فادية طنب الحاج، المغنية اللبنانية العالمية اللامعة في أوروبا بأعمالها الكلاسيكية والحديثة لا تنسى انطلاقتها الرحبانية وتفتخر بأن ذاكرتها الموسيقية هي شرقية بامتياز
هنادي عيسى/اندبندنت عربية/23 كانون الثاني/2023
فادية طنب الحاج مغنية لبنانية عالمية من قماشة نفيسة وطراز خاص، صوتها يذوب رقة مصحوبة بمتانة وسلاسة، وإحساسها الغنائي مشبع بأنفاس روحانية، وأغنياتها بعيدة كل البعد عن السائد والمستهلك في الساحة الغنائية الراهنة. مغنية مثقفة، درست علم الغناء والموسيقى والأوبرا دراسة أكاديمية في ألمانيا، واكتسبت خبرة عالية انطلاقاً من عملها أولاً مع الأخوين الرحباني ثم انتقالها إلى الغناء الكلاسيكي والمودرن والغناء الميدييفالي مع أرقى الفرق الأوروبية. تنحاز فادية إلى كل ما هو صعب وفتان، ولا تجاري منطق السوق والموجات العابرة، فالغناء حال من التواصل مع الوجود والكائنات. ورثت فادية عن والدها الرسام الراحل مارون طنب، الروح الغنائية التي تميزت بها أعماله التشكيلية المستوحاة من الطبيعة اللبنانية، وأخذت عن عمها الفيلسوف كمال الحاج، والد زوجها يوسف، روح الحكمة والمعرفة والتأمل.
بعد استراحة شبه قسرية، جراء الظروف القاسية التي تجتاح لبنان، تقول فادية طنب الحاج لـ”اندبندنت عربية”، “كان العام الماضي بمثابة إعادة إقلاع بعد أن أسهم انتشار جائحة كورونا في الحد من أعمالي الفنية، وأنا، كما هو معروف، ينحصر معظم عملي وحياتي الفنية الآن في أوروبا. وعندما أقفلت صالات المسارح توقف كل شيء، علماً بأن زملائي في الخارج تلقوا دعماً من دولهم لاستئناف عملهم الفني. والآن عدت إلى عجلة العمل مع إدارة أعمالي الموجودة في بلجيكا التي قامت بمجهود جبار لأعود إلى الساحة الغنائية الأوروبية. وقد أحييت مجموعة من الحفلات في عام 2022، ومنها في البحرين والمغرب وبلجيكا وباريس واليونان. وفي عام 2020 صدر لي ألبوم (مسارات) بعد نحو أربع سنوات من الجهد والعمل الدؤوبين، وهو كناية عن أسطوانتين مدمجتين اجتمع فيهما مزيج من الموسيقى الشرقية والغربية”.
موسيقيون وشعراء
اختارت فادية في هاتين الأسطوانتين اللتين لم يدع لهما وباء كورونا الفرصة لتنالا حقهما، إعلامياً وشعبياً، موسيقيين لبنانيين، من بينهم الراحل منصور الرحباني، وتوفيق سكر، ومارسيل خليفة، وشربل روحانا، وسمير طنب، وزاد ملتفىوناجي حكيم وغبريال يارد وإياد كنعان.عطفاً على شعراء مثل أنسي الحاج، وسعيد عقل وغيرهما. وصدر العمل في فيينا ويتألف من 19 أغنية تتداخل فيها موسيقى الآلات الشرقية والغربية. وتوضح “هذا العمل اختصر مساري الفني بكل أبعاده، منذ بداياتي حتى اليوم، وهو يمثل انتقاءاتي المتعددة في عالم الغناء المتمحور حول الموسيقى المعاصرة والكلاسيكية. فعلى الصعيد المهني يمثل لي هذا العمل النضج الفكري والموسيقي الذي اختزنته من تجاربي طيلة مسيرتي، وقد صقلت بها هذين الألبومين.
وعندما قررت أن أحكي عن مساري الفني من خلاله كان لا بد لي أن أعود بذاكرتي إلى بداياتي مع الراحل منصور الرحباني، وكذلك مع توفيق سكر، وبينها أعمال من نوع “البوب” كأغنية “ساعة وغنية”. وأفتخر بماضيَّ هذا، ولا أخجل منه أو أتنكر له، لأنه يشكل واحدة من محطاتي الفنية. كنت يومها في السادسة عشرة من عمري، ومن البديهي أن أستهل انطلاقتي بالأمور السهلة، والراحل منصور الرحباني هو من شجعني على دراسة الموسيقى الكلاسيكية، وطلب تسجيلي وشقيقتي رونزا في قسم الكلاسيكيات في الكونسرفاتوار الوطني في بيروت. ثم سافرت إلى ألمانيا لإتابع دروساً أكاديمية عليا، وتعلمت كيف أكتب النوتات الكلاسيكية وأغنيها. ومنذ تلك الحقبة لم يعد هناك ما يربطني بماضيَّ الغنائي، لا سيما بعد رحيل منصور الرحباني”.
وتقول في سياق حديثها “ولا مرة امتهنت الغناء الأوبرالي على رغم دراستي وتخصصي فيه، ولكن من دون شك، صقلت تقنيتي وصوتي بالتقنية الكلاسيكية، ولكن أعتبر أن ذاكرتي الموسيقية هي شرقية بامتياز”. وتعترف المغنية الكلاسيكية والحديثة أن صناعة الألبومات تشهد تراجعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، وتقول “منذ سنوات لم أقدم على إنتاج ألبوم جديد قبل (مسارات)، واكتفيت بتقديم الحفلات في لبنان وخارجه. هذه الصناعة باتت تتأثر بالعصرنة التي نعيشها وهي تتراجع يوماً بعد يوم عالمياً”.