حنا صالح/استعادة لبنان بإنهاء هيمنة السلاح وإطلاق الإصلاح

12

استعادة لبنان بإنهاء هيمنة السلاح وإطلاق الإصلاح!
حنا صالح/الشرق الأوسط/16 كانون الأول/2025
في استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة، لم تعد إيران مشكلة كَأْدَاءَ قادرة على توجيه الإرهاب ضد المصالح الأميركية أو أميركا، حتى إن النظرة إلى الشرق الأوسط عموماً لم تعد تجد فيها مصدر كوارث. لقد تراجع الدور الإيراني بشكل دراماتيكي لم يتخيله يوماً حكام طهران. الأذرع مثل «حماس» و«حزب الله» تلقت ضربات قاصمة، والميليشيات الحوثية تتراجع وتتفسخ، بينما تزداد القيود على ميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق. أما سوريا الجديدة، فقد أغلقت الأبواب والنوافذ بوجه الوجود والنفوذ الإيراني. وأصابت حرب الأيام الـ12 على إيران البرنامجين النووي والباليستي بعطب كبير.
إلى كل ذلك، نجح الاتفاق السعودي – الإيراني في تحجيم التوتر في منطقة الخليج، ولافت أن إدارة الرئيس ترمب ترى في العلاقة بين الرياض وطهران عنصر استقرار يتعزز بقدر ما تقدم إيران سياسة حسن الجوار. هذا الواقع الجديد لا يبدله ترهات أطلقها الوزير السابق محمد جواد ظريف في «منتدى الدوحة»، بإعلان براءة طهران من أدوار الوكلاء الذين «قاتلوا من أجل قضاياهم وليس من أجل إيران» (…) وزعمه أن بلاده «ما زالت الأقوى» في المنطقة (…)، فإيران بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 طلبت وساطة الرياض لمفاوضات نووية وإطلاق مسار دبلوماسي بين طهران وواشنطن، واضعةً في الحسبان أن السعودية باتت أبرز أركان القوة في التوازنات الجديدة في المنطقة.

لكن طهران في الزمن الجديد لم تغادر مطلقاً الرهان على المتبقي من قدرات أذرعها، وبالأخص «حزب الله»، فنشهد تنافساً بين المسؤولين الإيرانيين في إعلانهم استعادة «الحزب» لقدراته والجاهزية لدعمه. فيستعيد أمينه العام نعيم قاسم المواقف الخشبية التي بُنيت على سرديات إنكار، شهد الوطن المكلوم فشلها وتهاويها، فيعاود التمسك بالسلاح غير آبه للعدوانية الإسرائيلية. فيعدّ قرار مجلس الوزراء بحصرية السلاح، بمثابة «مطلب أميركي – إسرائيلي»، متناسياً موافقة حزبه في الحكومة والبرلمان على تضمين البيان الوزاري حصرية السلاح في كل لبنان. ويعلن أن سلاح «المقاومة» لن يُنزَع «ولو اجتمعت الدنيا بحربها على لبنان»!

ويبتدع قاسم ثلاثية جديدة، هي «الأرض والسلاح والروح»، متعامياً عن واقع أن هذا السلاح ورقة ضعف استدرج احتلال الأرض مجدداً، ولم ينجح مطلقاً في حماية أرواح حامليه التي تُزهق مجاناً كل يوم، لتبرز واحدة من أبرز مشاكل «حزب الله» في العجز عن التعلم من دروس الهزيمة وما ألحقه بلبنان من انكسار كبير. لافت هنا أن «اتفاق وقف الأعمال العدائية» منح العدو «الحق» باستمرار عملياته الإجرامية وهي لم تتوقف يوماً، وقيّد واقع ميزان القوى «الحزب» بدليل أنه لم يجرؤ على أي رد، كما أن الاتفاق الذي كرّس واقعاً فرضه المنتصر لم ترد فيه أي إشارة لا لعودة المهجرين ولا لاستعادة الأسرى!
التمسك بالسلاح اللاشرعي وتكرار مواقف رفض تسليمه للجيش، كما تكرار مواقف الدعم الإيراني التي تجسد التدخل الفظ في الشأن الداخلي اللبناني، على ما في ذلك من تناقض مع أهداف الوساطة التي تنشدها طهران من الرياض، هذا مع العلم أنه في زمن ترمب ليست الهدايا مأمولة كما كان في زمني أوباما وبايدن. كما تكشف عن استحالة تخلي طهران عن ميليشيا تأسست في إطار مشروع استراتيجية الدفاع عن النظام الإيراني، ولم يكن الأمر خافياً على أي جهة؛ فقد أكده منذ عام 1985 علي أكبر محتشمي الذي أشرف على ولادة «حزب الله»، وغني عن التعريف أن كل الحروب التي خاضها ارتبطت بهذا المشروع. ويكشف التمسك بالسلاح عن نهج الدفاع عن مستقبل ما للدور الإيراني في المنطقة، مدخله بقاء شيء من الأمر الواقع الذي كان قبل «7 أكتوبر»، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى يعكس هذا الموقف تمسكاً بدور «الحزب» في المشروع الإقليمي الإيراني الذي يعادل التخلي عنه القبول بسقوط نظامه!

بالتأكيد ستُبذل الجهود في اجتماعات باريس يومي 17 و18 الشهر الحالي كما في اجتماع «الميكانيزم» يوم 19 منه؛ لتجنيب لبنان ضربات إسرائيلية مدمرة. وستترافق مع مساعٍ لمعرفة ما إذا كان ممكناً العودة إلى «اتفاق الهدنة» لعام 1949، الذي يمنع تحت الفصل السابع استخدام لبنان مُنطلَقاً لاعتداء على إسرائيل كما يضمن أمن لبنان وسيادته على أرضه. مهم هذا المنحى، لكن قد لا يكون كافياً للخروج من الطريق المسدود لاستعادة حقيقية للبنان. فهناك جدية أعلى مطلوبة لتأكيد مغادرة زمن تغييب الدولة، تكون بالانتقال لوضع كل الجنوب، أي حتى نهر الأولي، في نطاق عمليات جمع السلاح والتشدد خارج الجنوب لاحتوائه بمنع حمله أو نقله، ففي ذلك أعلى إشارة لبدء إنهاء هيمنة السلاح اللاشرعي، ولم يعد الأمر بإطار المستحيلات. على أن يرافق ذلك إطلاق خطوات إصلاحٍ حقيقي تفتح باب المساءلة عن ممارسات منظومة الفساد التي استباحت العدالة والحقوق وكل القيم. والإصلاح الذي تأخر كثيراً ممره إسقاط المحاباة الفجة التي يتضمنها المشروع المسرب لـ«الانتظام المالي»، الذي حمل زوراً اسم «الفجوة»؛ ما يؤمّن للبنان دعماً إقليمياً ودولياً لردع العدوانية الإسرائيلية.

Share