
“شرعة “التفاوض تحت النار وفوقها
نبيل بو منصف/النهار/10 كانون الأول/2025
لم يعرف لبنان منذ خمسة عقود على الأقل ، ومن دون احتساب ما واكب اتفاق الهدنة عام 1949 ، حقبة او تجربة حربية ، خارجية او داخلية ، وكانت تفضي نهاياتها إلى التفاوض السلمي السلس المهذب ! أساسا قد تندر التجارب والوقائع التاريخية في كل انحاء العالم التي افضت فيها الحروب إلى نهايات سلمية بمفاوضات باردة لم تكن تجري تحت النار وفوقها وبفوهات المدافع والبنادق والقاذفات الحربية . وحتى لو كان الرفض المبدئي للتفاوض تحت النار من المبادئ السيادية في المطلق ، كما تتمسك بذلك الدولة اللبنانية الراهنة في بدايات إقلاع مسار تفاوضي يفترض انه ميداني – امني صرف ، على صعوبة التسليم الدائم بهذا المعيار الشديدة الهشاشة ، فان الشك يضحي كبيرا جدا حيال إمكانات وقدرات لبنان على التحكم بالوقائع التفاوضية مع إسرائيل تحت رقابة ورعاية الوسيط الأميركي “العملاق” الذي يسلم لإسرائيل بتسعين في المئة على الأقل ،ان لم نقل مئة في المئة ، من عقيدتها الحربية الناشئة منذ عملية “طوفان الأقصى” في غزة التي انجبت “حرب المساندة” في لبنان واخواتها والمشتقات في الإقليم .
والحال ان معايير التفاوض ، سواء كانت عسكرية ميدانية أمنية ، ام تطورت وسمح لها بالتطور ، في قابل الفترات اللاحقة إلى معايير “اقتصادية” متطورة ومتقدمة ، لا تختلف بين الماضي الغابر والواقع الحالي إلا بظروف الدول والمنطقة المتبدلة تبدلا مذهلا لمصلحة ميزان قوى مختل اختلالا تاريخيا لمصلحة إسرائيل من دون أي أوهام او التباس على غرار ما يدأب اتباع “عقيدة” الإنكار على التشبث به في رفض لا معنى له سوى ممارسة ازدواجية فاقعة باتت مكشوفة لجهة الرفض الخشبي للتفاوض فيما هم يراهنون ضمنا على كسب الوقت تحت جنح التفاوض .
فكيف يستقيم مثلا رفض “حزب الله ” التفاوض و”الانتفاض المسرحي” لتعيين السفير سيمون كرم على رأس الوفد المفاوض اللبناني في لجنة الميكانيزم ، وفي الوقت نفسه يمضي الحزب بأريحية في تقليدنا جميل قبوله بالخيار الديبلوماسي ! وفي المقابل أي “أوراق قوة” حقيقية ، غير الحقوق السيادية المسلم بها دستوريا ودوليا ، تملكها الدولة اللبنانية لتفرض على إسرائيل التفاوض السلس ولجم التفاوض تحت النار وبالنار ؟ أساسا هذه النار تحاصر الدولة اللبنانية وحدها ، لان الدولة لم تكن منخرطة في الحرب المباشرة وليست منخرطة الآن إلا في الجانب الذي أملته كارثة استدراج لبنان إلى الحرب والشروع في خطة حصرية السلاح ، على أمل ان تستكمل بإنجاز شامل لنزع السلاح ، والا فان الضغوط الدولية تنذر بتداعيات لا تقل خطورة عن النار الإسرائيلية إياها التي توزع حممها بلا أي ارتداع من أي اتفاق سابق او لاحق ، حتى ذاك الاتفاق لوقف الأعمال العدائية الذي باتت تسميته ساخرة إلى حدود كارثية .
في تاريخ العقود الخمسة الماضية ، يكفي استعراض سريع لكل حقبة من حقبات حروب الآخرين او الحرب الاهلية إياها ، إلى اشباح اتفاقات وهدنات وانصاف هدنات ، إلى كل ما أوقف حربا او لجم قتالا او وقائع دموية عرفها لبنان داخليا وخارجيا مع جيرانه الأعداء اوالاشقاء المزعومين ، لكي تتبين حقيقة الطريق الوعرة التي لا بد منها ولا خيار آخر سواها ، في التفاوض الناري ، تحت النار وفوقها وعبرها . المسألة ليست هنا ، بل بماذا يزود لبنان مفاوضه ويطلق يده لئلا تبقى دولة لبنان برمتها رهينة نارين على الحدود وداخل الحدود…