د. رندا ماروني/19 كانون الثاني/2025

89

الميثاقية تعني أولا الحياد
د. رندا ماروني/19 كانون الثاني/2025

الميثاقية تعني بالدرجة الأولى الحياد، وقد ترجم هذا الحياد بالعبارة الشهيرة “لا شرق ولا غرب” ومن ثم تعني الميثاقية الإنخراط في مشروع الدولة والإلتزام بالشراكة الوطنية، وقد ثبتت هذه الشراكة مناصفة بين المسحيين والمسلمين في المجلس النيابي بعد التعديلات التي طرأت على الدستور في إتفاق الطائف، وتم التأكيد على شرعية ومشروعية الميثاق الوطني في مقدمة الدستور في الفقرة ” ي” منه التي أكدت أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، والميثاق معروف المعالم ومتوارث من الأجداد “رياض الصلح وبشارة الخوري”، وكل ما طرأ وأستجد بعد ذلك، أي بعد إتفاق الطائف، من مفاهيم وممارسات تعطيلية كان قد تم تحت وطأة السلاح غير الشرعي الذي حل دخيل على مفهوم الدولة ومفهوم الشراكة ومفهوم الميثاق الوطني، فلولا التلاقي في العام ١٩٤٣ على مفهوم الحياد لما كان الإستقلال ولما كانت الشراكة ولما كانت الدولة بشكلها الحالي، اذا الميثاقية لا تقتصر على توزيع المناصب الرئيسية في الدولة اللبنانية بل شرط أساسي لترجمتها هو الحياد والولاء التام والكامل للدولة اللبنانية.

فالميثاق الوطني كان الركيزة الأساسية للاستقلال ولتنظيم أسس الحكم في لبنان عام ١٩٤٣ وما زال حتى اليوم الركيزة الأساسية، والمخرج الوحيد من الأزمات والمنعطفات الصعبة، والتغافل والتغاضي عنه لم يجلب للبنان سوى الدمار والحروب والويلات، وما شهدناه مؤخرا من حرب مدمرة ليس سوى ترجمة لحالة الشذوذ عن مفهوم الدولة والميثاق وإسقاط معايير جديدة عنوة على الشعب اللبناني.

لقد أتى هذا الميثاق وهو إتفاق غير مكتوب بعد مفاوضات بين القيادات اللبنانية، الإسلامية والمسيحية، فقبل الموارنة الهوية العربية بدلا من الهوية الغربية، وتخلى المسلمين عن الرغبة بالوحدة مع سوريا، وهذا ما ترجم الحياد وسمح للبنان بالاستقلال ووزعت السلطات، رئيس الجمهورية وقائد الجيش من الموارنة، رئيس مجلس الوزراء من السنة، رئيس مجلس النواب من الشيعة، نائب رئيس مجلس النواب ونائب رئيس مجلس الوزراء من الروم الأورثوذكس، ورئيس الأركان من الدروز.

اذا الميثاقية تعني الحياد أولا، وتوزيع المناصب هو نتيجة للإرتضاء بقيام الدولة والتسليم لها والعيش في كنفها ووفق قوانينها بما يلبي مقتضيات الشراكة المتفق عليها، هكذا يحكم المنطق، إلا أن لمنطق المتعاليين المتغطرسين والمستقوين، والمخربين هناء العيش على كل اللبنانيين إتجاه ٱخر. فلقد استفز النائب محمد رعد سامعيه من على منبر القصر الجمهوري، عقب مشاركته مع كتلته النيابية الوفاء للمقاومة في الاستشارات النيابية الملزمة، والتي لم تسم أحد لرئاسة الحكومة، إذ أعرب رئيس الكتلة عن أسفه لمن يريد أن يخدش إطلالة العهد التوافقية، وتابع: ” الٱن نقول بكل برودة أعصاب من حقهم أن يعيشوا تجربتهم، ومن حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية، وأي حكومة تناقض العيش المشترك لا شرعية لها، سنراقب ونمضي بكل هدوء وحكمة وسنرى أفعالهم من أجل إخراج المحتل من أرضنا وإسترجاع الأسرى وإعادة الإعمار والتطبيق الصحيح ل ١٧٠١ بما يحفظ الوحدة الوطنية”.

كلمة النائب محمد رعد بمجملها مستفزة، إنما لقد تظهر الإستفزاز بشكل فاقع بإستعماله عبارة حكومة ميثاقية، ولا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، حيث لا يحق لهؤلاء الذين نسفوا الحياد لعقود، عنوانهم الإرتهان والولاء للخارج، مارسوا الطائفية والفوقية والتخوين والإستعلاء على باقي اللبنانيين، مارسوا القتل والتصفية والإقصاء، خالفوا الميثاق والدستور، هؤلاء لا يحق لهم الاستشهاد بالدستور، وبالميثاق الوطني، لا نعلم عن أي ميثاق محمد رعد يتكلم، عن ميثاق اللبنانيين مع المحور الذي ينتمي إليه محمد رعد، أم عن ميثاق اللبنانيين مع المقاومة الإيرانية الأمرة، أم عن ميثاق اللبنانيين مع السلاح الغير الشرعي المنافس والمقوض لسلطة الدولة أم عن ميثاق اللبنانيين مع الطائفية الممارسة من قبل فريقكم وفوقيتكم يا أشرف الناس.

لهؤلاء نقول ليس هناك من ميثاق مع الإمتداد والنفوذ الإيراني في لبنان ولن يكون، ليس هناك من ميثاق بين المليشيات الإيرانية الصنع والجيش اللبناني ولن يكون، ليس هناك من ميثاق مع الحصص المنفوخة بقوة الدعم ولن يكون، يا أيها النائب الكريم ومن لف لفيفه، الميثاقية لا تقتصر على المحاصصة وحسب هنا، وانتم تغردون في كوكب ٱخر هناك،، أما أن تكونوا لبنانيون أولا وترتضوا المشاركة والمساواة وأما معا لن نكون.