واجب الصلاة من أجل الآخرين
الياس بجاني/06 آيار/2025
إن فرائض الصلاة من أجل الآخرين على مختلف أنواعهم، خصوصًا من أجل الذين هم بحاجة إلى مساعدة وتعاضد ومعونة، سواء كانوا من الأهل والأقرباء، أم من البعيدين والغرباء، هي في الواقع طقوس دينية ووجدانية تحاكي حنان ورحمة ومحبة الخالق القادر على كل شيء. كما أنها تعبر بأسلوب عملي وروحي عن قوة وصلابة وعمق إيمان ورجاء من يمارس هذه الفرائض من أجل غيره، لعلمه الأكيد أن الله أب للجميع، وهو رحيم ومحب وغفور، ويسمع ويستجيب لمن يلجأ إليه ويسعى إلى رحمته ويطلب معونته.
عجيبة شفاء المخلع
إنجيل القدّيس مرقس (2/1-12): “ثم دخل كفرناحوم أيضًا بعد أيام، فسُمِعَ أنه في بيت. وللوقت اجتمع كثيرون حتى لم يَعُدْ يَسَعُ ولا ما حول الباب. فكان يخاطبهم بالكلمة. وجاءوا إليه مُقَدِّمِينَ مفلوجًا يحمله أربعة. وإذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه من أجل الجمع، كشفوا السقف حيث كان. وبعد ما نَقَبُوهُ دَلَّوا السرير الذي كان المفلوج مضطجعًا عليه. فلما رأى يسوع إيمانهم، قال للمفلوج: يا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لك خطاياك. وكان قوم من الكتبة هناك جالسين يفكرون في قلوبهم: لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده؟ فللوقت شَعَرَ يسوع بروحه أنهم يفكرون هكذا في أنفسهم، فقال لهم: لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ، أن يُقال للمفلوج: مَغْفُورَةٌ لك خطاياك، أم أن يُقال: قُم واحمل سريرك وامشِ؟ ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا. قال للمفلوج: لك أقول: قُم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك. فقام للوقت وحمل السرير وخرج قدام الكل، حتى بُهِتَ الجميع ومجدوا الله قائلين: ما رأينا مثل هذا قط. ثم خرج أيضًا إلى البحر. وأتى إليه كل الجمع فعلمهم.”
هذه العجيبة في جوهرها اللاهوتي تبين لنا بما لا يقبل الشك أن الشفاعة والصلاة والتضرعات من أجل الآخرين مقبولة عند الله ومستجابة لديه. فالمخلع، كما جاء في إنجيل القديس مرقس، لم يسعَ للشفاء، ولا طلب المعونة والرحمة، ولا سأل المغفرة عن خطاياه، مع أن المسيح، كما يقول العديد من اللاهوتيين، كان يأتي إلى بلدة كفرناحوم باستمرار حيث يعيش هذا الشخص المصاب بالشلل.
وما هو لافت أيضًا في هذه العجيبة أن أهل وأقرباء وأصحاب المخلع هذا، أو ربما بعضًا من تلاميذ المسيح أنفسهم، هم من آمنوا أن الرب قادر على شفاء هذا المقعد منذ 38 سنة بمجرد أن يلمسه، فحملوه ودفعهم إيمانهم القوي إلى اختراق الجموع والصعود إلى سقف البيت وفتح كُوَّة فيه وإنزاله مربوطًا إلى فراشه من خلالها إلى حيث كان يجلس المسيح وطلبوا منه شفاءه. إيمان هؤلاء القوي وثقتهم المطلقة بقدرة الرب وبرحمته دفعتهم للقيام بما قاموا به من أجل شفاء المخلع، فحقق لهم المسيح طلبهم مقدرًا فيهم قوة إيمانهم.
ولأن الخطيئة هي عذاب وموت أبدي في نار جهنم، ولأن آثامها ومغرياتها وفخاخها هي التي تُقعِد الإنسان في قيمه وأخلاقه وإيمانه، وتقتل فيه أحاسيسه وتخدر ضميره ووجدانه وتشله وتبعده عن خالقه وعن تعاليمه وطرقه القويمة، فقد غفر السيد المسيح خطايا المخلع أولًا، ومن ثم شفاه من علة الشلل وقال له: “قم احمل فراشك واذهب.”
إن الله لا يرد خائبًا من يطلب معونته بإيمان وثقة، وباهتمام كبير ومحبة أبوية خالصة يصغي لصلاتنا ولطلباتنا ويستجيب لها، وهو القائل: “اسألوا تُعطَوْا. اطلبوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ” (متى 7/7-8).
من هنا فإن فرائض الصلاة من أجل الغير، أحياء كانوا أم أمواتًا، أحباء أم أعداء، قريبين أم بعيدين، هي فرائض مقبولة ومستجابة عند الله الذي هو محبة وأب حنون لا يرد سائلًا ولا يترك محتاجًا دون أن يسعفه.
جاء في إنجيل القديس متى (18/19-20) تأكيدًا على قوة الصلاة الجماعية: “وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنْ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ”. وقال القديس يعقوب في رسالته (5/16): “لِيُصَلِّ بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا”. وأضاف في رسالته (5/15): “وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تُخَلِّصُ الْمَرِيضَ، وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهُ”.
إن الصلاة لمن هو بحاجة لها فرض وواجب على كل مؤمن وتقي ومحب وغيور، وخصوصًا الصلاة من أجل خلاص الواقعين في التجارب الإبليسية وأفخاخ الخطيئة، ومن أجل غير القادرين عقليًا على استيعاب الأمور وتقدير عواقب الخطيئة، من مثل المرضى النفسيين والعقليين، وفاقدي القدرة على الحركة والنطق.
إن عجيبة شفاء المخلع ليست الوحيدة في الإنجيل التي يجترحها المسيح وتلاميذه والقديسين استجابة لطلب غير المعنيين بالأمر، إنما هناك عجائب أخرى كثيرة مماثلة، منها استجابة يسوع لطلب قائد المئة في بلدة كفرناحوم حيث شفى غلامه من مرض الفالج (متى 8/ 5-13)، ويسوع أيضًا أقام لعازر من القبر وأعاده إلى الحياة بناءً لطلب شقيقتيه مريم ومرتا (يوحنا 11/1-44). من هذا المفهوم الإيماني الراسخ يمكن فهم طلب المؤمنين في صلواتهم شفاعة السيدة العذراء وبركات كل القديسين.
لنصلِّ من أجل شفاء كل ضعيف وعاجز، أكان هذا الضعف جسديًا أو إيمانيًا أو أخلاقيًا، والله الذي هو محبة لا يرد لمن يسأله بإيمان أي طلب.
لنصلِّ ونطلب من الرب يسوع أن يحررنا من مغريات الأرض الفانية، ومن أجل أن يساعدنا لنسعى إلى اكتساب القيم الروحية والإيمانية والثقافية والاجتماعية.
لنصلِّ ونطلب من يسوع أن ينقي ضمائرنا وقلوبنا، ويحررنا من شرور أطماعنا ونزوات غرائزنا، وأن يعطينا نعمة التواضع لنكون رسل محبة وحرية وعدالة، ودعاة سلام ووئام.
يا رب أعطنا القوة والصبر لنرتضي العار في هذه الدنيا الترابية الفانية، راجين منك ومستغفرين ألاّ يسود وجهنا الخجلُ في يوم الحساب الأخير.
إن الله يرانا ويسمعنا وموجود إلى جانبنا ومعنا دائمًا، فلنتكل عليه ونخافه في كل أعمالنا وأقوالنا وأفكارنا.
**الكاتب ناشط لبناني اغترابي
عنوان الكاتب الألكتروني
phoenicia@hotmail.com
رابط موقع الكاتب الالكتروني على الإنترنت
http://www.eliasbejjaninew.com