple times before the U.S. Congress on critical issues, including Iranian and Syrian terrorism, the Syrian occupation of Lebanon, jihadist threats, and the pursuit of Middle East peace.
السيرة الذاتية للكولونيل شربل بركات
خبير عسكري، كاتب، شاعر، مؤرخ، ومعلق سياسي
*ضابط متقاعد من الجيش اللبناني
*متخرج من المدرسة الحربية ومجاز بالعلوم السياسية والادارية من الجامعة اللبنانية
*كلف كأحد الضباط لتنظيم الدفاع عن القرى الحدودية منذ 1976
*تسلم قيادة تجمعات الجنوب
*تسلم قيادة القطاع الغربي في جيش لبنان الحر وأصبح مساعدا للرائد سعد حداد ثم تسلم قيادة الجيش بالوكالة عندما مرض الرائد حداد واستمر بعد وفاته حتى مجيء اللواء أنطوان لحد فأصبح مساعده ثم قائدا للواء الغربي في جيش لبنان الجنوبي
*ترك العمل العسكري في 1988 وتسلم العلاقات الخارجية
*شهد أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مرتين
*كاتب سياسي وباحث في التاريخ له الكثير من الكتب والمقالات السياسية التاريخية والانسانية
نشر كتابه الأول “مداميك” (1999) الذي يحكي عن المنطقة الحدودية ومعاناة أهلها، ترجم إلى العبرية ونشرته معاريف (2001) والانكليزية (2012) Madameek – Courses – A struggle for Peace in a zone of war موجود على Amazon Books
*نشر كتابه الثاني “الجنوب جرحنا وشفانا” الذي يشرح الأحداث التي جرت في المنطقة بين 1976 – 1986
*الكتاب الثالث “Our Heritage” كتاب بالانكليزية يلخص التراث اللبناني مع رسومات لزيادة الاستيعاب موجه للشباب المغترب
*كتابه السياسي الثالث “لبنان الذي نهوى” (2022) جاهز للطبع
*كتاب مجزرة عين إبل 1920 وهو بحث تاريخي عن المجزرة التي ساهمت في نشوء وتثبيت لبنان الكبير
*كتاب “المقالات السياسية 2005 – 2013” مئة ومقالة منشور على صفحته
*كتاب “الشرق الأوسط في المخاض العسير” مجموعة مقالات سياسية (2013 – 2025)
*كتاب “العودة إلى عين إبل” بحث تاريخي بشكل قصصي عن تاريخ المنطقة بين 1600 – 1900
*كتاب شعر عن المعاناة خلال الحرب الكبرى 1914 – 1918 من خلال قصيدة زجلية نقدية جاهز للطبع
*كتاب “تاريخ فناء صور الخلفي” بحث تاريخي عن المنطقة الجنوبية – قيد الانجاز
*كتاب المقالات الانسانية وكتاب عينبليات قيد الانجاز