لبنان وأزمة الانتماء لا النظام
شبل الزغبي/11 تشرين الأول/2025
لم تكن في لبنان يوماً أزمة نظام، فالنظام يمكن إصلاحه، بقدر ما كانت أزمة انتماء فهذا لا دواء له. فصيغة الحكم مهما اختلفت لا تصنع دولة إذا كان المواطن ممزق الولاء، والقيادة مرتهنة للخارج. فمنذ فجر الاستقلال، عانى لبنان من تيارات متناقضة الهوية: تيار عروبي هلل وانقاد لعبد الناصر، وتيار يساري -إسلامي تحالف لفتح الأبواب أمام السلاح الفلسطيني، ثم جاء عهد الولاء للاحتلال السوري الذي صادر القرار الوطني وأخضع مؤسسات الدولة لإملاءاته.
حتى الذين يرفعون اليوم شعار الفدرالية الطائفية، يقعون في المأزق نفسه، لأن بعض الطوائف لا تزال ترتبط بولاءات خارج الحدود، سياسية أو دينية أو مالية لا ترى لبنان أصلاً ملجأ لها.
أما دعاة الطائفية المقوننة، الذين يزعمون أن كل طائفة يجب أن تأتي بـ”أفضل ما عندها”، فإن الواقع اللبناني أثبت أن ما يُقدَّم لنا ليس إلا أسوأ ما في تلك الطوائف، من زعماء متآمرين إلى فاسدين يستغلّون المذهب ستاراً لنهب الدولة. فـ”وجه السحّارة” الذي نراه اليوم ليس إلا الكعب المهترئ من نخبة انتهت صلاحيتها الوطنية والأخلاقية.
بدأ الانحدار الفعلي في لبنان عام 1969، عندما تنازلت الدولة عن سيادتها للفلسطينيين يوم وقع قائد الجيش بإشراف رئيس الجمهورية، المارونيين، تحت الضغط أو تخاذلاً، اتفاق القاهرة المشؤوم، لتتحول أراضي الجنوب إلى ساحة مفتوحة لصراعات الآخرين. من هناك بدأت مسيرة الانهيار: دولة عاجزة متآمرة، جيش مكبّل، وطبقة سياسية تهرب من المسؤولية الوطنية لتتوسّل حماية الخارج. لم نبنِ دولة مؤسسات، بل منظومة محسوبيات، فساد، وتوريث سياسي تحت عباءة الطوائف.
اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن على ذلك التنازل،وما عانينا من حروبه وكوارثه ما زلنا أسرى “الدولة العميقة” نفسها: زعماء طوائف، مليشيات مالية، ومحاكم تخضع للمصالح لا للعدالة. لم نتعلم من الماضي لأن الذين صنعوا المأساة لا يزالون يتحكمون بالمصير.
لبنان لن ينهض بنظام جديد كما يعتقد البعض، بل بانتماء جديد — انتماء إلى الوطن قبل أي شيء، إلى الكرامة قبل الزعامة، وإلى السيادة قبل الشعارات