The Emerging Situation in the Middle East Colonel Charbel Barakat/December 21, 2024 (Freely translated from Arabic by Elias Bejjani, editor and publisher of the LCCC website
الوضع المستجد في الشرق الأوسط الكولونيل شربل بركات/21 كانون الأول/2024
التطورات التي حدثت مؤخرا في لبنان وسوريا والانسحاب الإيراني من البلدين لا بد أن يعطي فكرة إيجابية عن التوجهات الجديدة في المنطقة ونتائج “الطوفان” الذي ابتدأ من غزة وانتهى باضمحلال كل القدرات العسكرية لما سمي “بمحور الممانعة”، والتي كلفت المواطن الإيراني الكثير من الأموال المغدقة زورا على مشاريع تنظيمات عسكرية لم تنفع في تثبيت أقدام أمبراطورية الملالي وتطلعاتها التوسعية للسيطرة على الشرق الأوسط، كما حلم به الخميني تشبها بقوروش العظيم والذي كان نفّذه خليفته قمبيز وأكمل توسعه وتنظيمه داريوس الكبير.
كان حلم الخميني استعمال التنوّع بين الشيعة والسنة، وهما المذهبان الكبيران في الاسلام، كسلاح للتفرقة بين شعوب الشرق الأوسط التي انتشرت بينها نظريات متعددة ومتناقضة أحيانا كثيرة، منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى مرورا بالثانية ومن ثم الحرب الباردة بين الشرق والغرب. من بين هذه الشيوعية العالمية زمن الاتحاد السوفياتي، والعروبة التي انتشرت مع عبد الناصر، والبعث بشقيه السوري والعراقي والذي صممه ميشال عفلق، دون أن ننسى القومية السورية والتي كانت انطلقت مع أنطون سعادة تقليدا للفكرة النازية الهتلرية في المانيا.
بين هذه النظريات التي تنافست على دفع شعوب المنطقة نحو محاولة بناء التيارات الفكرية والعقائدية داخل بلدان الشرق الأوسط، وهي بالأغلب تيارات علمانية لا تعتمد على الولاء الديني، بقيت الفكرة العثمانية، التي اعتُمدت في بداية القرن التاسع عشر يوم تخلّى السلطان عن الانكشارية، والتي كانت تمثل العمود الفقري لجيش السلطنة، وتم استبدالها بشعار “الولاء للسلطان خليفة المسلمين”. وقد انتشرت هذه الدعوة في المدارس العسكرية العثمانية والتي تدرّب فيها أغلب المنظورين من رجالات السلطنة.
من هنا وفي نهاية الحرب العالمية الأولى عندما انهزم جيش السلطان وقبل بوقف اطلاق النار سنة 1918، لم يتخلى خريجوا المدارس العسكرية العثمانية عن الفكر الديني، مع أن “جمعية الاتحاد والترقي” كانت تعتبر حزبا علمانيا انتسب إليها بعض الضباط الذين قاموا بمجازر ضد المسيحيين في جنوب تركيا؛ إن الأرمن منهم أو الآشوريين والكلدان والسريان واليونانيين، أو حتى مسيحيي جبل لبنان. وبالرغم من تعامل من تبقّى من الضباط العثمانيين بقيادة أتاتورك مع البلاشفة وتلقيهم المساعدات المالية والعسكرية الكبيرة منهم، والتي ساهمت بتحرير تركيا وقلب السلطان والسيطرة على الحكم. إلا أن هذه الأفكار الدينية برزت مجددا في أحداث فلسطين وسوريا والعراق وجنوب لبنان، وفي النهاية في مصر التي تمتعت بالاستقلال وتقدم الدول الحديثة نوعا ما بحماية الانكليز، حيث بني على الفكرة العثمانية تلك نظرية “الاخوان المسلمين” التي أثرت حتى على تصرفات “الضباط الاحرار” وثورة يوليو وما تبعها من معاداة للغرب والالتجاء للسوفيات مع كل التناقض بين الفكرتين.
وقد شكلت حرب فييتنام لاحقا خسارة معنوية كبيرة للولايات المتحدة والغرب، ما دعاها بعد الانسحاب المذل من جنوب شرق آسيا، إلى محاولة زعزعة النظام الشيوعي باستعمال التعصب الديني كسلاح مهم خلال حرب السوفيات في افغانستان، وكان له التأثير الفعال لانسحاب هؤلاء، ولكن لتصبح افغانستان مقرا للجماعات الاسلامية الأصولية المتشددة على شاكلة طالبان والقاعدة، والتي بدأت بالتخطيط للتوسع والسيطرة على “العالم الاسلامي” ومنه على بقية أنحاء العالم. من هنا كان لا بد من خطط لمواجهة هذا التمدد الذي لا يقف عند حد ولا يعتمد على المنطق بل على الولاء الأعمى والقتال في سبيل الله.
كانت الثورة الإيرانية هي المدخل لانشاء مجموعة أكثر تعصبا تختلف في التطلعات عن الجماعات السنية وتسيطر على البلاد المتاخمة لافغانستان، وقد اعتمدت احلام الخميني التوسعية للسيطرة ما أدى إلى حروب محلية وتراجع بمواضيع الفكر والتقدم، لا بل كان الصراع التاريخي بين السنة والشيعة هو المحرك لتحقيق خططها وتوسيع سيطرتها. وفي كل الأحوال بقيت فلسطين محور التحضيرات، وقتال اليهود هو هدف كافة المجموعات المتقاتلة. وهكذا سقطت الأنظمة والدول في المنطقة كلها الواحد بعد الآخر، وصار الهدف العودة إلى عهود القهر والتعصب والقوقعة والرجعية والتخلي عن الفكر والانفتاح والحضارة والتقدم.
اليوم سقط آخر الأنظمة الديكتاتورية في سوريا، والذي أذاق السوريين المر خلال أكثر من خمسين سنة من النظام البوليسي والاحكام التعسفية، وانتهى بحرب وحشية دمرت المدن والقرى وهجّرت الملايين من بيوتهم بمساعدة نظام الملالي الذي كان ينفذ خططه التوسعية وتغيير الديمغرافيا، حيث نظّم بمساعدة السوريين جيشا من المرتزقة في لبنان استعمله لقلب الأنظمة في دول المنطقة؛ من البحرين إلى السعودية واليمن والكويت والعراق وغيرها من الدول كما لدعم النظام السوري. ولكن سقوط هذا النظام تم على ايدي المتطرفين السنة الموالين لتركيا، والذين يدّعون بأنهم سيعترفون بالتنوع وحق الآخرين بالعيش بحرية وممارسة عقائدهم الدينية بدون خوف أو قمع، وهم ينادون باعتماد الحوار مع بقية مكونات المجتمع السوري لخلق دستور جديد، وبالتالي الانتقال إلى حكم يجسّد طموحات كافة الفئات. ولكن، ولو أن تصرف المسؤولين فيهم يبدو مقبولا حتى الآن، هل يمكن الوثوق بمن تلطخت أيديه بالدماء وكانت شعاراته فئوية ضيقة؟ أم هل يمكن الاعتماد على حكمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضبط تصرفات هذه المجموعات، وهو الذي لم يقدّم مثالا مقبولا حتى الآن لا في ليبيا ولا في ناغورني كاراباخ الآرمنية ولا داخل تركيا، حيث يحاول العودة بالبلد العلماني الأوروبي التوجه إلى المرحلة العثمانية، واضعا حول صورته هالة السلطان خليفة المسلمين، ومحاولا مد نفوذه من دول أواسط آسيا الاسلامية إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
أما في لبنان، وبعد هزيمة ميليشيا إيران المدوية في حربها ضد اسرائيل واستجدائها وقف اطلاق النارالمشروط بتسليم أسلحتها تحت اشراف اسرائيل والدول الكبرى وبغياب التأثير الإيراني، حيث بدأ نظام الملالي بلملمة أذياله والانسحاب إلى داخل إيران، خوفا من أن توجه إليه إسرائيل الضربة القاضية والمتوقعة في أية لحظة، وبعد كل التجني والتشاوف والادعاء الذي مارسه طيلة أربعين سنة، يقف المواطن اللبناني، خاصة الشيعي منه، مبهورا لا يعرف ماذا ينتظره، فقد عوّده الحزب الإيراني على توزيع المعاشات والمنح وأعمال التهريب وغيرها من الممنوعات وسرقة الدولة، حتى لم يعد يعرف أن يعمل بشكل طبيعي، ومن ثم تسبّب اليوم بتهجيره وهدم بيته واتلاف مزروعاته، وكان قد أسقط النظام المالي وعطّل عمل المؤسسات وأفقر البلد والغى هيبة الدولة وأفسد القضاء وخلق هوة بينه وبين بقية المواطنين ودول الجوار، فكيف له أن يستمر أو ينهض ويعاود بناء ما تهدم؟
على من كان يدّعي القيادة من أبناء الطائفة الشيعية وما يسمى بالثنائي الشيعي وحتى القيادات الدينية، الذي فشل فشلا ذريعا في التخطيط والرؤية وبناء المستقبل، أن يعلن فورا عن اعادة النظر في كل الطروحات والمشاريع السياسية، ويبادر إلى حل التنظيمات والاحزاب التي مارست العهر ووسعت الهوة بين المركب الشيعي وبقية اللبنانيين. ومن ثم يتوجه إلى القوى الأمنية اللبنانية ويطلب منها تسلّم الأسلحة والمخازن التي لا تزال بحوزته، وذلك قبل انتهاء فترة الستين يوم، لكي لا يكون هناك أي سبب لعودة القصف والتهجير. وعلى كل من لا يزال يدّعي تمثيل الطائفة تقديم استقالته من العمل السياسي فورا وافساح المجال لقوى جديدة وشباب طموح يمكنه تنظيف أوساخ الماضي ونقل أبناء الطائفة من وضع الانتظار إلى وضع البناء والالتحاق بركب بقية اللبنانيين الأحرار، فلم يعد من المقبول اجترار شعارات واهية سقطت مع الهزيمة المدوية، ولا انتظار الأموال التي قد تدفعها إيران لأن النظام فيها سوف يسقط قريبا ولن يسمح أي نظام جديد بدفع أي تعويضات قبل الالتفات إلى أوضاع إيران الداخلية وتصحيح ما نتج عن التخطيط السيء ومشاريع الملالي الفاشلة. وهنا لا بد من الاشارة بأنه بقي الكثير من أبناء هذه الطائفة الكريمة وحتى بعض رجال الدين من لم يماشي غرور الثنائي وأسمع صوته مرارا للاعتراض وهؤلاء يجب أن يكرموا في المجالس ويدعوا إلى وسائل الاعلام لطرح رأيهم ويقتربوا من أصحاب القرار ليكون صوتهم مسموعا.
على بقية اللبنانيين الذين لا يزالون يعيشون وهم الماضي ويتهيبون من الاقدام بسبب الخوف من تصرفات الحزب الإيراني أن يستفيقوا هم أيضا من كبوتهم ويروا التغيير الحاصل من حولهم فيبادروا إلى استغلال الفرص وبناء بلدهم بالتعاون مع كافة الجهات والاعلان الفوري عن استعداد لبنان للتوجه إلى السلام والالتحاق “بالاتفاقيات الابراهيمية” فكفانا متاجرة بالحقد والعداوة التي لم تؤمن لنا أي دور في مستقبل المنطقة ولا هي حمتنا من مفاعيل الحروب التي ليست هدفنا. فلننظف بلدنا من بقايا الحروب ومسبباتها ونجمع كل سلاح خارج عن الدولة ونطالب بالعيش الكريم والحر وبالجيرة الحسنة المتبادلة مع جميع دول المنطقة وليكن النظام الجديد الذي سيعتمد في كافة الدول ويؤمن حرية شعوب المنطقة وأمنهم هو مطلبنا ولنحمي حدودنا وحدود جيراننا ونسهم بالاستقرار والطمأنينة لتتمكن الأجيال الجديدة من السير في طرق التقدم وبناء المستقبل الكريم.
لن ينتظرنا العالم إلى ما لا نهاية والتخطيط للمستقبل يجب أن يسبق اي تصرف. فليجمع اللبنانيون على تخليص بلدهم من الخائفين المنظرين دوما بالسوء والمنتظرين على قارعة الطريق، الذين سيسبقهم القطار، بدون شك، قطار الشرق الأوسط الزاهر والمزدهر.
The Emerging Situation in the Middle East Colonel Charbel Barakat/December 21, 2024 (Freely translated from Arabic by Elias Bejjani, editor and publisher of the LCCC website)
Introduction
Colonel Charbel Barakat, a retired Lebanese Army officer, historian, terrorism expert, and author of numerous works on Lebanon, the Iranian regime’s schemes, and jihadist movements, has testified multiple times before the U.S. Congress on critical issues, including Iranian and Syrian terrorism, the Syrian occupation of Lebanon, jihadist threats, and the pursuit of Middle East peace. In his analysis of today’s unprecedented and rapidly evolving changes in the Middle East, he highlights critical developments shaping the region’s future.
The Emerging Situation in the Middle East
Recent developments in Lebanon and Syria, coupled with Iran’s withdrawal from these countries, signal a shift in regional dynamics. These changes, which began with the conflict in Gaza and culminated in the decline of the “axis of resistance,” reflect the failure of Iran’s military projects. These projects drained Iranian resources, yet failed to establish the mullahs’ empire or realize Khomeini’s dream of regional domination, modeled after the historical ambitions of Cyrus the Great and Darius.
Khomeini sought to exploit sectarian divisions between Shiites and Sunnis as tools of Middle Eastern fragmentation. These divisions, compounded by competing ideological movements—from Soviet communism and Arab nationalism to the Baathist vision of Michel Aflaq and the fascist-inspired Syrian nationalism of Anton Saadeh—left the region mired in chaos. Attempts at unity often floundered as various ideologies clashed, pushing the peoples of the Middle East into cycles of intellectual and ideological upheaval.
Amid these movements, the Ottoman Empire’s decline saw the rise of religiously infused loyalty, exemplified by the Muslim Brotherhood’s influence. This ideology shaped subsequent political developments, including Egypt’s “Free Officers” movement and the broader turn toward religious nationalism.
The Role of Global Powers
The Vietnam War marked a moral and strategic loss for the West, prompting the U.S. to leverage religious fervor against Soviet expansion in Afghanistan. This strategy led to the rise of extremist groups such as the Taliban and al-Qaeda, which threatened global stability. Similarly, Iran’s Islamic Revolution birthed a Shiite theocracy more radical than its Sunni counterparts, perpetuating regional wars and stifling progress.
Despite these upheavals, Palestine remained a unifying cause for warring factions, channeling energy into destructive conflict rather than constructive development. The result was a region regressing into fanaticism and rejecting modernity.
The Fall of Authoritarianism in Syria
Syria’s dictatorial regime, sustained by fifty years of police-state brutality and Iranian support, has now collapsed. This fall was accelerated by pro-Turkish Sunni extremists advocating dialogue and constitutional reform to foster a more inclusive government. However, skepticism persists about their ability to overcome factionalism and Erdogan’s neo-Ottoman ambitions, which have destabilized regions from Libya to Nagorno-Karabakh.
The Lebanese Crossroads
In Lebanon, Iran’s militia—defeated in its conflict with Israel and forced to disarm under international oversight—faces existential uncertainty. Decades of corruption, smuggling, and state subversion have left Lebanon’s Shiite community impoverished and displaced. The so-called “Shiite duo” and their religious allies must take immediate responsibility, surrender their arms, and pave the way for new leadership capable of rebuilding the community’s relationship with the state and neighboring countries.The rest of Lebanese society must also rise to the occasion. They must abandon fear and seize the opportunity to rebuild by embracing peace initiatives, such as the Abraham Accords, to ensure a future of stability, cooperation, and prosperity.
A Call to Action
Lebanon’s leaders must unite to purge the remnants of war and division. The path forward requires disarming militias, strengthening state institutions, and fostering regional peace. Only by joining the Middle East’s prosperity train can Lebanon escape its stagnation and reclaim its place among thriving nations.
The world will not wait indefinitely. Planning and decisive action must take precedence if Lebanon is to secure its future and achieve lasting peace and progress.