الياس بجاني/رابط فيديو ونص/عربي وانكليزي/ذكرى توقيع اتفاقية القاهرة الكارثية التي شرعت الإحتلالات وداكشت السيادة بأمن لم يتحقق/Elias Bejjani: Anniversary of the Signing of the Catastrophic Cairo Agreement That Legitimated Occupations and Traded Sovereignty for Undelivered Security

25

Anniversary of the Signing of the Catastrophic Cairo Agreement That Legitimated Occupations and Traded Sovereignty for Undelivered Security
Elias Bejjani/November 03/2025

رابط فيديو/ذكرى توقيع اتفاقية القاهرة الكارثية التي شرعت الإحتلالات وداكشت السيادة بأمن لم يتحقق
إلياس بجاني/03 تشرين الثاني / 2025
نستذكر اليوم بغضب وحزن اتفاقية القاهرة، الجريمة والكارثة الوطنية التي تم التوقيع عليها بين لبنان الدولة والمنظمات الفلسطينية الإرهابية. وهي اتفاقية خربت لبنان وقضت على وحدته وقوضت استقلاله وجيَّرت قراره للغرباء الإرهابيين والعروبيين واليساريين والجهاديين الذين احتلوا لبنان ولا يزالون، بدءاً بالمنظمات الفلسطينية، ومن ثم بالاحتلال السوري، وراهناً بالاحتلال الإيراني عن طريق حزب الله الإرهابي والجهادي. فما هي خلفيات هذا الاتفاق الملغي؟ وما هي عواقبه الكارثية المستمرة حتى يومنا هذا؟ ومن كان المسؤول عن التوقيع والتنازل عن لبنان ولماذا؟

دون أدنى شك، فإن اتفاقية القاهرة، التي وُقعت في الثالث من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1969، لم تكن مجرد اتفاق عسكري، بل كانت نقطة تحول كارثية في تاريخ لبنان الحديث، حيث قوّضت سيادته، وشرّعت تواجداً مسلحاً خارج سلطة الدولة، ومهّدت للحروب التي تعرض لها لبنان ولا تزال مستعرة خدمة لأجندات فلسطينية وسورية وعروبية ناصرية وجهادية وإيرانية.

تاريخ توقيع اتفاقية القاهرة والموقّعون والخلفيات
التاريخ ومكان التوقيع: وقع الاتفاق في القاهرة، عاصمة الجمهورية العربية المتحدة (مصر آنذاك)، بتاريخ 03 تشرين الثاني (نوفمبر) 1969.

الموقعون والأطراف
عن الجانب اللبناني: العماد إميل البستاني، قائد الجيش، وذلك في عهد رئيس الجمهورية شارل حلو.
عن المنظمات الفلسطينية: السيد ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.

حضور وتأثير مصري
حضر التوقيع السيد محمود رياض (وزير الخارجية المصري) والفريق أول محمد فوزي (وزير الحربية المصري). وكان للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر دور محوري في استدعاء عرفات والسلطات اللبنانية والضغط من أجل التوصل السريع للاتفاق، حيث قيل إنه نبّه العماد البستاني عند توقيع الاتفاق قائلاً: “الاتفاق ليس لمصلحتكم”.

الخلفية الدامية
 جاء الاتفاق على وقع اشتباكات دموية وعنيفة استمرت لأشهر بين الجيش اللبناني والقوى المحلية الشعبية المسيحية الرافضة للاحتلال الفلسطيني، وبين فصائل المقاومة الفلسطينية التي كانت تتصاعد قوتها وتحالفها مع قوى سياسية لبنانية يسارية وقومية (ما عُرف لاحقاً بالحركة الوطنية اللبنانية). كان جوهر الصراع هو رفض غالبية الأحزاب والمنظمات اللبنانية المسيحية استعمال لبنان كمنصة لعمليات عسكرية ضد إسرائيل أو ساحة لحروب عربية إيديولوجية، على حساب سيادة الدولة اللبنانية واستقرارها.

بنود “اتفاق القاهرة” (النص السري)
نص اتفاق القاهرة المعقود ما بين السلطات اللبنانية والمنظمات الفدائية الفلسطينية
اتفاق القاهرة/قرار رقم : 2550 / د 52 تاريخ : 13/9/1969/سري للغاية/القاهرة، 3/ 11/ 1969
في يوم الاثنين 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 1969، اجتمع في القاهرة الوفد اللبناني، برئاسة عماد الجيش إميل البستاني، ووفد منظمة التحرير الفلسطينية، برئاسة السيد ياسر عرفات رئيس المنظمة، وحضر من الجمهورية العربية المتحدة السيد محمود رياض، وزير الخارجية، والسيد الفريق أول محمد فوزي، وزير الحربية. انطلاقا من روابط الأخوة والمصير المشترك، فإن علاقات لبنان والثورة الفلسطينية لا بد وأن تتسم دوما بالثقة والصراحة والتعاون الإيجابي لما فيه مصلحة لبنان والثورة الفلسطينية، وذلك ضمن سيادة لبنان وسلامته. واتفق الوفدان على المبادئ والإجراءات التالية:
الوجود الفلسطيني: تم الاتفاق على إعادة تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان على أساس:
1 – حق العمل والإقامة والتنقل للفلسطينيين المقيمين حاليا في لبنان.
2 – إنشاء لجان محلية من فلسطينيين في المخيمات لرعاية مصالح الفلسطينيين المقيمين فيها، وذلك بالتعاون مع السلطات المحلية، وضمن نطاق السيادة اللبنانية.
3 – وجود نقاط الكفاح الفلسطيني المسلح داخل المخيمات تتعاون مع اللجان المحلية لتأمين حسن العلاقات مع السلطة، وتتولى هذه النقاط موضوع تنظيم وجود الأسلحة وتحديدها في المخيمات، وذلك ضمن نطاق الأمن اللبناني ومصلحة الثورة الفلسطينية.
4 – السماح للفلسطينيين المقيمين في لبنان بالمشاركة في الثورة الفلسطينية من خلال الكفاح المسلح ضمن مبادئ سيادة لبنان وسلامته.
العمل الفدائي: تم الاتفاق على تسهيل العمل الفدائي، وذلك عن طريق:
1 – تسهيل المرور للفدائيين وتحديد نقاط مرور واستطلاع في مناطق الحدود.
2 – تأمين الطريق إلى منطقة العرقوب.
3 – تقوم قيادة الكفاح المسلح بضبط تصرفات كافة أفراد منظماتها وعدم تدخلهم في الشؤون اللبنانية.
4 – إيجاد انضباط مشترك بين الكفاح المسلح والجيش اللبناني.
5 – إيقاف الحملات الإعلامية من الجانبين.
6 – القيام بإحصاء عدد عناصر الكفاح المسلح الموجودة في لبنان بواسطة قيادتها.
7 – تعيين ممثلين عن الكفاح المسلح في الأركان اللبنانية يشتركون بحل جميع الأمور الطارئة.
8 – دراسة توزيع أماكن التمركز المناسبة في مناطق الحدود والتي يتم الاتفاق عليها مع الأركان اللبنانية.
9 – تنظيم الدخول والخروج والتجول لعناصر الكفاح المسلح.
10 – إلغاء قاعدة جيرون.
11 – يسهل الجيش اللبناني أعمال مراكز الطبابة والإخلاء والتموين للعمل الفدائي.
12 – الإفراج عن المعتقلين والأسلحة المصادرة.
13 – ومن المسلم به أن السلطات اللبنانية من مدنية وعسكرية تستمر في ممارسة صلاحياتها ومسؤولياتها كاملة في جميع المناطق اللبنانية وفي جميع الظروف.
14 – يؤكد الوفدان أن الكفاح المسلح الفلسطيني عمل يعود لمصلحة لبنان، كما هو لمصلحة الثورة الفلسطينية والعرب جميعهم.
15 – يبقى هذا الاتفاق سريا للغاية، ولا يجوز الاطلاع عليه إلا من قبل القيادات فقط.
رئيس الوفد اللبناني
الإمضاء: إميل بستاني
رئيس الوفد الفلسطيني
الإمضاء: ياسر عرفات
3 تشرين ثاني (نوفمبر) 1969.
*المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969″، جمع وتصنيف جورج خوري نصرالله (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الجامعة اللبنانية، 1971)، ص 456 – 457.
*بقي نص هذا الاتفاق سراً إلى أن نشرته صحيفة “النهار” في عددها الصادر في 20/4/1970.

مضار الاتفاق الكارثية والمستمرة
مثّل اتفاق القاهرة، على الرغم من محاولة التخفيف من حدة التوتر الظاهرة، تفويضاً صريحاً لجماعة مسلحة أجنبية بحق السلاح على الأرض اللبنانية، مما أدى إلى تآكل السيادة والقرار الوطني، وقد أسس الاتفاق لـ “دولة ضمن الدولة”، حيث أصبحت المناطق التي يسيطر عليها الفلسطينيون المسلحون، خاصة المخيمات وجنوب لبنان، خارجة عن سلطة الدولة اللبنانية بالكامل.

التخلي عن الجنوب
سمح بـ “تأمين الطريق إلى منطقة العرقوب” وتسهيل العمليات من الجنوب، ما حوّل هذه المنطقة إلى ساحة للصراع المباشر مع إسرائيل، وبدأ مسلسل التدمير والنزوح في جنوب لبنان، وتحملت الدولة اللبنانية نتائج حرب لم تقررها.

جعل لبنان ساحة للحروب
 تحول لبنان إلى “ساحة مفتوحة” للعمل الفدائي والعمليات العسكرية المضادة، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية، وزعزعة الأمن، وتفجير الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) كنتيجة مباشرة للاشتباك بين الميليشيات اللبنانية الرافضة للوضع والميليشيات الفلسطينية المتحالفة مع القوى اليسارية اللبنانية.

تحويل المخيمات إلى جيوب أمنية
 بقيت المخيمات الفلسطينية حتى يومنا هذا خارجة عن سلطة الدولة، لتتحول إلى ملاذات آمنة لـ “تجار كذبة المقاومة”، وتجار المخدرات، والهاربين من العدالة، وأرض خصبة للتنظيمات المتشددة والفوضى.

فقدان السيادة واستمرار الكوارث
منذ توقيع اتفاق القاهرة، يمكن القول بأن لبنان فقد جزءاً كبيراً من سيادته وقراره المستقل. ولم يقتصر الأمر على النفوذ الفلسطيني المسلح، بل امتد ليفتح الباب واسعاً أمام قوى إقليمية أخرى.

النفوذ السوري
استغل نظام الأسد الاتفاق ومن ثم الحرب الأهلية للتدخل عسكرياً وسياسياً، وتحويل لبنان إلى ورقة تفاوضية في يده.
احتلال حزب الله الإيراني: تكررت “جريمة اتفاق القاهرة” مع ظهور ونمو حزب الله (الذي يحمل هوية وأهدافاً إيرانية)، الذي يمتلك سلاحاً خارج سلطة الدولة، ويخوض حروباً ويسيطر على القرار السيادي للبنان، مما يمثل استمراراً لنهج “السلاح غير الشرعي” الذي كرّسه اتفاق القاهرة.

إلغاء الاتفاق وجريمة التكرار
موت الاتفاقية (المقايضة اللبنانية)…مات اتفاق القاهرة وتم إلغاؤه رسمياً بتاريخ 20 أيار (مايو) 1987، بعد فترة وجيزة من انتهاء مفاعيل “اتفاقية 17 أيار” (1983) التي وقعها لبنان وإسرائيل. “مات اتفاق القاهرة، كما ولد، في غمضة عين دامت نحو 18 عاماً… فكانت المقايضة إلغاء مقابل إلغاء.”
خرجت الثورة الفلسطينية المسلحة من بيروت عام 1982 إثر الاجتياح الإسرائيلي، وبذلك انتهى الوجود المسلح الفعلي والعلني لمنظمة التحرير الذي شرّعه الاتفاق، قبل أن يتم إلغاؤه رسمياً بعد ذلك.

تكرار جريمة اتفاق القاهرة
إن الوضع الحالي في لبنان، تحت سيطرة سلاح حزب الله، هو تكرار لجريمة اتفاق القاهرة ولكن بأدوات محلية وإقليمية مختلفة.
الحروب الخاسرة: لا يزال لبنان يدفع ثمن “الحروب الخاسرة” التي يشنها حزب الله ضد إسرائيل، والتي تدمّر الجنوب وتضع البلاد على شفا حرب شاملة، وهو لا يزال غير قابل بتنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار الأخيرة وكل القرارات الدولية: 1559، 1701، 1680، إضافة إلى رفضه احترام الدستور اللبناني بعد تعديله من خلال اتفاقية الطائف التي تطالب بحل كل الميليشيات اللبنانية والغير لبنانية وفرض سلطة الدولة عن طريق قواها الذاتية على كل الأراضي اللبنانية.

التملق والتمكين
إن ما تقوم به الحكومة اللبنانية الحالية ورئاسة الجيش في الوقت الراهن، لجهة تملق حزب الله وعدم إلزامه بتسليم سلاحه للدولة، هو تكرار لنفس الخطيئة التاريخية التي ارتكبتها القيادة اللبنانية في عام 1969: التنازل عن القرار السيادي للدولة مقابل التهدئة المؤقتة أو تحت الضغط الإقليمي، مما يضمن استمرار الكارثة الوطنية.

الخلاصة: في كل مرة تم التخلي عن السيادة مقابل الأمن المزعوم، كان البلد هو الخاسر واللبنانيون هم الضحايا؛ لأن السيادة هي للدولة وحدها وليس لأي مجموعات مسلحة أكانت لبنانية أو غير لبنانية.

Anniversary of the Signing of the Catastrophic Cairo Agreement That Legitimated Occupations and Traded Sovereignty for Undelivered Security
Elias Bejjani/November 03/2025
Today, we remember with anger and sorrow the Cairo Agreement, the crime and national catastrophe that was signed between Lebanon the State and the terrorist Palestinian organizations. This agreement destroyed Lebanon, eliminated its unity, undermined its independence, and handed over its decision-making to foreign terrorists, Arab nationalists, leftists, and jihadists who occupied Lebanon and continue to do so, starting with the Palestinian organizations, then the Syrian occupation, and currently the Iranian occupation through the terrorist and jihadist Hezbollah. What were the backgrounds of this voided agreement? What are its catastrophic consequences that continue to this day? And who was responsible for the signing and the surrender of Lebanon, and why?

Undoubtedly, the Cairo Agreement, signed on November 3, 1969, was not merely a military accord, but a catastrophic turning point in modern Lebanese history. It undermined its sovereignty, legitimized an armed presence outside state authority, and paved the way for the wars that Lebanon was subjected to and which are still raging, serving Palestinian, Syrian, Nasserist Arab nationalist, jihadist, and Iranian agendas.
Date of Signing, Signatories, and Background of the Cairo Agreement

Date and Place of Signing: The agreement was signed in Cairo, the capital of the United Arab Republic (Egypt at the time), on November 3, 1969.
Signatories and Parties: On the Lebanese side: General Emile Boustani, Commander of the Army, during the presidency of Charles Helou.
On the Palestinian Organizations side: Mr. Yasser Arafat, Chairman of the Palestine Liberation Organization (PLO).

Egyptian Presence and Influence
The signing was attended by Mr. Mahmoud Riad (Egyptian Foreign Minister) and General Mohamed Fawzi (Egyptian Minister of War). The late Egyptian President Gamal Abdel Nasser played a pivotal role in summoning Arafat and the Lebanese authorities and pressuring for the swift conclusion of the agreement. It is reported that he warned General Boustani upon signing the agreement, saying: “The agreement is not in your interest.”

The Bloody Background: The agreement came in the wake of bloody and fierce clashes that lasted for months between the Lebanese Army and the local Christian popular forces rejecting the Palestinian occupation, and the Palestinian resistance factions whose power was escalating through their alliance with Lebanese leftist and nationalist political forces (later known as the Lebanese National Movement). The core of the conflict was the rejection by the majority of Lebanese Christian parties and organizations of using Lebanon as a platform for military operations against Israel or an arena for ideological Arab wars, at the expense of Lebanese state sovereignty and stability.

Text Of The Cairo Agreement 1969
IN 1969, under the authority of the then president Charles Helou, the following document was signed by the Head of the Lebanese Delegation General Emile Bustani, and the Head of the Palestinian Delegation Yasser Arafat.
Text
On Monday, 3rd November 1969, the Lebanese delegation headed by Army Commander General Emile al-Bustani, and the Palestine Liberation Organization delegation, headed by Mr. Yasir ‘Arafat, chairman of the organization, met in Cairo in the presence of the United Arab Republic Minister of Foreign Affairs Mahmud Riyad, and the War Minister, General Muhammad Fawzi.
In consonance with the bonds of brotherhood and common destiny, relations between Lebanon and the Palestinian revolution must always be conducted on the bases of confidence, frankness, and positive cooperation for the benefit of Lebanon and the Palestinian revolution and within the framework of Lebanon’s sovereignty and security. The two delegations agreed on the following principles and measures:
The Palestinian Presence
It was agreed to reorganize the Palestinian presence in Lebanon on the following bases:
1. The right to work, residence, and movement for Palestinians currently residing in Lebanon;
2. The formation of local committees composed of Palestinians in the camps to care for the interests of Palestinians residing in these camps in cooperation with the local Lebanese authorities within the framework of Lebanese sovereignty;
3. The establishment of posts of the Palestinian Armed Struggle [PASC] inside the camps for the purpose of cooperation with the local committees to ensure good relations with the Lebanese authorities. These posts shall undertake the task of regulating and determining the presence of arms in the camps within the framework of Lebanese security and the interests of the Palestinian revolution;
4. Palestinians resident in Lebanon are to be permitted to participate in the Palestinian revolution through the Armed Struggle and in accordance with the principles of the sovereignty and security of Lebanon.
Commando Activity
It was agreed to facilitate commando activity by means of:
1. Facilitating the passage of commandos and specifying points of passage and reconnaissance in the border areas;
2. Safeguarding the road to the ‘Arqub region;
3. The Armed Struggle shall undertake to control the conduct of all the members of its organizations and [to ensure] their non-interference in Lebanese affairs;
4. Establishing a joint command control of the Armed Struggle and the Lebanese Army;
5. Ending the propaganda campaigns by both sides;
6. Conducting a census of Armed Struggle personnel in Lebanon by their command.
7. Appointing Armed Struggle representatives at Lebanese Army headquarters to participate in the resolution of all emergency matters;
8. Studying the distribution of all suitable points of concentration in border areas which will be agreed with the Lebanese Army command;
9. Regulating the entry, exit, and circulation of Armed Struggle personnel;
10. Removal of the Jiyrun base.
11. The Lebanese Army shall facilitate the operation of medical, evacuation, and supply centers for commando activity;
12. Releasing detained personnel and confiscated arms;
13. It is understood that the Lebanese authorities, both civil and military, shall continue to exercise all their prerogatives and responsibilities in all areas of Lebanon in all circumstances;
14. The two delegations affirm that the Palestinian armed struggle is in the interest of Lebanon as well as in that of the Palestinian revolution and all Arabs;
15. This agreement shall remain Top Secret and for the eyes of the commands only.
Head of Lebanese delegation
Emile Bustani
Head of Palestinian delegation
Yasir Arafat
Resolution adopted by the Lebanese Chamber of Deputies, 21 May 1987
1. Abrogation of the law issued by the Chamber of Deputies on 14 June 1983, authorizing the Government to ratify the agreement signed by the Government of the Lebanese Republic and the Government of the State of Israel on 17 May 1983.
2. The agreement signed on 3 November 1969 between the head of the Lebanese delegation General Emile Bustani and the Chairman of the PLO and which is known as the “Cairo Agreement” is hereby null and void as if it had never existed. Further, all annexes and measures related to the Cairo Agreement are hereby null and void as if they had never existed.

*The Catastrophic and Ongoing Consequences of the Agreement
Despite the apparent attempt to mitigate tension, the Cairo Agreement constituted an explicit authorization for an armed foreign group to possess weapons on Lebanese soil, leading to:

Erosion of Sovereignty and National Decision
The agreement established a “state within a state,” where areas controlled by armed Palestinians, especially the camps and Southern Lebanon, became entirely outside the authority of the Lebanese state.

Abandonment of the South
Allowing the “securing of the road to the Arqoub area” and facilitating operations from the South transformed this region into an arena for direct conflict with Israel. This initiated the cycle of destruction and displacement in Southern Lebanon, with the Lebanese state bearing the consequences of a war it did not decide.

Turning Lebanon into a War Zone
Lebanon became an “open arena” for Feda’een actions and counter-military operations, leading to the destruction of infrastructure, destabilization of security, and the eruption of the Lebanese Civil War (1975-1990) as a direct result of clashes between Lebanese militias rejecting the situation and Palestinian militias allied with Lebanese leftist forces.

Transforming Camps into Security Enclaves
Palestinian camps remain outside state authority to this day, becoming safe havens for “merchants of the resistance lie,” drug dealers, fugitives from justice, and fertile ground for extremist organizations and chaos.

Loss of Sovereignty and the Continuation of Disasters
Since the signing of the Cairo Agreement, it can be said that Lebanon lost a significant part of its sovereignty and independent decision. This was not limited to armed Palestinian influence but extended to open the door wide to other regional powers.

Syrian Influence
The Assad regime exploited the agreement and then the Civil War to intervene militarily and politically, transforming Lebanon into a bargaining chip in its hand.

Iranian Hezbollah Occupation
The “crime of the Cairo Agreement” was repeated with the emergence and growth of Hezbollah (which holds Iranian identity and goals). It possesses weapons outside state authority, wages wars, and dominates Lebanon’s sovereign decision, representing a continuation of the “illegitimate weapons” approach established by the Cairo Agreement.

The Nullification of the Agreement and the Crime of Repetition
The Death of the Agreement (The Lebanese Barter)…The Cairo Agreement died and was officially annulled on May 20, 1987, shortly after the expiration of the effect of the “May 17 Agreement” (1983) signed by Lebanon and Israel. “The Cairo Agreement died, as it was born, in the blink of an eye that lasted about 18 years… thus, the barter was nullification for nullification.”

The armed Palestinian revolution departed from Beirut in 1982 following the Israeli invasion, thereby ending the effective and open armed presence of the PLO legitimized by the agreement, before it was officially annulled afterward.

The Repetition of the Cairo Agreement Crime
The current situation in Lebanon, under the control of Hezbollah’s weapon, is a repetition of the Cairo Agreement crime but with different local and regional tools.

The Lost Wars
Lebanon continues to pay the price for the “lost wars” waged by Hezbollah against Israel, which devastate the South and place the country on the brink of a comprehensive war. It remains unwilling to implement the recent ceasefire agreement and all international resolutions: 1559, 1701, 1680, in addition to its refusal to respect the Lebanese Constitution after its amendment through the Taif Agreement, which demands the dissolution of all Lebanese and non-Lebanese militias and the imposition of state authority through its own forces over all Lebanese territories.

Appeasement and Empowerment
The actions of the current Lebanese government and the Army leadership at present, in terms of appeasing Hezbollah and not compelling it to surrender its weapons to the state, are a repetition of the same historical mistake committed by the Lebanese leadership in 1969: the surrender of the state’s sovereign decision in exchange for temporary calm or under regional pressure, thus ensuring the continuation of the national catastrophe.

Conclusion
Every time sovereignty was abandoned in exchange for purported security, the country was the loser and the Lebanese were the victims, because sovereignty belongs to the state alone and not to any armed groups, whether Lebanese or non-Lebanese.

 

 

متفرقات تصاريح ووثائق ومقالات وتحليلات تتناول خلفيات تاريخية متفرقة تتعلق باتفاقية القاهرة وظروف توقيعها

اتفاق القاهرة (1969)/نقلاً عن ويكبيديا
اتفاق القاهرة (1969)
تعديل – تعديل مصدري – تعديل ويكي بياناتحول القالب
اتفاق القاهرة 1969 هو اتفاق تم التوقيع عليه في 3 نوفمبر 1969 في القاهرة لغرض تنظيم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، قام الرئيس اللبناني آنذاك شارل حلو بإرسال وفد لبناني برئاسة قائد الجيش إميل البستاني إلى القاهرة للتحادث والتفاوض مع ياسر عرفات وتحت إشراف وزير الدفاع المصري محمد فوزي، ووزير الخارجية المصري محمود رياض.
احداث نهر البارد
بعد النصر الذي حققته الثورة الفلسطينية بمعركة الكرامة يوم 21 آذار 1968 بدأ أبو علي إياد بتاسيس قواعد للفدائيين الفلسطينيين على امتداد الحدود الأردنية الفلسطينية كما انه اقام قواعد عسكرية في الجولان وعمد إلى تنظيم الشباب الفلسطيني داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، في تلك الفترة اصدر قرارا لحركة فتح ببناء مكتب على قطعة ارض تبرع بها أبو عاطف شعبان، فتوجه عدد من الشباب يوم 28 ايلول 1969 لوضع الاساسات وبناء بعض الحيضان فعلمت الدولة اللبنانية بذلك فتم تحريك قوة عسكرية مؤللة وطلبوا بايقاف البناء وتم اعتقال أبو عاطف شعبان وعندها شاع الخبر بين اهالى المخيم فتجمع الاهالى باعداد كبيرة على الشارع العام وقطعوا الطريق الدولى الذي يمر في المخيم وأخذوا بالهتاف ضد الشعبة الثانية (عسكر على مين يا عسكر عفدائيين يا عسكر) ومطالبة باطلاق سراح أبو عاطف شعبان ولكن الضابط في الجيش اللبنانى رفض إطلاق سراحه كما انه امسك بالفدائي ابراهيم الشناوي عندها اندفعت إحدى بنات المخيم واسمها عليا خليل لقبها عليا الخرسا نحو الضابط اللبناني وقامت بضربه بالعصا على راسه فنزل الدم بغزارة من راسه. انسحب الجيش اللبناني وملالاته إلى جهة بلدة العبدة القريبة من مخيم نهر البارد لكن الأهالي استمروا بغضبهم واندفعوا من خلال مظاهرة ضخمة إلى المخفر في المخيم ودمروه وهجموا على عناصره ومن ضمنه مسوؤل المخفر أبو على بصل وبعد ذلك انطلقوا إلى مركز المكتب الثانى والذي كان يقوم بالمداهمة فأثاروا العبث فيه.
عملية عسكرية في شمال لبنان
في تلك الفترة أخذ أبو علي اياد القرار بالقيام بعملية عسكرية واسعة شملت الحدود والجمارك والمخافر في شمال لبنان ولم تكن هذه الخطوة الفلسطينية بعيدة عن كمال جنبلاط زعيم الحركة الوطنية اللبنانية. وقد تحرك يومها فاروق المقدم في منطقة سير الضنية وطرابلس ودخلت عناصر الفدائيين من سوريا نحو المناطق الشمالية الممتدة من مشتي حسن ومشتي حمود حتى الدبوسية والعبودية والعريضة وطلب من الفدائيين عدم المساس بافراد الشرطة والحفاظ عليهم وتم السيطرة على ستة وسبعون مخفرا ومراكز الأمن العام والشعبة الثانية كما دخلت مجموعة فدائية عبر البحر إلى مخيم نهر البارد كان على راسها منذر أبو غزالة كذلك قام فاروق المقدم بالسيطرة على المخافر في مدينة طرابلس والقلعة الأثرية.
مفاوضات في القاهرة
بعد هذه الاحداث تدخل الرئيس جمال عبد الناصر بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية من خلال مفاوضات في القاهرة تمثلت بالرئيس ياسر عرفات وقائد الجيش العماد اميل البستاني وخرجت بنتائج كان من اهمها تنظيم العلاقة اللبنانية – الفلسطينية والسماح للمقاومة الفلسطينية باقامة قواعد عسكرية في الجنوب اللبناني وخاصة في منطقة العرقوب والقطاع الأوسط والشرقي وممارسة العمل السياسى داخل المخيمات وعدم رجوع المخافر إلى داخل المخيمات والمكتب الثاني اللبناني وقد تولي سعيد السبع الاشراف على تطبيق اتفاق القاهرة في منطقة الشمال وذلك من خلال تسليم الاسلحة التي تم مصادرتها وكذلك تسليم عناصر الجيش والجمارك والمخافر والمكتب الثانى للدولة في ثكنة القبة كما انه اجتمع مع فاروق المقدم الذي كان ناشطا في حركة فتح وذلك من اجل تسليم القلعة الاثرية واغلاق قاعدة جيرون العسكرية بمنطقة سير الضنية والتي وردت في اتفاقية القاهرة فرفض هذا الاتفاق واعتبر ان الثورة الفلسطينية تخلت عنه لصالح الاتفاق مع الدولة اللبنانية، مما دفعه إلى الانشقاق عن حركة فتح وتاسيس حركة 24 تشرين.
من بنود هذه الاتفاقية مايلي:
تشكيل لجان للفلسطينيين وإنشاء نقاط للكفاح المسلح داخل المخيمات الفلسطينية ووجود ممثلين في الأركان اللبنانية.
تسهيل المرور والطبابة والإخلاء والتموين للفدائيين.
تأمين الطريق إلى العرقوب والسماح للفلسطينيين المقيمين في لبنان بالمشاركة في الثورة الفلسطينية.
اتفاق القاهرة 1969 أعطى الشرعية لوجود وعمل المقاومة الفلسطينية في لبنان. حيث تم الاعتراف بالوجود السياسي والعسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية من قبل لبنان، وتم التأكيد على حرية العمل الفدائي انطلاقاً من أراضي لبنان. حمى هذا الاتفاق الفلسطينيين، من المحاولات المتعددة لنزع سلاحهم. اعتبر البعض هذا الاتفاق متعارضا مع مبادئ سيادة الدولة اللبنانية ويتضمن بنوداً تتعارض وأحكام القوانين اللبنانية ولم يكن لهذه الاتفاقية دور ملموس على الساحة العملية لتحسين العلاقات بين القيادتين اللبنانية – الفلسطينية ومن جانب أخر اعتبرت إسرائيل اتفاق القاهرة خرقا للهدنة المعقودة بينها وبين لبنان سنة 1949. حظي اتفاق القاهرة عند إعلانه بتأييد أكثرية القيادات السياسية ولكنه وبعد غزو لبنان 1982 باتت أكثرية القيادات مؤيدة لإلغائه أو اعتباره باطلاً. لكن القيادات الفلسطينية، وعلى رأسها ياسر عرفات، بقيت تعلن تمسكها بهذا الاتفاق.
إلغاء الإتفاق
في حزيران 1987، وقع الرّئيس اللبناني امين الجميّل على قانون يلغي اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية. وكان قد تمت الموافقة على قانون إلغاء الاتفاق من قبل البرلمان اللبناني في 21 مايو 1987 وتوقيعه في وقت لاحق من قبل رئيس الوزراء سليم الحص.


قصة اتفاق القاهرة (3/12/1969) أبو عمار للوفد اللبناني: ساعدوني كي أعود إلى وطني
من أرشيف جريدة السفير
المؤلف: السبع حسن | التاريخ: 2004-11-12 | رقم العدد:9947
بدأ دخول »الكفاح المسلح الفلسطيني« الى لبنان، ومنه الى فلسطين، بطريق التسلل، بداية، مباشرة بعد هزيمة حزيران 1967. ولقد أحدث هذا الدخول زلزالا في الداخل اللبناني، كما خصوصا ان الحدود اللبنانية الفلسطينية طويلة، ويمكن منها الحاق ضرر عظيم بمصالح العدو الاسرائيلي. وكان الرد الاسرائيلي عنيفا على لبنان وليس على الفلسطينيين، وبين محطاته البارزة الغارة الجوية الاسرائيلية على مطار بيروت حيث دمر العدو 13 طائرة تابعة لطيران الشرق الاوسط، كانت في مطار بيروت.. وعلى المستوى الشعبي، سرعان ما تزايد التعاطف مع هؤلاء الشبان الذين نذروا انفسهم للموت، وتبرع الكثير من الشباب الوطني ليكونوا الادلاء، في مدن وقرى الخط الحدودي عموما، ولا سيما في منطقة العرقوب، التي تضم في ما تضم مزارع شبعا.. بالمقابل، اقام »اليمين اللبناني« ما اتخذ تسمية سياسة »الحلف الثلاثي«، مستفيداً من مناخ هزيمة 1967 وتراجع الزخم القومي وتعثر الجهد العربي من اجل التحرير والتقدم. وسرعان ما انتقل الصراع السياسي الى الشارع، في بيروت وسائر المناطق، وقد اتسم أكثر فأكثر بطابع شبه طائفي.
وفي 23 نيسان 1969، وقع الصدام الدموي الخطير بين متظاهرين مؤيدين للعمل الفدائي وبين الجيش اللبناني، في منطقة مستشفى البربير. فكان رد فعل رئيس الحكومة آنذاك الراحل رشيد كرامي ان اعتكف في منزله، رافضا ان يباشر عمله الرسمي، قبل التوصل الى حل لهذه المعضلة. وكان لا بد من وساطة ومن وسيط، ولم يكن ثمة من هو مؤهل لمثل هذا الدور الا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، باعتباره المرجعية العربية المسلّم لها وبها… وهكذا ذهب وفد لبناني رسمي الى القاهرة، وتولى قيادته عمليا قائد الجيش آنذاك المرحوم العماد اميل البستاني، مع سفير لبنان لدى مصر، مقابل ياسر عرفات وبعض رفاقه من قيادة العمل الفلسطيني، وتحت رعاية المرحوم محمود رياض، وزير خارجية عبد الناصر. وبعد مفاوضات صعبة، امكن الوصول الى اتفاق القاهرة الشهير الذي نظم دخول »الفدائيين« الى لبنان وحدد اماكن تمركزهم، وسائر التفاصيل المتعلقة بعملهم وعلاقتهم مع السلطة. ومن باب استعادة بعض ملامح الطريق التي سلكها الفلسطينيون للعودة الى فلسطين، ننشر حكاية الاتفاق ونصه الذي ألغي في ما بعد…
خلال العام 1968 كانت قواعد العمل الفدائي الفلسطيني قد تركزت في مناطق الحدود الاردنية المواجهة لاسرائيل، وكان بديهيا ان يتم التفكير بتركيز قواعد فلسطينية في جنوب لبنان، خاصة ان الشعار الفلسطيني الذي كان مرفوعا بقوة آنذاك، هو شعار حق الفدائيين بالانطلاق من كل ارض عربية للعمل ضد اسرائيل، وكان هذا الشعار يلقى تأييدا وتجاوبا من الجماهير العربية داخل هذه البلدان. مع الوقت لم تحتمل التركيبة السياسية والطائفية اللبنانية انتشار هذا الشعار (كل الحدود والاراضي العربية مفتوحة امام العمل الفدائي)، وقد جاءت الغارة الاسرائيلية على مطار بيروت لتطلق المخاوف (28/12/1968) بشكل جعل الكثير ممن كتبوا عن »الحرب اللبنانية/1975« يأخذون من ذلك التاريخ عنوانا رئيسيا في محطات هذه الحرب المدمرة. ومع الانقسام اللبناني حول العمل الفدائي، اعلن موشي دايان وزير الدفاع الاسرائيلي: ان معسكرات »فتح« قد تعززت في لبنان وان اسرائيل تنظر بقلق الى حشود الفدائيين فيه. وفي 16 نيسان 1969 حاصر الجيش اللبناني قوات فدائية في قرية كفركلا الجنوبية، وأثار الحادث ضجة كبيرة داخل لبنان،
وزاد الانقسام اللبناني حول العمل الفدائي وظهر اكثر وضوحا في تظاهرة دعت اليها الاحزاب الوطنية والتقدمية يوم (23/4/1969). مظاهرة 23 نيسان والاشتباكات التي تلتها، فتحت الباب امام اول رسالة عربية بين لبنان والفدائيين، ففي اليوم التالي وصل الى بيروت حسن صبري الخولي ممثلا شخصيا للرئيس جمال بعد الناصر، كما وصل في اليوم نفسه ياسر عرفات على رأس وفد فلسطيني، وعقد اجتماع في القصر الجمهوري، وعقد اجتماع ثان في وزارة الدفاع بين قيادة الجيش والوفد الفلسطيني. بعد خمسة اشهر، كشف ابو عمار النقاب عما دار في تلك الاجتماعات، قال انه قد تم خلالها اتفاق مع العماد البستاني قائد الجيش على ضمان حرية العمل الفدائي في شمال فلسطين، ولكن مرجعا لبنانيا (لم يسمه عرفات) اتصل بعد ذلك هاتفيا وابلغهم الغاء الاتفاق لأنه لم ينل رضى كافة القوى السياسية اللبنانية وان الموضوع قد يفجر غضب بعض الفئات اللبنانية. وفي شهر تشرين الاول 1969، اتسع نطاق الازمة على كافة الاصعدة، فقد وقعت اشتباكات كبيرة بين الجيش اللبناني وقوات من حركة »فتح« تلتها اشتباكات في مدينة طرابلس، وأدت الاحداث الى بروز مواقف عربية شديدة ضد الموقف اللبناني، فأغلقت سوريا حدودها مع لبنان وكانت مواقف لكل من ليبيا والجزائر والكويت والسودان. هنا بدأت الوساطة العربية الثانية.
اتصل الرئيس جمال عبد الناصر بالرئيس اللبناني شارل الحلو وقائد »فتح« ياسر عرفات وطلب منهما »وقف الاقتتال والجلوس مع بعض والقاهرة ترحب بكما على الفور«. وفي تفاصيل نشرتها مجلة »اليوم السابع« (حزيران 1987) ذكرت ان اجتماعا سريا عقد في القاهرة بين مسؤول فلسطيني (خالد اليشرطي) ومبعوث لبناني (جان عبيد) امتدت لأكثر من اسبوع ومهدت الطريق امام ما سمي فيما بعد ب »اتفاق القاهرة«. و»اتفاقية القاهرة« هي تلك الاتفاقية التي عقدت في العاصمة المصرية يوم الثاني من تشرين الثاني 1969 بين الحكومة اللبنانية التي كان يمثلها في ذلك الحين قائد الجيش اميل البستاني ومنظمة التحرير الفلسطينية وكان يمثلها ياسر عرفات، وصل عرفات الى القاهرة يوم (1/11/1969) يرافقه وفد فلسطيني سياسي وعسكري، واجتمع في اليوم الثاني (حسب الرؤية الفلسطينية) مع وزير الخارجية المصرية محمود رياض الذي دخل بالموضوع مباشرة وسأل: ماذا تريدون من لبنان؟ ورد عليه عرفات بايجاز: نريد حق التواجد العسكري في الجنوب، ونريد حفظ كرامة الفلسطيني من خلال ضمان حقه بالعمل والتنقل. ومضى رياض قائلا: »اريد ان اسألكم هل تريدون قواعد عسكرية ثابتة في جنوب لبنان؟..
واضاف يشرح موقفه: ان وجود قواعد عسكرية قد يكون امرا غير مفيد وأنا اقترح عليكم انشاء نقاط تمركز فقط في منطقة العرقوب، ونقاط التمركز في العلم العسكري تعني نقاط التجمع من اجل الانطلاق، ونقاط التجمع في العودة من اجل الراحة وهذا افضل لكم ويمكن ان نخوض مفاوضات صعبة مع الوفد اللبناني بشأنها، ولكن الاصعب ان تتحدثوا عن قواعد عسكرية«. يقول قائد الجيش الاسبق اميل البستاني بعد ان يشير الى »هرب« الرئيس الراحل للحكومة اللبنانية في ذلك الوقت رشيد كرامي من مهمة رئاسة الوفد اللبناني الى القاهرة: »استمرت المناقشات مع الوفد الفلسطيني في اليوم الاول ساعات طويلة، وكان لقاء لي مع الرئيس جمال عبد الناصر أكد لي حرفيا: »لبنان واحة هدوء وثقافة ووحي وتقدم بالنسبة الى كل العرب، علينا السهر عليه، يقبله المسلمون كما هو ويتكيف مسيحيون مع عروبة متطورة متساهلة ومفيدة. هكذا كان رأيي منذ احداث 1958 وحتى اليوم«. وتتالت الاجتماعات مع الوفد الفلسطيني وكان في عداد الوفد اللبناني كل من سامي الخطيب والسفير حليم ابو عز الدين. وفي يوم (3/11) كان الحسم وتم توقيع »اتفاق القاهرة« بعد اتصالات مع القصر الجمهوري في بيروت وأخذ موافقة الرئيس شارل حلو. وجاء في احدى الروايات ان »ابو عمار« قال في احدى الجلسات انه لا يعتبر ما يجري في هذه الغرفة حديثا بين وفدين، بل حديث بين وفد واحد، والوفد الفلسطيني يعتبر العماد البستاني رئيسا له. ثم اضاف موجها الحديث الى المقدم سامي الخطيب: »ان ضباطك يا سيادة المقدم قد ارتكبوا مجزرة بحق المقاتلين الفلسطينيين، حاصروهم وقتلوهم«. ثم توجه عرفات بكلامه الى العماد البستاني قائلا: ارجو ان تسامحني على انفعالي، وكلامي الذي قلته ليس موجها لك، فأنا كما قلت اعتبرك رئيسا لوفدنا، ويسرني ان اكشف لك ان الرئيس عبد الناصر اكد لي ان اي اتفاق يوقع عليه برعايته يجب الالتزام به وتطبيقه بحذافيره من قبل الفريقين الموقعين.
ويقول العماد البستاني في مذكراته »ان عرفات قال حرفيا انه سوف يجعل من اتفاقنا مبدأه السياسي والعسكري الدائم وسوف يتبع بدقة التعهدات التي قد يتضمنها الاتفاق والضمانات التي قدمها للرئيس عبد الناصر بما يكفل احترام السيادة اللبنانية وسلامته والمصالح الوطنية لبلدكم… كل ما نبغيه هو استعادة اراضينا، ونكن للبنان، في نضالنا الشاق، عاطفة خاصة وامتنانا بلا حدود. أنا لا اريد من لبنان سنتمرا واحدا… اريد العودة الى وطني، ساعدوني وأنا شاكر«. يضيف البستاني ان »ممثل عرفات في الاجتماعات خالد اليشرطي كان يتصرف بكثير من التفهم والاستقامة في حين كان ممثل كل من جورج حبش ونايف حواتمة على درجة من التوتر والانفعال«.
*** 20/5/1987. مات اتفاق القاهرة، كما ولد، في غمضة عين دامت نحو 18 عاماً. راح اتفاق القاهرة »بمقايضة على الطريقة اللبنانية بعد ان تغير كل شيء مع خروج الثورة الفلسطينية من بيروت عام 1982 ودخول الجيش الاسرائيلي العاصمة بيروت وتوقيع اتفاقية 17 ايار… فكانت المقايضة الغاء مقابل الغاء. … والمزيد من التفاصيل حول اتفاق القاهرة والتجربة الفلسطينية في لبنان، ايجابياتها وسيئاتها، حلوها ومرها، تبقى في دفاتر »ابو عمار« لعلنا نقرأها ذات يوم.

إتفاقية القاهرة-انتهاك للسيادة في سبيل الرئاسة
الوقائع قبل الاتفاقية
موقع الدولية للمعلومات
https://monthlymagazine.com/ar-article-desc_3062_
بدأت المنظمات الفلسطينية المسلحة لاسيما حركة فتح بالنشاط العسكري في لبنان منذ العام 1963 وقد أخذ هذا النشاط بالتصاعد بعد حرب حزيران 1967 حيث أصبح هذا الوجود واقعاً قائماً وأصبح السلاح منتشراً بكثرة، وانقسم اللبنانيون بين مؤيد لهذا السلاح (أكثرية المسلمين) ومعارض له (أكثرية المسيحيين) .
وقد عارض الحلف الثلاثي الذي انبثق عن الانتخابات النيابية في العام 1968 (تحالف مسيحيين ضم أحزاب الكتائب، الأحرار، الكتلة الوطنية) حكومة الرئيس رشيد كرامي المؤيدة للنهج الشهابي (المؤيد للرئيس فؤاد شهاب والمعارض للحلف الثلاثي) ودعوا إلى تشكيل حكومة جديدة والى إضراب عام مفتوح، رد عليهم أخصامهم باتهامهم بالطائفية والرغبة في إبعاد الجيش اللبناني والاتيان بقوات دولية بهدف تحييد لبنان في الصراع العربي-الإسرائيلي، وعلى أثر اشتباكات بين الجيش اللبناني وفدائيين فلسطينيين في منطقة كفركلا في الجنوب في 16 نيسان 1969، دعت الأحزاب والقوى اليسارية إلى الإضراب والتظاهر في 23 نيسان متهمين الجيش اللبناني بالعمل على تصفية القضية الفلسطينية، إبّان هذه المظاهرات وقعت صدامات عنيفة بين المتظاهرين والقوى الأمنية بدأت في صيدا وانتقلت إلى بيروت وبر الياس في البقاع وسقط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين، وفي 24 نيسان قدم رئيس الحكومة رشيد كرامي استقالته احتجاجاً معتبراً أن اللبنانيين منقسمون حول وضع الفدائيين وحركتهم المسلحة وأن على اللبنانيين أن يحددوا سياسة وحدة حول هذه المسألة وإلا فلن تستطيع أي حكومة أن تواجه الأزمة.. وجرت محاولة لتسوية الأزمة بعد نحو شهر عندما تفاهم قائد الجيش اللبناني العماد آميل بستاني مع ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، على مشروع اتفاق لم يبصر النور لأن رئيس الجمهورية شارل الحلو رفض مبدأ توقيع اتفاق خطي بين الدولة اللبنانية وميليشيا مسلحة.
تفاقمت الأوضاع واستمرت الاشتباكات والاحتجاجات وتوقف كرامي من تصريف الأعمال الحكومية وأعلن الزعماء المسلمون في اجتماع عقدوه برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد في 23 تشرين أول أنهم يربطون مسألة مشاركتهم في السلطة بإلغاء التدابير التي تعيق حركة الفدائيين، عندها أيقن الرئيس شارل الحلو أن لا حل للازمة السياسية-الحكومية-الوطنية إلا بالحوار والاتفاق مع الفلسطينيين برعاية مصرية ما يؤدي إلى تغير موقف الزعماء اللبنانيين المسلمين.
اتفاق القاهرة
كان من المقرر أن يكون الوفد اللبناني المفاوض برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال رشيد كرامي لكنه لأسباب مجهولة امتنع عن الذهاب وتشكل الوفد برئاسة قائد الجيش العماد آميل بستاني، الأمين العام لوزارة الخارجية نجيب صدقة والرائد سامي الخطيب من الجيش اللبناني والسفير اللبناني لدى مصر حليم أبو عز الدين، ووصل الوفد إلى القاهرة في 26 تشرين أول 1963 وبعد 3 أيام انسحب صدقة من المفاوضات وعاد إلى بيروت بحجة المرض ولكن السبب الحقيقي كان رفضه مسودة الاتفاق المعروض على لبنان. عقدت 5 جولات في المفاوضات قبل الاتفاق على الصيغة النهائية وبعد عرض مشروع الاتفاق على الرئيس شارل الحلو تردد بالقبول. ويروي الوزير فؤاد بطرس في مذكراته أن الرئيس الحلو عرض عليه مسودة الاتفاق وكان رد بطرس “أما إلا تقبل به، وتندلع المواجهات الآن، وأما أن تقبل به وتندلع الحرب بعد 5 سنوات”.
ويروي الرائد (اللواء) سامي الخطيب في كتابه في “عين العاصفة” وقائع ما جرى في اللحظات الأخيرة قبل التوقيع:… وكان أول المعترضين على ذلك الرئيس شارل حلو الذي بعث الدكتور نجيب صدقة بصورة مفاجئة إلى القاهرة يوم 3/11/1969، ووصل إليها في الساعة 11 قبل الظهر وهاتفني من مطار القاهرة، وقال أنا آت فوراً إليكم برسالة عاجلة من فخامة الرئيس، وطلب مني أن أقول للعماد بستاني أن لا يوقع على الاتفاقية حتى يصل هو إلى قاعة الاجتماع في وزارة الحربية، فقمت على عجل وأعلمت العماد بستاني الذي كان قد أصبح على طاولة الاجتماعات مع باقي الوفود المشتركة، وحصلت الموافقة على الاتفاقية وأرسلت للطبع النهائي، وأحضر الصحافيون ورجال الإعلام، فقال العماد: بلغّه ما دام هو على الخط بأننا وقعنا ونحن آسفون، وأضاف أمامي: موجهاً كلامه للسفير أبو عز الدين ولي: نحن عندنا كرامة ايضاً وسنكون حريصين عليها، أن هذا التصرف ينطوي على اهانة وعدم ثقة واستخفاف بنا وبي شخصياً وأنا لن أقبل هذا، وبالفعل جيء بالاتفاقية مطبوعة على ثلاث نسخ فوقعها كل من أبي عمار والعماد بستاني كما هو واضح على الاتفاقية، وعندما وصل الدكتور صدقة كان كل شيء قد انتهى، فأعلمنا أن الرئيس حلو كان يريد بعض التعديلات على الاتفاقية، لأنه يخشى من سلبيات بعض بنودها وردود الفعل عليها من الفئات المعارضة.
وتعليقاً على هذا القول، يهمني هنا أن أوضح(الخطيب) وللتاريخ أن العماد بستاني كان يتصل يومياً بين الساعة 19 و20 وبحضورنا أي السفير أبو عز الدين وأنا، بالرئيس حلو هاتفياً من جناحه في الفندق ويعلمه بالتفصيل عما دار في اليوم الذي نحن فيه، وكان يقرأ له البنود التي نوقشت وبالصيغة النهائية التي أقرت، وكان الرئيس حلو يسأل على الهاتف عن كل تفصيل مهما كان حجمه وموقعه، والعماد بستاني يشرح الآراء والمناقشات وحتى أحياناً كيفية إقرار كل بند، لذلك كانت عملية إرسال الدكتور صدقة بهذا الشكل مستغربة جداً منا جميعاً.
وقع الاتفاق العماد آميل البستاني ويقال إنه كان مدركاً خطورة الاتفاق على أمن وسيادة لبنان ولكنه كان يسعى ليفوز بالرئاسة وعليه إرضاء الرئيس عبد الناصر كما أن الرئيس شارل حلو قبل بالاتفاق على أمل أن تسمح الظروف القادمة بلجم الوجود الفلسطيني وتأخير انفجار الصراع.
وتوقيع الاتفاق الذي تم في 3 تشرين الثاني أتاح تشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس رشيد كرامي في 25 تشرين الثاني أي بعد مرور 7 أشهر على استقالته.
الاتفاقية سرية
لم يعلن عن بنود الاتفاقية أو تتم المصادقة في مجلس النواب عليها بل أن رئيس الحكومة وأثناء تلاوته البيان الوزاري لحكومته أورد ما يلي “….. و يعلم الجميع أن لبنان لم يترد يوماً في مساعدة الشعب الفلسطيني الشقيق وقد عقد مع قادة المنظمات الفلسطينية اتفاقاً في القاهرة أخذ فيه بعين الاعتبار في آن واحد، واجب الحفاظ على سيادة البلد وأمنه من جهة، وضرورة إسداء أقصى ما يمكن إسداؤه من عون وسند للمقاومة الفلسطينية من جهة ثانية لكي تؤدي رسالتها وتسهم في مواجهة العدوان الصهيوني…..”
لم يعلن عن بنود الاتفاقية تحت ذريعة السرية (كشف عن بنودها لاحقاً وفقاً لما هو مبين في نص الاتفاقية)
هذه الاتفاقية لم تمنع الاحتكاكات بين الجيش اللبناني والمنظمات الفلسطينية، كما أدت إلى بدء إسرائيل بشن غارات انتقامية على قرى الجنوب اللبناني وتهجير الأهالي. وهكذا فقد كانت هذه الاتفاقية مصدر ضرر وشرر على لبنان، كما أنها لم توصل موَقّعَها إلى رئاسة الجمهورية.
“وبعد خراب البصرة” كما يقال ألغى مجلس النواب الاتفاقية في العام 1987 مع إلغاء اتفاقية 17 أيار موجب القانون رقم 25/87 والذي نص على ما يلي:
مادة وحيدة
1- يلغى القانون الصادر عن مجلس النواب بتاريخ 14/6/1983 الذي أجاز للحكومة إبرام الاتفاق المعقود بين حكومة الجمهورية اللبنانية وحكومة إسرائيل بتاريخ 17/أيار/1983.
2- يعتبر الاتفاق الموقع بتاريخ 3 تشرين الثاني 1969 بين رئيس الوفد اللبناني العماد آميل بستاني ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية والمعروف باتفاق القاهرة لاغيا وكأنه لم يكن وساقطا.
كما تعتبر جميع الاتفاقات والملحق المرتبطة باتفاق القاهرة والإجراءات المتعلقة فيه لاغيه وكأنها لم تكن وساقطة.
3- يعمل بهذا القانون فور نشره في الجريدة الرسمية.
بعبدا في 15 حزيران 1987
الإمضاء: أمين الجميل
صدر عن رئيس الجمهورية
رئيس مجلس الوزراء بالوكالة
الإمضاء: سليم الحص
وزير الخارجية والمغتربين بالوكالة
الإمضاء: سليم الحص


أسرار اجتماعات «اتفاق القاهرة» بين لبنان والفلسطينيين عام 1969
بيروت: «الشرق الأوسط»/14 أيار/2023
كشف العميد اللبناني جان ناصيف، الذي كان ضابطاً في جهاز المخابرات الذي كان معروفاً بـ«الشعبة الثانية»، أسراراً عن المفاوضات التي رافقت التوصل إلى «اتفاق القاهرة» بين لبنان والمقاومة الفلسطينية سنة 1969.
وفي مذكراته، التي تصدر بعنوان «سيرة عسكرية وعبر وطنية»، يروي ناصيف كيف تردّد الرئيس اللبناني آنذاك شارل حلو، ورئيس الحكومة رشيد كرامي، في ترؤس الوفد اللبناني إلى المفاوضات التي ترأسها من الجانب الفلسطيني ياسر عرفات. ويتحدَّث كيف عمد عرفات إلى تأخير وصوله إلى القاهرة، للتأكد من حصوله على دعم العدد الأكبر من الدول العربية. وعندما وصل إلى القاهرة في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1969، كانت قد صدرت مواقفُ عربية داعمة للمطالب الفلسطينية، ما جعل الوفد اللبناني الذي كان برئاسة قائد الجيش العماد إميل بستاني في وضع ضعيف جداً. وبعد عودة الوفد اللبناني إلى بيروت، اجتمع الضباط لمراجعة بنود الاتفاق التي كانت سرية، وتبيَّن أنَّ البند الوحيد الذي يحمي السيادة اللبنانية كان البند 13، بينما تجيز البنود الأخرى للفلسطينيين التنقل داخل لبنان، والتسلّح ضمن المخيمات، والقيام بالعمل العسكري ضد إسرائيل انطلاقاً من لبنان. ويذكر العميد ناصيف أنَّ ضمير الرئيس حلو لم يكن مرتاحاً لاحقاً إزاء عدم تصرّفه بحزم حيال «اتفاق القاهرة»، وبقي يحاول طوال حياته التنصّل إعلامياً منه.

أسرار الاجتماعات التي أدت إلى «اتفاق القاهرة» بين لبنان والفلسطينيين كشفها ضابط متقاعد في الجيش اللبناني تابع المفاوضات عام 1969
بيروت: «الشرق الأوسط»/14 أيار/2023
صدر للعميد الركن المتقاعد جان ناصيف، كتاب مذكراته بعنوان «سيرة عسكريّة وعِبَر وطنيّة» (الرئيس فؤاد شهاب – المكتب الثاني – اللجنة الأمنيّة الرباعيّة). ويقام حفل التوقيع في كليّة فؤاد شهاب للقيادة والأركان برعاية قائد الجيش العماد جوزف عون في 24 مايو (أيار) المقبل. rnيعرض العميد ناصيف تفاصيل عمله ضمن فريق المكتب الثاني (مخابرات الجيش اللبناني) وعلاقته بالرئيس شارل حلو، وخصوصاً بالرئيس فؤاد شهاب الذي كان من أقرب الضباط إليه. ويلقي الضوء على ابتعاد الرئيس حلو عن خط الشهابية، وانعكاسات التطورات الإقليمية على الوضع السياسي في لبنان، خصوصاً موضوع تسلح الفلسطينيين، وعن تفاصيل ظروف إبرام «اتفاق القاهرة»، الذي يقول عنه إنه مسّ بالسيادة اللبنانيّة. ثم يشرح ما تعرّض له ضباط «المكتب الثاني» من ملاحقة وإبعاد ومحاكمة قبل التبرئة، وموقف الرئيس شهاب من هذا الموضوع، وكيف أثر التعرّض لأقوى جهاز أمن لبناني إلى إضعاف الدولة والجيش واستباحة الساحة اللبنانية أمنياً وسياسياً. ويتكلّم العميد ناصيف بإسهاب عن شخصية الرئيس شهاب وأطباعه، وقناعاته، وأسس ما عرف بـ«النهج الشهابي».rnكما يذكر مواجهته مع الجنرال الإسرائيلي الذي كان على رأس القوى المعادية التي وصلت إلى محيط ثكنة الفياضية عام 1982، وتمثيله الجيش اللبناني في اللجنة الأمنية الرباعية من عام 1983 لغاية عام 1990 خلال عهد الرئيس أمين الجميّل وحكومة العماد ميشال عون. rnوهنا مقتطفات من الفصل 9 من الكتاب الذي يتناول نمو الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان اعتباراً من عام 1967 وتوقيع «اتفاق القاهرة» (1969):
«نتيجةً لهزيمة 1967، بدأت تنمو الفكرة الفلسطينيّة بالاتكال على الذات لتحرير الأرض. فالفشل المدوّي للجيوش العربيّة النظاميّة، أدّى إلى ولادة منظمة التحرير الفلسطينيّة بدعم مالي كبير من دول الخليج العربي، ونمت فكرة المقاومة وتطوّرت بعد الحصول على السلاح السوفياتي وتكثيف الدورات التدريبيّة. فبات للفلسطينيين تنظيم عسكري جدّي، له وجود في كل من مصر وسوريا والأردن أولاً، ومن ثم لبنان… كان ضمن الجهاز الداخلي في الشعبة الثانية فرع لمراقبة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، تمكّن في البداية من ضبط المخيمات بصورة صارمة، ومنع وجود سلاح داخلها بتاتاً. كان لنا وجود عسكري في كل مخيم، يشرف على تطبيق القوانين والتدابير المفروضة من الدولة. ورغم وجود عنصر أو عنصرَين فقط في كل مخفر، كان لهؤلاء سلطة مطلقة، وهيبة تُخيف وتردَع القاطنين في المخيّمات.
وقد أشرفتُ شخصياً على هذا الفرع لمدة حوالي خمسة أشهر أثناء غياب رئيسه في دورة خارجيّة. قمت خلال تلك الفترة بزيارة جميع المخيمات للاطلاع الميداني على الأوضاع، وكان الأمن ممسوكاً تماماً من قبلنا، واللاجئون طيّعين، يهابون سلطتنا. حتى موضوع توزيع المعونات التي كانت تقدمّها منظمة «الأونروا» (UNRWA)، والطبابة، وعمل المستوصفات كان يتم تحت إشرافنا. بعدها، ومع تزايد النشاط الفلسطيني انطلاقاً من المخيمات، شُكّل الملازم أول فريد أبو مرعي لرئاسة الفرع، وهو ضابط نشيط وكفء أمسك بالمهمة بيد من حديد.
مع مرور الوقت، بدأت تتوارد المعلومات إلى الشعبة الثانية عن خروج عناصر فلسطينية مسلّحة من المخيمات باتجاه الحدود الجنوبية فتطلق الكاتيوشا باتجاه الأرض المحتلّة عشوائياً، ثم تلوذ بالهرب؛ ما كان يؤدي إلى رد عسكري إسرائيلي بالقصف العنيف على الجيش والقرى المجاورة، مسبباً الأضرار الجسيمة. سعت الدولة اللبنانية مع جامعة الدول العربية إلى معالجة هذا الفلتان المتصاعد والمؤذي، فصدرت قرارات تمنع منعاً باتاً إطلاق صواريخ أو أي سلاح ناري آخر بدون إعلام السلطات العسكريّة المحلية. التزم الفلسطينيون بذلك لفترة، لكن سرعان ما بدأت هذه الحوادث تتكرّر من جديد وبشكل متسارع.
ياسر عرفات تخفى بصفة «الرقيب عبدالله»
ضاعفت الشعبة الثانية رصدها للمنطقة ولحركة الفلسطينيين المسلحين، وتمكّنت في أحد الأيام من إلقاء القبض على مجموعة فلسطينيّة مسلّحة مؤلفة من ثلاثة عشر عنصراً، رمت كاتيوشا إلى داخل الأراضي المحتلّة وحاولت الهروب. باشر الملازم أول فريد أبو مرعي التحقيق مع أفراد المجموعة بعد ورود معلومات مخابراتية بوجود قائد فدائي مهم بين الموقوفين. بعد جلسات تحقيق مطوّلة، تمكّن أبو مرعي من التعرّف إلى رئيس الزمرة بسبب تناقض في أجوبته. كان الشخص يدّعي أن اسمه «الرقيب عبدالله»، ولا يقر بهويته الحقيقية ولا عن من وراءه. لكن بعد استعمال الوسائل القاسية المعهودة في التحقيقات، انهار وعرّف عن نفسه: «أنا ياسر عرفات!».
أبلغ أبو مرعي المقدّم غابي لحود رئيس الشعبة الثانية بالأمر، فحضر وأمضى ساعات طويلة يكالم عرفات. دافع الزعيم الفلسطيني الشاب يومها عن قدسيّة قضيته، وعن السعي لاسترجاع أرض فلسطين المغتصبة، فأصرّ لحود على وجوب احترام المقاومة سيادة لبنان على أراضيه.
في منتصف عام 1969، تدهورت الأوضاع الأمنية والعسكريّة بين الجيش اللبناني ومنظمة التحرير الفلسطينية على الأرض اللبنانية، فتبلورت مبادرة من جامعة الدول العربيّة حظيت بزخم خليجي لإجراء لقاء بين وفد يمثل الدولة اللبنانية ووفد يمثل منظمة التحرير لمعالجة الوضع المتأزم، على أن يتم اللقاء في القاهرة برعاية الرئيس عبد الناصر، الذي يعطي ضمانة التنفيذ لاحقاً.
إرباك حول هوية الوفد المفاوض
خلقت هوية من سيمثل لبنان في اللقاء إرباكاً وبلبلة وضياعاً… بدا أولاً أنه من الأفضل ألا يكون رئيس الجمهورية على رأس الوفد اللبناني. وبمطلق الأحوال، كان الرئيس حلو مربكاً، يريد تجنّب الحضور لتجنّب المواجهة. أمّا رئيس الحكومة (المستقيلة وبحكم تصريف الأعمال) رشيد كرامي، الذي كان وزيراً للخارجية أيضاً، فتجنّب هو أيضاً رئاسة الوفد لعلمِه بأن الأوراق التي في يد الدولة اللبنانية ضعيفة، فيما الرأي السني الغالب على الساحة اللبنانية هو إلى جانب العمل الفدائي، والرئيس كرامي لم يكن بوارد أن يوافق مرغماً على ما ينتقص من السيادة اللبنانية.
لهذه الاعتبارات، تقرر تكليف أمين عام وزارة الخارجيّة الدكتور نجيب صدقة، تمثيل الحكومة اللبنانية وترؤس الوفد اللبناني إلى القاهرة. وبما أن القمّة ستتطرّق إلى مواضيع أمنيّة حساسة، اتفق بأن يكون رئيس الأركان في الجيش العماد يوسف شميّط من ضمن الوفد. لكن العماد شميّط اعتذر عن المهمة، فطرح اسم قائد الجيش العماد إميل بستاني الذي وافق على أن يترأس هو الوفد اللبناني في هذه الحال. وقد رُبطت موافقة بستاني بموعد الانتخابات الرئاسية القريبة التي كان يحلم بالفوز بها.
المفاوضات في القاهرة
وصل الوفد اللبناني إلى القاهرة في 26 أكتوبر (تشرين الأول). رافق العماد بستاني الرائد سامي الخطيب من الشعبة الثانية، وانضم إلى الأمين العام لوزارة الخارجيّة نجيب صدقة، سفير لبنان لدى مصر حليم أبو عز الدين. لم يحضر الوفد الفلسطيني إلى العاصمة المصرية، لا في اليوم الأول، ولا في اليوم الثاني، ولا الثالث ولا الرابع… مع هذا الانتظار استفاد الوفد اللبناني لإجراء اجتماعات يوميّة مع أعضاء الفريق المصري في المؤتمر لشرح المتاعب التي يعاني منها لبنان جرّاء هذا الوضع الشاذ والتجاوزات الفلسطينية لسيادة واستقلال البلد، والمعطيات التي تستوجب وضع حد لكل ذلك، وكان المصري متفهماً ومتجاوباً مع عرض الوفد اللبناني. كنا في الفريق المركزي للشعبة على اتصال دائم مع الرائد الخطيب، الذي فسّر لنا وسط التشكيك بحضور عرفات والوفد الفلسطيني، بأن ما استنتجه مع العماد بستاني من الأجواء هناك أن عرفات يؤجل قدومه ريثما يتأكد من حصوله على أكبر دعم من الدول العربية لمحاولة فرض أقصى ما يرغب، وأن المؤتمر على الأرجح لن يتوصّل إلى اتفاق حازم لمصلحة الدولة اللبنانية، بل إلى وضع بعض الضوابط للحريّة المطلقة للعمل الفلسطيني. كما أبلغنا الخطيب بأن العماد بستاني يحرص على الاتصال الهاتفي المطوّل برئيس الجمهورية في نهاية كل يوم بحضوره وحضور الدكتور صدقة والسفير أبو عز الدين، لإطلاعه على كامل تفاصيل المناقشات والمستجدات ويطلب التوجيهات، لكن الأخير لم يعطِ أية تعليمات واضحة أو محددة، مكتفياً بتكرار القول: «أنت تصرّف، أنت تصرّف! وأنا بغَطّيك بعدَين…»، وأن بستاني شرح لحلو أهمية قيام الدولة اللبنانية ورئاسة الجمهورية بأقصى ما أمكن دبلوماسياً مع الدول العربيّة للحد من تأثرها بمطالب عرفات، لكن الرئيس كان متردّداً والتزم بقراره بعدم التدخّل…
لم يحضر عرفات والوفد الفلسطيني إلى القاهرة حتى 2 نوفمبر (تشرين الثاني)، في توقيت كان قد صدرت فيه مواقف عربيّة داعمة للمطالب الفلسطينية بقوة، ما جعل الوفد اللبناني في وضع ضعيف جداً. في ظل هذه الأجواء غير المساعدة، كنا نراهن على إطالة المفاوضات أو تأجيلها، ما يفسح المجال للدولة اللبنانية للتواصل مع دول عربيّة بغية استعادة بعض التوازن وتحسين موقف لبنان التفاوضي مجدداً.
3 تشرين الثاني 1969
مفاجأة توقيع الاتفاق!
في نهاية مفاوضات اليوم الذي تلا قدوم عرفات والوفد الفلسطيني، فوجئنا بإبلِاغنا من سامي الخطيب أن اتفاقاً قد أنجز ووقّع، وهو اتفاق سرّي! وأعلمنا الخطيب بأن مضمون الاتفاق ليس لصالح لبنان ولا يثبّت سيادته بقوة. وسرعان ما اتصل بي العماد بستاني وأعلمني، بصفتي مسؤولاً عن الإعلام، بوجوب بث البيان الرسمي حول حصول الاتفاق وتوقيعه من الفرقاء، على أن يصدر البيان بنفس الوقت في لبنان وفي مصر (الثامنة مساءً، وكانت الساعة السادسة والنصف عندها). ونصّ عليّ العماد بستاني النص المقتضب للبيان، الذي لا يتضمّن البنود «السريّة» بل يُعلن فقط عن توقيع الاتفاق. أطلَعتُ المقدّم غابي لحود على النص، فطلب مني إطلاع رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة عليه.
جواب الرئيس كرامي
اتصلت بالرئيس كرامي أولاً، كون المقدّم لحود كان قد علم أن العماد بستاني اتصل بالرئيس حلو مباشرة لتوه. تفاجأ الرئيس كرامي بسرعة حصول الاتفاق وأجاب بكلمات ذات دلالة عالية: «لا حول ولا قوة…!»، وكان يعني بذلك: «الله ينجينا!»، ثم طلب مني قراءة البيان. استمع لتلاوتي، ثم فكّر لبرهة وطلب مني إطلاع «المعلّم» (الرئيس شهاب): «عندو خبرة ونظرة شاملة، بيشوف إشيا نحنا يمكن ما منشوفها». ثم اتصلت بالرئيس حلو الذي لم يعلّق على البيان، ووافق على ما طلبه الرئيس كرامي بأخذ رأي الرئيس شهاب.
أعلَمت المقدّم لحود بمضمون الاتصالَين مع رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، واتصلت بعدها بالرئيس شهاب. أول تعليق للرئيس شهاب كان استغرابه الشديد: «مش قليلي اتفقوا!؟» ثم أضاف غامزاً بالعماد بستاني: «منوش هيّن إبن جريس!»… أطلعته على نص البيان وطلب الرئيس كرامي بأخذ رأيه، فطلب مني قراءة البيان ثانية على مهل ليتسنى له كتابة النص. خلال تلاوتي، توقّف عند الصفة المعطاة لأعضاء الوفد المصري المرافقين للرئيس عبد الناصر، وهما وزير الخارجية ووزير الدفاع المصريان، وقال: «لا، لا، هيك يعني بس مصر… شوف هودي الوزرا عندن كمان صفة بجامعة الدول العربية أو بالدفاع العربي المشترك، حطلهن هيدي الصفة لنعطي صبغة إنو هل الاتفاق تم برعاية عربية مش بس مصرية». ثم عند ورود كلمة «الأمة» العربية، طلب أيضاً استبدالها بـ«الدول» العربيّة. وأضاف: «على الأقل فليصدر البيان في الإعلام اللبناني على هذا النحو». بعدها أعلمت المقدّم لحود ومن بعدها الرئيس حلو والرئيس كرامي بملاحظات الرئيس شهاب اللذَين وافقا على ما نصح به. وأذكر ما قاله الرئيس كرامي بعد إبلاغه التفاصيل: «شفت كيف؟ قلتلك المعلّم بينظر أبعد منّا!»، وأضاف متنهداً: «أمرنا إلى الله».
في اليوم التالي، عنونت جريدة «النهار»: «صدر البيان بنصَين مختلفَين في بيروت والقاهرة!»، وبعد فترة، نشرت الجريدة ذاتها الاتفاق ببنوده السريّة الكاملة بعدما ادّعى العميد إده أن أحد الوزراء «نسيه» على الطاولة في مجلس النواب، فحصل هو على النسخة…
بعد عودة سامي الخطيب من مصر، اجتمعنا في الشعبة لعرض البنود «السريّة» وتقييم الوضع، وتيَقّنا أن البند الوحيد الذي يحمي السيادة اللبنانية والذي أمكن إدراجه في الاتفاق كان البند 13 الذي نص بصورة عامة على أنه «من المسلّم به أن السلطات اللبنانية من مدنيّة وعسكريّة تستمر في ممارسة صلاحياتها ومسؤولياتها كاملة في جميع المناطق اللبنانية وفي جميع الظروف»، بينما تجيز البنود الأخرى للفلسطينيين العمل والإقامة والتنقل داخل لبنان، والتسلّح ضمن المخيمات، وحفظ الأمن الذاتي في المخيمات، والمشاركة في الثورة الفلسطينية العسكرية انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، وتسهيل مرور المسلحين الفلسطينيين إلى مناطق الحدود… خلِصنا إلى تقديم توصية لقيادة الجيش ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة بوجوب طلب اجتماع ثانٍ للفرقاء لتعديل ما اتفق عليه، لأن في الأمر انتقاصاً كبيراً لسيادة لبنان وسلطة جيشه على الأرض الوطنية لصالح وجودٍ مسلحٍ غير لبناني. كما بلوَرنا توصيتنا لاحقاً باقتراح يقضي بذهاب المقدّم أحمد الحاج إلى جامعة الدول العربية ممثلاً لبنان، للمطالبة بتعديلات تعيد للجيش اللبناني دوره السيادي الكامل.
لكن الرئيس حلو لم يشأ القيام بأي خطوة من هذا القبيل أو حتى إبداء مواقف تُعبّر عن اعتراض وعدم رضا لبنان، وفضّل عدم المواجهة… تقدّمنا منه بتوصية جديدة بأن يطلب اجتماعاً لجامعة الدول العربية لإعادة النظر بالاتفاق، لكنه لم يحسم أمره ولم يتحرّك والتزم الصمت… أظن، استناداً إلى خبرتي بالتعاطي معه، أن طبعه الشخصي لعب الدور الأكبر هنا. فهو بطبعِه يتجنّب المواجهات المباشرة، أو التعبير عمّا يرغب أو يفكر به أو ما هو غير راضٍ عنه بوضوح وصراحة.
أظن أن ضمير الرئيس حلو لم يكن مرتاحاً لاحقاً إزاء عدم تصرّفه بحزم حيال الاتفاق خلال مرحلة إبرامه في القاهرة وبعدها، وبقي يحاول طوال حياته التنصّل إعلامياً من هذا العبء، لكنه في مقال له بمناسبة ذكرى وفاة الرئيس شهاب الـ25 في أبريل (نيسان) 1998، أورد جملتَين تحملان دلالة واضحة.
فتَحْتَ عنوان «التزام الرئيس شهاب سيادة لبنان»، كتب الرئيس حلو: «لم يفرّط فؤاد شهاب بقَسَمَين: قسَمه العسكري وقسَمه الرئاسي. وقد خَبِرتُ ذلك من خلال اجتماعه مع الرئيس عبد الناصر، في خيمة على الحدود اللبنانية – السورية. وفي حديثه لي بعد أن تفهّم مني ملابسات اتفاق القاهرة، إذ قال: ما يهمنا قبل كل شيء هو التطبيق الدقيق للبند 13 من الاتفاقية…».

نقلاً عن موقع الإتحاد العربي على الفايسبوك
06 تشرين الثاني 2021
عندما حصلت اشتباكات مسلحه في العام 1969 بين الجيش اللبناني والفلسطينين في جنوب لبنان وفي بيروت ومناطق أخرى دعا الزعيم عبد الناصر كل من أميل بستاني قائد الجيش وياسر عرفات الى القاهره وطلب منهما العمل سريعا على وقف اطلاق النار بأي ثمن والعمل معا على انهاء الاختلافات بينهما
توقف فعلا اطلاق النار وتم تنظيم اتفاق سمي اتفاق القاهره سمح فيه للفلسطينيين بالعمل من جنوب لبنان وبناء قواعد عسكريه
عندما قرأ الزعيم عبد الناصر مسوده الاتفاق اصيب بالذهول واستدعى اميل البستاني على حده وابلغه ان لبنان لا يستطيع تحمل تبعات ما تم الاتفاق عليه اطلاقا وان هذا الاتفاق سيكون عامل تفجير للوضع الامني اللبناني بعد سنوات وطلب تعديل الاتفاق بشكل يسمح ان تكون الجبهه اللبنانيه جبهه مسانده وليس جبهه مواجهه
و استدعى ياسر عرفات على حده وقال له : عليك يا ابو عمار ان تحترم خصوصيه لبنان ولا تحملونه اكثر من طاقته
لقد كان الزعيم جمال عبد الناصر حريصا على لبنان وشعبه اكثر من حرص اللبنانيين انفسهم
وللاسف لم يؤخذ برايه والكل يعلم الثمن الذي دفعه لبنان بسبب طموح قائد للجيش ان يصبح رئيسا للجمهوريه بأي ثمن ولو كان على حساب مصلحه الوطن


سيرة قائد الجيش البستاني
جريدة السفير/التاريخ: 2002-06-08 | رقم العدد:9217
لم يكن اميل البستاني مجرد قائد عسكري للقوات المسلحة اللبنانية، لا في النظرة الى ما يتصل بالمرحلة السياسية والعسكرية محليا واقليميا ودوليا التي تولى فيها هذه المهمة، ولا في ما يتصل بطبيعة التغيرات الجذرية التي شهدتها المنطقة ولبنان في تلك المرحلة، وكانت انقلابية وبعيدة المدى، ولا خصوصا في ما يتصل بهوية الشخص نفسه وطموحاته السياسية. إذ فضلا عن ارتباط اسم العماد اميل البستاني ب »اتفاق القاهرة« بين لبنان و»العمل الفدائي الفلسطيني«، وهو ما طبع التاريخ اللبناني الحديث على امتداد السبعينات والثمانينات بطابعه، فقد عايش حرب فلسطين العام 1948 عن قرب واشترك فيها كضابط »لوجستي« كما تفاعل مع الانقلابات العسكرية في سوريا وكانت له علاقات شخصية مع بعض قادتها، اضافة الى انه احد شهود المحاولات الانقلابية في لبنان وآخرها كانت محاولة الحزب القومي السوري في العام 1961، كما كان جزءا من العهد الشهابي وسلطة »المكتب الثاني« وصولا الى معايشته »الانقلاب« التدريجي البطيء عليه في عهد الرئيس الاسبق شارل حلو وانتهاء ب »الانقلاب« الكامل الذي اسقطه ب »نصف صوت« في المجلس النيابي ثم عمد الى ملاحقة رموزه السياسية والعسكرية واحالتهم الى المحاكمة في عهد الرئيس سليمان فرنجية. ***
ولد اميل بستاني في جونيه عام 1909 ماروني المذهب. متزوج وله ثلاثة اولاد (بنتان وصبي). احدى بناته (لبنى) متزوجة من النائب جان عبيد. دخل المدرسة الحربية في دمشق في 14 ايلول 1931. تخرج برتبة ملازم في ايلول 1933. عين مدربا في المدرسة الحربية اثر تخرجه حتى 31 آب 1934. كلف امرة سرية الاسلحة الثقيلة من اول ايلول 1940 حتى 7 حزيران 1941. كلف بتاريخ 8 حزيران 1941 التشكيل الاداري لفوجي مشاة في منطقة العلويين. عين لدى تسلم الجيش اللبناني من قبل الحكومة اللبنانية في اركان حرب الجيش رئيسا للشعبة الاولى اعتبارا من اول آب 1945. كلف في اول تشرين الاول 1945 بتأسيس الشعبة الثانية وترأسها بالاضافة الى رئاسة الشعبة الاولى. عين مديرا لمصلحة الهاتف اول نيسان 1946، وكلف استلام هذه المصلحة من الجيش الفرنسي وتنظيمها، وتسليمها الى وزارة البرق والبريد. اعيد الى اركان حرب الجيش في اول تشرين الاول 1946، وعين نائبا لرئيس الاركان. عين لإنشاء سلاح الجو اللبناني وقيادته مع قيادة قاعدة رياق الجوية في اول حزيران 1949. رقي الى رتبة عقيد بصفة نهائية اول تموز 1954. رقي الى رتبة زعيم بصفة نهائية اول كانون الثاني 1959. عهدت اليه مفتشية التعليم في الاركان اعتبارا من اول تشرين الاول 1964. عين قائدا للجيش بتاريخ 2 حزيران 1965 بقرار من مجلس الوزراء. بالاضافة الى هذه المناصب التي تقلب فيها، ترأس العماد »بستاني« لجانا عدة للتنظيم العسكري والاداري، منها لجنة تعديل قانون الجيش، ولجنة تحضير تاريخ الجيش. وقد أوفد مرارا الى الخارج في مهمات دراسية وفنية وادارية وزار مصر، العراق، السعودية، الولايات المتحدة الاميركية، فرنسا، انكلترا، ايطاليا. أحيل على التقاعد بقرار من مجلس الوزراء اللبناني في 7 كانون عام 1970، وذلك بعد الضجة حول اتفاقية القاهرة عام 1969 حيث كان العماد بستاني رئيس الوفد العسكري اللبناني في القاهرة، وقد اتهمه معارضو الاتفاقية بأنه اتفق مع الرئيس جمال عبد الناصر بأن يدعمه لرئاسة الجمهورية مقابل موافقته على الاتفاقية المذكورة. عام 1973، اتهم بقضية »صواريخ الكروتال« الشهيرة فالتجأ الى البطريركية المارونية ثم غادر الى سوريا، وفي حديث صحافي رأى ان سياسة اسرائيل الدائمة هي ألا تترك اية دولة عربية تتسلح بأجهزة متطورة، لذلك من الاكيد ان هناك يدا اسرائيلية فعالة في قضية منع لبنان من الحصول على صواريخ »الكروتال«، هذا بالتأكيد كان خسارة كبرى للجيش اللبناني فيما يختص بالدفاع الجوي«. في 25/2/1997 بدأت جريدة »السفير« بنشر مذكراته على حلقات وفي 18/3/1997 كانت الحلقة الاخيرة حيث توقفت عن متابعة نشر هذه المذكرات، وبناء لطلبه الملح الذي برره بأنه لم يعد باستطاعته مقاومة الضغوط التي تمارس عليه، ومن جهات متعددة، سياسية وعسكرية، لكي يسكت. نعته امس قيادة الجيش.

صفحات من تاريخ أهم مرحلة وأخطرها في لبنان والعالم العربي(1)بطل»إتفاق القاهرة«العمال إميل بستاني يتذكر
كارثة فلسطين(1948)(صور)
المؤلف: البستاني اميل | التاريخ: 1997-02-25 | رقم العدد:7627
لم يكن قائد الجيش الاسبق العماد اميل بستاني مجرد قائد عسكري للقوات المسلحة اللبنانية، لا في النظرة إلى ما يتصل بالمرحلة السياسية والعسكرية محليا وإقليميا ودوليا التي تولى فيها هذه المهمة، ولا في ما يتصل بطبيعة التغيرات الجذرية التي شهدتها المنطقة ولبنان في تلك المرحلة، وكانت انقلابية وبعيدة المدى، ولا خصوصا في ما يتصل بهوية الشخص نفسه وطموحاته السياسية. اذ فضلا عن ارتباط اسم العماد اميل بستاني ب»اتفاق القاهرة« بين لبنان والعمل الفدائي الفلسطيني، وهو ما طبع التاريخ اللبناني الحديث على امتداد السبعينيات والثمانينيات بطابعه، فقد عايش حرب فلسطين العام 1948 عن قرب واشترك فيها كضابط »لوجستي«، كما تفاعل مع الانقلابات العسكرية في سوريا، وكانت له علاقات شخصية مع بعض قادتها، اضافة الى انه كان احد شهود المحاولات الانقلابية في لبنان، وآخرها كانت محاولة الحزب القومي السوري في العام 1961، كما كان جزءا من العهد الشهابي وسلطة »المكتب الثاني«، وصولا الى معايشته »الانقلاب« التدريجي البطيء عليه في عهد الرئيس الاسبق شارل حلو وانتهاءً ب»الانقلاب« الكامل الذي اسقطه ب»نصف صوت« في المجلس النيابي ثم عمد الى ملاحقة رموزه السياسية والعسكرية وإحالتهم الى المحاكمة في عهد الرئيس سليمان فرنجية. لكن الأهم من ذلك كله ان العماد بستاني هو أول قائد للجيش اللبناني يكتب مذكراته التي تقع في اكثر من ألف صفحة فولسكاب، والتي تنشر »السفير« بدءا من اليوم فصولا مختارة منها، بما تعنيه هذه المذكرات من كشف للكثير من الأسرار والوقائع والحقائق غير المعروفة للرأي العام، او المطموسة بقرار، والتي حفلت بها تلك المرحلة البالغة الاهمية من تاريخ لبنان والمنطقة: ثورة العام 1958 ضد الرئيس كميل شمعون، والانزال العسكري الاميركي على شواطئ لبنان، ودور الموفد الاميركي روبرت مورفي الذي جاء مع الانزال وعمل على »احتواء« سقوط بغداد الهاشمية وحلفها الاميركي في المنطقة، وكذلك في ايجاد »المخرج اللائق« لشمعون من القصر الجمهوري وانتخاب الرئيس فؤاد شهاب خلفاً له، وصولا الى انشاء »القيادة العربية الموحدة« وتسليح الجيش اللبناني برادار متطور وبطائرات »الميراج« الحديثة وبصواريخ »الكروتال« وقد تحول هذان السلاحان الاخيران الى فضيحتين في فترة لاحقة وبدء مرحلة العمل الفدائي الفلسطيني وسط انقسام سياسي لبناني أدى الى اعتكاف على مدى ستة شهور للرئيس الشهيد رشيد كرامي (الذي تجري حاليا محاكمة مدبري اغتياله) وتدخل شخصي من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لوقف دورة الدم وبالتالي لعقد »اتفاق القاهرة« الشهير.
ومع الموافقة شبه العلنية للرئيس حلو على الاتفاق، ثم »الملاحظات« المضمرة عليه، فالحلقات تتحدث بالتفصيل عما ادى اليه الاتفاق من انقسام سياسي في البلاد من ناحية ومن تربص من ناحية اخرى بصاحب التوقيع عليه منفردا بعد ان تخلى عنه الآخرون (العماد بستاني)، مرورا بقرار حلو »إنهاء« خدمته على رأس المؤسسة العسكرية وتدشين فرنجية في الفترة نفسها بدء عصر الميليشيات المسيحية المسلحة، ثم في فترة لاحقة إشهار سيف »محاكمته« (أي بستاني) في ردهات مجلس النواب وأمام القضاء، وصولا الى هروبه نتيجة لذلك الى داخل اسوار بكركي على امتداد عشرة ايام ثم الى خارج الحدود، والى سوريا بالذات، على امتداد اربع سنوات كاملة. إن تاريخ لبنان كله، منذ ما قبل الاستقلال وطبعا في ما بعده، تميز دائما بأهمية بالغة بسبب المفارقات السياسية المحلية والتدخلات الخارجية والاقليمية فيه، إلا ان تاريخ المرحلة التي تشملها مذكرات العماد بستاني كانت الاكثر أهمية في هذا التاريخ على الاطلاق، بل والاكثر خطورة على لبنان وعلى الكيان، ليس انطلاقا من قضية فلسطين التي قلبت المنطقة رأسا على عقب فقط، وإنما ايضا وبشكل اساسي نتيجة للبركان الذي فجرته تلك الكارثة على امتداد الارض العربية والذي لم تهدأ حممه عن التقاذف حتى الآن. وإذا كان العالم العربي ما يزال يهتز حتى الآن تحت وطأة الكارثة برغم مرور خمسين عاما على وقوعها، فلم يكن اهتزاز لبنان العنيف قبل حرب السنوات السبع عشرة وفي أثنائها وحتى بعدها، إلا ترجيع صدى للكارثة وللبركان الذي فجرته. وبالنسبة للقارئ المخضرم، وحتى لأصحاب الاهتمامات السياسية وللدارسين وحتى لجيل »الضياع السياسي« في لبنان حاليا، فإن جزءا كبيرا من اسرار تلك المرحلة وخفاياها وخباياها موجود في المذكرات، وإن يكن العماد بستاني يروي تاريخ تلك المرحلة من وجهة نظره الشخصية.
وفيها يتحدث العماد بستاني عن علاقاته او عن ادوار شخصيات مثل بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو والياس سركيس وسليمان فرنجية، ومثل رياض الصلح وعبد الله اليافي ورشيد كرامي، ومثل البطريرك المعوشي وريمون اده وبيار الجميل وفيليب تقلا وكمال جنبلاط وبهيج تقي الدين ورينيه معوض وتقي الدين الصلح وهنري فرعون وأحمد الاسعد وصبري حمادة وإميل مرشد البستاني وبطرس ديب والاب سمعان الدويهي، ومثل الرؤساء جمال عبد الناصر وحافظ الاسد وشكري القوتلي، ومثل ياسر عرفات ويوسف صايغ وخالد اليشرطي، ومثل القادة العسكريين الكبار سياسيا علي علي عامر وعبد المنعم رياض وعدنان المالكي، وعسكر الانقلابات امثال حسني الزعيم وأديب الشيشكلي، والدور السياسي الذي أُعطي لضباط كبار في الجيش اللبناني من امثال اسكندر غانم وجان نجيم ويوسف شميط وغابي لحود وجوني عبده وعادل شهاب وعبد القادر شهاب وغيرهم.. ومع ان بعضا من هؤلاء قد فارق الدنيا مع أسرار تلك المرحلة وذكرياته فيها، وما يزال البعض الآخر على قيد الحياة امد الله في اعمارهم جميعا ، فلعل مذكرات العماد بستاني التي تحمل عنوان »دفاتر الأيام« تشجعهم على قول كلمتهم في الموضوع، وربما تصحيح بعض الوقائع، وتساهم بالتالي في إلقاء المزيد من الاضواء على تلك المرحلة المهمة والخطيرة من تاريخ لبنان الحديث. و»السفير« التي تنشر الفصول المنتقاة من المذكرات وفق تسلسلها الزمني، بالتعاون مع »دار عواد للنشر« التي ستنشرها في كتاب تحت عنوان »دفاتر الأيام«، تؤكد استعدادها الكامل، بل ورغبتها العميقة والى ابعد الحدود، في أداء دورها المهني والسياسي بنشر وتعميم اية وقائع لم ترد في هذه الفصول. هنا الحلقة الاولى: أعاد انتهاء الحرب العالمية الثانية الى الواجهة مشكلة فلسطين التي ما تزال تبحث عن حل. وقد جاءت معطيات جديدة لتزيدها تعقيداً. فآلاف اليهود الذين نجوا من مخيمات الموت الالمانية ينتظرون في مخيمات أخرى ريثما يؤمن لهم ملجأ في »أرض الميعاد«. وقُدر عدد هؤلاء اليهود بمليون ونصف المليون من مختلف الجنسيات، وهم يعيشون بانتظار تلك اللحظة، وأخذ قسم منهم يتسلل خلسة الى فلسطين بطريقة غير مشروعة. الحالة على الأرض تتطور ووجه فلسطين العام 1945 طرأت عليه تغييرات عميقة. فاليهود، الذين كانوا يعدون 56 ألفاً العام 1917 (أي خمسة في المئة من سكان فلسطين)، ثم 80 ألفاً العام 1922، أصبح عددهم الآن 608 الآف مقابل أكثر من مليون عربي مسلم و250 ألفاً من المسيحيين العرب.
وتل أبيب، التي كان عدد سكانها العام 1922 ألفي مواطن، أصبحت اليوم مدينة تضم 170 ألف مواطن. كما وصل في الفترة نفسها الى القدس 60 ألف لاجئ فضلاً عن اللاجئين غير الشرعيين الذين دخلوا خلسة ليقيموا مؤقتاً في مخيمات بريطانية. فالحركة الصهيونية لم تكن قادرة على تأمين استيطان اليهود في فلسطين ما لم تؤمن للوافدين الجدد مساحات اضافية من الأراضي، لا بل كان هاجسها تأمين فائض احتياطي من الأرض تحسباً للهجرات اليهودية الضخمة والمنتظرة في السنوات اللاحقة. فالأراضي التي تم شراؤها منذ العام 1920 استخدمت كلها منذ ذلك الحين، وأضيفت اليها مساحات أخرى على مراحل متتالية. وفضلاً عن مشكلة السكن، كان على المخططين الصهاينة حل مشكلة الري وانتاج الطاقة الكهربائية والانارة. ومنذ العام 1919 طالب صموئيل هلال اسحق بضم لبنان الى فلسطين للحصول على المياه اللبنانية وسد حاجات شمال فلسطين اليها. في العام 1945 لم يبقَ فائض من الأراضي لتأمين السكن ووسائل العيش لهذا السيل الهائل من الناجين من مخيمات الاعتقال النازية. كان الرأي العام الاميركي قد تأثر كثيراً بالضغوط التي مارستها الأوساط الصهيونية القوية والنافذة في الولايات المتحدة الاميركية، كما أن حكومة واشنطن، وعلى رأسها ترومان، أخذت تولي المسألة الفلسطينية اهتماماً مباشراً بما يتلاءم مع مصالح اليهود وطموحاتهم. صحيح أن تشرشل، تحت تأثير الوضع الجديد، كان قد وعد مراراً صديقه وايزمان بمساعدته على انشاء وطن لليهود بل دولة يهودية في فلسطين، الا أن حكومة لندن كانت تعتبر نفسها من جهة أخرى ملزمة ب»الكتاب الأبيض« الصادر العام 1939 والذي ينص على تنظيم الهجرة اليهودية وفق »كوتا« تحدد عدد المهاجرين الى فلسطين ب75 ألف مهاجر على امتداد فترة خمس سنوات، على أن يُحرّم بيع الأراضي الى اليهود الا بإذن خاص من المفوّض السامي البريطاني.
فبريطانيا التي رأت خلال هذه الفترة أن مصالحها مع العالم العربي في تحسن مستمر لم يكن يسعها ان تغضب الجامعة العربية التي أنشئت حديثاً وبدت عازمة من الآن وصاعداً على الدفاع عن قضية فلسطين العربية، خصوصاً بعد أن بذل الممثلون البريطانيون أقصى طاقاتهم لترى هذه الجامعة النور. حزب العمال البريطاني المفارقة هنا في أن هذه المهمة الصعبة لن تقع على عاتق تشرشل، رجل الساعات الحرجة، بل على اخصامه السياسيين في حزب العمال. اذ سبق لمسؤولي هذا الحزب قبل تسلمهم مقاليد السلطة أن وقفوا الى جانب اليهود وتبنوا قضيتهم، من دون ان يدركوا حقيقة المستنقع الفلسطيني الذي وقعوا فيه، فالوعود التي قطعوها للصهاينة وعادوا الى تأكيدها مراراً، كانت تفوق بأشواط توقعات الصهاينة أنفسهم الذين كانوا لا يحلمون بالحصول عليها. أفلم تأتِ الانتخابات العامة صيف 1945 ب28 يهودياً الى مجلس العموم البريطاني، 26 من أصلهم هم أعضاء في حزب العمال؟! لذا، واثر هذه الانتخابات، عندما حل اتلي وبيغن محل تشرشل وايدن، رقص اليهود في شوارع تل أبيب، لأن فوز حزب العمال كان في الحقيقة فوزاً يهودياً! غير أن ذلك لم يكن سوى »حلم ليلة صيف«. اذ عندما جاء الزعماء الصهاينة يطالبونهم بإلغاء »الكتاب الأبيض« واعلان فلسطين بلد »كومنولث« يهودياً وفقاً لبرنامج (Biltmore) حاول العمال، الذين وصلوا الى الحكم، المراوغة فتبنوا موقفاً مبهماً وبعيداً كل البُعد عن الوعود البراقة التي اغدقوها في الأمس. فبدا واضحاً إذّاك، برغم الضغوط التي كانت تمارسها أميركا، أن لندن كانت تسعى لإبقاء فلسطين في وضع لا يرضى اليهود معه ولا العرب كذلك بل في وضع يحفظ مصالحها الخاصة في المنطقة. وفي مواجهة الضغوط الممارسة لمصلحة اليهود، كان المسؤولون البريطانيون يتذرعون بالأعمال الارهابية التي كان يرتبكها متطرفون يهود في فلسطين مما كان يعيق كل حل ملائم للقضية! في 13 تشرين الأول 1945، أعلن وزير الخارجية البريطانية بيغن أمام مجلس العموم عن انشاء لجنة تحقيق انكليزية اميركية مشتركة في فلسطين. وكان في تصوّر الحكومة العمالية ألا تكون فلسطين عربية أو يهودية بل تُوضع، بحسب تمني الوزير البريطاني، تحت وصاية انكليزية أميركية، على أن يبقى تحديد أمر الهجرة اليهودية الى فلسطين وفق التوصيات الواردة في »الكتاب الأبيض«.
وسرعان ما ظهرت ردة الفعل الصهيونية على هذا القرار، فأعلن بن غوريون أن »سياسة بيغن هذه، لا تحرم اليهود من وطن قومي لهم وحسب، بل انها تعلن الحرب على الفكرة الصهيونية نفسها، وتحاول إقامة جدار بين اليهود والصهاينة متجاهلة مشكلة اليهود الأساسية: افتقارهم الى وطن«. وما كان من الادارة الصهيونية الا أن أصدرت أمرها سراً، بإنهاء مقاطعة المنظمتين الارهابيتين ارغون وشتيرن وضمهما الى منظمة الهاغاناه الرسمية لتكوين تجمع واسع هو »حركة المقاومة اليهودية«. وما لبث المقاومون الصهاينة أن فتحوا الحرب على مصراعيها ضد البريطانيين، ففجروا محطة اللدّ ومركز شرطة (Gribath Olga) وعدداً من الجسور.
كما هاجموا كفار سركين وسارونا. ففي كفار سركين دمر المقاتلون التابعون لأرغون وشتيرن 34 طائرة هاليفاكس وهي على الأرض. وقد أذهلت هذه العملية الانكليز الذين دعوا بلسان اللورد (Winterton)، الى انعقاد جلسة لمجلس العموم والى فتح تحقيق صارم لكشف المسؤولين عن الاهمال الذي أتاح للارهابيين اليهود تنفيذ هذه الضربة القاسية ضد القوة البريطانية. ثم جاء دور سكك الحديد، فتعرض عدد منها لأعمال تخريبية ولا سيما سكة حديد حيفا. وفي 29 حزيران 1946، رد الانكليز مستهلين هجومهم بإعلان منع التجوّل والاحكام العرفية وإجراء العديد من الاعتقالات. وقد كان بين الموقوفين عدد من قادة »الوكالة اليهودية«، كموشي شاريت ودوف يوسف. ونجا بن غوريون الذي كان غائباً في أوروبا. كما اعتقل قادة منظمة الهاغاناه واحتل مبنى الوكالة اليهودية، ووضع الانكليز يدهم على جميع الوثائق التي كانت في داخله. لكن رئيس منظمة الارغون الارهابية مناحيم بيغن تمكن من الفرار والافلات من قبضة السلطات الانكليزية. وراح يفكر في توجيه ضربة انتقامية تمكنه من إتلاف هذه المستندات المهمة أو اخفائها أو استعادتها قبل أن تصل الى يد الاستخبارات البريطانية. كان عناصر الاستخبارات الانكليزية، الذين استولوا على الوكالة اليهودية ووثائقها، يقيمون جميعاً في فندق الملك داوود، وهنا تحدد هدف الضربة الانتقامية التي سيوجهها بيغن على رأس الارغون. وهكذا، في 22 تموز 1946، وفي تمام الساعة الثانية عشرة و37 دقيقة ظهراً، هز انفجار ضخم المدينة كلها. اذ فُجّر جناح فندق الملك داوود حيث كان يجتمع أفراد الاستخبارات التابعة لأمانة السر العامة للمفوضية البريطانية. فقضى تحت أنقاض المبنى المتهدم 94 قتيلاً، معظمهم من الانكليز وبعض المواطنين العرب واليهود، فضلاً عن عدد كبير من الجرحى. وقد وصفت إذاعة ال(B.B.C) البريطانية المبنى المفجر بأنه يبدو وكأن جناحاً كاملاً منه قد قطع بالسكين. وبعد فندق الملك داوود، جاء دور مبنى ضريبة الدخل الذي فُجر أيضاً الى جانب محطة القدس حيث أدخلت القنابل في حقائب. هنا وقعت البلبلة في صفوف الادارة الانكليزية التي وجدت نفسها عاجزة تماماً عن وقف الأعمال الارهابية. اذ كان كل اجراء تتخذه السلطات البريطانية ترد عليه منظمة ارغون بعمل أعنف. حتى بلغ الصراع بين الانكليز والارهابيين ذروته في مطلع 1947، عدما قام احد افراد ارغون بعملية حملت اسمه (Dave Gruner)، فاعتقل هذا الأخير مع ثلاثة من رفاقه وتم شنقهم في 16 نيسان 1947.
وما كان من ارغون الا أن ألقت القبض على ضابطين بريطانيين وشنقتهما في 7 أيار من السنةنفسها. لجنة التحقيق في هذه الأجواء، افتتحت في (Flushing meadoues)، في 28 نيسان 1947 جلسة للأمم المتحدة استمرت شهراً كاملاً، كان خلاله نفوذ هذه المنظمة الدولية على المحك. فعُينت لجنة تحقيق مؤلفة من ممثلي بلدان اعتبرت غير منحازة: النمسا، كندا، تشيكوسلوفاكيا، غواتيمالا، الهند، هولندا، ايران، البيرو، السويد، الأوروغواي، ويوغوسلافيا السابقة. وفي فلسطين وجدت هذه اللجنة نفسها أمام موقفين مختلفين كلياً. فمن جهة كان العرب، بقيادة المفتي أمين الحسيني المقيم في القاهرة والذي عاد ليمسك بقرار الحركة القومية الفلسطينية، يرفضون رفضاً قاطعاً التفاوض، فيما اتخذ الصهاينة موقفاً معاكساً أي مرناً. وفي النهاية قدمت هذه اللجنة حلين الى الأمانة العامة للأمم المتحدة: فإما مشروع التقسيم أو مشروع دولة فدرالية يهودية عربية. اجتمع مجلس الأمن مجدداً في أول 1947، وقرر في 23 منه تأليف لجنة جديدة انحصرت مهمتها في الاعداد لجلسة الماقشة، وكلنا يدري أن هذه المناقشة هي امتحان للقوى العظمى التي سيكون دورها حاسماً في تبني القرار النهائي. جاء موقف الولايات المتحدة الأميركية واضحاً كل الوضوح: فترومان يؤيد انشاء دولة يهودية. أما الاتحاد السوفياتي فكان موقفه في البداية ملتبساً، اذ كان همه الأساسي افشال الانتداب البريطاني على فلسطين. وقد طالب المندوب السوفياتي غروميكو بادئ الأمر بدولة فلسطينية مستقلة يشترك فيها العرب واليهود. إلا أنه في النهاية سلّم بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب إذا ما تعذر انشاء دولة موحدة. أما العرب فاستمروا على موقفهم السلبي حيال اللجنة الجديدة. إذ رفضت اللجنة السياسية للجامعة العربية، المنعقدة في صوفر في لبنان بين 16 و19 أيلول 1947، تطبيق توصيات لجنة الأمم التحدة. لذا أعلنت بريطانيا في 26 أيلول 1947، على لسان (Greach Jones)، أمين سر وزارة المستعمرات، عن نيتها التخلي عن انتدابها والجلاء عن فلسطين في أول آب 1948. إلا أنها عادت وقدمت موعد هذا الاستحقاق الى 15 أيار 1948. في 29 تشرين الثاني 1947، اقترعت الجمعية العمومية للأمم المتحدة على الاقتراحين اللذين وضعتهما لجنتا التحقيق: دولة فدرالية او تقسيم. فكانت نتيجة الاقتراع تقسيم فلسطين الى دولتين: واحدة عربية وأخرى يهودية مع احتمال اقامة وحدة اقتصادية بينهما (القرار الرقم 18، المقطع الثاني). وأشارت اللجنة أخيراً الى أن الانتداب البريطاني على فلسطين ينتهي في الأول من آب 1948. (جرى تعديله الى 15 أيار) صوّت 33 بلداً لمصلحة هذا التقسيم، بينها الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي وفرنسا.
وامتنعت عشر دول عن التصويت بينها بريطانيا والصين، فيما اقترع ضد هذا المشروع 13 بلداً هي: مصر، العراق، لبنان، سوريا، اليمن، المملكة العربية السعودية، أفغانستان، ايران، باكستان، تركيا، الهند، كوبا واليونان. ليلة 29 تشرين الثاني خرج اليهود الى شوارع تل أبيب يرقصون ويهللون، فيما عم الاستياء والذهول مجمل الأراضي العربية من المحيط الى الخليج. وسارت التظاهرات في كل من دمشق وحلب والقاهرة وخصوصاً في فلسطين. ووقعت اعتداءات على المصالح الاميركية والسوفياتية أسفرت عن قتلى وجرحى. وبدورها رفضت منظمة ارغون هذا القرار معتبرة أن »تقسيم الوطن غير شرعي وأن اتفاقاً وقعت عليه منظمات وأشخاص، غير قانوني ولا يلزم الشعب اليهودي. فالقدس كانت وما تزال عاصمتنا. و»أرض اسرائيل« سوف تعاد الى شعب إسرائيل كاملة والى الأبد!«. أمام الإرادة العرب بالمقاومة، قررت ارغون وشتيرن وقف اعتداءاتهما على الانكليز وتحويل سلاحهما ضد العرب. بدأت حرب فلسطين وسوف تستمر طويلاً ولم تزل حتى اليوم. ضياع فلسطين سنة 1948 كانت سنة مؤلمة جداً للعرب لأنها سنة ضياع فلسطين. أما الانكليز فقد عمدوا الى تبنّي سياسة شرقية جديدة حتى لا يُحرجوا مع العرب ولا مع الصهاينة، وحرصاً منهم على مصالحهم الخاصة في الشرق (خزان البترول الواسع). وتمثلت سياستهم هذه: بالانسحاب من الشرق بخفي حنين، فلا سلموا السلطة في فلسطين الى العرب ولا الى اليهود. بل تركوا هذين الشعبين أحدهما في مواجهة الآخر وفي حالة نزاع لن يلبث أن يُشعل كل الأرض المقدسة، ليمتد يوماً بعد يوم الى كل أراضي الشرق العربية. عندما شعر العرب بالنيات العدائية والحربية لدى الصهاينة، بدأوا يستعدون للجولة الثانية. بدأت الأعمال الحربية في فلسطين منذ اليوم (فجر 15 أيار) الذي ركب فيه آخر الجنود البريطانيين في السفينة التي ستقلهم الى وطنهم مغادرين الأراضي التي سيطروا عليها طيلة ثلاثين عاماً، وتاركين إياها بلا رئيس ولا حاكم ولا وكيل مسؤول ولا دفاع. كانت خمسة جيوش عربية قد تجمعت على جميع الجبهات التي تحيط بالأرض المقدسة، وراحت تستعد لاجتياحها واستعادتها. وبالفعل، باشرت الجيوش العربية فجر 15 أيار، هجوماً في الاتجاه نفسه ضد الهدف نفسه. فالمصريون هجموا من صحراء النقب والعريش في اتجاه خط غزة بئر السبع. وفيلق الملك عبد الله انقض في اتجاه القدس، الخليل، اللد، الرملة والساحل. أما السوريون فكان محورهم الطريق الممتدة من بيت شان الى عفولة وحيفا على الساحل. وكان على اللبنانيين أن ينضموا الى تحرك القوات العربية المشترك، ولكن كانت أمامهم في بداية الحملة، مهمة تجميد القوى العدوة على طول الجبهة الشمالية من الناقورة حتى جبل الشيخ. وفي فترة لاحقة عندما تكون الجيوش المتحالفة قد بلغت هدفها، كانت الخطة تقضي بتقدم القوى اللبنانية لاحتلال نهاريا وعكا والمنطقة الساحلية غربي صفد وجبل الميرون. وبالاضافة الى القوات النظامية، شكلت فرقتان من المتطوّعين، الأولى في منطقة المالكية بقيادة المقدم السوري أديب الشيشكلي (رئيس الجمهورية اللاحق في سوريا)، والثانية في منطقة صفد والناصرة بقيادة النقيب السابق في جيش الشرق الخاص فوزي قاوقجي وهو لبناني الأصل من طرابلس، التحق بالمقاتلين الفلسطينيين منذ 1936.
وكان هذا الأخير قد جند عناصر فرقته من كل البلدان العربية حيث أمضى شهري نيسان وأيار 1948 في جمع الأموال والأسلحة وعناصر الأنصار المتطوعين. كانت مهمة هؤلاء الجنود المتطوعين تتضمن القيام بأعمال مناوشة وغارات لتدمير منشآت العدو الدفاعية ومراكزه وشن هجمات مباغتة، فضلاً عن حماية أجنحة الجيوش اللبنانية والسورية والعراقية. وُضعت كل الجيوش العربية تحت قيادة موحدة بإمرة القائد العام العراقي طه باشا هاشمي، واتخذت من عمان، عاصمة شرق الأردن، مقراً عاماً لها. وبادر سكان المناطق الحدودية في جنوب لبنان، وهم في غالبيتهم من الشيعة، الى حمل السلاح دفاعاً عن قراهم. ومنذ الأول من أيار، زارني الزعيم الشيعي الجنوبي المعروف أحمد الأسعد في منزلي، وأعرب لي عن قلقه، اذ هو لا يملك سوى كمية محدودة من الأسلحة، ولا يسعه أن يترك أبناء عشيرته ومناصريه عزلاً، تحت رحمة اعتداءات العدو، وقد تمنى عليّ أن أعرض قضيته على قائد الجيش من اجل إقراضه كمية من الأسلحة يستعملها لضرورات الدفاع عن القرى الحدودية. لم يكن جيشنا، الذي كان يراقب الوضع ويشعر باقتراب المواجهة العربية الاسرائيلية، يملك في تلك الآونة فائضاً من الأسلحة. غير أن قائد الجيش وافق على منح أحمد الأسعد خمسين بندقية. ومن جهة أخرى، فإن الجيش كان ينوي اللجوء الى القوى المساندة إذا ما استمرت المعارك وقتاً طويلاً فيجنّد في منطقة الجنوب أنصاراً يعهد اليهم بالدفاع عن المناطق المدنية العزلاء، في مؤخرة الجبهة، ضد أي هجوم للعدو. لذا، فإن هذه المساعدة المؤقتة التي اقتصرت على بعض البنادق لن تفي بغرض الحماية المطلوبة، لأن القرى التابعة لسيّد الطيبة سوف تحصل أيضاً على وحدات مسلحة مؤلفة من جنود اضافيين للأنصار مكلفين بحماية التجمعات الحدودية.
الجيش على الجبهة منذ الأول من أيار، احتلت القوى اللبنانية مراكزها القتالية على الحدود التي قسمت الى قطاعين: شرقي وغربي. أوكل القطاع الشرقي الى المقدم عادل شهاب، والقطاع الغربي الى العقيد عزيز غازي، فيما ركزت كتيبتان من الفرسان بقيادة المقدم يوسف سمعان في عيترون، نقطة التقاء القطاعين. والجدير ذكره أن عيترون مثل كل نقطة اتصال بين قوتين سوف تشكل نقطة الضعف في مجمل تشكيلتنا القتالية. بدأت الرقابة تطبق على المنشورات (صحف، مجلات، برقيات، أخبار، أفلام) اعتباراً من 5 أيار، وكُلّفت بمراقبة الشق العسكري من هذه المنشورات. نقل قائد الجيش العميد أول فؤاد شهاب (كان الكولونيل شهاب قد رُقّي اعتباراً من أول كانون الأول 1946 الى رتبة عميد أول، وهي رتبة استحدثت حينها) مقر قيادته الى عيترون في 13 أيار، وتركني في الأركان في بيروت. فكانت مهمتي تقوم على: تأمين الارتباط مع الحكومة. تأمين الارتباط مع القيادة العربية الموحدة. تسوية المسائل الجارية في كل الأجهزة والمصالح والوحدات الموجودة في مؤخرة الجيش البعيد عن الجبهة. تأمين الاتصالات مع الجبهة. تموين القوات المحاربة. كما كلفني قائد الجيش بمهمة خاصة تقضي بأن أتسلم شخصياً، أمر العمليات العسكرية الذي سوف يُرسل الينا من القيادة الموحدة بواسطة ضابط رفيع المستوى. وهذا المستند السري للغاية والمرسل منه ثلاث نسخ، يخضع لإجراءات أمنية مشددة للغاية. فكان عليّ، في لحظة استلامي هذه الوثيقة المهمة، أن أرسل النسخة الأصلية منها الى قائد الجيش في مقر قيادته في الجبهة، على أن يكون ناقل هذه الوثيقة ضابطاً من المكتب الثاني. فيما توضع النسخة الثانية في الصندوق الخاص المقفل في مركز الأركان. أما النسخة الثالثة فكان عليّ أن اسلمها يداً بيد الى رئيس الجمهورية الذي يكون على علم بها ويكون في انتظارها ومعه رئيس الوزراء رياض الصلح ووزير الدفاع الامير مجيد ارسلان، في مقر الرئاسة. وصلني أمر العمليات العسكرية في 14 أيار في تمام الساعة السابعة وعشر دقائق مساءً. وبعدما أرسلت النسخة الأصلية بصورة عاجلة الى قائد الجيش، انتقلت فوراً الى القصر الرئاسي وسلمت الرئيس بشارة الخوري المغلف الذي يحتوي على المستند المذكور.
وبعد قراءة الوثيقة، تباحث الرئيسان في حضوري في مضمونها ولا سيما الشق المتعلق بلبنان. وراحا يمطرانني بالسؤال تلو السؤال من أجل استيضاحي كيفية التنفيذ وما يمكن ان يتركه من انعكاسات فضلاً عن التطورات اللاحقة المحتملة للحملة العسكرية. اقترح رئيس الوزراء على رئيس الجمهورية اجراء اتصال فوري مع الرئيس السوري شكري القوتلي لمعرفة رأيه الشخصي في العمليات المرتقبة وكيفية تنفيذها من جانب السوريين. إذ، أضاف رياض الصلح قائلاً: يبدو لي أنه لا بد من تنسيق خطط عملنا الخاصة مع مخططات القوات السورية، وخصوصاً تأمين ارتباطاتنا وضمان التعاون المتبادل في ما بيننا على خطوط الالتقاء بين جناحي الجيشين، عندها لفتُّ نظر رئيس الوزراء الى أنه لا يجوز البتة التباحث في مثل هذه المسائل هاتفياً. فوافقني الصلح على الفور.
وفيما كنت أشرح له وجهات نظري بالتفصيل، كنت أفكر في الوقت نفسه في أسلم طريقة لإجراء هذا الاتصال مع دمشق. ثم التفت الصلح الى الرئيس الخوري، وأضاف قائلاً: »أقترح على فخامتكم أن ترسلوا فوراً وزير الدفاع الأمير مجيد ارسلان والمقدم بستاني الى دمشق، للتداول شفهياً مع الرئيس القوتلي وبسرية تامة. فما رأيكم؟«. كنت قد سمعت مراراً في السابق العميد أول فؤاد شهاب يمتدح رياض الصلح ويثني على مزايا هذا الرجل »الفطن والبارع والحاد الذهن والبعيد النظر«. الا أنني تأكدت من خلال حواري معه، الذي لم يطل أكثر من بضع دقائق، من موهبته السياسية. فقد جاء وصف قائد الجيش لشخصيته مطابقاً تماماً لما لمسته في هذه الجلسة الخاطفة. عند شكري القوتلي أيد الرئيس الخوري اقتراح رئيس وزرائه، وارتأى كلاهما أن يجري الاتصال فوراً بالرئيس السوري لوضعه في أجواء زيارتنا (وزير الدفاع وأنا) وفحواها. »سوف انتظرهما في مكتبي حيث سأبقى الى حين وصولهما«، أجاب الرئيس القوتلي. غادرنا بيروت عند الثامنة مساءً ووصلنا دمشق عند العاشرة من الليلة نفسها، كان الرئيس السوري في انتظارنا بصحبة وزير دفاعه أحمد شرباتي. وبعد أن نقلنا اليه مضمون الرسالة التي جئنا من أجلها، رحنا نتحدث عما ستؤول اليه الأوضاع على الجبهتين السورية واللبنانية غداة بدء الأعمال الحربية فجر 15 أيار. ثم انتقلنا الى الحديث عن أوامر العمليات وعن خطط البلدين حيالها. »سوف نسهر قال لنا المسؤولان السوريان على حسن التنسيق الكامل بين جيشينا في الأعمال الحربية وخطط كل من بلدينا«. وتفاهمنا على تبادل وحدات ارتباط لبنانية سورية وإبقاء هيئتي أركاننا على اتصال دائم. عندما شارفت محادثاتنا على نهايتها، فتح الرئيس القوتلي أحد أدراج مكتبه وتناول منه علبة بسكويت، ثم قال موجهاً كلامه الى الأمير مجيد وإليّ »أظن انكما لم تتعشيا بعد، لن أفرض عليكما نظامي الغذائي بضع بسكويتات الذي أتبعه بسبب إصابتي بقرحة في الأمعاء بلغت ذروتها هذه الأيام، لذا فقد تقلصت وجبات طعامي كثيراً. وها أنا ألجأ الى قضم بعض البسكويت من حين الى آخر لأهدئ نوبة الألم. سوف يصطحبكما أحمد للعشاء في أحد المطاعم حيث تتوفر لكما مأكولات ألذ وأشهى. انقلا تحياتي الى أخويّ بشارة ورياض«. خلال العشاء، أخبرنا الوزير شرباتي أنهم توصلوا في دمشق نفسها، الى صنع قنابل تستعملها الطائرات ويقوم الطيارون بإلقائها من الجو يدوياً وعلى التقدير وذلك بانحنائهم من حجرة الطيار. كانت سوريا قد فكرت قبل عام تقريباً، بإنشاء طيران حربي. وبعض الطائرات الأولى التي استطاعت الحصول عليها كان من طراز (Proctor) الانكليزي الصنع، والبعض الآخر من نوع (Macchi) من صنع ايطالي، وكلها مخصصة للتدريب. إلا أن القيادات العربية، التي علمت بصورة مفاجئة أن العدو يملك بعض الطائرات الحربية التي حصل عليها من مخلفات المتقاتلين ابان الحرب العالمية الأولى وأنه سوف يستعمل هذه الطائرات في حربه مع العرب، اضطرت تحت الضرورة الحربية الى الارتجال وتحويل طائرات التدريب الصغيرة التي في حوزتها الى طائرات حربية مصغرة. ذكرني ذلك بالمعارك الجوية الأولى إبان الحرب العالمية الأولى، عندما كان الطيارون الشجعان على جانبي القتال، يفلتون عصا القيادة في طائراتهم البدائية القديمة، ومن غرفة القيادة المكشوفة يُطلق بعضهم على بعض العيارات النارية من بنادقهم القصيرة (Mousqueton). أما نحن، في لبنان، فلم نكن قد عرفنا الطيران الحربي. وحدها حرب 1948 أشعرت قائد الجيش بضرورة تأمين هذا السلاح الحاسم في المعارك وذلك بإنشاء سلاح طيران حربي لبناني. بعد انتهاء العشاء، وكانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، أصرّ الأمير مجيد، قبل عودته الى بيروت، على مقابلة نسيبه الأمير عادل ارسلان، الذي أصبح بعد حصوله على الجنسية السورية، نائباً في المجلس السوري. وقد علمنا أن هذا المجلس مجتمع منذ الثامنة مساءً، حيث يناقش النواب بحماسة موضوع بدء العمليات الحربية على جميع جبهات الأرض الفلسطينية.
كان عادل ارسلان يشبه نسيبه الأمير مجيد بطباعه النارية وحميته الفائقة. »لن تنتهي عشرة أيام، إلا وتكون المغامرة الصهيونية في فلسطين في خبر كان«، قالها عادل ارسلان بمنتهى الثقة. غادرنا دمشق عند الثالثة فجراً في 15 أيار، وفي طريقنا تناهت الى سمعنا، عند الخامسة صباحاً، أصداء دويّ المدافع من الجولان حتى الناقورة. انه التاريخ الذي يعيد نفسه من جديد. وقد بدأت حقبة جديدة في بلاد الأنبياء. كان المقدم السوري أديب الشيشكلي، الذي سوف يصبح قريباً ربيب الانقلابات العسكرية ورئيساً لاحقاً للجمهورية قد شكل فرقة متطوعين، وقد جاء في 5 أيار ليقابل العميد أول شهاب ويُطلعه على أمر انشاء فرقته والمهمة الموكولة اليها. ووفق تحركات فرقته كان لا بد له من دخول الأراضي اللبنانية والخروج منها من حين الى آخر، فطلب الاستعانة بضابط لبناني ليساعده في هذه المهمة ويؤمن في الوقت نفسه دور ضابط ارتباط بين فرقة الشيشكلي والجيش اللبناني الموجود على الجبهة. من بين الضباط الذين تطوّعوا للقيام بهذه المهمة، اختارت القيادة اللبنانية الملازم أول محمد زغيب، نظراً لحيويته وجرأته، وهو من يونين البقاعية، ومن عائلة صهرتها الحياة القاسية والنزاع القبلي المألوف بين أبناء المنطقة. كانت فرقة الشيشكلي تضم ثلاثة آلاف مقاتل. فأقام مقر قيادته بادئ الأمر في عيترون الواقعة على الحدود اللبنانية، وهو الذي سيبادر، منذ ساعات 15 أيار الأولى، الى مباشرة العمليات العسكرية على هذه الجبهة، في منطقة المالكية. وقد اصطدم الملازم أول زغيب، على رأس مفرزة من المتطوعين تضم مئة عنصر، حوالى الظهر، بقوة اسرائيلية تفوقه تعزيزاً كانت تحاول التقدم من المالكية في اتجاه مارون الراس. وما كادت تمر أربع ساعات على اندلاع الاشتباك وتبادل اطلاق النار حتى أصيب زغيب في الرابعة والنصف من بعد الظهر برصاصة في بطنه، وكانت اصابته بليغة ما استوجب نقله على جناح السرعة الى مستشفى الدكتور الخليل في صيدا حيث أجريت له على الفور عملية جراحية لاستئصال الرصاصة. وفي ساعة متأخرة من الليل ذهبت الى المستشفى لأطمئن الى حالته بعد اجراء الجراحة، فلم يُخفِ عليّ الطبيب الجراح قلقه وتخوّفه من المضاعفات المحتملة التي يمكن أن تنتج عن التهاب محلي او عام نتيجة الاصابة. وعندما أفاق زغيب من تأثير المخدر، وجدني الى جانب سريره، ويبدو أنه كان يعي خطورة وضعه. فابتسم ابتسامة واهنة وهمس بصوت خافت: »كيف حال زوجتي؟«. الواقع أن زوجته، كانت فجر ذلك اليوم بالذات، قد وضعت طفلة. وعندما طمأنته الى صحتها وصحة المولود، أضاف قائلاً: »أوليست مصيبة، أن يحصل المرء على ابنة ورصاصة قاتلة في اليوم نفسه؟! ليتني أموت تاركاً صبياً، لكان عزائي في أن ذريتي ستحفظ نسلي«. لقد ظل هذا الضابط الشاب يقاوم الموت على مدى خمسة أيام، إلا أنه تُوفي في 21 أيار متأثراً بجروحه. حادثة اللبونة طوال فترة المعارك، كنت لا أنفك أتنقل باستمرار بين مركز قيادة الجبهة في عيترون والأركان في بيروت. وفضلاً عن ذلك، كنت أؤمن الارتباط بين الجبهة ورئاستَي الجمهورية ومجلس الوزراء انتهاءً بوزارة الدفاع.
ان حادثة »اللبونة« التي استجدت في 24 أيار، جعلتنا في بيروت في حال استنفار. وقد انتقل على أثرها رئيس الجمهورية في ذلك المساء الى قيادة الجيش حيث مكث في مكتبي حتى منتصف الليل ليتتبع سير العمليات العسكرية لحظة بلحظة. كانت المدفعية الاسرائيلية قد فتحت نارها، ذلك اليوم، على مواقعنا في اللبونة. وأشارت مراكزنا الى حصول تسللات كبيرة من جانب القوات المعادية عبر التلال المواجهة لجبهتنا. فأصدر قائد الجيش أمراً بتطبيق خطتنا الدفاعية: رمايات لشل نار العدو وأخرى لوقف تقدمه. استمر تبادل القصف المدفعي طيلة أربع ساعات، من السابعة مساءً حتى الحادية عشرة ليلاً، حتى أمكن التصدي لزحف العدو ووقفه حيث وصل. وفي اليوم التالي، لاحظ مركز المراقبة على بُعد أربعمئة متر من خطنا الأول، حركة محمومة من جانب المسعفين الذين يبحثون في أرض المعركة عن جثث قتلاهم أو الجرحى الذين لم يتمكنوا من رؤيتهم خلال جولتهم الليلية. وقد أثبت ارتفاع عدد الضحايا أن العدو كان ينوي القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق من أجل هدف معيّن. لعل الاسرائيليين توقعوا نجاح هجومهم المباغت، تحت جنح الظلام، اعتقاداً منهم بأن القوات اللبنانية ليست مدربة بعد ولا تمرست على القتال الليلي؟ لم يسقط في صفوفنا قتلى، وإنما أصيب ثلاثة جرحى بشظايا قنابل. في 26 أيار، قصدت »اللبونة« لأقابل الملازم أول انطون سعد قائد هذه النقطة، فروى لي تفاصيل الهجوم على الطبيعة. ثم انتقلت الى عيترون لألتقي قائد الجيش.
فعرفت منه أن المعلومات التي وصلت اليه تدل على أن العدو لن يكتفي بالبقاء منتظراً ومراقباً الجبهة اللبنانية، بل ان عمليات عسكرية مثل تلك التي حصلت في »اللبونة«، قد تنقض بصورة مفاجئة على النقاط الحساسة من الجبهة هذه. وإزاء هذا الوضع ارتأى العميد أول شهاب أن موقع عيترون لم يعد آمناً وصالحاً كمقر عام للقيادة. فطلب إليّ أن أجد موقعاً آخر خلفياً ليركز فيه مقر قيادته. اخترت تبنين، وفي اليوم نفسه، نُفذ الانتقال. وحسناً فعلنا. فبعد يومين كانت المفاجأة المزعجة، اذ أقدم العدو على محاولة جديدة لخرق جبهتنا. في 28 أيار، شن العدو هجوماً واسع النطاق على موقعنا في عيترون بهدف قطع نقطة الاتصال بين قطاعينا الحدوديين، حيث فاجأ فعلاً كتيبة الفرسان المتمركزة فيها واضطرها الى اخلاء الموقع والانكفاء الى التلال المحيطة بتبنين من الجهة الجنوبية. وبالتالي فقد أصبحت بنت جبيل، وهي البلدة الأساسية في المنطقة، مكشوفة. والمعروف أن نقاط الوصل بين تشكيلين مجاورين على الجبهة، شكلت دوماً نقاط ضعف في الجهاز الجبهوي العام. كان قائد الجيش موجوداً في مرجعيون عندما تبلغ محاولة الخرق التي قام بها العدو. فاستنتج من المعلومات التي تجمعت لديه أن امكانات العدو الحالية لا تسمح له بالتوغل الى عمق هذه المنطقة، ما سيجعله مكتفياً باحتلال عيترون والتمركز فيها. وبالفعل فقد توقف تقدم العدو عند هذا الحد. رأى قائد الجيش، ان من الحكمة ألا يترك المجال أمام العدو لتحسين موقعه الجديد، فأصدر أمراً الى كتيبتي الخيالة للمباشرة فوراً بشن هجوم مضاد لطرد الاسرائيليين من عيترون واستعادة الأرض التي احتلوها لتوّهم. وهذا ما حصل فعلاً بعد يومين أي في 30 أيار. في الطرف الشرقي من جبهتنا، على الطريق المؤدية من مرجعيون الى بانياس في سوريا، ثمة جسر صغير في منطقة تدعى »ابو زبلة«، على مرمى حجر من الحدود السورية. وهذا الجسر كانت تحميه فصيلة بإمرة الملازم أحمد عرب، وهو شاب طرابلسي كنت قد سهلت العام 1944 دخوله الى المدرسة الحربية. في أول حزيران، كان العدو قد أعد هجوماً على هذا الجسر كي ينفذه ليلاً. فسمع الخفير اللبناني، المتمركز على مسافة مئة متر أمام الجسر من جهة العدو، صوت تحركات مشبوهة وهمسات وحفيف أوراق يابسة. فأخطر الفصيلة بالطريقة المتفق عليها. وفوراً أمر الملازم عرب، الذي كان ساهراً قرب رامي السلاح الأوتوماتيكي، بأن يبادر الى اطلاق النار حالاً طبقاً لخطة النار المرسومة. وعوض أن يفاجئنا العدو، اذا به يُفاجأ تماماً. وقد جرى تبادل اطلاق نار كثيف بين الطرفين، إلاّ أن رمايات العدو لم تكن أكثر من تأمين الغطاء لتراجعه. وقد ساعده على ذلك حلول الظلام.
ومع ذلك، فقد وقعت في صفوفه بعض الإصابات اذ كان مقاتلوه قد وصلوا الى بعد أربعين متراً من مركز خفيرنا. وقد لاحظنا في اليوم التالي آثار دماء على الأرض ووضعنا يدنا على بندقيتين وجعب ذخيرة وخراطيش فارغة. عيترون المالكية كانت خطة الجيوش العربية تقضي بشن هجمات خاصة ومحلية، تنفذها في الوقت المناسب وبأمر من قادتها المباشرين. فاختار قائد الجيش اللبناني منطقة عيترون المالكية، المنفذ الموصل الى الجليل، للقيام بهجوم يكون بمثابة الرد الأفضل على الفشل الذي منينا به على يد العدو في عيترون نفسها في 28 أيار. جرت دراسة الخطة الموضوعة لتنفيذ هذه العملية في الأركان منذ أول حزيران وتقرر أن يكون الهجوم في 5 حزيران، وكان الهدف من هذه الخطة شن هجوم لاحتلال المالكية، ذات الموقع الاستراتيجي، والتي تشكل حاجزاً منيعاً على جبهة منطقة الجليل. كانت كتيبة القناصة الثالثة، بقيادة المقدم جميل حسامي، تشكل قطعة المشاة الأساسية التي يرتكز عليها هذا الهجوم، تدعمها بطارية مدفعية بإمرة الملازم أول هنري شهاب وسرية دبابات بإمرة النقيب فؤاد لحود وكتيبة فرسان وفصيلة هندسة. بدأ هذا التشكيل تحركه فجر الخامس من حزيران، واستمرت المعركة 48 ساعة. وبعد ظهر اليوم التالي كانت جبهة العدو في هذا القطاع قد اخترقت وسقطت المالكية في أيدي قواتنا. هذه العملية العسكرية كانت الوحيدة التي استطاع الجيش اللبناني تنفيذها قبل وقف الأعمال الحربية في 11 حزيران، وحقق فيها نجاحاً يستحق الإعجاب بقدراته القتالية واندفاعه في المعركة فضلاً عن كفاءة قيادتنا.
وكانت هذه المرة الأولى منذ الاستقلال التي تقدم فيها قوة محض لبنانية بقيادة لبنانية صرف على عمل عسكري على المستوى الوطني. ولقد كانت خسائرنا ضئيلة جداً قياساً على حجم المعركة التي لم يسقط خلالها سوى خمسة جرحى. ولولا حادثة أحد الجنود، الذي كان يتنقل ليلاً في حقل لم يجرِ استكشافه بعد فانفجر فيه لغم أودى بحياته، لما سُجلت حالة استشهاد واحدة. هذا كل شيء. ويبدو أن العناية الالهية كانت تقف الى جانبنا. في 10 حزيران، عشية وقف اطلاق النار، ذهبت الى مقر القيادة الذي أعيد الى سابق موقعه في عيترون. وهنا علمت أن رفاقنا السوريين الذين يسعون الى احراز نصر في الجليل على غرار النصر الذي حققناه، كانوا يستعدون لعملية ما في منطقة المالكية نفسها، وقد طُلب من بطارية المدفعية اللبنانية التي يقودها الملازم أول هنري شهاب أن تقوم بدعم تلك العملية. وبما أنه لم يُتح لي أن أكون على الجبهة خلال احتلال المالكية قبل خمسة أيام، فقد طلبت من العميد أول شهاب أن يفسح لي في المجال للمشاركة في ذلك الهجوم. فكلفني بمهمة تأمين الارتباط بين قيادة العملية السورية والجيش اللبناني. من عيترون الى المالكية، سلكت بفاصل خمسة أيام، طريق المعركة نفسها التي خاضتها قواتنا مع العدو في 5 حزيران، انطلاقاً من منفذ عيترون الجنوبي وحتى المالكية ضمناً. وخلال سيري على هذه الطريق رأيت آثار المعركة بادية عليها. كانت أرض المعركة أشبه بحقل منخفض ومُسطح تشرف عليه تلال المالكية. وعندما وصلنا الى المرتفعات الأولى، دلّني النقيب جورج صوايا الذي كان يرافقني، على حصن صغير يشرف على الطريق، وأخبرني أن الحظيرة القتالية المتمركزة فيه لم تكن تتعدى ستة جنود، بينهم امرأتان، علماً بأن العدد الأساسي للحظيرة هو عشرة جنود بإمرة صف ضابط، وقد كان هذا المركز يفتح النار برمي مركّز على محور الطريق حتى حدود مرمى سلاحه. وفهمت منه أن هذا الحصن الصغير قد أصيب بقذيفة مدفعية أطلقها الجيش اللبناني نفذت من إحدى فتحاته وانفجرت في داخله. ولدى وصول عناصر الجيش اللبناني اليه وجدوا فيه خمس جثث وامرأة تئن من إصاباتها البالغة، فنقلتها سيارة اسعاف الى مستشفى في صيدا. بلغت المالكية حوالى الظهر، واتجهت نحو مركز قيادة القوات السورية المتمركزة في المنطقة. رأيت من بعيد، على أكمة، مجموعة من الضباط بدا من تحركهم وحركاتهم أنهم يتفحصون الأرض امامهم ويدرسونها. فانضممت اليهم، وكان بين هؤلاء الفريق طه باشا الهاشمي، القائد الأعلى للقوات العربية المتحدة والمقدم السوري طالب داغستاني، رفيقي السابق في المدرسة الحربية والنقيب أحمد العظم، تلميذي السابق في المدرسة عينها. وهو نفسه الذي كان ينوي ترك المدرسة بعد القيود التي أدخلها عليها الجنرال هنتزيغر، ثم عاد عن عزمه بعدما أثنيته عن قراره. كانت مجموعة هؤلاء القادة العسكريين تقف على أكمة صغيرة جنوبي المالكية تشرف على منبسط فسيح تحده جنوباً قريتا هراوي وقَدَس القائمتان على تلتين وقد احتلهما الاسرائيليون وعززوا تحصينهما.
كان الفريق هاشمي يستفسر من المقدم داغستاني عن تفاصيل العملية التي أمره رؤساؤه بتنفيذها قبل نهاية النهار. وكانت العملية تقضي بشن هجوم سريع ومفاجئ على معقل هرّاوي لتحريره من الاسرائيليين قبل حلول الظلام واحتلال هذا الموقع المنيع في اليوم الأخير من المعارك قبيل تطبيق الهدنة التي قررتها الأمم المتحدة في الغد. وهكذا تبقى كل المواقع المنيعة شمالي الجليل في قبضة العرب لاستعمالها ورقة ضاغطة على طاولة المفاوضات قبل التوقيع على معاهدة الهدنة ولإبقاء تلك المقاطعة الجميلة داخل الأراضي العربية. كُلّفت بطارية المدفعية اللبنانية التي يقودها الملازم أول هنري شهاب، بالاعداد للهجوم ودعم تقدم القوات المهاجمة والمؤلفة من تشكيل يضم كتيبة مشاة معززة، كتيبة خيّالة، فصيلة هندسة ومفرزة اشارة. حددت ساعة الصفر عند الثانية بعد الظهر. وكان لا بد، في أي حال من الأحوال، من انهاء هذه العملية قبل حلول الظلام، لأن وقف اطلاق النار الذي أعلنته الأمم المتحدة يسري اعتباراً من منتصف الليل. وبانتظار لحظة الهجوم، ومغادرة الفريق الهاشمي المكان ليشرف على عملية أخرى أبعد جنوباً، استبقاني داغستاني لأشاركه الغداء، وهو غداء بسيط جلسنا نتناوله على العشب.
وكان الحديث بطبيعة الحال يدور حول الهجوم الذي سوف يشنه بعد قليل. طرحت عليه بعض الأسئلة فلم يستطع الإجابة عنها بل حاول التملص منها، ذلك أن العملية قد خطط لها وتقررت على عجل في صبيحة ذلك اليوم نفسه. كانت الوحدات المهاجمة قادمة من مكان بعيد وركزت فوراً في المكان المحدد لانطلاقها ولم يكن لديها الوقت الكافي لاستطلاع الأرض ولا العدو فلا عرفت عدد مدافعه ولا أنواع أسلحته. وبما أنه لم يحصل أي استكشاف أو أي جمع للمعلومات، فإن الهجوم المنتظر سوف يواجه موقعاً يجهل قدرته الدفاعية وقوة حاميته تماماً. وفضلاً عن ذلك، كانت القوة السورية المهاجمة تفتقر الى الدبابات وحتى الى المصفحات الرشاشة، أما المدفعية فليست كافية، اذ لا يمكن لبطارية واحدة ان تُسكت المدفعية المعادية، ما يعني أن كل قوة نار العدو سوف تُصب على المشاة والخيّالة المهاجمة. أضف الى ذلك أن مسيرة الاقتراب سوف تتم في وضح النهار وهي مكشوفة في منخفض مسطح أجرد ومعرض لكل نيران العدو وعلى مرأى منه. عدا عن أن الهجوم الجبهي الذي لا يلحظ التخطيط لأي عملية تسلل أو حركة التفاف هو عموماً خطِر ومكلف، اذ يسهل للعدو أن يركز كل قوته النارية على المهاجمين الذين يتقدمون مكشوفين لا تغطيهم مجموعات مدرعة او طائرات.
حتى أن الحقل الخالي من التضاريس لم يكن ليُسهّل زحف المشاة والفرسان في عرائه. اذ سوف يبقون منذ بدء مسيرتهم وحتى لحظة وصولهم معرضين شر التعرض لكل أنواع المخاطر. لقد استندت في ملاحظتي هذه الى المعطيات العملية والواقع على الأرض والى الظروف القتالية. أما العدو فحساباته مختلفة. اذ كانت خطته تقضي بأن يبقى مختبئاً تماماً، بحيث لا يبدو له أي أثر طيلة مسيرة الاقتراب، الا عندما تبدأ القوات المهاجمة بتسلق المنحدر المؤدي الى تحصيناته. ثلاثة عوامل ثلاثة عوامل سهّلت نجاح العدو في خطته نجاحاً تاماً: 1 تعب المهاجمين، اذ كان عليهم اجتياز المنطقة الخالية من المتقاتلين سيراً طيلة ثلاث ساعات في أشد ساعات بعد الظهر حراً من شهر حزيران الحارق. فتصل هذه القوات منهكة القوى أمام موقع العدو. 2 صعوبة التسلق للوصول الى مواقع العدو المنتشرة على تلة مستطيلة الشكل وبالغة التحصين ومقفلة على امتداد المنحدر بصفوف عديدة من الأسلاك الشائكة، بحيث عندما يبلغها المهاجمون سوف يجدون أنفسهم عاجزين عن التقدم ومسمّرين طوال الوقت الذي تستغرقه عملية فتح ثغرات للعبور، ما يترك هامشاً كافياً من الوقت امام المدافعين ليقذفوا المهاجمين برمايات عمودية ومركزة محورياً ويوقعوا في صفوفهم مجازر بقذائف الهواوين والقنابل اليدوية، وبذلك يكون الهجوم قد صد كلياً والعملية باءت بالفشل. 3 مفاجأة الرد. اذ لن يفتح العدو النار إلا في وقته المناسب. وهو ما حصل فعلاً. فعندما وصلت الطليعة أمام الاسلاك الشائكة توقفت، وتابع سائر أفراد التشكيل المهاجم تقدمه، وجاء الجميع ليلتصقوا بالخط الأول اعتقاداً منهم بأنهم يستطيعون الاحتماء بمنحدر التلة من جهة، ويخرقون موقع العدو ويحتلونه قبل حلول الليل من جهة أخرى. إلا أن أحداً لم يشعرهم بالحاجز الفعلي الذي تسمرت أمامه الطليعة. كما أن أحداً لم يُعر انتباهه لهذا الصمت الرهيب والغريب الذي خيّم على جانب الموقع المعادي، وهو ما حيّر داغستاني وحرت معه. كانت بطارية مدفعيتنا قد أطلقت رمايات منتظمة تحضيرية للهجوم ثم طلقات متقطعة تسهيلاً لتقدم القوات العربية، غير أن العدو لم يرد ولم تصدر عنه أية حركة أو أي أثر ينم عن وجوده. في لحظة من اللحظات، التفت داغستاني نحوي قائلاً: »ألم أؤكد لك أن لا أحد في الهرّاوي؟!« فنظرت اليه نظرة ناضحة بالشكوك وأجبته بالحرف الواحد: »كنت أفضل لو كان هناك أحد وخصوصاً لو ظهر هؤلاء في وقت أبكر!«. كانت تخوفاتي الأولية تزداد حدة. فالعملية، من أساسها، بدأت بشكل خاطئ وكيفما اتفق. وعندما لفتّ نظر داغستاني الى الثغرات القائمة في هذه العملية غير الموزونة بدقة والتي تفتقر الى المنطق، اعترف عندها بأن هذا الهجوم قد خطط وقرر على عجل. مع أن جميع السلطات العسكرية، عبر الدوائر التراتبية العالية، كانت تعتبر العملية بمثابة نزهة. ثم أضاف داغستاني: »وها نحن نلاحظ الآن أنهم كانوا على حق، لأن موقع العدو الذي يشغلنا هو على ما يبدو مهجور أو شبه مهجور أي ضعيف«. ما كاد داغستاني يُنهي كلامه حتى انفجر فجأة بركان هائل من جميع الأسلحة: مدافع، مدافع هاون، قنابل، أسلحة اوتوماتيكية. واشتعلت جبهة العدو على نحو مفاجئ وانهال على الخطوط السورية وابل من القذائف وكتل هائلة من الشظايا. ومن موقعنا المراقب كنا نرى بوضوح، بالمنظار، هذه الشظايا وحطام الصخور المتطايرة وأحياناً أشلاء الاجساد المتناثرة في الهواء بفعل الانفجارات وتحت ضغط القذائف. وعلى خط النار، انبطح الجميع أرضاً في وضع اتقائي.. رنّ جرس الهاتف، فإذا بالنقيب قائد التشكيلة الهجومية، يتصل ليطلعنا على الوضع ويؤكد لنا خطورته. فالهجوم قد شُل تماماً والخسائر جسيمة، وبين الضحايا الملازم أول خاني، قائد الطليعة. يسألنا النقيب: »ما عساه يفعل الآن وقد استحال أي تقدم، وحتى أي تراجع، لأنه سيعرض المقاتلين لنار العدو حيث لا تزال قوية وفتاكة. فنظر إليّ داغستاني وكأنه يتوقع مني حلاً لهذا المأزق. كنت قد سمعت بوضوح عبر سماعة الهاتف صوت النقيب، قائد التشكيلة الهجومية، وهو يشرح الوضع مفصلاً. بما أن لا تعزيزات لديكم ولا مجال لأي عملية التفاف أو استعانة بالطيران، قلت له، ان الهجوم المقرر بات مستحيلاً. عليكم سحب عناصركم من هذا الأتون بأقل قدر من الخسائر«. كيف يمكن الانسحاب عملياً وسط هذا الجحيم من النار؟ سأل المقدم داغستاني؟ قل لمرؤوسك ان المدفعية الصديقة سوف تفتح نيرانها التحييدية على موقع العدو كله، وعليه أن يختار الوقت الملائم للتراجع. وقد يكون الوقت الأفضل مثلاً تحت غطاء الظلام. لا بد من الانسحاب من هذا المأزق ومغادرة المنطقة الخطرة بأسرع ما يمكن. هذه الحملة كانت باهظة الثمن، اذ ألحقت في مدى ساعتين خسائر فادحة بقوات الرفيق داغستاني من دون أن تخوض أي معركة. وقد أسفرت هذه المغامرة عن مقتل ضابط واحد وجرح اثنين آخرين فضلاً عن سقوط عشرين رتيباً وجندياً بلا طائل ونقل أربعين جريحاً مع هبوط الظلام!. والمؤسف في القضية أن تنتهي على هذا النحو لأنه بعد خمس ساعات سيُعلن عن وقف المعارك. هجوم العدو المضاد كان فيلق الملك عبد الله قد وصل الى مشارف اللدّ، والمصريون على مقربة من بئر السبع. والعراقيون قد احكموا قبضتهم على مجدّو المطلة على حيفا، والسوريون في قلب الحولة، والقاوقجي احتل صفد وتخطى حدودها، فيما احتل اللبنانيون موقع المالكية الحصين وأصبحت قدس في متناولهم. أما على الساحل فباتت نهاريا والذيب تحت مرمى مدفعيتهم.
إلا أن الهجوم المضاد الذي أعدت له القوات الصهيونية بسرية تامة قلب الموازين لمصلحتها في الوقت الذي شهدت فيه القوات العربية بعض الاسترخاء بعدما اطمأنت الى أن منظمة الأمم المتحدة تبحث جدياً في مشروع وقف اطلاق النار. فقد نجح هذا الهجوم الصهيوني في كسب معظم الخطوط التي كانت الجيوش العربية قد احتلتها إبان تقدمها الصاعق في بدء الحملة. وعندما فرضت الأمم المتحدة قرار وقف النار، اعتباراً من 11 حزيران، كانت القوات الصهيونية قد استعادت أكثر من نصف الأراضي التي احتلتها القوات العربية سابقاً. والهدنة التي قررتها منظمة الأمم المتحدة، فرضت وقف اطلاق النار اعتباراً من 11 حزيران عند الثانية عشرة ليلاً، أما وقف الأعمال العسكرية ففي 18 تموز 1948. وصل مراقبو الأمم المتحدة الى مطار بيروت في اليوم نفسه، فكُلّفت باستقبالهم وتوزيعهم في اليوم التالي على خطوط الجبهة حيث سيقومون بمراقبة وقف النار، بانتظار أن يتم التوقيع في رودس على هدنة بين المتحاربين. أخذت الشائعات تروج عن احتمال تنازل العرب عن بعض المناطق التي احتلوها لمصلحة اسرائيل التي تطالب بها، تؤيدها في ذلك الأمم المتحدة التي بدت ميّالة الى هذا التنازل. وبالنسبة الى لبنان، يبدو أن المالكية ستكون في عداد المناطق التي سيتم التخلي عنها للدولة الجديدة التي أنشئت على الأراضي العربية! هكذا وُلدت اسرائيل، عن طريق الاحتلال واغتصاب الأراضي، وبلغت مساحتها 24 ألف كلم، أي ما يعادل مرتين ونصف المرة، مساحة لبنان! في 15 أيار 1948 وقف بن غوريون، أول رئيس وزراء اسرائيلي، في حرم الكنيست (البرلمان الاسرائيلي) ليعلن قيام الدولة العبرية: اسرائيل. وفي 16 أيار، اعترفت الولايات المتحدة الاميركية بالدولة الجديدة وتبعها في اليوم التالي، أي في 17 أيار، الاتحاد السوفياتي، وكان السوفيات، منذ أيار 1947 (قبل سنة) قد أصروا على إنشاء دولة صهيونية في فلسطين وأقروا تقسيم هذه الأرض العربية بين اسحق (اسرائيل) واسماعيل (العرب).
وفي جلسة الأمم المتحدة المنعقدة في 21 أيار 1948، أعلن المندوب السوفياتي أندريه غروميكو من على منبر هذه المنظمة العالمية، أن بلاده تدعم كل حركة تحرير وطنية تنشأ في العالم. وبما أن مطالبة اليهود بوطن لهم في فلسطين تشكل حركة تحرير، فلا يسع الاتحاد السوفياتي إلا أن يؤيد هذا المطلب ويشجع على تحقيقه. إن وجود اسرائيل في الشرق كان نتيجة واقع فرضته قسراً منظمة الأمم المتحدة أكثر مما كان نتيجة أفرزتها أحداث عسكرية. إنه بالأحرى هزيمة سياسية للعرب الذين سوف يقومون من الآن وصاعداً بصراع مستمر وضارٍ وصلب على كل الجبهات السياسية والعسكرية والاقتصادية والجغرافية وعلى الأخص القومية مع الدولة العبرية الدخيلة. النازحون إلى لبنان عيّنت منظمة الأمم المتحدة في 20 أيار 1948 الكونت فولك برنادوت وسيطاً في النزاع العربي الاسرائيلي القائم. إلا انه بسبب اتهامه بالانحياز الى العرب، اغتيل في 13 تموز 1948 في القدس على يد ارهابي صهيوني من منظمة شتيرن. انتهت حرب 1948 بخسارة فلسطين وتكريس الوجود الاسرائيلي على الأراضي العربية بمباركة الأمم المتحدة. إلا أن هذه الحرب أفرزت مشكلة أدهى وهي مشكلة النازحين الفلسطينيين الى مختلف البلدان العربية. فقد استقبل لبنان وحده مئة وسبعين ألف لاجئ قدموا من الجليل، ما اضاف الى عدد سكانه الاصليين والبالغ مليوناً ومئتي ألف نسمة 14 في المئة دفعة واحدة. وقد أدى هذا الدفق الهائل من الفلسطينيين الى إحداث خلل ديمغرافي وفي التوازن الطائفي سوف يؤثر سلباً في ما بعد على استقرار الوضع السياسي، ولا سيما بعدما يتعدى عدد اللاجئين الفلسطينيين، بعد نحو عشرين عاماً، نصف مليون نسمة. هذه الهجرة الضخمة لشعب بكامله من مسقط رأسه في اتجاه البلدان المجاورة لن تلقي بثقلها إلا على لبنان، الذي باستقباله هذه النسبة الهائلة من العناصر غير اللبنانية سوف يتزعزع توازنه القومي وتحلّ عليه مأساة فظيعة، هددت في مرحلة ما، كيانه ووجوده ومصيره. ومع ذلك، فلدى تدفق اللاجئين العام 1948، ألقى الرئيس اللبناني بشارة الخوري، في 20 أيار 1948، خطاباً ترحيبياً بكل هؤلاء الفلسطينيين الذين بدأوا يتوافدون منذ 16 أيار على لبنان الذي فتح لهم صدره وأبوابه وقلبه. وبالفعل فإن جميع اللبنانيين بذلوا في هذه المناسبة جُلّ جهودهم لتأمين المساعدة والمأوى ووسائل العيش »لإخوانهم« الفلسطينيين. وفيما كان العرب ينصاعون لأوامر وقف النار، تابع الاسرائيليون اعتداءاتهم على السكان العرب ممارسين عليهم أقسى أنواع الارهاب والمجازر الجماعية، لدفعهم الى النزوح. وتدفق سيل اليهود من كل أقاصي الأرض وارتفع عدد السكان الاسرائيليين خلال تلك السنة من ستمئة ألف الى مليوني نسمة. وهو الرقم الذي كان هرتزل قد توقعه للأيام الأولى ولإسرائيل الصغيرة، بانتظار جمع سائر اليهود المشردين في العالم، وزرع ما يقارب ال15 مليوناً منهم في اسرائيل الكبرى التي يأمل أن تمتد من الفرات الى النيل. في 16 شباط 1949، انتُخب أول رئيس جمهورية للدولة الفتية: حاييم وايزمن. وعلى رغم أن الأعمال العسكرية كانت قد توقفت منذ 18 تموز 1948 وبرغم الضغوط القوية التي مارستها منظمة الأمم المتحدة والقرار (62) الصادر عنها بتاريخ 16 تشرين الثاني 1948، فقد استمرت المماطلات والتأجيلات والتحفظات بضعة أشهر، قبل أن تبدأ المفاوضات بين المتقاتلين على الأرض المقدسة. في بيروت، بدأت منذ مطلع العام 1949 لجنة التنسيق اجتماعاتها. وخلال تلك الاجتماعات، حاول العرب توحيد مواقفهم حول هدنة مشتركة مع دولة اسرائيل الحديثة العهد، إلا أن وجهات نظرهم كانت في الغالب متضاربة. وبرغم توصيات الأمم المتحدة المعلنة في 16 تشرين الثاني 1948 وجهود ممثل المنظمة العالمية المكلف بالتفاوض (الأميركي بانش)، فقد باءت هذه المحادثات بالفشل. أخيراً، استعادت كل دولة حريتها بالتفاوض المنفرد وتقرر ان يبحث في هدنات منفصلة. واختيرت جزيرة رودس لتلك اللقاءات الثنائية المتتالية. وقد افتتحت مصر تلك السلسلة من المحادثات مشكّلة نموذجاً يحذوه الآخرون وعنصر تشجيع لإبرام الهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة على البلدان العربية. فكانت بذلك مصر أول الموقّعين في رودس بتاريخ 24 شباط 1949، على أول هدنة عربية اسرائيلية. ثم ما لبث ان تبعها لبنان، الذي باشر مفاوضاته مع اسرائيل في أول آذار في رودس واستمرت حتى تم التوقيع عليها في 23 آذار 1949 في رأس الناقورة، عند الحدود التي تفصل لبنان عن اسرائيل، وقد حملت هذه الهدنة الرقم س/1269. وقد تمّ الاتفاق على أن يعود كل من الجيشين الى الأراضي التي كان موجوداً فيها قبل بدء العمليات الحربية. هكذا أخلى لبنان المالكية التي كان قد احتلها في 5 حزيران من العام السابق. وقد قاد المفاوضات عن الجانب اللبناني العميد توفيق سالم رئيس الأركان، يعاونه ضابطان آخران هما المقدم جوزف حرب والنقيب منير حمدان، ثم وقع الثلاثة معاً على اتفاق الهدنة. وكان موظف رفيع المستوى من وزارة الخارجية هو محمد علي حمادة يكمل حلقة الوفد بصفة مستشار.
أما الوفد الاسرائيلي فكان مؤلفاً من الكولونيل موردخاي مكليف ونياشمه بيلمان وشبطاي روزين. وكان الجنرال (Riley) ممثلاً منظمة الأمم المتحدة. … وحصل يوم التوقيع التباس طريف، اذ وقع العميد سالم في خانة المندوب الاسرائيلي ووقّع الأخير في خانة المندوب اللبناني. أما الأردن فقد وقع في 3 نيسان 1949 في رودس، فيما كانت سوريا آخر الموقّعين حيث تم التوقيع بينها وبين اسرائيل في 20 تموز 1949 في المنحدر الرقم (232) بالقرب من مهانيم في فلسطين وليس في رودس. كان الموقعون عن الجانب السوري، المقدم فوزي سلو والمقدم محمد ناصر والنقيب عفيف بزري.
**البحث في الأرشيف الكامل لجريدة “السفير”

Share