المنطقة الاقتصادية في جنوب لبنان كانت فكرة الشيخ موريس الجميل؟
الكولونيل شربل بركات/20 كانون الأول/2025
طرحت فكرة المنطقة الاقتصادية في جنوب لبنان من قبل الأميركيين كمشروع مستقبلي يسهم بحل مشاكل السكان اللبنانيين في المنطقة الحدودية لتسهيل عودتهم واستمرارهم بالعيش في قراهم والتمتع بالاستقرار والتخطيط لمستقبلهم المبني على امكانيات اقتصادية لم تكن متوفرة سابقا. وهي ليست الفكرة الأولى أو الوحيدة التي طرحها الأميركيون لازالة رواسب الحروب واستعادة المبادرة والثقة بالقدرات المحلية. وقد كان مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية رائدا في اعادة نهوض أوروبا وخاصة المانيا بينما ساهم مشروع أخر في مساعدة اليابان على استعادة المبادرة واعادة تنظيم الانتاج فيها وبالتالي المشروع الذي اعتمد في كوريا الجنوبية ودفع بها إلى تصدر القوى الانتاجية ومنافسة اليابان وحتى الولايات المتحدة واوروبا.
وقد كانت فكرة انشاء مجلس الجنوب التي أطلقها يومها وزير التصميم المرحوم الشيخ موريس الجميل تقوم نوعا ما على فكرة مشابهة وهي زيادة فرص العمل لسكان المناطق الحدودية لتحفيزهم على الدفاع عن حقهم بالبقاء في أرضهم وعدم النزوح باتجاه المدن من جهة، وتمكينهم من الاستغناء عن اغراءات المنظمات الفلسطينية يومها بدفع معاشات للمتعاونين معهم، ما يضر بمصلحة السكان المستقبلية واستقرار الوضع على الحدود. ولكن بعد وفاة الشيخ موريس تحوّل المجلس بالاتجاه المعاكس أي بدل تشجيع السكان على رفض التعاون مع المنظمات والتمسك بالأرض ومساعدة الدولة بهذا الاتجاه، أي زيادة فرص العمل الشريف لهم بانشاء مناطق انتاج صناعية على طول المناطق الحدودية لمساعدتهم على كسب عيشهم والتعلق بقراهم، كان قرار المجلس دفع تعويضات لمن هدم بيته أو اضطر للهرب إلى الداخل بسبب اعمال عدائية قامت بها المنظمات الفلسطينية عبر الحدود، وهو يناقض الفكرة الأساسية للمشروع. وقد استمر العمل في مجلس الجنوب في هذا الاتجاه حتى اليوم وبدل تشجيع السكان على الانتاج تم تعويدهم على تلقي المساعدات من جبهات الرفض والتنظيمات الارهابية ومن أموال الدولة للمساهمة في خلق أجواء العداء التي تستجلب العنف وتؤدي إلى ترحيلهم كلما تفاقمت الأحداث، وهذا ما أعطى حزب الله بواسطة الأموال التي أغدقتها إيران اضافة إلى ميزانيات مجلس الجنوب ووزارة المهجرين ومساعدات الاعمار التي دفعتها الدول العربية وغيرها، ليقوم بتجنيد قسم كبير من السكان للعمل معه ومن ثم استعمال بيوتهم وأراضيهم لبناء خنادق ومستودعات لتخزين الأسلحة والذخائر للقيام بتحضير عمليات هجومية على الجار الاسرائيلي.
إن تجربة المنطقة الحدودية، التي حماها تعاون سكانها من كافة الفئات دروزا وشيعة ومسيحيين وسنة لمنع استعمالها كمنصات انطلاق لعمليات ضد اسرائيل تستجلب ردود فعل عنيفة من قبل جيش الدفاع وبالتالي المحافظة على اتفاقية الهدنة التي كانت عطلتها اتفاقية القاهرة المشؤومة، كانت فعالة لبقاء السكان في بيوتهم وعدم تعرضهم للتهجير وبيوتهم للتدمير، ولكن الحاجة الماسة للعمل والانتاج في منطقة ضيقة كون الانتقال لبقية المناطق كان صعبا بسبب استمرار التنظيمات المسلحة بالعمل ضد سكان المنطقة، فسح المجال لدخول العمال اللبنانيين للعمل في مصانع اسرائيلية والعودة يوميا إلى بيوتهم، وقد فاق عدد هؤلاء العمال يومها الثلاثة آلاف عامل. ويوم قررت اسرائيل الانسحاب من طرف واحد واعطاء الدولة اللبنانية المجال لاستعادة سيطرتها على المنطقة الجدودية كانت أمنيات الأهالي ومطالبهم اضافة للأمن وعدم تعرضهم للتوقيف والمساءلة تتلخص بانشاء منطقة صناعية محلية تستوعب العمال الذين عملوا داخل اسرائيل وغيرهم من سكان المنطقة لكي يستمروا بالسكن في قراهم بكل كرامة.
ولكن مرة أخرى لم تجرِ الرياح بما تشتهيه السفن وبالعكس فقد تقاعست الدولة عن واجباتها في تسلّم الأمن على الحدود والالتزام بتنفيذ اتفاقية الهدنة وسمحت لحزب الله الادعاء بأنه حرر المنطقة ما أدى إلى وضع يده عليها وادخالها في خططه، التي تحضر في طهران ولا يهمها مصالح أهالي المنطقة أو رأيهم، والتظاهر بمظهر المقاوم وفرض سيطرته ومشروعه عليهم بعد طرد من يعاديه وتوقيف من يعانده بواسطة أجهزة الدولة التي عملت لصالحه وتحت أوامره. اليوم وبعد انكشاف حزب الله هذا وسقوطه أمام ضربات الآلة العسكرية الاسرائيلية، والذي تسبب في تهجير وتدمير بيوت الجنوبيين وقراهم مرة أخرى، يتأمل الأهالي الحقيقيين، وليس من يدّعي الحزب بأنهم يساندونه، أن يتحقق السلام عبر الحدود ويستقر الوضع ليعاد بناء ما تهدّم، ولكن هذه المرة تحت اشراف الدولة والحلفاء الدوليين من دون تدخل جماعات التخريب وأحزاب الاستفادة والكوميسيون من أية جهة أتوا والعمل على مساعدة السكان لبناء اقتصاد منتج ومستقر وحدود آمنة للطرفين ومفتوحة لمساعدتهم على التبادل الاقتصادي والترفيهي والسياحي ليشعروا ولو لمرة بأنهم جزء من هذا العالم الحر يمكنهم التمتع بائجابياته وليس فقط تحمل سلبياته.
يقوم بعض اللبنانيين بتحويل حلم ابناء الجنوب بمنطقة آمنة مستقرة وتسعى إلى تحقيق جزء من الرفاهية إلى كابوس معتم يعيدهم إلى أيام الحروب ويسعى من ينادي به لحرمانهم من الأمل بمستقبل واعد للأجيال القادمة فيبقوا وقودا لمشاريع ثورية تخريبية تتحجج بمحاربة اسرائيل لابتزاز الأغنياء العرب وغيرهم من الشعوب الذي لا يحبون الحروب ويفضلون أن يتحملها غيرهم. نداؤنا إلى الأهل الجنوبيين أن لا تستمعوا إلى كلام من يدّعي الدفاع عن الوطن ومصالحه لأننا جربنا كل الأفكار؛ من اليسار المتحجر الذي سقط في كل الأرض ما عدا لبنان، إلى التنظيمات الفلسطينية التي تحررت من عقدة محاربة اسرائيل لتقبل بالسيطرة على الشارع الفلسطيني، إلى حماس وحزب الله الذين يعملون تحت أمرة ملالي طهران للاستيلاء على بترول عرب الخليج ويقتلون شعبهم ويقدمونه ضحايا على مذابح حقدهم دون أن يرمش لهم جفن، وغيرهم من أصحاب النظريات الحاقدة الذين لا يرون أي خير في تفاهم الشعوب ويسعون دوما إلى نشر العنف والتستر بمآسي الناس.
الجنوب اللبناني سيقوم ومنطقة الحدود سوف تصبح منطقة صناعية مزدهرة وتمثل منارة للبنان ومجال عمل للكثيرين يهاجرون إليها ويتقاسمون الخير مع أبنائها وبهم سيفخر لبنان ليس لأنهم ضحايا يقتلون بل لأنهم ابطال السلام ومعاول البناء الذين سيعلمون الكل كيفية التمسك بالوطن وترابه…
السيرة الذاتية للكولونيل شربل بركات
خبير عسكري، كاتب، شاعر، مؤرخ، ومعلق سياسي
*ضابط متقاعد من الجيش اللبناني
*متخرج من المدرسة الحربية ومجاز بالعلوم السياسية والادارية من الجامعة اللبنانية
*كلف كأحد الضباط لتنظيم الدفاع عن القرى الحدودية منذ 1976
*تسلم قيادة تجمعات الجنوب
*تسلم قيادة القطاع الغربي في جيش لبنان الحر وأصبح مساعدا للرائد سعد حداد ثم تسلم قيادة الجيش بالوكالة عندما مرض الرائد حداد واستمر بعد وفاته حتى مجيء اللواء أنطوان لحد فأصبح مساعده ثم قائدا للواء الغربي في جيش لبنان الجنوبي
*ترك العمل العسكري في 1988 وتسلم العلاقات الخارجية
*شهد أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مرتين
*كاتب سياسي وباحث في التاريخ له الكثير من الكتب والمقالات السياسية التاريخية والانسانية
نشر كتابه الأول “مداميك” (1999) الذي يحكي عن المنطقة الحدودية ومعاناة أهلها، ترجم إلى العبرية ونشرته معاريف (2001) والانكليزية (2012) Madameek – Courses – A struggle for Peace in a zone of war موجود على Amazon Books
*نشر كتابه الثاني “الجنوب جرحنا وشفانا” الذي يشرح الأحداث التي جرت في المنطقة بين 1976 – 1986
*الكتاب الثالث “Our Heritage” كتاب بالانكليزية يلخص التراث اللبناني مع رسومات لزيادة الاستيعاب موجه للشباب المغترب
*كتابه السياسي الثالث “لبنان الذي نهوى” (2022) جاهز للطبع
*كتاب مجزرة عين إبل 1920 وهو بحث تاريخي عن المجزرة التي ساهمت في نشوء وتثبيت لبنان الكبير
*كتاب “المقالات السياسية 2005 – 2013” مئة ومقالة منشور على صفحته
*كتاب “الشرق الأوسط في المخاض العسير” مجموعة مقالات سياسية (2013 – 2025)
*كتاب “العودة إلى عين إبل” بحث تاريخي بشكل قصصي عن تاريخ المنطقة بين 1600 – 1900
*كتاب شعر عن المعاناة خلال الحرب الكبرى 1914 – 1918 من خلال قصيدة زجلية نقدية جاهز للطبع
*كتاب “تاريخ فناء صور الخلفي” بحث تاريخي عن المنطقة الجنوبية – قيد الانجاز
*كتاب المقالات الانسانية وكتاب عينبليات قيد الانجاز