
كفى….الأوطان تُبنى على الدستور والقانون والاحترام المتبادل، لا على الخلط الإيماني.
الأب أثناسيوس شهوان/موقع النشرة/13 كانون الأول/2025
ما يجري اليوم من صلوات مشتركة بين المسيحيين وغير المسيحيين داخل الكنائس ليس فقط أمرًا غريبًا ومستهجَنًا، بل هو انتهاك وهرطقة، ولا يعبّر إطلاقًا عن الإيمان المسيحي، وليس له علاقة بالعيش المشترك، لأن العيش المشترك أصلًا لا علاقة له بالإيمان لا من قريب ولا من بعيد.
فالتعايش لا يكون بهذه الطريقة. الأوطان تُبنى على الدستور والقانون والاحترام المتبادل، لا على الخلط الإيماني.
نحن نحبّ الآخرين، ولكن المحبّة الحقيقية هي محبّة المسيح التي نعيشها ونبشّر بها. فهل رأينا القديسين يومًا يساومون على الحق بهذه الطريقة؟ ولماذا هذا الخلط؟ وما الهدف منه؟
الميلاد هو ظهور الله في الجسد، لأنه تجسّد في أحشاء العذراء مريم التي أصبحت بذلك والدة الإله.
هذا الأمر يعتبره مَن ينشد في كنائسنا من غير المسيحيين كفرًا. وهو ليس أمرًا ثانويًا أو تفصيلاً صغيرًا يمكن التغاضي عنه، بل هو جوهر المسيحية كلّها.
فأين هو “اللقاء الميلادي” إذا كان الرب يسوع المسيح عندهم نبيًا مخلوقًا من تراب مثل آدم، لا إلها متجسّدًا ومتأنّسًا؟ “إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ” (آل عمران 59).
ومريم العذراء عندهم ليست هي نفسها مريم العذراء في إيمان الكنيسة.
فكيف سنشهد للحقيقة الإيمانية ونبشّر بها وسط هذا التمييع؟
نحن نحب الآخرين بمحبة المسيح المتجسّد، ونبقى نحبّهم ولو كفّرونا بسبب إيماننا بألوهية المسيح: “لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ” (المائدة 17).
هم إخوتنا في الإنسانيّة، لكن لكنائسنا خصوصيّة كما هي الحال في أماكن عبادتهم.
والنقطة المحورية هي أنه لا يمكن تكريم مريم العذراء دون الاعتراف بأنها والدة الإله، والإقرار بألوهية المتجسّد منها، أي الرب يسوع المسيح.
فمريم تجمعنا بالمسيح المتأنّس منها، أمّا فصل مريم عن الإله يسوع فهو هرطقة أدانتها المجامع. وحتى وضع الأمر على الحياد هو غير مقبول ولا ينفع بشيء.
أليست مريم هي التي قالت: “وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ… لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ” (لوقا 47:1–49). وإذا سألنا عن اسمه فهو يسوع، أي: الله يخلّص. الذي قال قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن، ولا يوجد لسيرته وأقواله وأفعالله مثيل.
في الماضي، كان الموعوظون يخرجون في القدّاس الإلهي، وتُغلق الأبواب عندما يقول الكاهن: “الأبواب، الأبواب، بحكمة لنصغِ.” ولم يكن ذلك بدافع قلّة المحبة تجاههم، بل من أجل نموّهم في الإيمان.
فماذا نفعل اليوم؟ هل لم يعد لدينا أبواب نحفظها ولا من يحرسها؟
نحن نفتح قلوبنا للجميع، ولكن كل قول ميلادي وكل أنشودة ميلادية يجب أن يكونا اعترافًا بألوهية المسيح. وبدون ذلك لا ميلاد ولا عيد، لأن الميلاد هو ميلاد يسوع الإله. وإلا فعلى أي ميلاد نتكلّم؟
من يعتبر هذا الكلام تعصّبًا، فكأنما يقول إن المسيح والرسل والآباء والقديسين كانوا متعصّبين.
المسيح جاء للجميع ليعلن الحقيقة بمحبة وتضحية بلا حدود، والحقيقة هي أنه الإله. وخارج ذلك لا مسيحية.
أما المسؤول العلماني أو الكنسي الذي يقول إنه يراعي أمورًا سياسية أو وطنية باسم التعايش أو الخدماتية، فنقول له: ما لقيصر لقيصر وما لله لله. ولا علاقة للسياسة ولا للتعايش ولا للوطنية بالإيمان. وخلاف ذلك فأنت تجرح الإيمان المسلَّم إلينا. واجبنا أن نشهد ونحافظ بالمحبّة على ما تسلّمناه.
ولنكن على ثقة: إن لم نمايع ونتغاضَ ونمزج، سيحترموننا أكثر، لأنهم يعرفون إيمانهم جيدًا ويتمسّكون به ويجاهرون به بصدق.
أليس كل مَن يترك مسيحيته ويأتي إليهم يعتبرونه “اهتداءً”؟ وكل مَن يتركهم ويصير مسيحيًا يعتبرونه “كفرًا”؟ وأليس من يعمّد نقول بأنّه وجد الإيمان الحق؟
دعوا الإيمان جانبًا فهذا أمر يخص كل إنسان بمفرده، ولنتقارب نحو بعضنا البعض بالدستور والقانون والإنسانية والثقافة والأمور الاجتماعية والعلمية، دون اختلاط أيماني ولا تمييع ولا مزج، ودون الانفصال عمّا أوصانا الرب بالتبشير بالإنجيل وبأنّه الإله.
فالصور والمشاهد المشتركة لا تعبّر عن الإيمان الحقيقي بألوهيّة المسيح، حتى لو بدت جميلة من الخارج. والمحبّة تقتضي أن نقول لهم: نحن نحبّكم، ولكن صاحب العيد هو الرب يسوع المسيح الإله، لا النبي المخلوق.
إلى الرب نطلب.