الكولونيل شربل بركات: لبنان وتسارع المتغيرات

38

لبنان وتسارع المتغيرات
الكولونيل شربل بركات/01 آيار/2025

اذا كان هناك من لا يستطيع تحمّل المسؤولية لتفادي استعمال القوة، فأقل واجباته عدم الاعتراض على من ينفذ المطلوب، وإلا فليتنحى من لا قدرة لهم على تحمل أعباء القيادة أو لا رغبة لديهم بذلك، لأن من صفات القائد التصرف المسبق والتحلي بالمسؤولية وتحمّل النتائج، لا الاكتفاء بردات الفعل ومحاولة التهرب من المواجهة.

دخل لبنان، بعد “حرب الاسناد” التي قررها وخاضها حزب السلاح الإيراني، في مرحلة انتقالية بين سيطرة إيران وحماية الولايات المتحدة. ومن هنا رأينا وقف العمليات العسكرية الاسرائيلية مقابل انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة والعودة إلى انتظام المؤسسات. ولكن ذلك لم يحصل بسهولة أو برغبة عند الأطراف للقبول بالحلول الآتية، لكنه فرض بالقوة التي قصمت ظهر الميليشيا الإيرانية وقضت على أغلب ترسانتها ومنعتها من التحرك على الأرض، ما أدى إلى خضوعها للحلول المطروحة ولو بدون رغبة، ومن هنا كان المطلوب من الحكم الجديد في لبنان تقديم نفسه على أنه الضامن لوقف القتال والمنفذ لشروط الهزيمة، التي مني بها حزب السلاح ومن ثم قيامه بجمع ما تبقى من هذا السلاح وتدميره وتحرير الطائفة الشيعية من بلاياه. وهي كانت اسرت من قبل عملأ الملالي وسجنت في نظام استبدادي سيطر على العقول والموارد وفرض تجنيد كل الطاقات لخدمة أوامر الولي الفقيه.

أعلن رئيس الجمهورية الجديد في خطاب القسم الذي تلاه فور انتخابه في مجلس النواب عن عودة الدولة للتفرد بحق امتلاك السلاح ما يعني تنفيذ القرارات الدولية المعنية بكاملها خاصة من ناحية تسليم “الحزب الإيراني” لما تبقى من ترسانته العسكرية وباقي المليشيات والتنظيمات اللبنانية والغير لبنانية على كامل تراب الوطن فورا. وقد واكب البيان الوزاري ذلك بالرغم من وجود عناصر تمثل الجماعات الإيرانية داخل الحكومة ما لم يرض عنه المجتمع الدولي الذي تبنى حماية الحكم الجديد في لبنان ومساندته لكي يعيد للبلد انتظامه.

أعلنت اسرائيل منذ اللحطة الأولى عن عدم قبولها بما يجري على الأرض داخل لبنان ومن هنا تأخير خروج قواتها، ثم الابقاء على خمس نقاط قريبة من الحدود، وهي اشارات مهمة كان يجب أن يتلقفها المسؤولون الجدد في الحكم اللبناني ويبادروا إلى اتخاذ القرارات اللازمة بهذا الاتجاه. فحكومة اسرائيل ربما لا تريد للحكم اللبناني أن يقوم بنفسه بالسيطرة على الأرض والظهور كأنه قادر على فرض النظام والالتحاق بقطار الدول السيدة في المنطقة والتي تشكل الأمل والنواة لمشروع الشرق الأوسط الجديد. ولكن الدول الراعية للحلول تريد أن يثبت اللبنانيون قدرتهم على التعافي سريعا لكي ينطلق البلد ويستعيد دوره.

من هنا كان على الرئيس الجديد، والذي يحاول التمسك بقرار السيادة قدر الامكان، والحكومة التي تسعى لتنفيذ بعض المهمات المطلوبة، أن يضعوا أمام أعينهم أولويات لا غنى عنها تبدأ بموضوع جمع الأسلحة والانتهاء من مفهوم الساحة الذي فرض على لبنان منذ أكثر من خمس وخمسين سنة. وذلك بوضع جدول زمني لتسليم السلاح على كامل الأراضي اللبنانية وافهام من يلزم بضرورة التنفيذ الفوري بدون مناقشة ورفع هذا الجدول إلى اللجنة الخماسية المشرفة على تنفيذ وقف اطلاق النار لأن هذا العمل هو أول الأسس للانتقال من مرحلة إلى أخرى وتجنب ردات فعل عنيفة وخروقات متكررة لهذه العملية.

أما أن يبدأ الحديث عن مشاورات ومناقشات وتفاهمات وحوارات وخطط فإن ذلك سيعيدنا إلى الدائرة المفرغة ولن ينجح لبنان لا بالتخلص من السلاح ولا بفرض الأمن والاستقرار ولا حتى بالالتحاق بقطار التقدم الذي تتحضر دول المنطقة لركوبه. ولن يعود المهجرون أو تبنى البيوت المتهدمة ولن تأتي اية مساعدات أو ينهض البلد ويستثمر فيه حتى المغتربون من أبنائه، لأن بلدا يتسكّع خلف أوهام الماضي الزائلة وينعدم فيه القرار والاقدام سوف يبقى مهزلة أمام الأمم.

إن على راس الهرم أن يتحلى بالمسؤولية ويتخذ القرارات الملائمة ويبادر بتفهّم المطلوب لقيامة البلد والعبور من الواقع المظلم إلى الأمل المرتجى، وهو لا يطلب منه أن تكون كل قراراته صائبة فجل من لا يخطئ، ولكن أن تمر الأيام بدون قرار وتبقى الأمور تراوح مكانها فذلك يبعد الثقة شيئا فشيئا وبالتالي تقل المبادرات وتتعثر النوايا مهما كانت حسنة.

إن ترك الحزب الذي دمّر البلد يناور هنا وهناك، ولو بالكلام، ويستعمل المواطنين يمنة ويسرى، مرة في خلق أجواء حاقدة بين مركّبات الوطن، وأخرى في دفع بعضهم للتصرف بعدائية تجاه القوات الدولية، وحتى الجيش وقوى الأمن، وهم لم يستفيقوا بعد من الوضع المهترئ الذي أوقعهم فيه، لهو قصر نظر واضح سيدفع الجناة إلى التمادي بالغي والتعدي على الناس.

كان أولى بالرؤساء بدل الاعتراض على قصف اسرائيل لما سمي بخيمة الاحتفالات قرب الحدث في نهاية الأسبوع الماضي، شرح الوضع بتفاصيله للبنانيين والعالم. فقد ذكرت وسائل الاعلام بأن الجيش تبلّغ بواسطة اللجنة الخماسية عن محتويات المخزن المذكور وتوجهت دورية بالفعل منعت من الوصول، ما اضطر اسرائيل لتنفيذ قصف جوي وتدمير هذه الوسائل القتالية بعد انذار السكان، ثم قامت هذه الدورية بعد القصف بزيارة مكان التفجير للملمة الموضوع والتأكد من البقايا الغير متفجرة. فهل من مبرر للتخفي خلف الأصابع والاعتراض على المتفق عليه؟ فإذا كان هناك من لا يستطيع تحمّل المسؤولية لتفادي استعمال القوة، فأقل واجباته عدم الاعتراض على من ينفذ المطلوب، وإلا فليتنحى من لا قدرة لهم على تحمل أعباء القيادة أو لا رغبة لديهم بذلك، لأن من صفات القائد التصرف المسبق والتحلي بالمسؤولية وتحمّل النتائج، لا الاكتفاء بردات الفعل ومحاولة التهرب من المواجهة.

لبنان اليوم يمر بظرف عصيب لأنه لم يقرر بعد علانية جمع السلاح الغير شرعي بقوة القانون، وهو ينتظر أن يقدم المسلحون على التخلي عن أسلحتهم طوعا، وهذا ما لن يحدث لأن السلاح الثقيل المطلوب جمعه هو ملك نظام الملالي وطالما لم يأمر هذا النظام عناصره بتسليمه فلن يسلم. ولكن القرار يجب أن يكون قرار الدولة وعندما يتخذ وتوضع الخطط العملية لتنفيذه يبدأ النقاش حول التفاصيل ويبلّغ صاحب العلاقة؛ وهنا النظام الإيراني، إما مباشرة أو بالواسطة وعندها يطلب مساعدة الدول الصديقة للضغط. أما أن تترك الأمور على غاربها بانتظار قرار الحرس الثوري جمع أسلحته واعادتها إلى إيران، فهذا مستبعد.

إن الدولة اللبنانية هي صاحبة الشأن بموضوع السلاح وعليها واجب التحرك لا الانتظار، ويجب أن يكون قرارها واضح وملزم لكل الفئات؛ عناصر وتنظيمات ودول، فالموضوع هو مصيري إما أن يكون هناك دولة سيدة وصاحبة قرار مستقل أو لا يكون. من هنا، ومع كثرة المتغييرات الجارية من حولنا، على الحكومة التركيز على الأولويات والانتهاء من موضوع السلاح لتتمكن من التفضي لأمور التنظيم والاعمار ومشاريع التنمية.

**اضغط هنا لدخول صفحة الكولونيل شربل بركات على موقعنا المنشورة عليها كل مقالاته وكتبه وتحليلاته

**Click here to access Colonel Charbel Barakat’s page on our website, where all his articles, books, and analyses are published.

Share