شبل الزغبي/لبنان بين خيار الجبناء وخيار الخونة

0

لبنان بين خيار الجبناء وخيار الخونة
شبل الزغبي/22 تشرين الثاني/2025
في بلدٍ كلبنان، يبدو أنّ الطبقة الحاكمة لا تملك سوى خيارين: خيار الجبناء أو خيار الخونة. والنتيجة واحدة: دولة تتفكّك، سيادة تُنهب، وشعب يُعامل كرهينة. الجبناء هم أهل السلطة الذين يجلسون على مقاعد الحكم لكن بلا حكم، على الكراسي لكن بلا قرار، يوقّعون على بيانات “التنديد” لكنهم عاجزون عن اتخاذ أي موقف فعلي يحمي البلاد. حكّام يخافون من الحقيقة أكثر مما يخافون من الانهيار، يختبئون خلف أعذار “التسوية” و“الاستقرار”، بينما هم في الواقع مجرد إدارة مهزومة تنتظر موافقات الخارج والميليشيا المسلحة قبل أن تتنفس. يرسل حزب الله لهم رسائل يهدد ويتوعد ويعلن على الملأ بأنه لن يتخلى عن سلاحه لأي كان ولا يجرء احد منهم حتى على الرد. الجبناء في لبنان ليسوا مجرد ضعفاء؛ إنهم سلطة استسلمت، رضخت، وباعت دور الدولة خوفاً من مواجهة السلاح غير الشرعي. يتخذون الحياد جُبناً، والصمت حكمة، والانبطاح سياسة. ومع كل أزمة، يثبتون أنهم حكّامٌ بالاسم، موظفون عند الأقوى، يفتقدون الشرعية الحقيقية لأنهم فقدوا الشجاعة.

وعلى الجهة الأخرى، يقف خيار الخونة، وهو الخيار الأخطر. حزب الله ليس لاعباً سياسياً عادياً، بل ميليشيا عقائدية مسلّحة مرتبطة بانتماء خارجي، تحمل مشروعاً أيديولوجياً مهدوياً، ميليشيا فوق الدولة وفوق القانون وفوق الإرادة الشعبية، تعتبر لبنان ساحة وليس دولة. إنه جهاز خارجي، تابع “للحرس الثوري الإيراني”، يقرّر عن دولة بكاملها، يحتكر الحرب والسلم، يعطّل المؤسسات، يبتز الاقتصاد، ويمسك برقاب اللبنانيين بذريعة “المقاومة” بينما البلاد تُدمّر أمام أعين الجميع. الخيانة هنا ليست توصيفاً عاطفياً، بل واقعٌ موصوف حين يصبح الولاء لطهران أعلى من الولاء لبيروت، وحين تتحول الميليشيا إلى سلطة أعلى من سلطة الدولة، وحين يُستخدم الشعب وقوداً لمعارك لا علاقة له بها.

ولم تقتصر مشكلة لبنان يوماً على اللحظة الراهنة؛ فكل مرحلة من تاريخه الحديث تُثبت أن الحكم كان دائماً جباناً أمام أي سلاح خارج الدولة، وأن الخيانة كانت دائماً تُبرّر بشعارات كبرى لا علاقة لها بمصلحة اللبنانيين. فعندما طالب اللبنانيون بوقف العمل الفلسطيني المسلّح، كان الجواب أنّ الأمر “صراع قومي عربي ضد إسرائيل”. وعندما طالبوا بخروج الاحتلال السوري، كان الجواب أنّ هذا الاحتلال “ضروري وشرعي ومؤقت”. واليوم يتكرر المشهد نفسه مع سلاح حزب الله غير الشرعي: كلما طُرح السؤال عن دوره وشرعيته، يأتي الجواب أنّه “لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية”، وتُطرح معادلة “جيش شعب مقاومة”،حتى لو كان استخدام هذا السلاح يجرّ البلد إلى حروب لا علاقة للبنان بها، ولا قدرة له على تحملها. إنها المعادلة نفسها التي تتكرر: سلاح فوق الدولة، وسلطة تحت السلاح، وتبرير دائم لخسارة السيادة.

لبنان وجد نفسه بين حكم لا يحكم وسلاح لا يُسلّم. بين جبان يخاف من قول الحقيقة وخائن يفرضها بحدّ القوة. بين دولة لا تدافع عن سلطتها وميليشيا تلتهم ما تبقى من هذه السلطة. وبين هؤلاء جميعاً يقف اللبناني المتروك، الذي يُطلب منه الصبر فيما تُنهب دولته، وتُسحق سيادته، وتُدار حياته كأنه مجرد تفصيل في مشروع لا يشبه لبنان بشيء. هذا البلد لن ينهض ما دام الجبن يُدار كسياسة، والخيانة تُسوّق كقدر. لبنان يحتاج شجاعة لا ترتعش، ودولة لا تخاف، وسيادة لا تقبل القسمة، وقراراً وطنياً لا يُستورد ولا يُستعار. ما لم يتحرر لبنان من جبان يحكمه وخائن يتحكم به، سيبقى الوطن معلّقاً بين الانهيار وبين الضياع، رهينة خيارين سيئين لا يبنيان دولة ولا يتركان للشعب حقّ الحياة
**شبل الزغبي/عضو مجلس القيادة المركزية في حراس الأرز

Share