الكولونيل شربل بركات/زيارة قائد الجيش العماد هيكل إلى الولايات المتحدة

37

زيارة قائد الجيش العماد هيكل إلى الولايات المتحدة
الكولونيل شربل بركات/18 تشرين الثاني/2025

كان من المقرر أن يزور العماد هيكل قائد الجيش اللبناني واشنطن العاصمة الأميركية اليوم ويقوم بعدة لقاءات مهمة فيها ومنها لزيادة التنسيق مع القوات الأميركية واستمرارية دعم الكونغرس للجيش اللبناني. ولكن تصريح صدر عن قيادة الجيش فيما يتعلق باعتداءات مزعومة لاسرائيل على الحدود اللبنانية مع عدم الاشارة مطلقا للأسباب التي أدت إلى هذه الاعتداءات، ومباشرة قبل توجهه إلى واشنطن، كانت على ما يبدو القشة التي قصمت ظهر البعير وفشّل الزيارة قبل أن تبدأ. فقائد الجيش اللبناني الذي تسلّم القيادة بعد انتخاب الرئيس جوزيف عون لم يظهر اندفاعا في مواجهة حزب الله ولا تصميما على تنفيذ خطاب قسم الرئيس وأوامر الحكومة بشأن جمع سلاح الحزب في كل لبنان. وهو التزم بمقولة حزب الله التي تدّعي بأن تنفيذ القرار الدولي 1701 الذي أوقف القتال في الجنوب يدعو إلى تسلّم الجيش اللبناني، بمساعدة قوات اليونيفيل، الأمن في الجنوب وضبط السلاح فقط في تلك المنطقة، أما بقية المناطق اللبنانية فيتم الاتفاق حولها لاحقا بين الحزب والدولة. وهذا يخالف تطلعات اللبنانيين أولا والدول الصديقة التي سعت لضبط الوضع واقناع اسرائيل بوقف الهجمات في لبنان ضد مواقع حزب الله، والتي كانت اسفرت عن اتفاق تشرين الثاني 2024.

القائد الجديد للجيش ابن منطقة صيدا في الجنوب الذي من المفترض أن يعرف أكثر من غيره أهمية ضبط الأرض ومنع ازدواجية السلاح وقد خطف المواطن جوزيف صادر ابن منطقته على يد حزب السلاح من مكان عمله في مطار بيروت منذ سنوات ولم يعرف حتى الآن شيئا عن مصيره، وهو يعرف أكثر من غيره مفاعيل انتشار السلاح الغير شرعي وانتماء الحزب عقائديا إلى طروحات نظام الملالي، والتزامه بخط وأوامر الحرس الثوري، ما يعيق اعادة هيبة الدولة وبسط سلطتها على كامل أراضيها، طالما هذا السلاح يتواجد، ليس فقط على الحدود وانما في اي بقعة من لبنان، وهو ليس سلاحا لبنانيا ولم يكن مرة لحماية لبنان بل لاقحامه بعداوات مع كل المحيط؛ من سوريا إلى دول الخليج وبقية دول العالم، وفرض سياسات لا تخدم استمرارية السلطة فيه. كما يفترض به أن يعرف أهمية أن تكون الدولة وحدها من يسيطر على الأرض ويفرض الأمن والاستقرار.

لم يظهر القائد الجديد للجيش اندفاعا لتنفيذ مهمة ضبط السلاح منذ تسلّمه القيادة ولم يعط انطباعا بأنه يستوعب أهمية سيطرة قوى الدولة وحدها على الأرض كشرط للاستقرار وبسط سلطتها على كامل أراضيها. وهو قد يكون اعتاد على التعايش مع سلاح يسيطر على جزء من المواطنين وبالتالي قسم كبير من البلد. وقد لا يهمه أن تبسط الدولة سيطرتها وحدها على كافة الأراضي. فقد نشأ والكثيرين من رفاقه في ظل الاحتلال السوري، ومن ثم سيطرة الحزب الإيراني وتبنى بدون شك تلك العقيدة التي ألصقت بالجيش منذ فرضها الأسد أيام العماد لحود، وهي تتلخص بالعداء لاسرائيل والتعايش مع بقية القوى المفروضة على لبنان. أو قد يكون هناك من يحتمي في ظل قيادته ويحاول ايجاد سبب لعدم تنفيذ أوامر الحكومة وبالتالي التمتع بحرية أكثر في مجال التفسير والتخلص من عبئ التنفيذ، وربما التشويش عليه، من يدري؟

منذ تسلّمه للقيادة كان ذلك البيان، الذي وزع بمناسبة ما يسمى “يوم التحرير” وهو يجب أن يكون “يوم استسلام” الدولة لطروحات الحزب وسيطرته الفعلية على الحكم، ويعبر عن عدم ثقة بقدرات الجيش وإيمان بمهمته ودوره في بسط سيطرة الدولة. ثم كانت خطته لتنفيذ أوامر الحكومة غير مفهومة ولا تعبر عن استيعاب للأمر أو للواقع الجديد ومتابعة للتطورات الجارية في المنطقة، فهو قائد الجيش وليس مسؤول وحدة صغيرة، ومهمته تتجاوز الوضع الداخلي لتقيّم وضع البلد ككل ضمن سياسات المنطقة والقوى المتحكمة بدول الجوار، وقد تغيّرت الأوضاع من حول لبنان بشكل كبير يجب أن يأخذه بعين الاعتبار واستغلال الفرصة المتاحة بسرعة للعودة من حال الفوضى التي فرضها تحكّم الاحتلالات ومن ثم الميليشيا إلى مرحلة جديدة من السيادة والاستقلال يكون هو والجيش الذي يقود، بمساعدة الأصدقاء والحلفاء والأشقاء، رأس الحربة في تنفيذ خطط الحكم انطلاقا من خطاب القسم الواضح والبيان الوزاري الذي اتبع بقرار حصر السلاح بيد الدولة.

المطلوب من القائد العمل على تنفيذ القرارات وأن يكون هو المبادر بوضع الخطط وملاحقة التنفيذ والدفع باتجاه السيطرة على الأرض بأسرع وقت وأقل تكاليف حيث من المفترض به أن يعرف بأن اطالة المدة تؤدي دوما إلى ضياع الفرص بينما تتحمل الحكومة والرئيس مسؤولية معالجة النتائج وتسويق الخطط لا العكس.

القائد الذي يعرف بأن الكونغرس يسهم بدعم جزء كبير من مصاريف الجيش والقوى المسلحة الأخرى ويعرف بأن هناك آمالا تعلّق على قرارات القيادة وبأن هناك من يسعى لتقليص المساعدات، وقد تكون زيارته إلى الولايات المتحدة لزيادة الثقة بدور الجيش ونجاحه بمهتمه، كيف به يقبل بأن يصدر بيان بأسم قيادة الجيش يتعلق بأمور سياسية ينتقد فيها ما تقوم به اسرائيل حليف الولايات المتحدة والتي لولا الضغط التي تمارسه لم يكن للجيش والحكم في لبنان أي دور في الجنوب، وبدون الاشارة من قريب أو بعيد للعرقلة التي يمارسها حزب الله باعلاناته اليومية بأنه يعيد التجهيز والتحضر لقلب الموازين، وكأنه لا يرى مصادر الخطر أو لا يزال يعيش وهم سيطرة إيران وجماعتها على البلد.

كان من ضمن برنامج القائد زيارة أحد صقور الأكثرية الجمهورية في الكونغرس السيناتور ليندس غراهام والذي كان شدد يوم زار لبنان على أهمية سيطرة الدولة وحدها على الأرض، وهو الذي أعلن عن امكانية التوقيع على معاهدة دفاع مشترك بين لبنان والولايات المتحدة، أي أنه يعرض حماية دائمة للبنان تكفلها أكبر قوة في العالم. فهل أن القائد لم يفهم الرسالة؟ أو أنه لا يزال يعيش وهم قوة حزب الله وتهيداته؟ أو أن هناك من يسعى داخل القيادة لتشويه صورته وتعكير العلاقة بينه وبين الحليف الأهم للبنان في هذه المرحلة؟

في كل الحالات نحن نعتبر الغاء الزيارة موقفا مهما من قبل الولايات المتحدة عله يُفهم من في الحكم بأن للصبر حدود ونهاية الدلع مؤلمة، وبأن ما يقدم اليوم تحت شكل المساعدة يمكن أن يفرض تحت شكل الضغوط. وكما تمتلئ القبور بمن اعتقد بأن العالم سيقف في حال غيابه فإن هناك الكثير من الأمثلة على من انتهت مهمتهم قبل أن تبدأ كونهم لم يعتبروا أو يفهموا الاشارات ودقة المواقف ولم يستوعبوا شروط المهمة الملقاة على عاتقهم.

فهل نستفيق من ثباتنا على تغييرات في الذهنية داخل المؤسسات في لبنان؟ وهل سينقل من منصبه ذلك الذي تسبب بهذه البهدلة؟ أم أن القائد الذي أعطي فرصة ذهبية لدخول التاريخ وبناء الوطن الجديد سيقدّم استقالته ويخرج من المسرح قبل بدء العرض الحقيقي؟..

**اضغط هنا لدخول صفحة الكولونيل شربل بركات على موقعنا المنشورة عليها كل مقالاته وكتبه وتحليلاته
**Click here to access Colonel Charbel Barakat’s page on our website, where all his articles, books, and analyses are published

السيرة الذاتية للكولونيل شربل بركات
خبير عسكري، كاتب، شاعر، مؤرخ، ومعلق سياسي

*ضابط متقاعد من الجيش اللبناني
*متخرج من المدرسة الحربية ومجاز بالعلوم السياسية والادارية من الجامعة اللبنانية
*كلف كأحد الضباط لتنظيم الدفاع عن القرى الحدودية منذ 1976
*تسلم قيادة تجمعات الجنوب
*تسلم قيادة القطاع الغربي في جيش لبنان الحر وأصبح مساعدا للرائد سعد حداد ثم تسلم قيادة الجيش بالوكالة عندما مرض الرائد حداد واستمر بعد وفاته حتى مجيء اللواء أنطوان لحد فأصبح مساعده ثم قائدا للواء الغربي في جيش لبنان الجنوبي
*ترك العمل العسكري في 1988 وتسلم العلاقات الخارجية
*شهد أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مرتين
*كاتب سياسي وباحث في التاريخ له الكثير من الكتب والمقالات السياسية التاريخية والانسانية
نشر كتابه الأول “مداميك” (1999) الذي يحكي عن المنطقة الحدودية ومعاناة أهلها، ترجم إلى العبرية ونشرته معاريف (2001) والانكليزية (2012) Madameek – Courses – A struggle for Peace in a zone of war موجود على Amazon Books
*نشر كتابه الثاني “الجنوب جرحنا وشفانا” الذي يشرح الأحداث التي جرت في المنطقة بين 1976 – 1986
*الكتاب الثالث “Our Heritage” كتاب بالانكليزية يلخص التراث اللبناني مع رسومات لزيادة الاستيعاب موجه للشباب المغترب
*كتابه السياسي الثالث “لبنان الذي نهوى” (2022) جاهز للطبع
*كتاب مجزرة عين إبل 1920 وهو بحث تاريخي عن المجزرة التي ساهمت في نشوء وتثبيت لبنان الكبير
*كتاب “المقالات السياسية 2005 – 2013” مئة ومقالة منشور على صفحته
*كتاب “الشرق الأوسط في المخاض العسير” مجموعة مقالات سياسية (2013 – 2025)
*كتاب “العودة إلى عين إبل” بحث تاريخي بشكل قصصي عن تاريخ المنطقة بين 1600 – 1900
*كتاب شعر عن المعاناة خلال الحرب الكبرى 1914 – 1918 من خلال قصيدة زجلية نقدية جاهز للطبع
*كتاب “تاريخ فناء صور الخلفي” بحث تاريخي عن المنطقة الجنوبية – قيد الانجاز
*كتاب المقالات الانسانية وكتاب عينبليات قيد الانجاز

Share