الكولونيل شربل بركات/حزب الله وإيران: الترتيبات النهائية

8

حزب الله وإيران: الترتيبات النهائية
الكولونيل شربل بركات/22 تشرين الأول/2025

بعد سنة تقريبا على استسلام حزب الله تحت الضربات الاسرائيلية التي أفقدته قياداته السياسية والعسكرية وعناصره المقاتلة التي كان يفاخر بها، ومنعته من اتخاذ أي مبادرة مجدية ما أدى إلى طلبه وقف اطلاق النار بدون شروط وقبوله بتسليم سلاحه واعطاء اسرائيل الحق بالتنفيذ إذا لم تقدر الدولة اللبنانية على ذلك، يبدو بأن الحزب واسياده في إيران قد استفاقوا من جديد وقرروا استعادة “حقهم” بما يسمونه مقاومة، لا بل بدأوا يتنكرون لتكليفهم الرئيس بري بقبول كامل الشروط. وها هم يضعون شروطا جديدة على الحكم ومن ضمنه الرئيس بري الذي يبدو ضائعا بين أن يكون رئيسا لمجلس النواب اللبناني فيتحلى بالحكمة وبعد النظر الشامل أو شريكا لحزب الله بقيادة الطائفة الشيعية المصادر قرارها فيرضخ للأبتزاز.

إيران، التي فقدت المبادرة بعد ضرب أذرعها وسقوط حليفها الأسد ما قطع طريقها نحو المتوسط، وبعد خسارتها مشروعها النووي في الهجوم الاسرائيلي المركز على الداخل الإيراني في حزيران الماضي، ها هي تحاول استعادة بعض التأثير في لبنان حيث أعتقدت بأنها زرعت مشروعا أبديا لمنبع لا ينضب من الموالين الذين ينفذون الأوامر صاغرين وبدون أي اعتراض؛ فمدارس المهدي وثقافة الولاء للأئمة في طهران ترسخت بشكل عميق بين أبناء الطائفة الذين تعوّدوا تنفيذها مقابل المكاسب العديدة التي أغدقها عليهم نظام الملالي من أموال الشعب الإيراني طيلة أكثر من اربعين سنة.

اعتقد الحزب يوم طالب بوقف اطلاق النار بأنه سيتلقى كما بعد حرب 2006 الكثير من المساعدات واعادة الاعمار للبنى التحتية والفوقية في الجنوب والضاحية فيتاجر بها ويستعيد هيمنته على الناس وبواسطتهم على البلد ومن ثم يعيد تجهيز نفسه، ولكنه فقد أولا سوريا والنظام الموالي فيها ما قطع عليه الطريق البري إلى العراق وطهران، ولم يبدِ أي من الأشقاء العرب حماسا للمساعدة طالما لم يلتزم الحزب بالمطلوب وهو تسليم سلاحه. وقد منعت إيران من الوصول إلى بيروت عبر المطار ما أوقف اعادة التمويل ففقد الكثير من التأثير. ولكنه، وبواسطة الرئيس بري، الذي اعتقد الجميع بأنه سيعرف كيف يقود الطائفة للخروج من الحلقة الإيرانية، عاد ليركب المركب الإيراني ويرفض تحميل الحزب المسؤولية، وبالتالي سقط هو الآخر في دوامة إيران بدل أن يقود الطائفة خارجها ويقدم مشروعا جديدا يخلصها من الخضوع للأئمة ويعيدها إلى لبنانيتها فتقود، بعد كل المعاناة ربما، مشروع السلام بين الجيران وتعيد بناء الجنوب الذي ينعم بالاستقرار والبحبوحة كمدخل اساسي للتعاون وكبوابة لبنان نحو المستقبل الذي سيفتح الطريق البري نحو الخليج العربي ومصر وأفريقيا عبر أراضي الجار الاسرائيلي.

حزب الله، الذي لم يقم لبنان بعد بتحميله المسؤولية عن كل الخراب والدمار، يحاول اعادة الكرة مرة أخرى لأنه لا يعرف أن يتعامل مع الغير إلا بهذه الطريقة. وبالتالي فهو مصمم على تجهيز ترسانته وتنظيم من تبقى من عناصره وتكرار التجربة. فهل ستقبل اسرائيل والعالم هذه المرة اعطاءه الوقت الكافي للاستعداد كما حصل بعد حرب 2006 ؟ أم أن الوضع اليوم لم يعد يحتمل التراخي أو الانتظار، وها هي حماس تتهاوى لتقع ضمن برامج الحلول الطويلة الأمد بعد خسارتها كل الأوراق. فهل سيكون مصير الحزب أفضل من مصيرها؟ أو أنه سيتلقى الضربة القاضية ليخرج من الملعب محملا ويحاكم من يدّعي قيادته على كل الشرور التي قام بها. فهو ليس أكثر من قاتل ومخرب لم يحرر شبرا من الأرض ولا حافظ على أي مكتسبات لا بل أخر الانسحاب الاسرائيلي من 1984 إلى 2000 وأفسد العلاقات مع العرب والغرب وقتل الزعماء والقادة وضرب الاقتصاد وهشّم الادارة وأعاد الطائفة قرونا إلى الوراء بأن جعلها مشروع تجنيد بخدمة الملالي لخراب الشرق الأوسط وبلاد العرب وافساد علاقاتهم مع المحيط؟

الشرق الأوسط الجديد يتمخض اليوم ليلد المستقبل الزاهر ولن يكون فيه أنظمة رجعية ولا بؤرا ينمو فيها الحقد. وسوف تفتح الحدود بين الدول ويعم الازدهار خاصة مع المشاريع العمرانية الكبرى كاعادة اعمار غزة وسوريا وجنوب لبنان وغيرها من المناطق المشتاقة للتقدم، وستفتح الطرق من الصين والهند جنوبا إلى اوروبا غربا وروسيا ووسط آسيا شرقا، وإلى شمال أفريقيا ووسطها عبر مصر فتعمر المدن ويكثر الانتاج ولا يعود التقاتل وسيلة للاثراء ولا التخريب والارهاب وسيلة للضغط، لأن مجالات العمل والانتاج كثيرة والقوانين التي ستسود واضحة والكل سينشغل بالعمل على اللحاق بقطار التقدم الذي سينقل البشرية إلى مرحلة جديدة وربما كواكب أخرى حتى من يدري؟…

نظام الملالي الإيراني ولقيطه حزب الله المحسوب على لبنان يسيران جنبا إلى جنب باتجاه الهوة العميقة التي لا يخرج منها حي، وهما سيقعان بدون شك في شر أعمالهما ويتلقيان ما يستحقان. ولكن ما ذنب اللبنانيين الأحرار الذين يحلمون دوما بالتلاقي والتعاون مع الكل في سبيل التقدم، ويرفضون الاتكالية وتجارة الأحقاد منذ أن طلب إيل من عناة “أن تزرع الحب بالأرض”. وقد جربها اللبنانيون منذ فجر التاريخ مع أفواج البحارة المغامرين حول المتوسط وإولئك المهاجرين إلى البلاد البعيدة بحثا عن الرزق بالجهد والعناء وبالتعاون مع الكل، ولم يعملوا مرة كما هو حال هذا الحزب واسياده بالتهريب والاتجار بالممنوعات، ولا هم دخلوا في عصابات القتلة وتجار الحقد، لأن نشر المحبة والانفتاح كانا شعارهم دوما وعرق الجبين كان الثمن الحقيقي لخبزهم اليومي، فلا هم تجنوا على أحد ولا هم علّموا أولادهم على الخمول والكسل وفرض الخوات، بل كانوا دوما محبوبين ومرحب بهم لأن أعمالهم تستحق التقدير وعلاقاتهم جديرة بالاحترام.

فعلى الأحبة من الشيعة اللبنانيين التوقف عن الحلم بعودة هذه الفئة الضالة لتزعّمهم ورسم مستقبلهم فهم سبب دمار بيوتهم وخراب مستقبلهم وخنقهم في دائرة من الحقد والخوف، وهم قادرون على انتاج زعامة جديدة لم تتمرغ بأوحال أموال الملالي ولا مشاريعهم، ولم تخضع لسيطرتهم ولا لنظرياتهم، ولتكن هذه الفئة مستعدة للقيام بمهمتها على أكمل وجه والتخلص من أدران هذا الحزب وأسياده واستعادة المبادرة عند الفلاحين والصناعيين والمثقفين المهاجرين منهم والكادحين بعيدا عن الذل في تراب الوطن يحافظون على علاقات الانفتاح والتسامح والعيش مع الآخر كما علمتهم هذه الأرض التمسك بالحرية قبل الثراء وبالعمل المنتج قبل التنعّم بالمكاسب الزائلة والغير معروفة المصدر ولا الهدف. فمآذن جبل عامل كانت دوما تصدح بعد التكبير والتوحيد بتقديس العمل “حيّ على الفلاح.. حيّ على خير العمل”. وليكن تفاهمكم مع الجار الجنوبي حول مستقبل العلاقات والتعاون المسؤول والجدي هو الحل لكل لبنان. فنتخلص من مبدأ الساحة المفتوحة لحروب الآخرين وكأن هذه الأرض ليس لها أصحاب وهي تؤجر لكل صاحب نظرية يريد تطبيقها على حسابنا ومستقبل أولادنا.

**اضغط هنا لدخول صفحة الكولونيل شربل بركات على موقعنا المنشورة عليها كل مقالاته وكتبه وتحليلاته
**Click here to access Colonel Charbel Barakat’s page on our website, where all his articles, books, and analyses are published

السيرة الذاتية للكولونيل شربل بركات
خبير عسكري، كاتب، شاعر، مؤرخ، ومعلق سياسي

*ضابط متقاعد من الجيش اللبناني
*متخرج من المدرسة الحربية ومجاز بالعلوم السياسية والادارية من الجامعة اللبنانية
*كلف كأحد الضباط لتنظيم الدفاع عن القرى الحدودية منذ 1976
*تسلم قيادة تجمعات الجنوب
*تسلم قيادة القطاع الغربي في جيش لبنان الحر وأصبح مساعدا للرائد سعد حداد ثم تسلم قيادة الجيش بالوكالة عندما مرض الرائد حداد واستمر بعد وفاته حتى مجيء اللواء أنطوان لحد فأصبح مساعده ثم قائدا للواء الغربي في جيش لبنان الجنوبي
*ترك العمل العسكري في 1988 وتسلم العلاقات الخارجية
*شهد أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مرتين
*كاتب سياسي وباحث في التاريخ له الكثير من الكتب والمقالات السياسية التاريخية والانسانية
نشر كتابه الأول “مداميك” (1999) الذي يحكي عن المنطقة الحدودية ومعاناة أهلها، ترجم إلى العبرية ونشرته معاريف (2001) والانكليزية (2012) Madameek – Courses – A struggle for Peace in a zone of war موجود على Amazon Books
*نشر كتابه الثاني “الجنوب جرحنا وشفانا” الذي يشرح الأحداث التي جرت في المنطقة بين 1976 – 1986
*الكتاب الثالث “Our Heritage” كتاب بالانكليزية يلخص التراث اللبناني مع رسومات لزيادة الاستيعاب موجه للشباب المغترب
*كتابه السياسي الثالث “لبنان الذي نهوى” (2022) جاهز للطبع
*كتاب مجزرة عين إبل 1920 وهو بحث تاريخي عن المجزرة التي ساهمت في نشوء وتثبيت لبنان الكبير
*كتاب “المقالات السياسية 2005 – 2013” مئة ومقالة منشور على صفحته
*كتاب “الشرق الأوسط في المخاض العسير” مجموعة مقالات سياسية (2013 – 2025)
*كتاب “العودة إلى عين إبل” بحث تاريخي بشكل قصصي عن تاريخ المنطقة بين 1600 – 1900
*كتاب شعر عن المعاناة خلال الحرب الكبرى 1914 – 1918 من خلال قصيدة زجلية نقدية جاهز للطبع
*كتاب “تاريخ فناء صور الخلفي” بحث تاريخي عن المنطقة الجنوبية – قيد الانجاز
*كتاب المقالات الانسانية وكتاب عينبليات قيد الانجاز

Share